6 دقائق قراءة

بانتظار إعادة الإعمار: لا عودة لأهالي حي جوبر الدمشقي قبل تنظيمه

في الذكرى الخامسة لتهجير أهالي حي جوبر والغوطة الشرقية، ما يزال سكان الحي الدمشقي محرومون من العودة، ومع صدور المخطط التنظيمي رقم 106 لعام 2022، صار الأمل بعيداً لدى المدنيين، المتخوفين من تعرض ملكياتهم للانتهاك.


24 أبريل 2023

دمشق- في الذكرى الخامسة لسيطرة القوات الحكومية السورية على غوطة دمشق وأحياء من العاصمة، في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 2018، ما تزال محافظة دمشق تمنع سكان حي جوبر الدمشقي من دخول الحي، الذي كان تحت سيطرة المعارضة آنذاك.

“الدخول إلى الحي ممنوع نهائياً”، حتى المقبرة “لا يستطيع أهالي جوبر دفن موتاهم فيها”، كما قال أبو العز مؤمنة، 60 عاماً في حديثه لـ”سوريا على طول”.

خرج مؤمنة من جوبر، عام 2013، بعد أن تحول الحي إلى “نقطة صراع عسكري”، على خلفية احتدام المعارك بين القوات الحكومية والمعارضة، واستأجر منزلاً في جرمانا، إحدى ضواحي دمشق، مقابل 200 ألف ليرة سورية، وما يزال يعيش فيه إلى الآن.

وبعد خروج مقاتلي المعارضة من ضواحي دمشق، بما في ذلك جوبر، إلى شمال غرب سوريا، بموجب اتفاق تسوية عام 2018، حاول مؤمنة دخول الحي لتفقد منزله، لكنه مُنع من الدخول، “حتى لغرض الزيارة”، على حد قوله.

لطالما عاش مؤمنة على أمل العودة إلى منزله، لكن صدور المخطط التنظيمي التفصيلي لست مناطق عقارية، في حزيران/ يونيو 2022، عزز مخاوفه من تهديد ملكيته العقارية، المتمثلة بمنزله في حي جوبر، المشمول بالمخطط، خاصة مع نفي مدير التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق، المهندس حسن طرابلسي في تصريح لوسيلة إعلام محلية وجود سكن بديل لقاطني تلك المناطق، وإنما سيحصل السكان على أسهم بدلاً من ملكياتهم.

مخطط تنظيمي مبهم

تهدف محافظة دمشق من المخطط التنظيمي، الذي حمل الرقم (106)، تعديل الصفة العمرانية للمناطق العقارية (جوبر، القابون، حي مسجد أقصاب، عربين، زملكا، وعين ترما)، من منطقة (b) حماية و(c) زراعية داخلية و(j) توسع سكني إلى (i) مناطق قيد التنظيم العمراني، وفق الحدود المبينة على المصور ومنهاج الوجائب ونظام البناء الملحقين به لمنطقة جوبر.

ويقصد بـ”المناطق قيد التنظيم”: المناطق التي كانت خارج حدود المخطط التنظيمي (مناطق حماية، زراعة داخلية، توسع سكني)، وأدخلت بموجب المرسوم رقم 5 لعام 1982 إلى المخطط التنظيمي العام ونظام ضابطة البناء، وسُمح فيها بالبناء السكني والتجاري والخدمي حسب المخطط التنظيمي التفصيلي. لكن إدخال تلك المناطق إلى المخطط “سيؤدي حتماً إلى الاستيلاء على عقارات بعض المالكين في منطقة جوبر جزئياً أو كلياً، كون التنظيم سيقضي توسيع الطرقات الموجودة، وإنشاء طرق وحدائق ومدارس جديدة وغيرها من المرافق العامة”، كما أوضح محامٍ خبير في قضايا الملكية العقارية لـ”سوريا على طول” طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

نُشر المخطط التفصيلي التنظيمي في لوحة إعلانات المحافظة بعد صدوره ومصادقة وزارة الإسكان عليه، كما قال حينها مدير التنظيم والتخطيط العمراني في المحافظة حسن طرابلسي، مشيراً إلى إعطاء سكان الحي مهلة شهر للإطلاع عليه وتقديم اعتراضاتهم، وستُحوّل إلى لجنة فنية إقليمية، يرأسها المحافظ، لدراستها ومعالجة الاعتراضات المحقة منها، وفقاً لأحكام المرسوم 5 لعام 1982، المعروف بـ”قانون التخطيط العمراني” وتعديلاته، في القانون 41 لعام 2002.

إنفوغراف | حي جوبر الدمشقي 24/ 4 / 2023 (سوريا على طول)  اضغط هنا لدقة أعلى.

تعليقاً على ذلك، اعتبر المحامي أن “إعطاء المواطنين مدة زمنية قصيرة للاعتراض أو إثبات ملكياتهم غير كافية، لأنه من الصعوبة بمكان إثبات الملكية خلال هذه المدة، خصوصاً أن غالبية سكان المناطق التي شملها المخطط التنظيمي الجديد، قد يكونون في عداد المطلوبين أو مهجّرين”.

ويقع حي جوبر في شمال شرقي دمشق، تحده أحياء باب توما والقصاع والتجارة غرباً، والقابون شمالاً، وزملكا شرقاً، وعين ترما جنوباً. وشهد الحي معارك بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة، منذ عام 2012 إلى أن انتهت بسيطرة القوات الحكومية على الحي عام 2018 وتهجير غالبية سكانه، بعد أن تعرض للتدمير بنسبة 80%.

حاول سكان جوبر الاعتراض على المخطط التفصيلي لمدينتهم بعد نشره في بهو محافظة دمشق، لكن كون الحيّ خالٍ من سكانه، وفي ظل عدم وجود معلومات كافية عن مستقبل حقوقهم “لا يدري أغلب المعترضين على ماذا يعترضون”، كما قال مؤمنة.

عزا الدكتور وسام السالي، المختص في مجال العمارة والاستدامة، ضعف التحرك المجتمعي ضد المخطط أو لصالحه، لـ”انعدام آلية العمل المدني بسبب قمع ممنهج لسنين طويلة، ما منع تشكّل أي حراك مدني”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لذلك، كان الأولى في المخطط التنظيمي “مراعاة هذه الهشاشة بالأساس وتزويده بآليات تواصل مع السكان داخل البلاد وخارجها”، معتبراً أن هذا الإجراء -لو حصل- “ليس تفضلا على السكان وإنما واجب”.

صدر المخطط التنظيمي بعد أن أنهت محافظة دمشق دراسة منطقة جوبر ومحيطها، التي كانت شبه مدمرة بسبب أحداث الحرب الأخيرة، بمساحة تقدر 304 هكتارات، ويخضع للقانون 23 لعام 2015، الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن، بحسب تصريح المهندس طرابلسي، في حزيران/ يونيو 2022، لإذاعة شام إف إم.

وفيما توقع طرابلسي صدور مرسوم بالمخطط التنظيمي النهائي، في غضون ستة أشهر، إلا أن المخطط لم يصدر حتى الآن، رغم انقضاء المدة الزمنية المتوقعة.

“التأخر في تنفيذ القرار ليس مهماً بمقدار تعمّد مراسيم التنظيم العمراني تغريب كل السكان عن بيوتهم المهدمة والمدمرة وتحويلها إلى أسهم في مخطط تنظيمي بمساحة هكتارات”، وفقاً للسالي، معتبراً أن “مخططات محافظة دمشق تحولت إلى أداة تشريد متعمد لأصحاب العقارات والأراضي، رغم اعترافها بحقوقهم”.

واستنكر السالي إصدار مخطط بهذا الحجم “من دون وجود آليات لإشراك السكان، خصوصاً في مرحلة إعمار بعد الحرب، ووسط تحييد الكثير من الأكاديميين السوريين من مراحل التخطيط والتنفيذ، وفي ظل غياب تصور واضح عن الوضع الراهن لجوبر”.

يحدد المخطط التفصيلي التنظيمي، حسب المرسوم 5 لعام 1982 وتعديلاته بالقانون القانون 41 لعام 2002، كافة التفاصيل التخطيطية لشبكة الطرق الرئيسية والفرعية وممرات المشاة والفراغات العامة وكافة التفاصيل العمرانية للأراضي حسب الاستعمال المرسوم لها، بما لا يتعارض مع المخطط التنظيمي العام ونظام البناء”، بحسب السالي.

اعتداء على الملكية

يعيش من تبقى من أهالي حي جوبر في مناطق سيطرة حكومة دمشق في منازل مستأجرة بالعاصمة وريفها، وسط معاناتهم من تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع إيجارات المنازل. 

تدفع منال عجاج، 46 عاماً، مبلغ 350 ألف ليرة سورية شهرياً، أجرة منزل في جرمانا، واصفة منزلها المستأجر بـ”السيئ، مقارنة بمنزلي في جوبر”، الذي اضطرت إلى مغادرته عام 2013، ومنذ ذلك الحين لا تعرف مصيره، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

يعترض سكان حي جوبر على عدم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم، على غرار باقي المناطق التي استعادت دمشق السيطرة عليها، كما يستنكرون خضوع الحي كاملاً للمخطط التنظيمي رغم وجود عقارات داخل التنظيم، بحسب عجاج، مشيرة إلى أن “محافظة دمشق منعتنا من العودة ومن البيع والشراء في المنطقة”.

وفي هذا السياق، تساءل الدكتور وسام السالي: “هل فعلاً كل الحي بحاجة لمخطط جديد أم بعضه؟. هل كل البنية التحتية متضررة؟”، كاشفاً عن أن المحافظة حددت رسمت شريطاً حدودياً حول جوبر “وهو واحد من أكثر الانتهاكات غيظاً للأهالي، فهي على مرمى حجر لكنها محرمة على الأكثرية”، على حد قوله، وحاولت “سوريا على طول” التأكد من مصدر مستقل من وجود حدود تفصل الحي عن محيطه لكنها لم تتمكن من ذلك. 

ومع أن النظام، لم يعلن رسمياً عن منع عودة أهالي جوبر، إلا أن وسائل إعلام محلية، قالت في عام 2021، أن مجلس محافظة دمشق اتخذ قراراً “غير معلنٍ” يقضي بمنع عودة أهالي الحي بشكل نهائي، بتوجيهات من الأجهزة الأمنية.

تحتفظ عجاج بوثائق ملكية منزلها في جوبر، فيما فقد أهلها وثائق ملكيتهم أثناء المعارك في الحي ونزوحهم منه، ورغم وجود الوثائق “أخشى أن تموت حقوقنا ولا نستطيع استردادها بسبب المخطط التنظيمي. ربما أحفادنا يستلموا حقوقنا!”، قالت باستنكار. 

كانت عجاج وعائلتها يملكون منازل ومحالاً تجارية في جوبر، لكنهم اليوم يعيشون على “المساعدات ورحمة الله”، بحسب عجاج، متسائلة: “أخي كان صاحب محل في جوبر، وهو في الخمسين من عمره الآن، ما العمل الذي يمكن أن يجده في هذا السن؟”.

رغبة بالعودة

إذا كانت محافظة دمشق ماضية في تنفيذ المخطط التنظيمي لحي جوبر، فلا بد من “تحديد تاريخ التنفيذ ومدته بالسرعة القصوى، حتى يستلم الناس ممتلكاتهم”، بحسب عجاج، قائلة: “رمت المحافظة المخطط وأهملت الموضوع، من دون أن تشعر بمواجع الأهالي ومعاناتهم”.

اتفق أبو أمجد، 60 عاماً، مع عجاج، متسائلاً: “هل ما يحدث في جوبر عقوبة جماعية؟”، خاصة أن “أغلب الحيّ ضمن التنظيم، فكيف نعيد تنظيمه؟ وكم سيتبقى لنا من ملكيتنا الأصلية”. كما قال لـ”سوريا على طول”.

يسكن أبو أمجد في منزل مستأجر بريف دمشق، مقابل 350 ألف ليرة شهرياً، بينما منزله في حي جوبر يمكن السكن فيه “بعد إجراء ترميمات بسيطة عليه”، لكنه محروم من العودة إليه بسبب قرارات محافظة دمشق، على حد قوله. 

“يجب أن لا يكون المخطط التنظيمي ورقة كبيرة محدد عليها مساحات وحدود استعمال الأراضي، وإنما يجب أن يكون وسيلة للتواصل، وتوصيل هذه الرموز [الهندسية] لأصحاب هذه الأملاك مباشرة، بعيداً عن السماسرة  والشركات القابضة وأشباه المؤسسات العقارية”، بحسب السالي.

وأضاف السالي: “كان على محافظة دمشق أن تبدأ بتنظيم جوبر ضمن نوى تخطيطية صغيرة بدلاً من فتح الحي والمناطق المحيطة به على مخطط كامل بمساحة 3 مليون متر مكعب”، معتبراً أن “تحويل المنزل إلى سهم افتراضي فيه الكثير من العنف لمجتمع هشّ ومشرد”، إذ من الصعب الشرح لسكان الحي “أن منزل أحدهم لن يعود كما كان في نفس الحيّ والحارة”.

شارك هذا المقال