5 دقائق قراءة

بذات الكاميرا: ناشط في شرقي حلب يوثق تداعيات الحرب.. ومقتل عائلته ببرميل متفجر!

في الساعات الأولى في العشرين من آب، اتصلت زوجة الحاج […]


8 سبتمبر 2016

في الساعات الأولى في العشرين من آب، اتصلت زوجة الحاج علي أبو الجود به، لتسأله عن وقت عودته إلى المنزل. وكانت المواجهات اندلعت بالقرب من حي القاطرجي، الخاضع لسيطرة الثوار، حيث كانت تعيش العائلة، وهو جزء من مدينة حلب القديمة.

وكانت الزوجة خائفة، بينما أخبرها أبو الجود أنه سيكون في المنزل خلال عشر دقائق.

وبعد ذلك بدقائق، أسقط النظام برميلا متفجرا، شرقي مدينة حلب.

بالنسبة لأبو الجود، وهو ناشط ومصور يبلغ من العمر 35 عاما، كان هذا المشهد مألوفا، حيث كان يقتضي عمله كناشط في زيارة المواقع التي تتعرض للهجمات والتقاط الصور ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن في العشرين من آب، كان الحطام والأنقاض التي شاهدها هي منزله. وهذه المرة، كانت أسرته، زوجته وأربعة أطفال صغار، والزوجة الثانية ووالدها المسن، هناك، في مكان ما، تحت الحجارة.

وقال أبو الجود، لمراسلة سوريا على طول بهيرة الزرير، “أنا بلا مأوى الآن، أنام في مكتبي، دون عائلة”.

استغرق الأمر يومين حتى تمكن أبو الجود وعناصر الإنقاذ في الدفاع المدني من العثور على جثث أبنائه وزوجتيه ووالد زوجته. بعد ذلك، قال أبو الجود أنه بحث في حطام ما تبقى من منزله عن صور للعائلة، ألعاب لأطفاله، أو أي شيئ يخصهم يحمله معه.

وقال أبو الجود “عندما يتم القصف في الليل، كانوا يركضون باتجاهي ويجلسون بجانبي. وعندما تكون الطائرات في النهار كانو يراقبونها في السماء”.

وأضاف “أمضى أطفالي الوقت في اللعب مع أطفال الحي، لكن عيونهم كانت تتجه دائما نحو السماء خشية القصف”.

عائشة كانت في سن الثانية عشرة. جميع الصور لـ الحاج علي أبو الجود

أين كنت أثناء القصف؟ وكيف علمت أنه تم استهداف منزلك؟

كنت عند صديقي بالمكتب بحلب القديمة، وكان هناك اشتباكات بمحيط قلعة حلب، اتصلت بيّ زوجتي قالت لي هناك اشتباكات قريبة، قلت لها ليس هناك شيء، عبارة عن اشتباكات متقطعة لا تقلقي، ثم سألتني هل أنت متأخر قلت لها لا، عشر دقائق أكون عندكم. ولكن تأخرت عنهم ربع ساعة تقريباً، وبعدها سمعت صوت الطائرة المروحية وبعد دقائق أسقطت برميلا متفجرا، ولأنه قريب جداً طننت أنه سيسقط فوق المكتب، فنطقت الشهادة وفجأة ظهر انفجار قوي، ماهي إلا لحظات حتى جاءني اتصال من أحد أصدقائي يخبرني فيه أن البرميل سقط في منزلي، كانت صدمة كبيرة لم أقل له سوى الحمد لله رب العالمين. وبعدها مباشرةً، ركضت مسرعاً إلى المنزل وكنت أبكي ولا أرى أمامي ذهبت إلى المنزل، وفعلاً لم أر المنزل إلا ركاما!

محمد كان في سن الحادية عشرة

كانت هذه الصدمة الكبيرة، تماسكت وأصبحت أذكر الله لأنني شهدت الكثير مثل هذه المواقف، ولا أدري كنت مصدوما لأن زوجتي قبل حوالي نصف ساعة كانت تكلمني، والآن هيّ تحت الركام. في هذه الأثناء أتت مجموعة من الدفاع المدني وبدأوا بالعمل ليرفعوا الأنقاض، بقيت عائلتي تحت الانقاض 48 ساعة حتى استطاعوا إخراجهم، ولكن قدر الله وماشاء فعل، استشهد جميع أفراد العائلة وبقينا يومين نعمل على إخراجهم من تحت الأنقاض.

عفراء، سبعة أعوام

هل لك أن تخبرنا المزيد عن أطفالك؟ كيف كانوا يمضون وقتهم؟ ما الأشياء التي كانوا يحبون القيام بها؟

نحن نعيش في حصار في حلب، لذا لا يستطيع الأطفال اختيار الأطعمة التي يفضلونها، إنما يتناولون أي  شيئ متوفر لدى العائلة. كان أطفالي يحبون مشاهدة برامج الأطفال على التلفاز، لكن لم يكن ذلك ممكنا بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة، إلا في حالات نادرة.

عبيدة، ثمان سنوات

أمضى صغاري وقتهم باللعب مع أطفال الحي، لكن عيونهم كانت دائما موجهة نحو السماء، خوفا من القصف.

لماذا لم يخرجوا من حلب بعد الاستهداف المتكرر للمدينة؟

خيرتهم بالخروج إلي ريف إدلب، فقالوا لي نحن سوف نبقى معك نموت معاً، ونكون شهداء أو ننتصر ونحن مرفوعي الرأس، هذا كان قرارهم أن يبقوا معي.

أطفال أبو الجود

عندما يتم القصف في الليل كانوا يركضون باتجاهي ويجلسون بجانبي، وعندما تكون الطائرات في النهار كانو يراقبون الطائرات في السماء.

هل ستستمر بعملك كناشط إعلامي بعد ما حصل معك؟

كنت قبل الثورة أعمل في مجال التصوير المرئي والفوتوغرافي. ومع بداية الثورة، وفي أول أيام انطلاقها قمت بتصوير المظاهرات السلمية، وبعدها عندما لجأ النظام إلى استخدام القوة، انتقلت لتوثيق مجازر النظام والعدوان الروسي بكاميرتي، وأقوم بعدها بنشر هذه المجازر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم أكن أتوقع أنه وبنفس الكاميرا التي وثقت بها العديد من المجازر بحق أهالي حلب، سأوثق أيضاً مصابي الذي وقع، وأدى إلى استشهاد عائلتي، كانت تلك اللحظات قاسية ومؤلمة، وكنت غير مدرك لما حصل لبيتي ولعائلتي ولكن على الرغم من مصابي الكبير مستمر بعملي ولن أتوقف عن توثيق مجازر النظام. وتوقعت أن يأتي هذا اليوم، قوات النظام وروسيا وكل ميليشياته، تستهدف بحقدها كل شيء؛ مدنيين وأطفال ونساء والبنية التحتية بشكل يومي.

منزل أبو الجود في شرق حلب، بعد سقوط برميل متفجر من قبل طائرات النظام

وأضاف الحاج “الرسالة الأهم أتمنى أن يتم تسليط الضوء، على باقي المجازر التي ترتكب بحلب خاصة وسوريا عامة، مصيبتي جزء لايتجزأ وصغيرة أمام باقي المجازر التي ترتكب. أولاً نحن إيماننا بالله قوي وإيماننا بالقضاء والقدر وإيماننا بالنصر، عندما تكون الأرض التي ولدت فيها مغتصبةً من قبل عصابات محتلة بالطبع سوف نبقى فيها لكي يتم تحريرها وبناء مجتمع يحب بعضه البعض. والأرض التي جبل ترابها بدم أبنائها ورائحة العطر التي تفوح بكل شوارعها تعطينا القوة والأمل، أعرف أنهم استشهدوا ولكن لن اتركهم تحت ركام المنزل، أخرجتهم وأكرمتهم بالدفن.

 

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال