7 دقائق قراءة

باحث سوري: الحاجة للانتقام باسم القبيلة ستصبح أكثر تعقيداً مع انسحاب تنظيم الدولة

في يوم الثلاثاء الموافق للخامس من أيلول، تمكنت قوات النظام […]


25 سبتمبر 2017

في يوم الثلاثاء الموافق للخامس من أيلول، تمكنت قوات النظام السوري من كسر حصار تنظيم الدولة لعدة أحياء خاضعة لسيطرة النظام في مدينة دير الزور، للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.

وجاء هذا التقدم بعد شهور من المكاسب التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في المناطق الشرقية، الغنية بالنفط في سوريا، وهي قلب مناطق سيطرة تنظيم الدولة في البلاد.

والآن، بدأت المعركة للسيطرة على باقي الأحياء الخاضعة لسيطرة التنظيم في مدينة دير الزور نفسها، ومن المرجح أن تستمر المعارك لفترة طويلة وصعبة، ففي سوريا والعراق، أثبتت “الجماعة المتشددة” قدرتها على خوض المعارك في المناطق الحضرية، في حين يحارب الجيش السوري على جبهات متعددة.

والحديث عن اليوم الذي يلي طرد التنظيم من المدينة لا يقل أهمية عن المعركة نفسها.

فعلى مر سنوات، تغلغل تنظيم الدولة في دير الزور، وشارك في النظام القبلي عميق الجذور في المنطقة، وشكل تحالفات استراتيجية مع بعض القبائل، بينما كان يهاجم ويقتل أفراد القبائل الأخرى، وسارت أنهار من الدم في المحافظة الواقعة شرقي سوريا.

يقول الدكتور حيان دخان، باحث سوري، متخصص في دراسة العلاقة بين الدولة والقبائل البدوية في سوريا منذ أواخر الفترة العثمانية إلى مرحلة الحرب الدائرة اليوم في البلاد، وحاصل على الدكتوراه من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا”في الفترة التي تلي هزيمة تنظيم الدولة، سوف تكون هناك فترة اقتتال من الصعب تجنبها للأسف”.

حيان دخان. تصوير: مركز الدراسات السورية.

ويناقش دخان العلاقة التاريخية بين قبائل شرق سوريا والدولة والتحديات التي تواجه المنطقة بعد هزيمة التنظيم.

ويقول دخان لمراسل سوريا على طول، أوراين ويلكوكس “إن الحاجة للانتقام باسم القبيلة هو جزء من التقاليد القبلية (…) وهذه المشكلة ستصبح أكثر تعقيدا مع انسحاب تنظيم الدولة”.

[انقر هنا لقراءة التقرير الكامل لسوريا على طول عن تنظيم الدولة، والمواجهات القبلية والخوف من الانتقام في شرق سوريا].

في البداية، لماذا ينبغي على من يتابعون عن كثب ما يجري في سوريا اليوم أن يهتموا بالديناميكيات القبلية؟

يعتقد الكثير من الناس أن أهمية الروابط القبلية في سوريا وأماكن أخرى قد ضعفت في السنوات الأخيرة بسبب مد العولمة وتمركز القبائل في المناطق الحضرية، وإلى حد ما، هذا صحيح.

مع ذلك، أدى انهيار الدولة شرقي سوريا إلى تعزيز هذه الروابط القبلية مرة أخرى، وبدأ كثير من الناس ينظرون إلى قبيلتهم كملاذ آمن، ومصدر للحماية، ولهذا السبب الانتماء القبائلي في سوريا اليوم أكثر أهمية مما كان عليه قبل الحرب عندما كانت الدولة قوية.

من الناحية التاريخية، ما هي العلاقة بين الدولة المركزية والقبائل السورية؟

من أجل فهم سياق ما يحدث الآن، من المهم أن نفهم كيف اختارت الحكومة السورية القبائل في الماضي، عندما جاء حافظ الأسد إلى السلطة، جاء هو نفسه من أقلية دينية، من الطائفة العلوية، لذلك أدرك أن العلويين لا يستطيعون حكم البلاد بأنفسهم، ولتعزيز السلطة سعى لكسب حلفاء من الطائفة السنيّة كانوا عموماً من الجماعات التي ينظر إليها أهالي المدن بازدراء، وهي القبائل البدوية التي تستوطن المناطق الريفية من البلاد.

فطالما أن للعلويين وجود قوي في الجيش وأجهزة الاستخبارات تحت حكم الأسد، يكون لأبناء تلك القبائل، وما يعرف بـ”الشوايا” الشيء ذاته.

وكلمة “شاوي” تأتي من حقيقة أن هذه القبائل رعت الأغنام والماعز في حين أن القبائل النبيلة رعت الجمال. القبائل النبيلة، بطبيعة الحال، تنظر نظرة دونية للقبائل الأخرى.

لذلك، أقام حافظ الأسد تحالفاً مع هذه القبائل الأخرى، التي سكنت المناطق الريفية في البلاد، وخاصة دير الزور، وعلى وجه التحديد، قبيلة العقيدات من دير الزور، والتي انضم عدد كبير من أفرادها إلى الجيش وأجهزة المخابرات.

والطريقة التي اتبعها النظام تقوم على تسليم العلويين مناصب الأمن العسكري، في حين تشغل الأقليات الأخرى: الدروز والإسماعيليين والمسيحيين مناصب في الأمن السياسي، أما الشوايا، أو رجال القبائل يخدمون في أمن الدولة.

وبطبيعة الحال، فإن العديد من رجال القبائل، وخاصة من دير الزور يتم ترقيتهم في الجيش أيضاً، وبالنسبة إلى دير الزور، شكلت فترة حكم حافظ الأسد مرحلة نمو اقتصادي وازدياد في نفوذ المحافظة، كما كانت فترة استقرار، وبعد اختيار الدولة للقبائل الشريكة، تراجع تأثير القبائل، كما تراجع الاقتتال القبلي.

وتغيرت هذه الآلية عندما جاء الابن بشار الأسد إلى السلطة، بدأ بشار بمتابعة الإصلاحات الليبرالية الجديدة، وركزت هذه السياسات الاقتصادية على تطوير دمشق وحلب والساحل السوري، في حين همشت المناطق الريفية مثل دير الزور.

وازداد عدد الاشتباكات القبلية خلال سنوات حكم بشار الأسد، ويرجع ذلك إلى تدهور الوضع الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى إلى ضعف نظم الرعاية التي تأسست بين حافظ الأسد والمجتمعات الريفية.

وخلال السنوات العشر التي سبقت الثورة (٢٠٠٠- ٢٠١٠) كانت هناك اشتباكات بين البدو والدروز في الجنوب وبين بعض قبائل دير الزور والأكراد في عام ٢٠٠٤، وفي الجزيرة [الحسكة] كانت هناك اشتباكات بين قبائل شمر والجبور، وكان في الواقع اشتباكاً كبيرا أدى إلى مقتل عدة أشخاص، واضطرت الحكومة لنشر عناصر من الجيش لإنهاء الاقتتال بين القبائل.

ونتيجة لكل ذلك، شعرت الأجزاء الريفية الشرقية في سوريا بالإهمال، لذلك، على سبيل المثال، خلال إعداد بحثي، قابلت عدداً من الناس من دير الزور، قالوا إنه بالرغم من امتلاك منطقتهم لاحتياطي نفط وفير، فإن ثرواتهم الاقتصادية انخفضت خلال فترة وجود بشار الأسد في السلطة، واستخدموا ذلك كتبرير لانضمام العديد من القبائل إلى الثورة ضد الأسد.

وعندما بدأت الدولة بالانسحاب من شرق البلاد، تحالفت العديد من القبائل مع بعض الجماعات الإسلامية التي نشأت هناك، وكان أحد هذه التحالفات هو بين قبيلة العقيدات وجبهة النصرة [المعروفة حالياً باسم جبهة فتح الشام]. وسلمت النصرة قبيلة العقيدات مسؤولية إدارة بعض حقول النفط في دير الزور.

وعندما جاء تنظيم الدولة إلى سوريا من العراق، تحالف أيضاً مع بعض القبائل المحلية، وهنا بدأت حدّة التوترات تزداد بين القبائل.

واستمر النظام باختيار القبائل والتحالف معها إلى حد ما، فالعديد من زعماء القبائل مقربون من الحكومة، ومن الأمثلة على ذلك أحمد الشلاش الذي يجند حتى يومنا هذا رجالاً من قبيلته “البوسرايا” للقتال إلى جانب الحكومة في دير الزور.

أعلم أن الكثير من الناس مهتمون بالقبائل الشرقية في سوريا بسبب علاقتهم بتنظيم الدولة. هل يمكنك أن تحدثني عن كيفية نجاح التنظيم في تكوين روابط مع القبائل السورية؟

 

قبيلة العقيدات، التي تعد واحدة من أكبر القبائل في دير الزور، هي في الحقيقة تحالف مكون من عدة قبائل توحدت في القرنين السابع عشر والثامن عشر لمحاربة قبيلة شمر، وهي قبيلة نبيلة من القبائل التي تركب الجمال من شبه الجزيرة العربية.

تاريخياً، كان هناك بالفعل نزاع بين القبائل التي تشكل الآن العقيدات ولكن التهديد المشترك من قبيلة شمر جعلهم يتحدون.

لذلك كلما ضعفت الدولة، ترتفع هذه الخلافات القديمة إلى السطح وتعود لتظهر من جديد، بعض قبائل العقيدات وقفت مع تنظيم الدولة في حين أن القبائل الأخرى انحازت لجبهة النصرة.

كما أن أعضاء عشيرة الشعيطات لن ينسوا ما حدث لهم وسوف يسعون للانتقام. [في آب ٢٠١٤، قمع تنظيم الدولة بوحشية مظاهرة خرج بها الشعيطات، عشيرة أخرى من قبيلة العقيدات، في قرية صغيرة جنوب شرق مدينة دير الزور، ولجعلهم عبرة لغيرهم من المتآمرين، قام تنظيم الدولة بجرّ أكثر من ٧٠٠ رجل من الشعيطات في الصحراء والتقط مقاتلوه صورا لهم وهم يقطعون رؤوس رجال العشيرة ويطلقون النار عليهم].

كما أن هناك أيضا أفراد من القبائل يقاتلون مع النظام سوف يسعون للانتقام من تلك القبائل التي وقفت إلى جانب تنظيم الدولة.

استخدم تنظيم الدولة العداوة التاريخية بين شمر والعقيدات لتخويف العقيدات، وأحد المشكلات مع الأكراد الذين يتقدمون جنوباً باتجاه المناطق ذات الغالبية العربية هي أن شمر تقاتل مع الأكراد، وفي أحد المرات شاهدت مقطع فيديو لشيخ من العقيدات يتفاخر بأن قبيلته لم تسمح لقبيلة شمر أن تسيطر على دير الزور في القرن الثامن عشر، لذلك ترى أن هذه الصراعات القديمة نوعا ما تعود لتظهر بعد ٢٠٠ عام.

ما مدى قوة هذه الروابط وما هو تأثيرها على النضال المستمر ضد تنظيم الدولة؟

بالنسبة لتنظيم الدولة، كمجموعة تعتمد بشكل كبير على تجنيد المقاتلين الأجانب، فإن التحالفات مع القبائل تتيح للتنظيم الحصول على الشرعية والدعم من قبل المجتمعات المحلية، واختار تنظيم الدولة العديد من زعماء القبائل كشركاء له من خلال منحهم إمكانية الوصول إلى الموارد والمناصب، وبهذه الطريقة، قام التنظيم بتطوير شراكاته وارتباطاته مع القبائل.

كما أن الأيديولوجيا تلعب دوراً مهماً، ففي بداية الصراع كان الناس يقولون إن القبائل ليست متدينة جداً وأن تنظيم الدولة لن يكون قادراً على جعلها متطرفة وراديكالية، وكان هذا خاطئاً.

 

واليوم، يتواجد تنظيم الدولة في هذه المناطق منذ عدة سنوات، حيث يفرض فكره الديني، وينشر أيديولوجيته بين الناس، وما أودّ قوله هو أنه سيكون من الصعب على الأرجح مواجهة هذه الأيديولوجية التي غرسها التنظيم بين الناس هناك، وسوف يستغرق ذلك وقتاً طويلاً.

وعلينا أيضاً أن نتذكر أن العديد من الشباب في دير الزور لم ينضموا إلى تنظيم الدولة لأسباب أيديولوجية بل لأسباب عملية، بالنسبة لأولئك الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى تركيا أو الهرب بطرق أخرى، كان الانضمام إلى التنظيم هو الخيار الوحيد المتاح لهم.

الآن، القتال من أجل التنظيم هو سبيل عيش هؤلاء الشباب، وهذا يعني أنه لا توجد حالياً علاقات إيديولوجية بين تنظيم الدولة وهذه المجتمعات فقط، بل أيضاً علاقات اقتصادية.

نعلم أن العديد من القبائل لديها شباب يقاتلون مع كل طرف تقريباً من أطراف الصراع، ما مدى احتمالية انتشار العنف بين القبائل نفسها؟

بالطبع، جزء من التقاليد القبلية هو الحاجة للانتقام باسم القبيلة، وهذه المشكلة ستصبح أكثر تعقيداً مع انسحاب تنظيم الدولة، وسوف يكون هناك صراع حول الموارد كالنفط.

ولكن هناك مفهوم يسمى العرف، أو القانون القبلي، يحاول زعماء قبليون من خلاله تهدئة أفراد قبائلهم والتفاوض لإيجاد حلول للصراعات القبلية، وقد يكون هذا القانون القبلي وسيلة للتخفيف من حدة الصراع القبلية، ولكن السؤال: من سيذهب إلى هؤلاء القادة في حال كان لا يزال لديهم تأثير، وهناك أيضاً مشكلة انتشار الكثير من الأسلحة والفوضى شرقي سوريا.

ومع ذلك، أعتقد أن الفترة التي ستلي هزيمة تنظيم الدولة ستكون فترة قتال من الصعب للأسف تجنبها، وسيكون من المهم جداً إرسال رسائل إلى القبائل مفادها بأن هناك نوع من العفو عن القبائل.

وهناك قضية أخرى وهي أن العديد من القبائل التي تقاتل حالياً جنباً إلى جنب مع التنظيم، قاتلت سابقاً ضد النظام، لذلك من غير المحتمل أن تتخلى عن التنظيم إذا كان النظام هو البديل الوحيد، ولو كان هناك طريقة لتقديم ضمانات للقبائل في دير الزور بأنه سيكون هناك منطقة حكم ذاتي، ولن يحكمها بشار الأسد بشكل مباشر، فإن هذا قد يقطع شوطاً طويلاً نحو إقناعهم بالتخلي عن تنظيم الدولة.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال