12 دقائق قراءة

بعباءة “اللجوء” عبث حكومي سوري بأمن واستقرار اللاجئين في أوروبا وتهديد لمصالحهم في الوطن الأم

برلين- تمثّل دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، ملاذاً آمناً للاجئين السوريين، مقدمة لهم ظروفاً معيشية جيدة. رغم ذلك، لا تزال مخاوف تطارد شريحة من اللاجئين، خصوصاً ناشطين وحقوقيين، من أذرع تابعة للحكومة السورية تسللت فيما بينهم، لا سيما أن الحديث عن تغيير نظام الحكم في سوريا أصبح من الماضي.


21 أكتوبر 2019

للاستماع إلى نص التحقيق: اضغط هنا

برلين- تمثّل دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، ملاذاً آمناً للاجئين السوريين، مقدمة لهم ظروفاً معيشية جيدة. رغم ذلك، لا تزال مخاوف تطارد شريحة من اللاجئين، خصوصاً ناشطين وحقوقيين، من أذرع تابعة للحكومة السورية تسللت فيما بينهم، لا سيما أن الحديث عن تغيير نظام الحكم في سوريا أصبح من الماضي.

فالنظام “يبدو مستقراً الآن”، كما قال الصحافي الألماني هارالد إيزابيتش لـ”سوريا على طول”، ما يفسّر “انخفاض نسبة التظاهرات المناهضة للنظام السوري، وانخراط اللاجئين في مشاريع تعليمية وثقافية بعيداً عن الأنشطة السياسية. هذا فضلاً عن حالة الإرهاق التي أصابتهم”.

وإذا كان استقرار حكومة دمشق بحد ذاته يخيف اللاجئين، فإن “اتباع النظام سياسة التجسس على المغتربين قديماً، واللاجئين حديثاً، مستعيناً بلاجئين آخرين في هذه المهمة، يزيد من تخوفهم”، بحسب دبلوماسي سوري سابق، مقيم في ألمانيا، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم ذكر اسمه ومكان إقامته لأسباب أمنية.

وكما أوضح الدبلوماسي الذي عمل في أكثر من بعثة دبلوماسية سورية، فإن “النظام يعتمد على المغتربين واللاجئين في تتبع معلومات أقرانهم، ومعرفة من هو معه أو ضده. فهؤلاء يقومون بما لا يمكن للسفارة أن تقوم بها بشكل مباشر تجاه اللاجئين”. لافتاً إلى أن “بعض المعاملات التي كان يُطلب من موظفي السفارة تسهيلها، يُذكر فيها أن صاحب المعاملة سيراجع فرعاً أمنياً في سوريا، في إشارة إلى أنه مجند لصالح النظام، أو في بعض الحالات مجبر على الإدلاء بمعلومات وشهادات تحت الضغط والتهديد”.

هذه الصورة الراسخة في أذهان اللاجئين عن الأجهزة الأمنية السورية، ربما أثارت تخوّف بعض المصادر في هذا التحقيق من إجراء لقاءات صحافية مباشرة، مكتفية بالإدلاء بالمعلومات والوثائق إلكترونياً. إذ “من غير المستبعد أن يرسل النظام أشخاصاً تحت مسميات كثيرة؛ صحافيين أو عاملين في منظمات مجتمع مدني أو دراسات أهلية وغيرها”، بحسب ما ذكر اللاجئ السوري عبد الجليل الحوراني لـ”سوريا على طول” من مكان إقامته في برلين.

عبث قديم يتجدد مع أزمة اللجوء الأخيرة

في 17 آذار/مارس 1981، اغتالت المخابرات السورية السيدة بنان الطنطاوي، زوجة المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين، عصام العطار، في مدينة آخن الألمانية. إذ اقتحم مسلح منزل العطار بهدف اغتياله، إلا أن الأخير لم يكن موجوداً فاستهدف القاتل زوجته بخمس رصاصات فارقت على إثرها الحياة.

قبل ذلك، اغتيل رئيس وزراء سوريا الأسبق، ومؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي، صلاح البيطار، في فرنسا، العام 1980. ورغم أن الفاعل ما يزال مجهولاً، إلا أن الاتهامات وجهت لحكومة دمشق بقيادة حافظ الأسد، كون الحادثة وقعت بعد خلاف بين البيطار والأسد.

هاتان الحادثتان، إلى جانب حوادث أخرى وقعت منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، عدا عن شهادات حصلت عليها “سوريا على طول” من لاجئين سوريين في ألمانيا، أثناء إعداد هذا التحقيق، تشير إلى أن أذرع حكومة دمشق في أوروبا كانت وما تزال تشكّل تهديداً حقيقياً للمغتربين واللاجئين السوريين.

إذ فيما مثّلت حادثة اغتيال الطنطاوي في آخن، أولى جرائم حكومة دمشق في أوروبا، عبر أذرع تابعة له، فإن حادثة مقتل الصيدلاني السوري محمد جونة، في مدينة هامبورغ الألمانية، منتصف كانون الثاني/ يناير 2019، قد لا تكون الأخيرة، عدا عن كونها تصعّد مخاوف اللاجئين الجدد. إذ تفيد إحدى الروايات التي أوردتها وسائل إعلام ألمانية أن جونة ربما قتل لكونه ناشطاً معارضاً للنظام السوري، فيما لم تثبت رواية الشرطة الألمانية هذه الرواية إلى الآن.

وتنفذ حكومة دمشق أجندتها في دول الاتحاد الأوروبي عبر مؤسسات مدنية لها ارتباطات وتنسيق مباشر مع الأجهزة الأمنية في دمشق أو السفارات السورية خارج البلاد، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” عضو مجلس إدارة المعهد الأوروبي للمبادرات السياسية، الدكتور باسم حتاحت، وهو ناشط حقوقي بلجيكي من أصول سورية.

ومن المؤسسات التي تتخذها حكومة دمشق ذراعاً لها في الخارج، بحسب حتاحت، الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، الذي “كان يعقد اجتماعاته في السفارات السورية في أوروبا، قبل أن يتم قطع العلاقات الدبلوماسية” مع دمشق. لافتاً إلى أن هذا الكيان “كان مسؤولاً أيضاً عن تنظيم مسيرات مؤيدة للنظام في أعقاب كل تظاهرة معارضة له في أوروبا”.

كذلك، لعب تجار من أصول سورية دوراً بارزاً في دعم الأسد وتنفيذ أجندته داخل الاتحاد الأوروبي، ينضوي عدد منهم تحت “رابطة المغتربين السوريين”. إذ كانت تقوم الرابطة “بجهد كبير في تنسيق اللقاءات بين مسؤولين سوريين ونظرائهم على مستوى الاتحاد الأوروبي وغرف التجارة” بحسب ما كشف حتاحت. مضيفاً أنه “مع اندلاع الثورة تكتلوا إلى جانب الأسد، وساهموا في تمويل مسيرات مؤيدة له، فضلاً عن اختراق التظاهرات المناهضة له”.

لكن محمد كاظم هنداوي، مدير المنظمة الأوروبية العربية لحقوق الإنسان، ومقرها ميونيخ، يعتبر أن “النظام لم يحرك أذرعاً جديدة في أوروبا، لأنه أصلاً لم يترك أوروبا. فهو يرافق اللاجئين بكل تحركاتهم، ويمارس عمله الأمني والاستخباراتي بأساليب وأنواع مختلفة لملاحقة السوريين”. مؤكداً في الوقت ذاته دور الأذرع القديمة المتمثلة في التجار، كون هذه الشريحة أكثر جرأة من “اللاجئ الشبيح، الذي يخشى على ملف لجوئه وإقامته”، كما قال.

وإلى جانب المغتربين السوريين ومؤسساتهم، يلفت مدير الرابطة السورية لحقوق الإنسان والمساءلة، المحامي حسان الأسود، إلى اعتماد حكومة دمشق على الأحزاب اليمينية المتطرفة في تشويه صورة اللاجئين السوريين، وإثارة “خطاب الكراهية” ضدهم بما يخدم مصالح النظام السوري. 

إذ من “من السهل على النظام السوري دعم منظمات وأحزاب متطرفة أو يمينية -وهو يفعل ذلك في الحقيقة- لتغيير الرأي العام من مساند إلى مناهض للاجئين”، كما قال الأسود لـ”سوريا على طول”. هذا عدا عن قدرة هذا النظام “على إرسال أفراد مدربين من أجهزته للقيام بأعمال تخريبية ونسبتها للاجئين”.

وفي إحدى حالات التحريض اليميني ضد اللاجئين، وصف اللاجئ السوري “كيفورك ألماسيان”، وهو من أصول أرمنية، وموالٍ لحكومة دمشق، اللاجئين السوريين بأنهم “سلاح دمار شامل ضد أوروبا”. ألماسيان الذي وصل إلى ألمانيا العام 2015، شارك في عدة مؤتمرات لـ”حزب البديل” المعادي للاجئين، ولا يخفي دفاعه عن بشار الأسد، بحسب تقرير لمحطة “دويتشه فيله” الألمانية في آذار/مارس الماضي.

عيون دمشق في برلين

في برلين، يشعر العقيد المنشق عن القوات الحكومية السورية أن عيوناً تتبعه في كلّ مكان. ورغم أن الحديث عن وجود عملاء لحكومة دمشق لا يقتصر على العاصمة الألمانية، إلا أن العقيد، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “عملاء النظام في برلين أكثر تنظيماً”، وأنهم “موزعون على الشوارع والأحياء، وينقلون كل شاردة وواردة إلى دمشق”.

وفيما يتمثل التهديد الذي يطال العقيد المنشق في إمكانية نقل أخباره إلى دمشق، فإن الخطر في حالة الناشطة المعارضة ميسون بيرقدار بلغ حدّ التهديد بالقتل، بحسب ما ذكرت لـ”سوريا على طول”، مقدّمة أدلة تتمثل في تسجيلات صوتية وصور محادثات توثق فيها التهديد الذي تعرضت له من شخص داخل الأراضي الألمانية.

وجاء في تهديد اطلعت عليه “سوريا على طول”، ما نصه: “رح نعمل فيكِ مثلما صار مع الخاشقجي.. لما رح تلاقي السكين على رقبتك بدي شوف شو رح ينفع فيك”. 

صيغة التهديد ذاتها وصلت إلى بيرقدار من عضو في لجان المصالحة التابعة لحكومة دمشق، عمر رحمون. وعندما هددته باللجوء إلى القضاء الألماني، كان رد رحمون بحسب قولها: “المخابرات الألمانية التي تهدديني بها تنسق معنا [أي مع الحكومة السورية]”.

صورتان تظهران التهديد الذي تلقته المعارضة السورية ميسون بيرقدار عبر تطبيق واتسآب وحسابها على “فيسبوك” (ميسون بيرقدار)

 

وفي تسجيل صوتي، من الشخص ذاته الذي تحدث بلهجة لبنانية، قائلاً إنه من منطقة صور اللبنانية، توعد بالقضاء على الثورة السورية، وأن لبنان “لشخص واحد هو السيد حسن نصر الله، وسوريا للكبير وتاج الراس.. بشار الأسد”. 

بيرقدار قالت بدورها لـ”سوريا على طول” إنها قدمت “شكوى رسمية للقضاء الألماني، وأرفقت الأدلة اللازمة”، دون إضافة مزيد من التفاصيل.

أيضاً، تلقّت الصحافية والناشطة السورية لارا قباني رسالة عبر “فيسبوك”، بعد ساعات فقط من وصولها إلى العاصمة الألمانية برلين، من شخص ادعى أنه يعمل في مكتب قناة أورينت الفضائية، وهي قناة سورية معارضة مقرّها دبي. وقد ادعى ذلك الشخص أنه يريد مقابلة قباني لإجراء لقاء تلفزيوني معها.

وكما وصفت قباني، وهي من الناشطات المناهضات للحكومة السورية، لـ”سوريا على طول”، فقد شعرت أن ذلك الشخص يستدرجها، ويحاول أن يجمع معلومات عنها. فاتصلت بصحافي يعمل مع مكتب أورينت في برلين، نفى وجود شخص آخر يعمل معه لصالح المحطة في المدينة ذاتها. وهو ما دفعها إلى “تقديم بلاغ للشرطة الألمانية التي حددت بدورها مكان الشخص ووضعته تحت المراقبة”، كما قالت.

وفي حادثة أخرى، تعرّض عبد الجليل الحوراني، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لدواع أمنية، تعرضه لعدة تهديدات شخصية في برلين، واحدة منها “كانت محاولة دخول بيته قسراً بغيابه. لكن المحاولة باءت بالفشل”.

تهديد عابر للحدود

في تعليقه على تهديد حكومة دمشق للاجئين السوريين على الأراضي الألمانية من خلال أشخاص يعملون لصالحها، قال الحقوقي أنور البني لـ”سوريا على طول” أنه “حتى لو كانت التهديدات من مجرمين مرتبطين مع النظام السوري، فإنهم أجبن من أن يترجموا تهديداتهم إلى أفعال في أوروبا، لأن ذلك يدينهم أكثر مما هم مدانون فيه”.

لكن إذا وقفت سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية حائلاً أمام أي عمليات ضد لاجئين سوريين على أراضيها، فإن هذا لا ينفي وجود تهديد حقيقي لهؤلاء قد يأخذ أشكالاً أخرى، من قبيل ارتكاب انتهاكات بحق ذوي اللاجئين الذين ما يزالون داخل سوريا.

في هذا السياق، ذكر عبد الجليل الحوراني، الذي ينحدر من محافظة درعا جنوب سوريا، أن “النظام استدعى أهلي في درعا للتحقيق. وخلال التحقيق سألوا عن آخر أبنائي الذي ولد في ألمانيا، ولم أوثق معلوماته في السفارة السورية ولا في أي دائرة سورية أخرى داخل البلاد وخارجها”.

وتساءل الحوراني: “إذا كان أقاربي في سوريا لا يعلمون التفاصيل الدقيقة عن آخر أبنائي، مَنْ غير مخبري النظام يمكنهم جمع معلومات عنا كلاجئين ونقلها إلى أفرع النظام؟!”.

حادثة مماثلة واجهت علي الحسن، الذي تستدعي الأجهزة الأمنية في دمشق عائلته بين فترة وأخرى، منذ سيطرتها على الغوطة الشرقية في نيسان/أبريل 2018، وتضغط عليهم “لمعرفة مكان وجودي الحالي، ونشاطي الماضي والحالي”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”.

الحسن (40 عاماً) هو ناشط حقوقي من الغوطة الشرقية، انتهى به المطاف في قرية صغيرة بالريف الفرنسي، بعد رحلة تهجير قسري من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، وأخرى طوعية إلى  حيث هو اليوم. وقد رافقته في رحلته، كما كشف، “أسرار الغوطة الشرقية وقضايا حساسة مثل موضوع [استخدام السلاح] الكيماوي”، من قبل القوات الحكومية ضد السوريين المدنيين هناك.

إذ شارك الحسن في توثيق انتهاكات جميع القوى العسكرية في دمشق وريفها، منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، والتي كان آخرها “توثيق جرائم النظام في الحملة الأخيرة، والمساهمة في إعداد تقارير حقوقية عن الأسلحة المحرمة دولياً”. وهو ما خلق شعوراً بأن “التهديد يرافقني في مكان إقامتي الجديد، عدا عن أنه واقع فعلاً على أهلي الذين فضّلوا البقاء في سوريا”.

وعدا عن الخوف على عائلته، فإنه يشعر بالذنب أيضاً لأنه وضع عائلته أمام احتمالية تحول التحقيق مع أفرادها إلى انتهاكات بحقهم، لافتاً إلى أنه “غير آمن، وخائف من سيناريوهات تعامل أجهزة النظام داخل سوريا وخارجها معي ومع عائلتي في المستقبل”.

وكما كشف الدبلوماسي السوري السابق لـ”سوريا على طول”، فإن “النظام يستخدم في تهديد اللاجئين أساليب الترغيب والترهيب”. وفيما يتمثل “الترغيب في إصدار مراسيم العفو، والتشجيع على العودة إلى البلاد، يكون الترهيب من خلال سنّ قوانين تضرّ بمصالح اللاجئين داخل الأراضي السورية”. وذكر الدبلوماسي مثالاً على ذلك “قانون مصادرة الأملاك في سوريا” الذي تم بموجبه تنفيذ حجز احتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سوريين. 

زوّار دمشق

أثارت ألمانيا عبر حكومتها وإعلامها ملف زيارة لاجئين سوريين لبلادهم. ورغم أن الحكومة لم تتهم زوار دمشق بموالاتهم للحكومة هناك أو ضلوعهم في العمل لصالحها على الأراضي الألمانية، فإن وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، قدم اقتراحاً، في آب/أغسطس الماضي، بسحب صفة اللجوء أو ترحيل لاجئين سوريين عادوا إلى بلدهم.

ونقلت صحيفة “بيلد أوزونتاغ” تصريحاً للوزير بأنه “لا يمكن أن يدعي أي لاجئ سوري يذهب بانتظام إلى سوريا في عطلة، أنه تعرض للاضهاد، وعلينا حرمان مثل هذا الشخص من وضعه كلاجئ”.

أكثر من ذلك، من وجهة نظر لاجئين سوريين، أن زيارة لاجئين يتمتعون بحق الحماية في ألمانيا إلى سوريا، تمثل حالة غير طبيعية، عدا عن أن ذلك يمثل تهديداً للاجئين الفارين فعلاً من اضطهاد القوات والأجهزة الأمنية السورية. إذ بحسب العقيد المنشق، فإن “كل شخص يزور دمشق ومن ثم يعود إلى أوروبا، هو عين للنظام في ألمانيا، سواء كان مجنداً لهذه المهمة أو مجبراً عليها”.

ولفت إلى أن “كل من يدخل إلى دمشق يقدم معلومات عن جيرانه من اللاجئين في ألمانيا”، كونه بحسب وصفه “مجبر على أن يتقيأ المعلومات غصباً عنه”.

ملاحقة المتورطين

بين فترة وأخرى، ينشر لاجئون سوريون ومواقع إعلامية سورية معارضة، صوراً أو معلومات لأشخاص موالين لحكومة دمشق أو محسوبين على أجهزتها الأمنية. ومن ذلك ما نشره موقع زمان الوصل (المعارض)، في أيار/مايو الماضي، من معلومات عن شخص كان ضابط مخابرات سابق في سوريا، وصل إلى ألمانيا في العام 1998 ويقيم حالياً بمدينة نورد هاين الألمانية.

وتظهر في واحدة من الصور التي نشرها “زمان الوصل” إحدى سيارات المدعو ياسر التنجي، في نورد هاين، وقد غطت زجاجها الخلفي صورة للرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة. ورغم أن ذلك يؤكد وجود مؤيدين لحكومة دمشق ذوي خلفيات أمنية أحياناً، إلا أنه لا يعدّ دليلاً للملاحقة القانونية بشبهة ما يُطلق عليه “أذرع النظام في أوروبا”.

صورة تجمع بشار وماهر الأسد موضوعة على الزجاج الخلفي لسيارة تعود لمواطن ألماني-سوري في نورد هاين (زمان الحدث

 

وبحسب رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أنور البني، فإنه رغم وجود أذرع للحكومة السورية في أوروبا “ساهموا في إرسال تقارير للنظام سابقاً أو لاحقاً”، إلا أنه لا يمكن ملاحقتهم قضائياً ما لم تُثبت الأدلة “أن تقارير هؤلاء كانت سبباً في اعتقال أو ارتكاب جرائم ضد السوريين. وإذا توفرت الأدلة يمكننا ملاحقتهم في دول الاتحاد الأوروبي”.

ولفت البني، في حديث إلى “سوريا على طول”، أن الحالات التي “تعرضت لتهديدات من قبل الشبيحة، وتم تقديم الشكاوى مع الأدلة للأمن الألماني، تم التعامل معها بجدية”. مشيراً إلى “اعتقال أشخاص على خلفية تهديدهم للناس أو تشبيحهم عليها”.

مع ذلك، يبدو أن تحرّك السلطات الألمانية كان أكثر وضوحاً في ملاحقة “مرتكبي جرائم الحرب”. إذ اعتقلت السلطات الألمانية، في شباط/فبراير الماضي، ضابطين سابقين في المخابرات السورية، فيما تم اعتقال شخص ثالث في فرنسا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سوريا.

وساهم في تحريك ملف ملاحقة “مرتكبي جرائم الحرب في سوريا” الذين وصلوا إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، مجموعة من الناشطين الحقوقيين المناهضين للأسد، من أمثال المحامي أنور البني الذي كان له دور أيضاً في إصدار مذكرات توقيف ألمانية-فرنسية بحق عدد من رموز حكومة دمشق، منها مذكرة صدرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 بحق ثلاثة من ضباط المخابرات السورية، هم: رئيس المخابرات الجوية جميل الحسن، ومدير الأمن القومي علي مملوك، ورئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية عبد السلام محمود.

تقصير.. و”إجبار على مراجعة الجلاد”

تتصدر ألمانيا قائمة الدول الأوروبية المستضيفة للاجئين السوريين، إذ بلغ عددهم، حتى نهاية العام 2018، بحسب مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا، نحو 526 ألف لاجئ. وقد ساهم هذا العدد الكبير “في تسلل مقاتلين سابقين في صفوف حكومة دمشق وعناصر استخبارات تابعة لها بين اللاجئين، ما دفع عدداً من الدول الأوروبية، بما فيها ألمانيا وهولندا والسويد، إلى إعادة فتح ملف اللاجئين والتدقيق فيها مجدداً”، بحسب ما ذكر الدكتور باسم حتاحت.

وفيما اعتبر مدير المنظمة الأوروبية العربية لحقوق الإنسان، محمد كاظم هنداوي، أن “القضاء الألماني كان مقصراً في ملاحقة المجرمين والمتعاونين مع حكومة دمشق”، وهو التقصير الذي مثل “أحد أسباب تسلل الشبيحة اللاجئين” إلى أوروبا، فإن المحامية الألمانية نهلة عثمان، وهي من أصول سورية ومختصة في شؤون قانون الأجانب وشؤون العائلة، عزت عدم تحرك الحكومة الألمانية تجاه المتهمين بالتجسس لصالح النظام إلى “عدم توفر الأدلة الكافية”.

وأوكل إلى عثمان عدة قضايا من معارضين سوريين في برلين، يدّعي أصحابها تعرضهم لتهديدات من أشخاص يعملون لصالح دمشق، إلا أن “واحدة من القضايا استوفت الأدلة والمعلومات، وتمكنتُ من السير في الإجراءات القانونية المتبعة لإدانة المدعو عليه” بحسب ما ذكرت لـ”سوريا على طول”.

وإذ يتفق مدير الرابطة السورية لحقوق الإنسان والمساءلة، المحامي حسان الأسود، مع المحامية عثمان بشأن مسألة “عدم كفاية الأدلة”، فإنه يضيف إلى ذلك عقبات أخرى تعيق عمل القضاء الألماني في ملاحقة المجرمين. من ذلك خصوصاً “محدودية إمكانات وحدة جرائم الحرب، وهي الجهة التنفيذية المختصة بالتحقيق في الجرائم المفترضة التي يتم التبليغ عنها. كما عدم موافقة الأدلة للمعايير المتبعة في النظام القضائي الأوروبي”.

وقد حاولت “سوريا على طول” الحصول على تعليق رسمي من المكتب الصحافي للمدعي العام الاتحادي في محكمة العدل الفيدرالية الألمانية، إلا أنها لم تتلقَ رداً حتى إعداد هذا التقرير.

ومع تشديده على أهمية دور المنظمات السورية العاملة في مجال ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، يعتقد المحامي الأسود أن “المنظمات السورية ما تزال بحاجة إلى تأهيل أكبر للوصول إلى المستوى المطلوب. إذ لا توجد أي منظمة سورية يمكنها بناء ملف جنائي متكامل وفق معايير المحكمة الجنائية الدولية أو وفق معايير أي محكمة جنائية وطنية أوروبية حتى الآن”.

كذلك ما يؤخذ على الحكومة الألمانية تبنيها سياسات مشددة “غير مبررة تجاه اللاجئين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة، بشكل أدى بطريقة غير مباشرة إلى تهديد اللاجئين السوريين”، بحسب ما ذكرت مصادر عدة لـ”سوريا على طول”.

إذ رأى سعيد الحمصي (35 عاماً)، وهو لاجئ سوري مقيم في مدينة كولن، أن “الحكومة الألمانية تتحمل مسؤولية بعض حوادث التجسس على اللاجئين السوريين في ألمانيا”، كون “معظم السوريين القادمين من دون وثائق سفر سورية رسمية أعطتهم الحكومة الألمانية إقامات مؤقتة لمدة سنة، ثم طلبت منهم مراجعة السفارة السورية في ألمانيا للحصول على وثائق سفر سورية منها”.

هذا الطلب بالنسبة لمناهضي حكومة دمشق، هو “إجبار على مراجعة الجلاد”، بوصف عمر الأحمد (50 عاماً)، وهو لاجئ سوري يقيم في مدينة شتوتغارت الألمانية. موضحاً أنه “منذ أن خرجت مدينتي في ريف حمص الشرقي عن سيطرة النظام، وحتى وصولي إلى أوروبا مروراً بتركيا، لا يعلم النظام أي معلومات عني، فهل أذهب بنفسي لأعطيه تحديثاً لمعلوماتي ومكان إقامتي في ألمانيا؟!”.

 

في إطار جائزة إعلام الهجرة، نال هذا العمل دعم مركز الإعلام “أوبن ميديا هاب”  وبرنامج “يوروميد للهجرة4″، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. إن الآراء الواردة لا تعكس بالضرورة الرأي الرسمي للاتحاد الأوروبي.

شارك هذا المقال