6 دقائق قراءة

بعد استئصال “قوة مكافحة الإرهاب”: السويداء على أعتاب نزاعات عائلية؟

صار مشهد القتل والخطف على يد مجموعات محلية مسلحة، من أجل الفدية أو لخلق فوضى أمنية في محافظة السويداء، جنوب سوريا "أزمة أمنية مستعصية"


13 يونيو 2022

باريس – في صبيحة التاسع من حزيران/ يونيو الحالي، عُثر على جثة قائد المهام الخاصة في فصيل “قوة مكافحة الإرهاب” (المعارض)، سامر الحكيم، بالقرب من دوار المشنقة في مدينة السويداء، الذي لقي حتفه بعد مواجهات مع المخابرات العسكرية (الأمن العسكري)، ومجموعات محلية تابعة لها.

وانتهت الاشتباكات بين الطرفين في قرية “خازمة”، جنوب شرقي محافظة السويداء، بإطلاق الحكيم النار على نفسه، كما قال فصيله عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”، واستئصال فصيل “قوة مكافحة الإرهاب” وهروب من تبقى من عناصرها باتجاه البادية السورية.

تأسس فصيل “قوة مكافحة الإرهاب”، كذراع عسكري لـ”حزب اللواء” المعارض بمحافظة السويداء، في تموز/ يوليو 2021، بهدف “سد الفراغ الأمني الحاصل”، نتيجة “تورط الأجهزة الأمنية في الفساد وتحولها من دور الحامي إلى دور الداعم للإرهاب والعصابات الإرهابية”، وحماية مؤسسات الدولة والمدنيين، ومحاربة عمليات تهريب المخدرات ومروجيها في الجنوب السوري، بحسب ما جاء في بيان تأسيس الفصيل.

وعلى خلفية الحادثة، حمّل الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين (الدروز) رؤساء الأفرع الأمنية في السويداء مسؤولية ما يجري في المحافظة، متهماً إياهم بـ”زرع الشقاق داخل البيت الواحد”، وطالب بعزلهم من مناصبهم.

ولم يصدر أي بيان رسمي عن حكومة دمشق أو تعليق على لسان مسؤوليه عن الحادثة، إلا أنها تعكس مساعي النظام في استئصال الفصائل المعارضة له أو التي تعمل خارج إطار التنسيق مع أجهزته الأمنية، يؤكد ذلك استمراره في دعم الفصائل والمجموعات المحلية “بشكل منظم وممنهج” لتنفيذ عمليات قتل وخطف بحق مدنيين ومعارضين، بحسب إبراهيم سالم (اسم مستعار)، أحد وجهاء مدينة شهبا شمال السويداء.

وسجلت محافظة السويداء مقتل 21 مدنياً، خلال أيار/ مايو الماضي، بينهم 3 أشخاص قتلوا على يد فصائل عسكرية مدعومة من النظام، فيما قتل الباقي على يد مجهولين أو فصيل محلي أو بجرائم جنائية، وحالات انتحار وانفجار لغم أرضي، وفقاً لشبكة السويداء 24، وهي مؤسسة إعلامية محلية معارضة. 

وتعيش السويداء حالة من الفلتان الأمني وفوضى السلاح منذ سنوات، رغم التزام المحافظة، التي يشكل الدروز فيها نحو 90% من سكانها، الحياد، إلى الحد الذي جعلها أشبه بمنطقة “حكم ذاتي“، بعد أن نأت قياداتها السياسية والدينية عن الأحداث خارج السويداء، واقتصر دور فصائلها المحلية على حماية السويداء وصدّ أي هجوم خارجي.

“عصابات منظمة”

في أواخر أيار/ مايو الماضي، داهمت مجموعة عسكرية، تعرف بـ”مجموعة فلحوط” نسبة إلى قائدها راجي فلحوط، التابع للأمن العسكري، مسبحاً في حي المقوس بمدينة السويداء الذي يقطنه البدو، بحثاً عن مطلوبين للنظام السوري، وأقدمت المجموعة المهاجمة على قتل ثلاثة أشخاص وجرح أربعة آخرين، إضافة إلى خطف تسعة آخرين.

رداً على ذلك، قطع ذوو الضحايا الطرق وأشعلوا الإطارات في شوارع الحي، ما دفع فلحوط ومجموعته للعودة إلى الحي والاشتباك مع مسلحين من أبناء الحي، وتسببت الحادثة بمقتل شرطي أثناء مروره بالقرب من المكان.

وفي مطلع الشهر الماضي، احتجزت المجموعة ذاتها 20 شخصاً من أبناء عشائر درعا والسويداء مع سياراتهم، من أجل استعادة سيارة مسروقة لأحد شيوخ مدينة السويداء بيعت بريف درعا، كما زعم فلحوط في منشور على حسابه الشخصي عبر “فيسبوك”.

مختطفون من محافظة درعا وعشائر بدو السويداء على يد مجموعة راجي فلحوط، التابعة للأمن العسكري، في مدينة السويداء، 7/ 5/ 2022 (راجي فلحوط)

مختطفون من محافظة درعا وعشائر بدو السويداء على يد مجموعة راجي فلحوط، التابعة للأمن العسكري، في مدينة السويداء، 7/ 5/ 2022 (راجي فلحوط)

صار مشهد القتل والخطف من أجل الفدية أو لخلق فوضى أمنية في المنطقة “أزمة أمنية مستعصية”، كما وصفها ريان معروف، مدير شبكة السويداء 24، عازياً ذلك لـ”سوريا على طول” إلى “تراجع الدور المفترض للدولة، كون السويداء لم تخرج عن سيطرة النظام طيلة سنوات الثورة”.

وبدلاً من استخدام النظام “سياسة القمع المفرط، التي انتهجها في بقية المحافظات” لإسكات الأصوات المناهضة له، تعامل مع أهالي السويداء بطريقة مختلفة “لكون غالبية قاطنيها من الدروز”، بحسب معروف، إذ “أسهم بشكل مباشر في ترسيخ حالة الانفلات الأمني، من خلال تحييد الضابطة العدلية والقضاء، وإطلاق يد الأجهزة الأمنية، ودعم ميليشيات مسلحة متورطة بالانتهاكات وعمليات الخطف والقتل”، واصفاً المجموعات التابعة للنظام بأنها “عصابات منظمة”.

يتفق مع ذلك إبراهيم سالم، أحد وجهاء مدينة شهبا شمال السويداء، متهماً “الأجهزة الأمنية وإيران بتغذية الفوضى في السويداء”، واستدل على ذلك بأن “جميع العصابات والفصائل غير المنضبطة تحمل بطاقات أمنية من شعبة المخابرات العسكرية وتحصل على المال والحماية منذ سنوات”.

ومثال ذلك، مجموعة راجي فلحوط، التي يحمل عناصرها بطاقات أمنية صادرة عن الأمن العسكري، ويحصلون على الرواتب والحماية مقابل “تنفيذ أهداف محددة، جوهرها ضرب السلم الأهلي داخل الجبل [السويداء] ومع الجيران [محافظة درعا وعشائر البدو]”، بحسب سالم، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لدواع أمنية.

خارج السيطرة

تنشط مجموعة راجي فلحوط في بلدة عتيل شمال مدينة السويداء، “ولا يتجاوز عدد أفرادها 25 عنصراً”، وفقاً لريان معروف، مشيراً إلى أنها واحدة من مجموعات أخرى منتشرة في السويداء “تنتهج القتل والخطف وتجارة المخدرات لتمويل نفسها ذاتياً”، موضحاً أنها “تتلقى دعماً أمنياً من شعبة المخابرات العسكرية التي منحتها بطاقات أمنية، لتسهيل حرية حركتها في مناطق سيطرة النظام”.

وفيما يحاول النظام عبر هذه المجموعات “استهداف معارضيه”، وفقاً لابراهيم سالم، فإن إيران وحزب الله يحاولان “الدخول إلى السويداء عبر هذه العصابات من أجل زيادة عمليات ترويج المواد المخدرة داخل المحافظة، وتهريبها للأردن”، كما قال.

ويضرب النظام خصومه ويلاحق المطلوبين بقضايا جنائية، بهذه المجموعات، التي تتعامل وكأنها “سلطة مطلقة”، على حدّ وصف معروف، مشيراً إلى أنها “تخطف وتقتل دون أي رادع”. إضافة إلى ذلك يستخدمها “للفت أنظار المجتمع عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية من خلال إشغاله بالوضع الأمني والصراعات الداخلية أو مع أبناء المحافظات المجاورة”.

وحذّر معروف من أن ذلك “يعزز من حالة الانقسام التي يعيشها الشعب السوري، ويهدد المنطقة بصراعات دامية”.

وفيما توقع معروف أن يقضي النظام على هذه المجموعات بمجرد انتهاء مهمتها، ليظهر أنه “المخلص للمجتمع من العصابات التي تعيث في فساداً”، تنذر أحداث المحافظة الواقعة جنوب سوريا بإمكانية خروج تلك المجموعات عن السيطرة. 

ففي 4 أيار/ مايو الماضي، أقدمت مجموعة “قوات الفجر”، وهي مجموعة محلية تابعة للأمن العسكرية، على احتجاز قائد الشرطة في السويداء، ورئيس فرع الأمن الجنائي ومرافقتهما، لمدة ساعة تقريباً، أثناء توجههما لحضور اجتماع في العاصمة دمشق، قبل أن تطلق سراحهما مقابل إطلاق سراح شخص محتجز لدى فرع الخطيب في دمشق التابع لجهاز أمن الدولة.

وفي 27 أيار/ مايو الماضي، توصلت عائلة المغدور مجد سريوي، الذي قتل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 تحت التعذيب على يد مجموعة راجي فلحوط، إلى “صلح عشائري” مع “آل فلحوط”، تحت الضغط والتهديد.

وسبق لعائلة الشاب سريوي، الذي ينحدر من بلدة عتيل بريف السويداء، أن رفضت إسقاط حقها أمام القضاء، ورفضت العديد من الوساطات الاجتماعية التي أرسلها راجي لعقد الصلح، ما دفع الأخير إلى اقتحام منزل عائلة سريوي في بلدة عتيل، رفقة عناصر من مجموعته، وإحراق الأرض الزراعية المحيطة بالمنزل.

مبادرات أهلية

يحاول المجتمع المحلي في السويداء بذل جهود لمواجهة تردي الأوضاع الأمنية في المحافظة، ويدعم هذا الاتجاه بعض الفصائل المحلية “التي تتبنى موقف الدفاع عن السويداء والحياد بما يخص الحرب الدائرة في سوريا، من قبيل رجال الكرامة”، وفقاً لريان معروف.

ويعمل وجهاء المجتمع المحلي “على تطويق أي خلاف داخلي أو مع الجيران ومنع ردود الأفعال”، لكن هذه الجهود لا تفلح دائماً، خاصة إذا كان أحد الأطراف “العصابات المرتبطة بالأمن العسكري”، بحسب إبراهيم سالم، لأن “الصلح والتوافق بين أبناء المجتمع يتعارض مع الهدف من وجود هذه المجموعات”، كما قال.

وفي ذلك، اجتمع وجهاء في مدينة شهبا بحضور مرجعيات اجتماعية ودينية ووجهاء عشائر، مطلع الشهر الحالي، من أجل “تطويق أي نزاع محتمل على خلفية ما قامت به مجموعة راجي الفلحوط ضد أبناء العشائر”، في إشارة إلى حادثة المسبح في حي المقوس.

ومع أهمية المبادرات الأهلية إلا أن “وسائل الردع في جعبتها غير كافية”، وفقاً لمعروف، إضافة إلى أن “محاربة هذه المجموعات، وهي جزء من النسيج الاجتماعي، أمر معقد”، مشيراً إلى أن “بعض محاولات ردع عصابات السويداء تحولت إلى نزاعات عائلية”.

ولا يمكن للفصائل المحلية المستقلة، من قبيل رجال الكرامة، أن تقوم بدور الشرطة، بحسب معروف، كونها “لا تتلقى دعماً مباشراً، وليس لها سجون أو قضاء مختص”، إضافة إلى أنها “لا تملك تفويضاً اجتماعياً مطلقاً”.

وسبق للمجتمع المحلي والفصائل المستقلة “إلقاء القبض على لصوص أو مجرمين وسلمتهم للأجهزة المختصة، لكن الكثير منهم خرج من دون محاسبة”، وفقاً لمعروف.

شارك هذا المقال