6 دقائق قراءة

بعد إجلائهم من الغوطة الشرقية: صحافيون يكافحون للبحث عن عمل من جديد

لا تزال كاميرا المصور الصحافي النازح معلقة حول عنقه بينما […]


11 يونيو 2018

لا تزال كاميرا المصور الصحافي النازح معلقة حول عنقه بينما يتجول في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة على ظهر دراجته النارية، كل يوم، بحثاً عن أحداث يصورها ويرويها.

وبالرغم من كل الجهود التي يبذلها، يقول عبد الحق همام، وهو من أهالي الغوطة الشرقية، والذي نشرت صوره وكالات إخبارية ومنظمات دولية كوكالة فرانس برس ولجنة الإنقاذ الدولية، إنه لم يجن فلساً واحداً من عمله، منذ إجلائه هو وعائلته إلى ريف إدلب قبل أكثر من شهرين.

ودون مصدر دخل حالي، فإن مدخرات همام المحدودة تنفد بسرعة، كما أن فرص العمل البديلة شحيحة في محافظة تعجّ بالنازحين السوريين. حيث يقول لسوريا على طول إذا لم يتغير أي شيء “يبدو أن الحل الوحيد هو المغادرة إلى تركيا”.

وهمّام البالغ من العمر ٣٠ عاماً هو واحد من مئات السوريين الذين أمسكوا أقلاماً وكاميرات لنقل الأحداث التي تدور على أرض الغوطة الشرقية، التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة آنذاك، بعد حصار حكومي دام أكثر من خمس سنوات، منع وصول وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى المنطقة.

مصور صحافي يصور المهجرين وهم يغادرون الغوطة الشرقية، ٣ نيسان. تصوير: لؤي بشارة.

ومع استمرار الحصار، شكل هؤلاء الصحفيون والناشطون- الذين لا يملك معظمهم خبرة سابقة في هذا المجال- صلة وصل بين العالم الخارجي والغوطة الشرقية، وتحت تهديد المخاطر الشخصية الكبيرة، قاموا بتوثيق كل شيء من غارات وقصف شبه يومي واقتتال المعارضة إلى انتشار سوء التغذية والهجمات بالأسلحة الكيماوية المحرمة، وفي منطقة محاصرة لا تتوافر فيها فرص عمل كافية، كان العمل الصحفي يوفر سبل العيش التي يحتاجها الكثيرون.

وفي أعقاب سيطرة الحكومة السورية على الغوطة الشرقية في نيسان، نزح معظم صحافيي المنطقة المحاصرة في السابق إلى الشمال، حيث يكافحون للبدء من الصفر وكسب لقمة العيش في بيئة غير مألوفة لهم، ومليئة بأمثالهم الذين يتوقون لنقل الأخبار الجديدة.

“ضائع”

قال مؤيد الشامي، وهو صحافي من القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية تم إجلاؤه إلى ريف حماة الشمالي في آذار الماضي “لا أعرف حتى من أين أبدأ… بصراحة أنا ضائع”.

أضاف الشامي- الذي كان يعمل في السابق مع وكالة سمارت نيوز المعارضة- إنه يجد صعوبة كبيرة في إيجاد عمل مرتبط بالإعلام في الشمال من دون شبكة المصادر الضرورية للنجاح في مجال الصحافة.

وقد أسس الشامي في الغوطة شبكة علاقات ومصادر واسعة، حيث كان يتواصل مع المدنيين والمسؤولين والمؤسسات التي سمحت له بجمع المعلومات والتحقق منها بسرعة حيث يقول “كلها كانت متاحة لي بالغوطة كوني ابن البلد”.

لكن عندما تم تهجير الشامي البالغ من العمر ٢٣ عاماً في آذار، فإن شبكته “انهدمت”، كما يقول، وقد يستغرق الأمر شهوراً لإعادة بناء شبكة علاقات في الشمال الغربي.

في هذه الأثناء، إن محاولة الحصول على تصاريح أمنية في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة – والتي تتنافس فيها فصائل المعارضة في المناطق مختلفة النفوذ – تشكل عقبة أمام الصحافيين والمصورين، وكذلك الحال بالنسبة للمتطلبات المتغيرة التي تفرضها المواقع الإخبارية المحلية والعالمية التي تعتمد على شبكات من الصحفيين والناشطين المستقلين داخل سوريا.

وغالبا ما تفشل هذه المواقع في توفير التدريب المناسب أو معدات الوقاية للصحفيين، وفقاً لتقرير استقصائي أجرته سوريا على طول مؤخرًا. ودون عقود عمل وإجراءات حماية، قد يخسر الصحفيون عملهم مع تغير الجبهات والسيطرة الإقليمية. 

Embed from Getty Images 

السوريون يفرون بممتلكاتهم من مدينة دوما في الغوطة الشرقية في ٧ آذار. تصوير: عبد الحق همام.

وعندما تتغير متطلبات السلامة- التي قد تفرض تدابير حماية أكبر- يمكن أن تكون النتيجة سيف ذو حدين بالنسبة للصحفيين مثل المصور الصحفي همام.

فبعد الانتهاء من تقديم مشروع مصور حول الأوضاع الإنسانية في شمال سوريا، فوجئ همام عندما رفضت وكالة أنباء دولية الصور، ولم يكن السبب أنها غير راضية عن المحتوى.

وقال همام “رفضوها بذريعة أنهم لا يستخدمون الصور من مصورين لا يمتلكون العدة الوقائية (خوذة وسترة)”، ورفض همام ذكر اسم الوكالة المعنية.

وبحسب همام فإن هذا الشرط لم يكن مفروضاً عليه في الغوطة، على الرغم من المخاطر التي كانت تهدد الحياة هناك، خاصة بالنسبة للصحافيين في المنطقة – حيث قتل أكثر من ٥٠ ناشط وصحفي على يد القوات الموالية للحكومة وفصائل المعارضة منذ عام ٢٠١١، وفقاً لرابطة الصحفيين السوريين ومقرها تركيا، وهي نقابة تهدف إلى الدفاع عن الحريات الصحفية في سوريا.

وأضاف همام “إن العدة الوقائية كانت مطلوبة في الغوطة، لكنني لم أتمكن من الحصول عليها بسهولة بسبب سعرها والحصار المفروض” ولكن مع تركيز اهتمام العالم على الضواحي التي تعرضت للقصف، لا تزال صوره تنتشر.

“جزءاً من شخصيتي”

رغم أن العاملين الإعلاميين من جميع أنحاء سوريا تدفقوا إلى المناطق الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة في الأشهر والسنوات الأخيرة، تقول سعاد خبية، مسؤولة العلاقات الداخلية والفروع في رابطة الصحفيين السوريين، إن عمليات الإجلاء من الغوطة الشرقية جلبت عدداً كبيراً من الصحفيين.

كانت الغوطة الشرقية في يوم من الأيام موطناً لأكبر تجمع للناشطين الإعلاميين في سوريا، وذلك نتيجة الدور الهام للصحفيين خلال أطول حصار فرضته الحكومة في البلاد، وفقاً لما قالته خبية.

وأضافت “الضرورة اقتضت وجود هذه الشريحة من النشطاء الإعلاميين في سوريا”.

وتعمل الرابطة حالياً على مساعدة صحافيي الغوطة الشرقية على الانخراط في المشهد الإعلامي في شمال سوريا من خلال الدعم، بما في ذلك الخدمات القانونية والمنح المالية المحدودة المقدمة على أساس فردي ووفقاً للاحتياجات الخاصة.

كما تقوم رابطة الإعلاميين السوريين في الغوطة الشرقية، التي تضم أكثر من 200 عضواً، بالتنسيق مع سلطات المعارضة لإتخاذ الترتيبات اللازمة “لاعتماد بطاقة الصحفيين الصادرة عن رابطة الإعلاميين في الغوطة، لتسهيل عمل الإعلاميين” في الشمال، وفقاً لما قاله أبو اليسر براء، رئيس رابطة الإعلاميين في الغوطة الشرقية لسوريا على طول  والمتواجد حالياً في إدلب.

تعقد رابطة الإعلاميين في الغوطة الشرقية أول اجتماع لها في شمال سوريا في 27 أيار. تصوير: رابطة الإعلاميين في الغوطة الشرقية.

ولكن حتى مع الدعم الخارجي، يقول صحافيو الغوطة الشرقية أنهم يواجهون تحدياً اضافياً يتمثل في المنافسة من الصحافيين الآخرين المقيمين في المنطقة أو من لديهم خبرة أكثر شمولاً.

شعر محمد أيمن، وهو مراسل لتلفزيون سوريا المتمركز في تركيا، بتأثير تلك المنافسة بمجرد وصوله إلى إدلب، وقال ” لم يتوقف عملي كلياً ولكن أصبح عملي على الهامش، لا يؤمن لي مصروفي اليومي “.

لقد أنتج الصحافي البالغ من العمر 24 عاماً تقريرين مصورين فقط منذ وصوله، على حد قوله، وهو بعيد كل البعد عن دوره المحوري السابق في تغطية أحداث الغوطة لتلفزيون سوريا.

وأضاف “بصراحة، هم لم يعودوا بحاجة إلى [عملي] لديهم بالفعل مراسلين في إدلب”.

وفي الوقت نفسه تتلاشى فرص العمل لجميع الصحافيين في إدلب، من السكان المحليين والنازحين الجدد على حد سواء، حيث تغلق وسائل الإعلام التابعة للمعارضة أبوابها، بينما يتضاءل التمويل للمنظمات الإعلامية مع تضاؤل الاهتمام العالمي بالصراع السوري.

ويقول الشامي أنه لم يعثر إلا على عدد محدود من الوظائف الشاغرة في الوكالات المحلية والقنوات التلفزيونية في الشمال، والتي قدم طلباً للعمل لديها، وأضاف “لكن حتى عندما يكون هناك شاغر، ستكون الأولوية لابن البلد”.

وشرح أن “الكفاءات والخبرة ليست كافية لتنافس أبناء المنطقة، دون قوة اتصالات على الأرض ومعارف أكثر”.

والآن، وبعد سنوات من العمل كمراسل صحفي من قلب الحصار، يقول مؤيد أنه أُجبر على بيع بعض معداته، حيث باع إلى الآن “ترايبوت وعدسة  من أجل أن أعيل نفسي وعائلتي، هذه هي الطريقة الوحيد لكي أعيش إلى أن أجد عملاً”.

لكن مؤيد لن يتخلى عن الصحافة وهو المجال الذي بدأ العمل به في ظل “طغيان النظام، وغياب الإعلام العربي والدولي” على حد قوله.

وأضاف ” ولو لم يدعمني أحد ولم أحصل على عمل، سأبقى انقل الحدث بعدستي “.

كما هو الحال أيضاً مع المصور الصحفي همام الذي قال “لن أتخلى عن عملي ولا أظن أنني أستطيع ذلك، حتى وإن كان العمل الإعلامي دون مقابل مالي”.

وختم” أصبح العمل الإعلامي جزءاً من شخصيتي”.

 

شاركت في التقرير ماريا أيمن.

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال