5 دقائق قراءة

بعجز “الضامن” الروسي أو رضاه: تواصل اغتيالات قيادات المعارضة السورية في درعا

"انضحك على الجميع، التسوية كانت خدعة روسية". هذا كان آخر ما أرسله لـ"سوريا على طول"، القيادي السابق في المعارضة جنوب البلاد أدهم الكراد، قبل أيام من اغتياله مع أربعة من رفاقه


18 أكتوبر 2020

عمّان – “انضحك على الجميع، التسوية كانت خدعة روسية”. هذا كان آخر ما أرسله لـ”سوريا على طول”، عبر  تطبيق “واتسآب”، القيادي السابق في المعارضة السورية جنوب البلاد أدهم الكراد، قبل أيام من اغتياله مع أربعة من رفاقه، يوم الأربعاء الماضي، بالقرب من قرية موثبين شمال مدينة الصنمين، بريف درعا الشمالي.

وقاد الكراد خلال فترة سيطرة المعارضة على أجزاء واسعة من محافظتي درعا والقنيطرة، فصيل فوج الهندسة والصواريخ، بحيث عرف باسم “أبو قصي صواريخ”، قبل أن يوقع مع غيره من قادة المعارضة في المنطقة على اتفاق “التسوية” (المصالحة) مع حكومة دمشق بضمانة روسية، في تموز/يوليو 2018.

وقد عُرف الكراد حتى بعد “التسوية”، بتمسّكه بموقفه المناهض لنظام بشار الأسد وللتغلغل الإيراني جنوب سوريا. معبراً عن هذا الموقف صراحة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بما في ذلك”سوريا على طول” الذي كان الكراد مصدراً للعديد من تقاريره، كما وصف الروس في العديد من المرات بـ”المحتلين”.

وفي تواصله الأخير مع “سوريا على طول”، وعد القيادي المعارض بإرسال وثائق سرية خلال أسبوع من المكالمة، تكشف ما سماها “خدعة التسوية الروسية”.

استدراج ثم انتقام

بحسب عضو في لجنة التفاوض بمدينة درعا، فقد “تم استدراج الكراد ورفاقه، ومن ثم تصفيتهم”، مضيفاً في تصريح لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن “ما نعرفه هو أن جهة أمنية اتصلت بالكراد وأخبرته بأنها تسعى لحل مشاكل درعا وإخراج المعتقلين”، ليتم اغتياله في منطقة تصنف على أنها “منطقة أمنية للنظام والإيرانيين”، بحسب المصدر ذاته. موضحاً أنه لم يسبق لفصائل المعارضة أن سيطرت على تلك المنطقة، نظراً للكثافة الأمنية والعسكرية فيها، إذ تحوي العديد من الثكنات والنقاط العسكرية والأمنية،

مع ذلك، يبقى غير معلوم حتى اللحظة ما إذا كان الكراد قد قتل ورفاقه وهو عائد من الاجتماع مع الجهة الأمنية في دمشق، أم كان في طريقه إلى الاجتماع، إذ “لم يخبر أحداً بالتفاصيل. حتى عائلته لم تكن تعلم بذلك”، وفقاً للمفاوض. 

أما بشأن تفاصيل عملية الاغتيال، وكما أوردتها مواقع معارضة محلية، فإن أشخاصاً غير محددي العدد في حافلة من نوع “فان” أطلقوا نيراناً كثيفة على السيارة التي كان يستقلها الكراد ورفاقه، ملقين بعدها قنبلة يدوية أدت إلى انفجار السيارة واحتراق من فيها، لكن الكراد بقي على قيد الحياة، وتم إسعافه إلى المستشفى الحكومي في مدينة إزرع، شرق درعا، حيث فارق الحياة هناك.

وبرأي قيادي عسكري سابق في المعارضة غرب درعا، فإن قتل الكراد ورفاقه لم “يكن اغتيالاً وإنما انتقاماً، نظراً للتمثيل الحاصل بحرق الجثث”. لافتاً أيضاً إلى أن “اختيار المكان حمل رسالة ضمنية من النظام”، مضمونها “أنا من فعلت ذلك، وليقول لمن تبقى [من قادة المعارضة]: ستطالكم التصفية أينما كنتم”، كما قال لـ”سوريا على طول”. 

الضربة الأقوى في عملية متواصلة

شكل اغتيال الكراد ضربة موجعة لمحافظة درعا، بحسب العديد من المصادر الذين تحدث إليهم “سوريا على طول” لغرض إعداد هذا التقرير، في إشارة إلى المكانة التي يحظى “أبو قصي”، سواء قبل التسوية وبعدها. 

مع ذلك، تندرج العملية الأخيرة ضمن سلسلة عمليات متزايدة تستهدف قادة المعارضة البارزين، والمفاوضين الحاليين لنظام دمشق وحليفه الروسي بشأن العديد من الملفات العالقة التي كان يفترض حلها بموجب تسوية 2018، من قبيل تحسين الواقع الخدمي والأمني في جنوب سوريا، وإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام. 

إذ منذ سيطرة قوات النظام على محافظة درعا في آب/ أغسطس 2018، أحصى مكتب توثيق الشهداء في درعا، وهي مؤسسة حقوقية محلية، 76 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال طالت قياديين سابقين في فصائل المعارضة في المحافظة، أدت إلى مقتل 42 قيادياً عبر إطلاق النار المباشر أو باستخدام العبوات الناسفة أو بالإعدام الميداني بعد الخطف.

ومن أبرز العمليات، استهداف مجهولين وفداً من أعضاء اللجنة المركزية في درعا، أواخر أيار/ مايو الماضي، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أعضاء، فيما جرح أربعة آخرون من بينهم القيادي الأبرز في ريف درعا الغربي أبو مرشد البردان.

وعلى الرغم من الاتهامات التي وجهت حينها لخلايا “داعش” بالوقوف وراء الاعتداء، فإن مسؤولاً عسكرياً رفيعاً في المعارضة اعتبر في حديث لـ”سوريا على طول” حينها أن “النظام المحرك الرئيسي” للعملية.

تالياً، في تموز/ يوليو الماضي، اغتال مجهولون القيادي السابق في المعارضة وعضو لجنة التفاوض عن مدينة جاسم شمال درعا، ياسر الدنيفات، المعروف أبو بكر الحسن. وقد مثل ذلك ضربة موجعة للجنة التفاوض في مدينته ومنطقة “الجيدور” ككل شمال درعا.

أيضاً، في 5 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، اغتال مجهولون شادي السرحان، الإعلامي ومنسق اجتماعات اللجنة المركزية، والذي يعتبر اليد اليمنى لأبي مرشد البردان.

ورسمت هذه الحوادث الأربعة إضافة إلى حوادث اغتيال أخرى، “سياسة دمشق في التخلص من قادة الصف الأول الذين يقفون في وجه النظام، ومنعه من بسط قبضته الأمنية على المنطقة”، بحسب ما قال القيادي العسكري من غرب درعا.

رضا أم عجز روسي؟

حتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يبدِ الروس أي موقف تجاه حادثة اغتيال أدهم الكراد، بحسب ما قال المفاوض من لجنة درعا، وفيما اعتبر، بداية، أن “الروس خارج التغطية، هم يتفرجون فقط، وقد تخلوا عن كل وعودهم”، استدرك المصدر بالقول: “أكيد أن كل ما يجري في حوران بعلمهم، من دون أن يحركوا ساكناً”.

لكن مصدراً من الفيلق الخامس التابع لـروسيا في بصرى الشام، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إن “الروس أحياناً يكونوا راضين عن الاغتيالات، وأحياناً عاجزين عن وقفها، حسب الشخصية المستهدفة وماذا تعني لهم”.

مع ذلك، يبدو المؤكد حالياً تراجع الدور الروسي لصالح إيران، ولو من باب تكامل الأدوار  بين موسكو وطهران في محافظة درعا، إضافة إلى إطلاق الروس يد أجهزة النظام الأمنية والعسكرية في المنطقة، والتي يعمل كل منها على تنفيذ أجندة خاصة به أو لصالح الطرف الموالي له.

أي مستقبل للتفاوض؟

أجمعت المصادر كافة الذين تحدثت إليهم “سوريا على طول” على الأثر السلبي الكبير الذي يلحقه استهداف قادة الصف الأول من قيادات المعارضة على عمليات التفاوض وتماسك لجان التفاوض التي تشكل الحاجز الأخير أمام عودة قبضة النظام الأمنية إلى المنطقة.

في هذا السياق، اعتبر المصدر من الفيلق الخامس أن “مثل هذه الاغتيالات ستتسبب في إحداث التفرقة وتشتيت الجموع في حوران بعد غياب القادة الذي يمسكون بزمام الأمور ومفاتيحها”. 

وهو ما أكده أيضاً المفاوض ضمن لجنة درعا، مشيراً إلى أنه “قمنا بتخفيض التواصل فيما بين أعضاء [اللجنة] إلى الحد الأدنى، بما في ذلك عبر الهاتف، حفاظاً على أرواحهم”. كاشفاً عن عمل اللجنة في الوقت ذاته على عدة مستويات بعد حادثة مقتل الكراد، أهمها: “التواصل مع الروس بعد انتهاء بيت العزاء لمعرفة ماذا سيفعلون، ورفع هذه القضية للمحافل الدولية، أما على مستوى حوران، فسنعمل على إنجاز مشروعنا في توحيد اللجان الثلاثة (لجنة مدينة درعا، واللجنة المركزية بطفس والمنطقة الغربية، ولجنة بصرى الشام)، إضافة إلى من يرغب من المناطق الأخرى تحت مسمى لجنة حوران المركزية”.

وأضاف المفاوض بالقول: “قبلنا بالتسويات المشروطة. لكن إذا ظلت الحال على ما هي عليه من اغتيال كل من كان سابقاً في الجيش الحر، فما فائدة التفاوض!”.

وكان الكراد قد لخص الواقع بمنشور على “فيسبوك” جاء فيه: “نمشي جميعاً في نفس الجنازة ونحمل نعشاً ثقيلاً من الحجر وكلما تنحى شخص ازداد وزن النعش على من تابع المسير فلا تزيدوا الحمل على من بقي وصمد. واتقوا الله بنا”.

شارك هذا المقال