4 دقائق قراءة

اليوم الطبي في الركبان: مبادرة خجولة تعيد مأساة المخيم إلى الواجهة

إن افتتاح النقطة الطبية ليوم واحد في الركبان لا تلبي احتياجات المخيم، خاصة أنه تم معاينة 50 حالة مرضية من أصل 200 مريضاً يعانون من أمراض مزمنة كالقلب، والسكري، والضغط، والروماتيزم


7 فبراير 2022

باريس- لأول مرة منذ إغلاق النقطة الطبية التابعة لمنظمة “اليونيسيف” في الجانب الأردني من الحدود السورية- الأردنية، قبل عامين، حصل عشرات المرضى من قاطني مخيم الركبان، في 2 شباط/ فبراير الحالي، على رعاية طبية، ليوم واحد، من فريق طبي أميركي بدعم من التحالف الدولي.

وجاء افتتاح النقطة الطبية استجابة لمطالب سكان المخيم الصحراوي، الذين نظموا اعتصاماً مفتوحاً في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2021، مطالبين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في قاعدة التنف العسكرية القريبة من المخيم وجيش مغاوير الثورة، باعتباره سلطة أمر واقع، بحقهم في تلقي العلاج.

وعاينت النقطة الطبية “50 حالة مرضية، تم رفع أسمائهم بالتنسيق مع ممرضين يعملون في نقطتي تدمر وشام الطبيتين بالمخيم”، وفقاً لمدير المكتب الإعلامي في “جيش المغاوير”، عبد الرزاق الخضر، مشيراً لـ”سوريا على طول” أنه “تم تقديم أدوية لأهالي المخيم إلى جانب الخدمات العلاجية”. كما سيّر “جيش المغاوير عيادات متنقلة في كافة أنحاء منطقة الـ55 يومي 1 و2 شباط الحالي”، أي المنطقة التي تقع ضمنها قاعدة التنف.

وقدمت النقطة لأهالي المخيم “خدمات طبية بكافة التخصصات، كالعظمية والنسائية والأطفال والقلبية”، كما جاء في تصريح لقائد “جيش المغاوير”، مهند الطلاع.

لكن، رغم أن الفحوصات الطبية كانت على يدّ أطباء اختصاصيين، إلا أنها “اقتصرت على الفحص السريري من دون تحاليل طبية ومخبرية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، أبو محمود، 60 عاماً، الذي يعاني من التهاب المفاصل (الروماتيزم).

أزمة طبية مستمرة

في 18 آذار/ مارس 2020، أغلقت الأردن النقطة الطبية التابعة لـ”اليونيسيف”، كأحد الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)، وهي النقطة الطبية الوحيدة التي تقدم الرعاية الطبية لسكان المخيم منذ افتتاحها مطلع العام 2018، وعبرها يتم تحويل الحالات المرضية الحرجة لتلقي العلاج أو إجراء العمليات الجراحية في المشافي الأردنية.

ومع إغلاق نقطة “اليونيسيف” وجد سكان المخيم أنفسهم في مواجهة حصار طبي، إذ اقتصرت الرعاية الطبية على بعض الخدمات الإسعافية وعمليات التوليد الطبيعية التي تقدمها نقطتي تدمر وشام الطبيتين، يشرف عليهما عدد من الممرضين من دون وجود أي طبيب، ما يعني حرمان أصحاب الحالات الطبية الحرجة أو من يحتاجون تدخلاً جراحياً من تلقي العلاج.

لذلك، فإن افتتاح النقطة الطبية ليوم واحد في الركبان لا تلبي احتياجات المخيم، خاصة أن “عدد المصابين في المخيم بأمراض مزمنة، كالقلب، والسكري، والضغط، والروماتيزم، يصل إلى 200 مريضاً”، كما قالت القابلة حسنة المطلق، مديرة نقطة تدمر الطبية لـ”سوريا على طول”.

كذلك، لم يجرٍ الفريق الطبي أي عمل جراحي “لأصحاب الحالات الحرجة التي تتطلب تدخلاً جراحياً، ويبلغ عددهم 9 مرضى، غالبيتهم نساء وأطفال”، وفقاً للمطلق، كما لم يتم تزويد نقطة تدمر الطبية بالأدوية، بحسب المطلق، لافتة إلى أن آخر قافلة محملة بمواد طبية دخلت المخيم في شباط/ فبراير 2020، ضمن قافلة مساعدات إنسانية مشتركة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري.

ومع ذلك، فإن “الأهالي سعيدون بهذه المبادرة، ويتمنون استمراريتها”، كما قالت المطلق، معتبرة أن “المريض في الركبان أشبه بالغريق الذي يتعلّق بقشة، فحصوله على دواء مجاناً سيوفر عليه مشقة تأمين سعر شرائه بمبالغ كبيرة من صيدليات المخيم”.

تأكيداً على ذلك، قال أبو محمود، النازح في الركبان، أن “الدواء الذي حصلت عليه من النقطة الطبية كنت عاجزاً عن شرائه طيلة الستة أشهر الماضية، وهو ما زاد من تدهور حالتي الصحية”، إذ يصل سعر علبة الدواء في صيدليات المخيم “إلى 40 ألف ليرة سورية [11 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الحالي]، وهو مبلغ لا يمكنني تأمينه”، كما قال.

وبالنسبة لأسامة الحاج، 45 عاماً، النازح من مدينة الضمير بريف دمشق، وهو أحد المرضى الذين حصلوا على معاينة طبية، فإن “وجود فريق طبي متخصص في الركبان من شأنه أن يساعد المرضى على تشخيص حالتهم”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول”، أنه كان يعاني “من آلام في خاصرتي وأسفل بطني منذ عدة أشهر، ولم أعرف السبب، إلى أن تم تشخيص حالتي من قبل الفريق الطبي بوجود حصى في الكلى، وحصلت أيضاً على الدواء اللازم”.

البحث عن حلول جذرية

يعاني نحو 12,000 شخصاً في مخيم الركبان من ظروف إنسانية وطبية صعبة، نتيجة منع النظام دخول المساعدات الأممية الغذائية والطبية من الوصول إلى المخيم عبر دمشق، وكانت آخر قافلة تدخل المخيم في العام 2019.

لذلك، في سبيل حصولهم على العلاج، يخاطر عدد من المرضى بالخروج من مخيم الركبان إلى مناطق سيطرة النظام عبر مهربين، وبتكاليف قد تصل إلى 3000 آلاف دولار أميركي، بحسب ما ذكر مصدر في المخيم لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

وفي هذا السياق، قالت حسنة المطلق، أن “الأمن السياسي في مدينة حمص اعتقل، قبل شهرين، امرأتين قادمتين من الركبان لإجراء عملية جراحية ولم يعرف مصيرهما إلى الآن”، وهو ما أكدته مصادر أخرى في المخيم. وسبق للنظام أن اعتقل عشرات العائدين من مخيم الركبان في مراكز الإيواء التابعة له بمحافظة حمص.

وسط هذه الظروف، شددت المطلق على ضرورة إيجاد حلول آمنة ومستدامة للتخفيف من معاناة أهالي المخيم، بما في ذلك “الضغط على نظام الأسد لإدخال المساعدات الغذائية والطبية”، إلى جانب “دعم وجود نقطة طبية مفتوحة على مدار الساعة، بكادر طبي متخصص”. معتبرة أن “النظام لا يقصف المخيم كما يحدث في مناطق المعارضة الأخرى، لكنه يضع سكان المخيم في مواجهة الموت البطيء بحصاره الطبي والغذائي لأهالي المخيم، على مرأى عالم أصم أبكم”.

ويأمل سكان المخيم أن يلتزم التحالف الدولي وجيش مغاوير الثورة بوعودهم في معاينة حالات مرضية أخرى في المخيم في الأيام القادمة، إذ بحسب أبو محمود “تلقيت مع عدد من المرضى وعوداً من المسؤولين بإعادة فتح النقطة بشكل أسبوعي”.

شارك هذا المقال