5 دقائق قراءة

باغتيال أعضائها أو مغادرتهم: النظام يفكك لجان التفاوض في درعا

تسبب استهداف قادة الجنوب وإبعادهم بإضعاف مسار المفاوضات مع النظام، خاصة أن المستهدفين كانوا أساس لجان التفاوض عن المحافظة الجنوبية، وبالتالي انخفض سقف التفاوض من مفاوضات على مستوى المنطقة إلى مفاوضات على مستوى المدينة أو البلدة أو حتى العشيرة.


30 أغسطس 2022

باريس- منذ تسوية جنوب سوريا، في صيف 2018، سعى النظام السوري إلى التخلص من قادة الصف الأول في المعارضة بمحافظة درعا من العسكريين والمدنيين، ودفع من تبقى منهم على قيد الحياة إلى الاستقالة أو مغادرة البلاد.

في آخر حادثة، قُتل القيادي خلدون الزعبي مع أربعة من مرافقيه وأصيب خمسة آخرون بعد تعرضهم لكمين، في 25 آب/ أغسطس، أثناء عودتهم من اجتماع مع العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا، لاستكمال مفاوضات مدينة طفس الأخيرة بريف درعا الغربي.

وفي 16 آب/ أغسطس، قتل الشيخ فادي العاسمي وأصيب ابنه برصاص مجهولين، في مدينة داعل بريف درعا الأوسط. والعاسمي عضو اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي، وأحد أبرز قادة الصف الأول في المحافظة، ولعب أدواراً مختلفة على الصعيد العسكري والاجتماعي. 

وثقت “سوريا على طول” بالتعاون مع مؤسسة “تجمع أحرار حوران” مقتل 20 قيادياً عسكرياً ومدنياً من قادة الصف الأول، ومغادرة 4 آخرين البلاد من أصل 47 قيادياً لهم أدوار عسكرية وتفاوضية في المحافظة، منذ توقيع اتفاق التسوية في تموز/ يوليو 2018 وحتى لحظة نشر التقرير، أي نصف قادة الصف الأول تقريباً.

تسبب استهداف قادة الجنوب وإبعادهم بإضعاف مسار المفاوضات مع النظام، خاصة أن المستهدفين كانوا أساس لجان التفاوض عن المحافظة الجنوبية، وبالتالي انخفض سقف التفاوض من مفاوضات على مستوى المنطقة إلى مفاوضات على مستوى المدينة أو البلدة أو حتى العشيرة.

ظهور لجان التفاوض

بعد التصعيد العسكري للنظام على مناطق سيطرة المعارضة جنوب سوريا، في صيف 2018، توصلت دمشق إلى اتفاق تسوية مع فصائل الجبهة الجنوبية برعاية روسية، وبموجب الاتفاق احتفظت الفصائل، التي سُمح لها البقاء في الجنوب، بسلاحها الفردي والمتوسط، مع السماح لمؤسسات النظام الإدارية والخدمية استئناف عملها مجدداً، لكن لم يكن متوقعاً أن تتحول المنطقة إلى أشبه بـ”حكم ذاتي” خارجة عن سيطرة النظام العسكرية والأمنية.

طيلة السنوات الماضية، سجلت درعا حضوراً على مستوى التظاهرات المناهضة لنظام الأسد، وما تزال المحافظة تشهد عمليات ضد عناصر النظام والمليشيات المساندة. ما كان ليحدث ذلك لولا تظافر مجموعة من العوامل الأساسية، التي أعطت المحافظة خصوصية دوناً عن غيرها من باقي المناطق من قبيل الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، بدءاً من الاختلاف في بنود الاتفاق وصولاً إلى عدم مغادرة مجموعة كبيرة من قادة الصف الأول المدنيين والعسكريين، وتشكيل لجان تفاوض مركزية ومحلية.

عرفت المحافظة ثلاث لجان تفاوض رئيسية: اللجنة المركزية في ريف درعا الشرقي، التي يسيطر عليها اللواء الثامن سابقاً بقيادة أحمد العودة، وهي ليست ذات حضور واضح، واللجنة المركزية في ريف درعا الغربي، ولجنة مدينة درعا، اللتان تطورتا وتوسعتا بشكل لافت، قبل أن تتجمد الأولى وتحل الثانية نفسها.

وتتكون لجان التفاوض من جناح سياسي يضم مفاوضين مدنيين يمثلون القطاعات على أساس جغرافي وليس عشائري، وآخر عسكري، يضم ممثلين عن الفصائل العسكرية، ولجان حقوقية وإدارية وإعلامية، إضافة إلى ذراع عسكري، الذي يعدّ بمثابة قوة تنفيذية.

تفكيك لجان التفاوض

في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قُتل الشيخ أحمد البقيرات، عضو اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي، بإطلاق مجهولين النار عليه في بلدة تل شهاب بريف درعا الغربي، ورغم أن الشيخ البقيرات ليس أول شخص في اللجنة يتعرض لعملية اغتيال، إلا أن مقتله هزّها.

“بعد استشهاد الشيخ أحمد البقيرات جمدت اللجنة نفسها، وخرج غالبية الأعضاء منها لعدة أسباب”، كما قال مصدر إداري في اللجنة المركزية غرب درعا لـ”سوريا على طول”، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، مشيراً إلى أن البقيرات “كان العقل المدبر للجنة، وشخصية توافقية حظيت بقبول كل الأطراف والتيارات داخل اللجان المدنية والعسكرية والحقوقية والعشائرية”.

ولعب الوضع الأمني دوراً كبيراً، إذ “كانت اللجنة تعقد اجتماعاتها، ويتنقل أعضاؤها بحرية أكثر، لكن خلال العامين الماضيين تعرضت وفود اللجنة لعمليات اغتيال، نجحت في عدد من المرات”، بحسب المصدر.

وضرب المصدر مثالاً عن نفسه، حيث التزم بيته منذ عدة أشهر “لا أغادره أبداً، وقمت باتخاذ إجراءات حماية للمنزل، كباب خارجي متين لحديقة المنزل، وإنارة محيط المنزل بشكل جيد، حفاظاً على حياتي وحياة عائلتي من الاستهداف”، على حد قوله.

في 10 شباط/ فبراير الماضي، تلقت اللجنة المركزية في غرب درعا، ضربة كبيرة باغتيال العقل الثاني في اللجنة، مصعب البردان، مؤسس اللجنة وأحد أكثر الأعضاء أهمية فيها، بعدما أطلق مجهولون النار عليه أثناء توجهه لحضور اجتماع مع العميد، لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري، المتهم بالوقوف وراء عملية الاغتيال، لأجل مفاوضات تتعلق بتقديم الخدمات لمدينة طفس، وهو السيناريو الذي تكرر في حادثة مقتل خلدون الزعبي قبل أيام.

ضمّت اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي 33 عضواً، موزعين على الجناح العسكري، السياسي، الحقوقي، الإداري، والإعلامي، قًتل منهم 10 أعضاء، وغادر أربعة آخرون البلاد، قبل أن تجمّد اللجنة أعمالها عقب اغتيال البقيرات، وفقاً لبياناتٍ حصلت عليها “سوريا على طول” من اللجنة.

لم يكن حال لجنة مدينة درعا أفضل، إذ تعرض عدد من أعضائها لمحاولات وعمليات اغتيال، وحلّت اللجنة نفسها في مطلع آب/ أغسطس 2021، وأبلغت عشائر درعا البلد بقرارها، موضحة أن كل عشيرة مسؤولة عن نفسها فيما يتعلق بالمفاوضات مع النظام، وينطبق ذلك أيضاً على بلدات وقرى حوران.

مفاوضات عشائرية

بعد أن حلت لجنة مدينة درعا نفسها، الصيف الماضي، لم يتم تشكيل لجنة بديلة عنها لأن “بعض العشائر لم تتعاون مع اللجنة في حل بعض المشاكل، إذ كان لدى النظام مطالب عند عشائر محددة في درعا البلد، لكنهم لم يستجيبوا، وهو ما اضطر اللجنة لحل نفسها”، كما قال أحد وجهاء مدينة درعا لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية. 

ومع حل لجنة درعا، “صارت كل عشيرة تتحمل وزر تصرف أبنائها، وبدوره صار النظام يفاوض كل عشيرة على حدة”، بحسب المصدر، ما أدى إلى “إضعاف موقف حوران في مواجهة النظام، لأن اللجنة عندما تتحدث باسم مدينة أو منطقة يكون موقفها التفاوضي أقوى”.

ويتبع النظام مبدأ “التفاوض مع العشيرة” في مدينة طفس حالياً، إذ “تجري المفاوضات بين النظام وعشيرة الزعبي، التي يحملها النظام المسؤولية عن وجود مطلوبين غرباء، كما يسميهم في منازل أبناء العشيرة في المدينة”، كما قال مصدر من اللجنة المركزية في غرب درعا. 

أيضاً، بعد اغتيال الشيخ فادي العاسمي، في 16 آب/ أغسطس الحالي، “أخبر فرع الأمن العسكري وجهاء ومخاتير مدينتي داعل والشيخ مسكين وبلدتي إبطع وعتمان”، كلّ على حدة، “أنه سينشر المخابرات الجوية في هذه المناطق بعد انسحاب الأمن العسكري منها”، وفقاً للمصدر، “ولم يستطع أحد من هؤلاء الوجهاء والمخاتير أن يقول لا للنظام”.

تأثير عسكري محدود!

على مدار السنوات الماضية، استطاع النظام تفكيك لجان التفاوض، وقطع الترابط بينها، الذي كان يميزها، إذ في أعقاب الحملة العسكرية على درعا البلد في تموز/ يوليو 2021، لعبت اللجان المركزية في شرق درعا وغربها، مدعومة بفصائل التسوية التي تمثل الذراع العسكرية لهذه اللجان، دوراً في تخفيف الضغط على أحياء درعا البلد، عبر استهداف نقاط وحواجز نقاط النظام.

وباستهداف قادة الصف الأول من مدنيين وعسكريين، الذين كانوا حجر أساس في لجان التفاوض، نجح في تهميش “القوة التفاوضية” التي تمتعت به حوران في الفترة الماضية، لكن “التأثير على الصعيد العسكري أقل منه على الأصعدة الأخرى، رغم أن غالبية الاغتيالات استهدفت قادة عسكريين”، كما قال أبو محمد، قيادي عسكري سابق في فصائل المعارضة.

وأرجع القيادي، المقيم في شمال درعا، السبب إلى “ظهور قادة عسكريين جدد لا يقلون خبرة وشجاعة عن أسلافهم الذين استشهدوا”، كما قال لـ”سوريا على طول”،  ناهيك عن أن دور من تبقى من عناصر فصائل المعارضة السابقة يتمثل في “حرب العصابات والمجموعات الصغيرة، التي تنفذ أهدافها وتعود من دون راية أو إطار فصائلي يوجهها”.

وختم أبو محمد: “إن استشهاد قادة الصف الأول يزيد عزيمة هؤلاء الشباب [القادة الجدد] بالاستمرار في محاربة هذا النظام بكل الطرق والأدوات”.

شارك هذا المقال