3 دقائق قراءة

بشار الأسد يصدر عفواً عاماً يستثني معتقلي الرأي: فمن المستفيد وما سرّ توقيته؟

في الوقت الذي يصدر بشار الأسد مراسيم عفو عام - لا تشمل معتقلي الرأي - يطلق يد أجهزته الأمنية لاعتقال مزيد من المواطنين. وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عشية إصدار العفو الأخير، 147 حالة اعتقال تعسفي أو احتجاز في سوريا، خلال نيسان/أبريل الماضي، منها 56 على يد القوات النظام.


3 مايو 2021

عمان– استبق بشار الأسد موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 20 و26 أيار/ مايو الحالي، بإصدار مرسوم تشريعي، أمس الأحد، يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل الثاني من الشهر الحالي، وهو العفو العام الثامن عشر منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011.

وكان الأسد أصدر مرسوم عفو عام بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 بدعوى “التسامح الاجتماعي واللُّحمة الوطنية ومتطلبات العيش المشترك”، غير أنه طرح المرسوم الأخير قبيل الانتخابات بهدف “استخدامه كورقة دعائية لزيادة شعبيته، باعتبارها الورقة الأخيرة، بعد أن بات عاجزاً عن اتخاذ أي خطوة إصلاحية حقيقية من شأنها النهوض باقتصاد البلاد وتحسين المستوى المعيشي للسوريين، وترميم البنى التحتية للدولة”، كما قال القاضي السابق، المنشق عن نظام الأسد، مصطفى القاسم، لـ”سوريا على طول”.

مرسوم “وهمي”

تدرّج المرسوم التشريعي رقم (13) للعام 2021، المتضمن 23 مادة مفصلة، بين العفو عن كامل العقوبة أو نسباً منها. إذ منح عفواً عاماً عن الجنح والمخالفات، وتدابير الإصلاح والرعاية للأحداث، وبعض الجنايات، من قبيل “النيل من هيبة الدولة”، كما جاء في المرسوم، إلى جانب جرائم أخرى تضمنها المرسوم.

وكذلك، منح المرسوم عفواً عن “ثلثي العقوبة في بعض الجنح، كالرشوة، أو تزوير السجلات الرسمية، ونصف العقوبة المؤقتة في كافة الجرائم الجنائية، وجرائم الأحداث، عدا ما استثني منها ضمن أحكام المرسوم. وعن ثلث العقوبة في جرائم التهريب، والاتجار بالمخدرات”، بحسب الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.

ونصّ المرسوم على استثناءات لا تشملها أحكامه، من قبيل: جنايات تهريب الأسلحة والمتفجرات، أو الجرائم التي أفضت إلى موت الإنسان، كذلك استثنيت غرامات المخالفات من العفو.

أيضاً، لا يستفيد من العفو “المتوارون عن الأنظار والفارّون عن وجه العدالة في الجنايات المشمولة بأحكام هذا المرسوم التشريعي إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره إلى السلطات المختصة”.

وعلى عكس ما وصفت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية مرسوم العفو بأنه “من أشمل مراسيم العفو العام عن مرتكبي جرائم المخالفات والجنح والجنايات”، اعتبر القاضي السابق مصطفى القاسم أن “المرسوم في جوهره لا يختلف عن المراسيم السابقة”، كون موادها “لم تشمل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي”، والذي يبلغ عددهم 149,361 معتقلاً ومختف قسرياً بحسب أرقام نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في آذار/مارس الماضي.

وعدا عن أن “الاستثناءات التي تضمنها المرسوم التشريعي تحدّ من فعاليته، وتفرغه من معناه”، بحسب القاسم، فإنها “تترك للنظام إمكانية تطبيقه بانتقائية”، فإذا شمل العفو “الموقوفين بجرم النيل من هيبة الدولة، قد يُحرّك ضدهم تهم أخرى بالتواطؤ مع بعض القضاة للحيلولة دون إخلاء سبيلهم”.

هذا ولن يشمل العفو المعتقلين غير المحالين للقضاء “من المختفين قسرياً أو المنسيين في معتقلات النظام السرية وأقبية الفروع الأمنية ومعتقلات الميليشيات الإيرانية وحزب الله”، أضاف القاسم. لذلك سيستفيد من العفو “الوهمي” على حدّ تعبيره “قلة من أصحاب الجرائم العادية والجنائية”.

تضليل وجباية

في الوقت الذي يصدر بشار الأسد مراسيم عفو عام – لا تشمل معتقلي الرأي – يطلق يد أجهزته الأمنية لاعتقال مزيد من المواطنين. وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عشية إصدار العفو الأخير، 147 حالة اعتقال تعسفي أو احتجاز في سوريا، خلال نيسان/أبريل الماضي، منها 56 على يد القوات النظام.

هذا يعني أن النظام يستخدم مراسيم العفو “بطريقة تضليلية لتوجيه رسائل سياسية للداخل والخارج”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول” مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، بهدف “إظهار تجاوبه مع مطالب المجتمع الدولي”.

لكن “رسائل التودد الصادرة عن النظام، التي يسعى من خلالها إظهار نفسه أمام المجتمع الدولي على أنه مبادر للسلام لن تنجح من دون الذهاب إلى عفو حقيقي وتبييض السجون العلنية والسرية”، كما أشارالقاضي القاسم.

ولأن مراسيم العفو العام الذي أصدرها الأسد خلال عشر سنوات لا “تشكل حلاً لقضايا الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري أو التعذيب والقتل خارج إطار القانون”، بحسب درويش، فإن شدد على ضرورة “تغيير البنية السياسية والقانونية للنظام في سوريا، وتحديد صلاحيات الأجهزة الأمنية في أضيق نطاق، وإخضاعها لسلطة القانون”، كذلك “وقف الحصانات التي يتمتع بها منتسبيها وإخضاع أعمالهم لسلطة القضاء المستقل”، علاوة على “إنشاء هيئة مستقلة ذات صلاحيات واسعة لحل قضية المختَفين والمفقودين في سوريا”.

من جانبه، اعتبر المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، سامر الضيعي، أن النظام حاول من خلال مرسوم العفو الحالي “استجرار الأموال من مرتكبي الجرائم”، مستشهداً بـ”الاشتراطات التي انتهت بها بنود المرسوم المتعلقة بالجرائم المالية”، كما قال لـ “سوريا على طول”.

ففي وقت تشهد مناطق سيطرة النظام أزمة اقتصادية، وتسجل الليرة السورية أسعار صرف متدنية مقابل الدولار الأميركي، “يرفد مرسوم العفو، بحسب بعض بنوده، النظام بمبالغ كبيرة”، كما قال الضيعي، خصوصاً مع “استعداد المخالفين لدفع الغرامات مقابل إسقاط عقوبة السجن”.

وقد منح المرسوم عفواً كاملاً عن “جرائم التهريب شريطة إجراء التسوية مع إدارة الجمارك، وجرائم تعاطي المخدرات، وجرائم التعامل بغير الليرة السورية شريطة تسديد الغرامات المترتبة لمصرف سورية المركزي”، كما “لم يشمل مرسوم العفو الغرامات المترتبة على مخالفات الجمارك، ومخالفات البناء، والكهرباء، والصرافة، وكل الغرامات التي تحمل طابع التعويض المالي”.

شارك هذا المقال