5 دقائق قراءة

بدلا من تقطيب الجراح: اتفاقية البلدات الأربعة تسبب نزفا أكثر مع محاولة كل من الثوار والنظام شدها لطرفه

يرتكب كل من الثوار والقوات الموالية للنظام عقاباً جماعياً بحق […]


24 نوفمبر 2016

يرتكب كل من الثوار والقوات الموالية للنظام عقاباً جماعياً بحق 60 ألف مدني في البلدات المحاصرة الأربعة، مع دخول الطرفين اليوم الثامن على التوالي، الأربعاء،  في سلسلة الهجمات المتبادلة المزدوجة.

وأسفرت موجة الهجمات الحالية على مضايا والزبداني، البلدتين اللتين يحاصرهما النظام، وتبعدان 40 كم شمال غرب دمشق، من طرف. وبالمقابل الفوعة وكفريا، البلدتين اللتين يحاصرهما الثوار في محافظة إدلب، من طرف آخر، عن مقتل ستة مدنيين على الأقل، منذ يوم الثلاثاء الماضي.

وقال الأهالي في بلدتي مضايا والزبداني الشقيقتين، الخاضعتين لسيطرة الثوار، لسوريا على طول، الأربعاء، إن القوات الموالية للنظام بدأت “تصعيداً عسكرياً عنيفاً”، الأسبوع الماضي، راح ضحيته اثنان من المدنيين على الأقل، وأصاب أكثر من 12 آخرين.

وقبل تسارع وتيرة العنف الأخيرة، “كان هناك حالات قنص للمدنيين، ونادراً ما كان يحدث قصف مدفعي أو هاون”، وفق ما قال عبد الوهاب أحمد، ناشط إعلامي من بلدة مضايا، الخاضعة لسيطرة الثوار، والتي تضم 40 ألف نسمة، لسوريا على طول.

وفي يوم الثلاثاء، على أية حال، “كان هناك أكثر من 50 قذيفة مدفعية وهاون على مضايا وبقين، وأكثر من 25 على الزبداني المجاورة”، وتم تغطية الهجوم على مضايا، بشكل واسع عبر المواقع الإعلامية السورية المعارضة، وأكده مصدر ثاني مستقل من داخل المدينة المحاصرة.

وعلى بعد أكثر من 250 كم شمال مضايا، أعلن أهالي بلدتي كفريا والفوعة، اللتين تطوقهما المعارضة في محافظة إدلب، عدداً من القتلى، والإصابات اليومية واستخدام محتمل لغاز الكلورين من جهة ثوار جيش الفتح الذين يحيطون بالبلدتين.

 أطفال مضايا وبرد الشتاء. حقوق نشر الصورة لـ المجلس الثوري المحلي في مضايا

وفي يوم الإثنين، أسفر قصف الثوار للفوعة وكفريا عن مقتل طفل واحد على الأقل وإصابة خمسة آخرين، فيما سمته وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” الهجوم الأحدث في سلسلة “الاعتداءات الإرهابية”.

وعرض التلفزيون الحكومي السوري مشاهد من الفوعة وكفريا لأطباء وهم يعالجون إصابات رصاص القناصة اليومية، في ظل النقص الحاد في المستلزمات الطبية. وقال أحد الأطباء، “أتمنى من كل شخص يسمع صوتنا، أن يقوم بما يجب فعله”.

وما يزال من غير الواضح إلى الآن، ما الذي أثار فورة العنف في البلدات الأربعة وما حولها، إلا أن كل من الثوار والقوات الموالية للنظام يتهمون بعضهم الآخر بالتحريض على الهجمات.

وفي أيلول الماضي، وقّع أهالي البلدات التي لها نفس التعداد السكاني تقريبا على “اتفاقية البلدات الأربعة”، وهو الاتفاق الذي أعلن هدنة الستة شهور، واشترط دخول جميع المساعدات الغذائية، وحالات الإخلاء الطبي تحدث بالتزامن والاتفاق مع البلدات الأربعة.

ما يعني أن أي حالة إخلاء طبي سواء كانت إصابة برصاص قناص، أو نتيجة مرض مهدد للحياة لن تخرج ما لم يكن هناك حالة إخلاء مشابهة من الطرف الآخر.

وتعرضت الاتفاقية، بصرف النظر عن المغزى منها، إلى انتقاد حاد من قبل الأمم المتحدة والعديد من منظمات الإغاثة الدولية، فهي في الواقع تسببت بموت الكثير من المدنيين الأبرياء.

ويروي أكثر من عشرة من الأطباء والأهالي، من البلدات الأربعة، سواءً من الموالين للنظام أو المعارضة، قصصاً عن عدد لا متناه من المرضى الذين لم يعالجوا بسبب القيد الذي فرضته اتفاقية البلدات الأربعة.

وفي هذا الشهر، توفي على الأقل أربعة أطفال حديثي الولادة، لأن البلدة تفتقد إلى العناية المركزة المناسبة للأطفال الحديثي الولادة. ويعاني الأطفال رفيعو العودمن سوء تغذية حاد ويمضون معظم أيامهم في الأقبية كلما زادت وتيرة القصف، والتي هي اليوم، الواقع الذين يعيشونه.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، توفي رجل خمسيني من مضايا نتيجة الفشل الكلوي المرتبط بسوء التغذية، بعد أن رفض نظام الأسد الإخلاء الطبي له والذي ربما كان فيه فرصة إنقاذ حياته، وفق ما ذكرت سوريا على طول آنذاك. ولم يكن بوسع الأطباء الثلاثة الذين بقوا في مضايا، طبيبا أسنان وطبيب بيطري، معالجة الشاب، وظل يئن وجعا حتى موته لافتقادهم الخبرة التخصصية والأدوات.  

المتظاهرون يحملون لافتة تسأل “ماهو مصير الفوعة وكفريا؟ الموت جوعاً؟ أم ذبحاً بيد المعارضة المعتدلة”. حقوق نشر الصورة لشبكة أخبار الفوعة وكفريا

وتوفي في الشهر الماضي محمد المويل، من مضايا، بعد أن اخترقت بطنه رصاصة ومزقت أمعائه، وهو في طريقه إلى منزله. وجاءت وفاة الشاب ذو الثلاثين عاماً، وهو متزوج ولديه أطفال، بعد أن بقي ينزف ليومين دون أن يتمكن من تلقي العلاج الطبي الذي يحتاجه.

وذكرت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، في تقرير لها في تموز 2016، مقتل 20 شخصاً من أهالي مضايا على الأقل برصاص القناصة والألغام البرية التي  تنتشر وتلتف مع سياج الحصار، الذي وضع في تموز 2015.

وذكر الأطباء في الفوعة وكفريا لسوريا على طول، في هذا الأسبوع أن عمليات البتر أصبحت شائعة في البلدتين، لأنه ليس أمام المصابين سوى بضع خيارات، بسبب العجز الطبي الحاد.

وقال أحمد شحادة، طبيب ورئيس اللجنة المسؤولة عن الإخلاء الطبي، لسوريا على طول،”هذا ما يفرض قرارات طبية لا يحسد أصحابها عليها، كبتر الطرف المصاب كي يتم وقف النزيف والحفاظ على حياة المصاب”.

وحين يسمع أهالي مضايا والزبداني بإصابة شخص ما في الفوعة وكفريا و”عند حدوث أي إصابات في كفريا والفوعة، فإن الأهالي هنا في مضايا تأخذ الاحتياطات وتنتظر أن تستهدفها ميليشيا حزب الله بأي لحظة”، وفق ما قال أبو حسن، مدير المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في مضايا وبقين.

وبالمثل، يتهم أهالي الفوعة وكفريا شمالاً ثوار جيش الفتح بـ”التأخير المتعمد” بإخلاء الحالات من البلدتين التوأم الواقعتين تحت سيطرة النظام ليؤمن لمضايا والزبداني استفادة أكبر، في حين ينكر كل من الثوار والقوات الموالية للنظام  تعمُد “استخدام العنف لإحداث أضرار وإيجاد حالات تتطلب الخروج لإجبار الطرف الآخر على إخراج حالات من عنده مقابل حالات من منطقتنا”. وكلا الطرفين يجرم الآخر في التورط بذلك.

واعترف واحد على الأقل من عمال الإغاثة في دمشق، أن اتفاقية البلدات الأربعة أدت إلى “موت ومعاناة الأرواح البريئة”.

وذكر عامل الإغاثة لسوريا على طول، والذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الإخلاء الطبي لا يجب أن يكون مسألة سياسة أو مصلحة عسكرية، وإنما مسألة إنسانية بحتة. وأضاف أن اتفاقية البلدات الأربعة “ليست حلاً”.

وفي يوم الاثنين، أفادت الأمم المتحدة أن عدد السوريين المحاصرين يبلغ الآن ما يقارب المليون شخص، ولتحري الدقة فهم  974080. وهذا الرقم زاد أكثر  من الضعف خلال الأشهر الستة الماضية، عن عدد السوريين الـ39300 الذين كانوا يعيشون تحت الحصار قبل عام واحد.

وقال منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة ستيفن اوبراين في بيان يوم الإثنين، “الرعب هو الآن المعتاد”.

وأضاف أن “مستوى العنف والدمار هذا يبدو وأن العالم يعتبره طبيعياً لسورية وطبيعياً للشعب السوري”.

وختم اوبراين، استناداً على بنود اتفاقية البلدات الأربعة، فإن المزيد من المدنيين “سيموتون عاجلا في كل بلدة من البلدات الأربع إذا لم تحل هذه المهزلة”.

ترجمة: فاطمة عاشور

 

شارك هذا المقال