7 دقائق قراءة

بعد أن بترت شظية ساقه: عاصم حسنة يصمم أطرافاً صناعية تكلفتها منخفضة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد

في عام 2013، كان عاصم حسنة يقود سيارة إسعاف في […]


21 فبراير 2017

في عام 2013، كان عاصم حسنة يقود سيارة إسعاف في منطقة خان الشيح، الخاضعة لسيطرة المعارضة، جنوب غرب العاصمة دمشق، عندما ضربت قذيفة مدفعية السيارة وتسببت إحدى شظاياها ببتر ساقه اليسرى.

وبوجود القليل من الخيارات المتاحة في سوريا، انتقل طالب الرياضيات السابق إلى الأردن لتلقي العلاج الطبي. وهناك، أدرك حسنة أنه لا يريد أن يبقى مجرد مريض، فبدأ بدراسة تصميم الأطراف الصناعية من أجل مساعدة المصابين الآخرين.

وعمل حسنة، البالغ من العمر 22 عاما الآن، مع منظمة Refugee Open Ware، وهي منظمة تدرب اللاجئين على استخدام التقنيات الحديثة، في الأردن، لابتكار حلول للناس في المناطق المتأثرة بالنزاعات والحروب، وكان جزءا من الفريق الذي صمم الأطراف الصناعية كما طور، مع أحد أصدقائه، جهازا يعمل بالأمواج فوق الصوتية لطفل سوري فقد بصره بسسب رصاصة قناصة.

وفي الأردن، كانت مشكلة عاصم تكمن بأنه يعمل بشكل غير قانوني، حيث رفضت الجهات المسؤولة في الأردن منحه تصريح عمل، وفقا لسياستها تجاه اللاجئين السوريين في ذلك الوقت. حينها أدرك أن عليه مغادرة الأردن، وهو ما قام به فعليا في عام 2015.

وقال حسنة، لآلاء نصار، مراسلة سوريا على طول، “بعد محاولات كثيرة للاستقرار في الأردن قررت أن أضحي بكل شيء وأن أبدأ “رحلة الموت إلى ألمانيا حيث كانت هذه فرصة لحياة جديدة في بلد جديد وفي مجتمع مختلف اختلافاً جذريا عن المجتمعات التي عشت بها.”

سارت الأمور بسرعة، فقدم عاصم دروسا في تقنيات البرمجة الأساسية والروبوتات للأطفال اللاجئين في المخيم الذي أقام فيه فور وصوله إلى ألمانيا. ومن خلال العمل التطوعي، سمع بمؤتمر TEDx Berlin. وفي آذار 2016، كان متحدثا فيه حيث قدم محاضرة بعنوان “لنرجع نبني حياتنا، لنرجع نبني بلدنا”.

أما اليوم، يتلقى عاصم حسنة التدريب مع سيسكو، وهي واحدة من أضخم شركات تقنية المعلومات، كما يعلم الأطفال السوريين تقنيات البرمجة الأساسية في عطلة نهاية الأسبوع.

وقال عاصم “كل شخص فقد طرف من أطرافه أو أصابته أي إصابة بالغة عليه أن يتخد من هذا الابتلاء فرصة لبدء حياة مميزة وبشكل آخر”.

ما الذي دفعك إلى العمل في مجال الأطراف الصناعية؟

فقداني لقدمي وحاجتي لتطوير بديل عنها، هو الذي دفعني في الأساس إلى القيام بهذا العمل، حتى أتعلمه وأعرف عنه أكثر وأساعد المصابين كإصابتي.

طبيعة إصابتي كونها بأرض معركة يلعب دورا هاماً جداً برأيي، فأي شخص في أرض المعركة معرض للموت أو الإصابة فيمكننا القول أنني كنت شبه مهيأ نفسياً لهكذا موقف، ولكن بالتأكيد مررت ببعض اللحظات التي كدت فيها أن أنهار وأستسلم بشكل كامل، ولكن فضل الله تعالى علي بأنه أعطاني فرصة كي أنجو من هكذا إصابة خطيرة، حيث كانت له حكمة بالغة بأن أساعد غيري من مبتوري الاطراف.

وكان علاجي النفسي الأكبر هو التفكير في مرحلة ما بعد التعافي التام والبدء بحياة جديدة، لأن ما خسرته لن يعوّض ولكن بإمكاني البدء بحياة جديدة وبطريقة مميزة وهذا هو الجانب المشرق في إصابتي.

عاصم يلقي محاضرة في TEDx Berlin ، آذار 2016. تصوير: عاصم حسنة.

متى وأين شاركت أول مرة في تصميم الأطراف الصناعية والطباعة ثلاثية الأبعاد؟

في الأردن. حيث انتقلت بسبب إصابتي وفقداني لساقي اليسرى إلى هناك، عام 2013، لتلقي العلاج الطبي.

قضيت في الاردن مدة سنتين عملت خلالها في مجال الأطراف الصناعية ومن ثم في مجال الصناعات الرقمية وكيفية الدمج بينها وبين الطرق التقليدية لإنتاج أطراف اصطناعية رخيصة التكلفة، وذلك عن طريق برنامج لوزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع جمعية الحسين للتحديات الحركية في عمان، وكان المشروع يدعم تزويد 150 شخصا بأطراف صناعية إضافة لتدريب 12 شخصا كي يصبحوا فنيي أطراف اصطناعية، وتم اقتراح اسمي كمريض ومتدرب بنفس الوقت مع 10 مرضى آخرين.

قضيت حوالي 9 أشهر في هذا البرنامج وفي نهايته صنعت طرفي الصناعي الخاص بي بنفسي بمساعدة الأطباء المشرفين علي، إضافة لعدد كبير من الحالات التي عملنا عليها أنا وزملائي وصنعنا لها أطرافا صناعية.

بعد نهاية التدريب الذي استمر مدة 9 أشهر التقيت بمنظمة Refugee Open Ware  والتي أنشأت مشروعا بالتشارك مع شركة أردنية لخدمات الطباعة ثلاثية الأبعاد، وقد كانت تعمل على مشروع جديد في مجال الأطراف الصناعية وهو استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة أطراف اصطناعية منخفضة التكلفة للاجئين، وقد عملت معهم لمدة سنة، وقمت بصنع أطرافا صناعية منها قدمت لسيدة سورية تقيم في مخيم الزعتري فقدت أحد اطرافها العلوية.

وقمت أنا وصديقي في المنظمة بمساعدة أحمد أحد الأطفال الذين فقدوا بصرهم بطلقة قناص، وذلك بصنع جهاز يلبسه في يده، يرسل أمواج فوق صوتية لتحديد بعده عن الأجسام الصلبة، ويخبره بالاهتزاز كي يتوقف ولا يصطدم به.

وقمنا بتطوير هذا الجهاز بالتعاون مع الخدمات الطبية الملكية التابعة للجيش الاردني.

ماذا تقول للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم؟ خصوصاً من يعتبرون فقدهم للأطراف “إعاقة”؟

كل شخص فقد طرفا من أطرافه أو أصابته أي إصابة بالغة عليه أن يتخد من هذا الابتلاء فرصة لبدء حياة مميزة وبشكل آخر.

بالتأكيد ليس الأمر بتلك السهولة، فهو يظن أنه لا خيار آخر سوى الاستسلام وتحويل الحياة إلى جحيم متواصل من الألم النفسي.

نصيحتي لكل شخص يمر بهذه التجربة أن يحدد أهدافاً لحياته، وأن يشغل نفسه بتحقيقها ويفكر بالفترة اللاحقة لفترة العلاج لأن هذه الفترة سوف تمر بكل الأحوال.

هل شعرت أن الناس ينظرون إليك نظرة شفقة أو عاملوك بشكل مختلف عن الآخرين بسبب إصابتك؟ هل كان الأمر مختلفا في كل الأماكن والدول التي أقمت فيها؟

بالتأكيد هذه النظرة موجودة وللأسف فقط في مجتمعاتنا العربية، إن كان على الفيسبوك أو على أرض الواقع في الدول العربية أو بين المجتمع العربي في ألمانيا، وبالرغم من ذلك لم أجد أي معاملة مميزة بشكل إيجابي، كل ما في الأمر هو شفقة وتعاطف ظاهري لا فائدة منه، وإنما له ضرر نفسي يمكن أن يؤثر على الشخص المبتور، ولكنه لم يؤثر عليّ والحمد لله.

برأيك، كيف يمكن أن تغير نظرة المجتمع لفاقدي الأطراف؟

الطريقة الوحيدة لتغيير هذه النظرة هي التصرف بشكل طبيعي جدا وكأن الشخص المبتور لم يفقد جزءاً من جسمه، وهذا التصرف يكون على الصعيدين النفسي والمادي.

فمن جهة ينبغي أن يكون الشخص المبتور متصالحاً مع نفسه، ومن جهة أخرى فإن من يفقد شيئاً تتولد لديه طاقة تجعله يريد تقديم أقصى ما لديه، فعليه استخدام هذه الطاقة لتشجيع الآخرين من المبتورين وغير المبتورين للتفاؤل والمضي قدماً، وفي هذا السياق يكون دور الرعاية الصحية حاسماً في إعطاء المبتور القدرة على العودة بأقصى سرعة إلى الوضع الطبيعي.

خلال السنوات الخمس الماضية، ماهي المحطات التي تشكل نقطة تحول في حياتك وماهي العوائق التي واجهتها؟

أول المواقف التي حصلت معي هي انخراطي في المجال الثوري كمسعف وعامل إنقاذ، فمنذ الأيام الأولى للثورة كنت متيقناً أن للثورة تأثير على حياتي، فاضطررت لترك دراستي بعد اعتقال والدي، وكانت هذه أول صدمة في طريقي لبناء مستقبلي، وآثرت ترك دراستي لمساعدة المصابين والجرحى.

الصدمة الثانية كانت إصابتي فقد نقلتني إلى عالم مختلف تماما، حيث اضطررت إلى الذهاب إلى الأردن، وكانت أول مرة أغادر سوريا فيها للحصول على العلاج الطبي، ولكنها كانت فرصة لبداية جديدة، فقد حصلت على عمل جديد في مجال الأطراف الصناعية، وبدأت بتحقيق حلمي في مساعدة المبتورين، بالإضافة إلى تعلم أحدث التقنيات.

ومن ثم أتتني بعدها الصدمة الثالثة وهي عدم قدرتي على الحصول على تصريح عمل من السلطات الأردنية لممارسة عملي بشكل رسمي، وهو ما ترتب عليه عدم قدرتي على السفر لرؤية أهلي وزوجتي في سوريا، فأصبحت الأردن كسجن كبير بالنسبة لي.

وبعد محاولات كثيرة للاستقرار في الأردن قررت أن أضحي بكل شيء وأن أبدأ مرحلة جديدة في حياتي وكانت نقطة التحول الثالثة هي قراري الذهاب في “رحلة الموت” إلى ألمانيا حيث  كانت هذه فرصة لحياة جديدة في بلد جديد وفي مجتمع مختلف اختلافاً جذريا عن المجتمعات التي عشت بها.

هل تعتقد أنه، من خلال تجربتك الشخصية ونجاحك، بإمكانك إلهام الأشخاص المبتورين  ودعمهم نفسياً لتخرجهم من شعورهم بالإعاقة ليكونوا قادرين على تخطي الصعاب؟

أتمنى أن أستطيع ولو تغيير حياة شخص واحد عالق في هذه الدوامة البغيضة، دوامة الشعور بالعجز والإعاقة.

أحاول في كثير من الأحيان أن أبين للأشخاص المبتورين أو المصابين أنني مررت بظروف سيئة جدا ليس على جميع المبتورين المرور بها. يمكننا القول أنني سلكت الطريق الصعب والشائك وبالرغم من ذلك استطعت التغلب على هذه الظروف فقط لأنني آمنت بأن لهذا الفقد حكمة بالغة جدا، وهي أن يخرج ما بداخلي من طاقات.

وأتمنى من كل شخص تواجهه تحديات أن ينظر إليها كفرصة لتقوية الذات والنجاح، ومثلما يقول الممثل أحمد مكي بأحد أغانيه” الضربة الجامدة لو ما متش منها تبئى أجمد”، بصراحة هذه الجملة من أكتر الجمل التي كنت أرددها والتي ألهمتني النجاح  في حياتي.

ما الذي تفعله الآن في ألمانيا؟

أنا الآن أستكمل إجراءات اللجوء وأتعلم الألمانية.

بعد شهرين من وصولي قررت بشكل فردي وعفوي أن أبدأ بتدريس الأطفال المتواجدين معي بنفس المخيم الذي أقمت فيه ومازلت، على مبادئ البرمجة والروبوتات باستخدام منصة Arduino.

وبعد حوالي 5 شهور تقريبا من وصولي لألمانيا شاركت بمؤتمر TEDx  الخاص بالمبدعين الذي تحدثت فيه عن قصتي وتجربتي، وعن مشروعي الذي أطمح لتنفيذه وهو تأسيس مختبر خاص بي لصناعة الأطراف الصناعية بالاعتماد على الطابعات ثلاثية الأبعاد لتدريب الشباب السوري على هذه التقنية.

ومن ثم قابلت بعدها منظمة المانية اسمها ReDI School of Digital Integration، وتابعت معهم بتطوير موضوع تدريس الأطفال على مبادئ وأساسيات البرمجة والروبوتات، وعن طريقهم قابلت شركة Cisco وحصلت على فرصة للتدريب لمدة 6 أشهر في هذه الشركة، وهذا ما أقوم به في الوقت الحالي، إضافة لتدريس الأطفال في العطلة عن البرمجة.

ماهي خططك المستقبلية؟ هل تخطط لتوسيع عملك خارج ألمانيا بعد الحصول على الإقامة؟

بالضبط هذا ما أفكر فيه، فقراري بالمجيء إلى ألمانيا هو الأمل بالحصول على تصريح بالإقامة ليسهل عليّ التحرك والسفر. وخطتي على المدى  القريب دعم زملائي في منظمة ROW بخبرتي التي اكتسبتها خلال الفترة الماضية وخاصةً في عملي مع شركة Cisco .

أما على المدى البعيد فأحلم بتأسيس مركز للإبداع في سوريا لدعم الشباب في تحقيق أحلامهم ومساعدتهم مادياً وتقنياً لبدء مشاريعهم الخاصة، فلا مجال لإعادة إعمار بلدنا إلا بالعلم.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال