4 دقائق قراءة

بذريعة الاستثمار أسواق حمص القديمة في مواجهة خطر الاستحواذ

في 15 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وجّه مجلس مدينة حمص إنذاراً لأصحاب المحال في سوق الناعورة للبدء بتجهيزها "وإعادة استثمارها" خلال شهرين من تاريخ الإنذار "تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية، وفقا للأنظمة والقوانين المرعية".


14 أبريل 2021

عمان- “بدي نظفه وأركب له باب، وحتى يصير معي مصاري بفتحه”، قال أبو أحمد (اسم مستعار) من محله في سوق الناعورة وسط مدينة حمص، وسط سوريا. فأولويته الآن الامتثال لأوامر مجلس المدينة، كما أضاف لـ”سوريا على طول”.

ففي 15 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وجّه مجلس مدينة حمص إنذاراً لأصحاب المحال في سوق الناعورة للبدء بتجهيزها “وإعادة استثمارها” خلال شهرين من تاريخ الإنذار “تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية، وفقا للأنظمة والقوانين المرعية”.

نسخة من الإنذار الصادر عن مجلس مدينة حمص حصل موقع “سوريا على طول” على نسخة منه

القانون يأتي أخيراً

لم يفهم أبو أحمد، 65 عاماً، ككثيرين غيره من تجار “الناعورة” المقصود بـ”الإجراءات القانونية”، فالتعبير فضفاض وغير واضح، كما وصفه. لكن وفق ما نقلت صحيفة “الوطن” الموالية عن مصدر من غرفة تجارة حمص، فإن عدم الامتثال يعني أن المحافظة ستقوم هي نفسها بإعادة افتتاح المحال في السوق.

هذا الأمر اضطر أبو أحمد إلى استدانة المال من أحد أقاربه المغتربين، كما قال، لاستكمال تكاليف الصيانة المبدئية البالغة خمسة ملايين ليرة. لكنه لن يتمكن من استثمار المحل الذي يملكه، إذ يحتاج ذلك بحسبه إلى 20 مليون ليرة إضافية، لا يملك منها إلا ما يكفي لملء البسطة المتنقلة التي يعتاش منها حالياً هو وأسرته.

في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، أصدر مجلس حمص إنذاراً جديداً، “بناء على مراجعات أصحاب المحال بخصوص منح مهلة إضافية”، كما جاء في الإنذار الذي تعدى سوق الناعورة لينسحب على جميع محال ومكاتب مركز المدينة، لتأهيلها واستثمارها خلال شهرين من تاريخه.

نسخة من الإنذار الثاني الصادر عن مجلس مدينة حمص، حصل موقع “سوريا على طول” على نسخة منه

وبحسب الصفحة الرسمية لمجلس المدينة، فإن عدد المحال الجاري ترميمها لإعادة استثمارها بعد القرار الإنذار تجاوز 234 محلاً. لكن تعليقات أهالي المدينة على صفحة المجلس على “فيسبوك”، تكشف عن غضب من اللجوء إلى “لغة الإنذارات والوعيد للتجار بدلا من تحفيزهم بإعفائهم من الضرائب وتوفير الكهرباء وتأهيل الطرقات”، بحسب أحد المعلقين. فيما طالب آخر “بتوفير السيولة للتاجر قبل تهديده”.

كذلك، “لا يوجد أي نص قانوني يجبر أصحاب المحال على فتحها، ولا تستطيع أي جهة حرمان أي مالك من ملكيته لعدم فتحه محله”، كما شدد المحامي السوري المقيم في تركيا، محمد الجوجة في حديث لـ”سوريا على طول”، معللاً استمرار توجيه الإنذارات وصياغتها بطريقة مبهمة وفضفاضة، رغم عدم “إقرار مراسيم تنفيذية أو تشريعية تتضمن نصوصا قانونية واضحة” تجيز ما تتضمنه الإنذارات، في السعي إلى “إخافة المواطنين وترهيبهم، لتفعيل أسواق مركز المدينة، وإظهار الحياة كأنها عادت إلى طبيعتها في مناطق سيطرة النظام”. فيما “يجب إخضاع الأجور المتراكمة على أصحاب المحال التجارية والوقفية للنقاش والمفاوضة، خصوصاً أنهم لم يستفيدوا منها، بسبب الحرب وعدم جاهزيتها لاستقبال الزبائن والتجار أنفسهم”.

تعاميم على الجدران

بعد خمس سنوات على انتقاله لحي كرم الشامي، اضطر أبو عزمي (اسم مستعار)، 50 عاماً، إلى العودة لمحله القريب من السوق المسقوف رغم عدم جاهزية المنطقة، بما في ذلك الطرق المؤدية إليها، وبالتالي ندرة الزبائن. وقد جاء ذلك “حتى لا تبيع مديرية أوقاف حمص محلي بالمزاد العلني”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

إذ بمحض الصدفة، وقعت عينا أبو عزمي، في 16 شباط/فبراير الماضي، على صورة منشورة ضمن تعليق على “فيسبوك” لتعميم صادر عن مديرية أوقاف حمص، يدعو مستأجري العقارات الوقفية في أسواق المسقوف والحسبة والناعورة والأسواق القديمة، لمراجعتها ومتابعة المستجدات المتعلقة بمحالهم التابعة لها، في مدة أقصاها شهر، وبحيث يعد “التبليغ بمنزلة تبليغ شخصي لكل مستأجر”. 

بناء على ذلك، راجع أبو عزمي المديرية في اليوم التالي، حيث طالبته “الأوقاف بالأجور المتراكمة علي منذ خمس سنوات للعقار الوقفي الذي استأجره والدي العام 1972″، كما قال. ما اضطره إلى دفع “نحو 250 ألف ليرة، بعد رفض المديرية التفاوض أو تخفيض المبلغ، مع أن المحل كان مغلقاً ولم أستفد منه ولا ليرة”.

رغم ذلك، يظل أبو عزمي أكثر حظاً ممن لم تسعفهم الصدفة ليشاهدوا التعميم. إذ “لو لم أره، لكانت انتهت المهلة وخسرت محلي” كما قال، متسائلا عن “عدم نشر التعاميم الرسمية المهمة على صفحات التواصل الاجتماعي [الخاصة بالهيئات المعنية] أو على التلفزيون السوري الرسمي، ليراها المعنيّون ويتصرفوا قبل فوات الأوان”. مستدركاً بالاستنتاج أن “إهمال نشر التعاميم والإنذارات والاكتفاء بتعليقها على جدران مديرية الأوقاف وأبوابها” هدفه وضع “يدها على العقارات الوقفية المؤجرة منذ عقود للتجار بغطاء قانوني”، بدعوى “أنها منحتهم مهلة لكنهم لم يصوبوا أوضاعهم، فيما الحقيقة أنه لم يصل التعميم إليهم أساسا”.

“الأوقاف تسعى لاستعادة عقاراتها من المستأجرين لرفع قيمة أجورها لمستأجرين جدداً، بحيث تصل إلى ثلاثة أو أربعة ملايين ليرة سنوياً، عوضاً عن 40 ألف ليرة تقريباً” في الوقت الحالي.

ووفقًا لتبليغ صادر عن مديرية الأوقاف يوم 31 آذار/مارس الماضي، عُلق على باب المديرية، موجه لأربعة وعشرين مستأجراً متأخرين عن “تسديد الأجور المترتبة عليهم”، فإن الإجراءات القانونية التي تنتظرهم هي الإخلاء.

وفيما رجح أبو عزمي أن تكون غالبية الأسماء الواردة في التعميم لسوريين مقيمين خارج البلاد، وهم الأكثر عرضة لخطر حجز ممتلكاتهم أو مصادرتها، كما لفت المحامي الجوجة، بسبب “صعوبة تصرفهم فيها من حيث البيع والشراء وسداد الذمم، وذلك لاشتراط الموافقات الأمنية على الإجراءات المتعلقة بها، والتي تُمنع غالباً عن السوريين خارج البلاد من النشطاء والمعارضين وأقربائهم”.

شارك هذا المقال