6 دقائق قراءة

بعد الأزمة الحكومية والتحديات القضائية: بريطانيا توقف “مؤقتاً” العمل باتفاق الترحيل إلى رواندا

أفرجت السلطات البريطانية عن نصف طالبي اللجوء، البالغ عددهم 130 شخصاً، من بينهم أكثر من عشرة لاجئين سوريين، بعد أن كان مقرراً ترحيلهم من بريطانيا إلى رواندا، لكن النصف الآخر ما زال محتجزاً، وهناك مخاوف أن يعود العمل بموجب الاتفاق في أيلول/ سبتمبر المقبل.


25 يوليو 2022

بيروت- بعد التحديات القانونية التي أثارها اتفاق بريطانيا المثير للجدل، الذي ينص على ترحيل اللاجئين إلى رواندا في شمال شرق إفريقيا، والاضطرابات الحاصلة بين أوساط قيادات حزب المحافظين الحاكم بزعامة جونسون، أوقف العمل بموجبه حتى أيلول/ سبتمبر على أقل تقدير، وهو الشهر الذي ستبتّ فيه محكمة بريطانية بمدى قانونية الاتفاق، وسيُنتخب حزب المحافظين زعيمه الجديد.

تنص مذكرة التفاهم المبرمة في نيسان/ أبريل بين لندن والعاصمة الرواندية كيغالي على نقل طالبي اللجوء الذين دخلوا بريطانيا بطريقة غير شرعية إلى رواندا، مقابل تعهد بريطانيا بتقديم استثمارات للدولة الواقعة شرق أفريقيا بقيمة 157 مليون دولار أميركي.

وكان من المقرر نقل أول دفعة من اللاجئين في 14 حزيران/ يونيو الماضي، إلا أن الرحلة أوقفت بأمر قضائي من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعد موجة من الدعاوى الفردية، ما أفضى إلى تجميد تنفيذ الاتفاق.

علاوةً على ذلك، تنحى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من منصبه، في 7 تموز/ يوليو، بعد سلسلة من الفضائح والاستقالات الجماعية لأعضاء حكومته، بلغت نحو 60 عضواً.

ويفترض أن يتم استئناف الرحلات الجوية إلى رواندا بمجرد تعيين حزب المحافظين زعيماً جديداً خلفاً لجونسون، في الخامس من أيلول/ سبتمبر المقبل، كما جاء في تصريحات الحزب، وتعهد جميع المرشحين المضي في تنفيذ الاتفاق مع رواندا، غير أنّ إمكانية تنفيذه على المدى البعيد تعتمد على قرار معلق من المحكمة العليا في بريطانيا.

في 20 تموز/ يوليو، صوّت أعضاء البرلمان من حزب المحافظين على حصر المرشحين لمنصب رئيس الوزراء بـ: ليز تروس، وريشي سوناك. وسبق أن أعلنت تروس في 16 من الشهر ذاته أنها لن تقتصر على اتفاق رواندا في حال تعيينها كرئيسة للوزراء، وإنما ستعمل على اتفاقٍ أكبر، وستطلب من تركيا الانضمام إليه. لكنّ إمكانية تجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع ضئيلة. 

“موافقة تركيا التي تستضيف أعداداً من اللاجئين تفوق أي بلد آخر في العالم، مستبعدة كلياً”، كما قالت كاثرين وولارد، مديرة المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين (ECRE) لـ”سوريا على طول”، واصفة تصريحات ضم تركيا إلى الاتفاقية على أنها “مجرد هراء”، ناهيك عن أنها استبعدت انضمام أي دولة أخرى لهذا الاتفاق، كونه “نهج استعماري جديد”، تدفع بموجب هذه الاتفاقات الدول الثرية للدول الفقيرة مقابل أن تستقبل عنها طالبي اللجوء الذين لا ترغب بهم.

بعد الإعلان عن اتفاق الترحيل في وقت سابق من هذا العام، اعتٌقل نحو 130 طالب لجوء عبروا بحر المانش وصدرت بحقهم أوامر ترحيل إلى رواندا، من بينهم أكثر من عشرة سوريين. لكن بعد التحديات القانونية وضبابية مستقبل الاتفاق، تم الإفراج عن نصف أعداد الموقوفين المقرر ترحيلهم، ولا يزال البقية رهن الاحتجاز.

وفي هذا السياق، أوضحت كلير موسلي، إحدى مؤسسات منظمة “كير فور كاليس”، أن السلطات البريطانية “تفرج عن شخص أو شخصين يومياً، لذلك فالمسألة مسألة وقت”، مشيرة إلى أنه يتعين على المفرج عنهم بكفالة “إبلاغ وزارة الداخلية والتصريح بأماكن وجودهم”.

لا يوجد سقف لمدة الاحتجاز الإداري في بريطانيا للرعايا الأجانب المقرر ترحيلهم، لكن إذا لم يكن هناك موعد ترحيل وشيك لهم يجب الإفراج عنهم بكفالة، كما قالت وولارد، معتبرة أنه “من غير القانوني وضع الأشخاص رهن الاحتجاز إذا لم يتسن ترحيلهم مباشرة”.

ومن أصل 130 طالب لجوء مهدد بالترحيل “هناك احتمالية ترحيل بعضهم، لكن هذا الاحتمال ضئيل”، وفقاً لموسلي، نظراً إلى أن “وجود محامين للدفاع عنهم، ولن يصعب على المحامين نصرتهم”. 

غير أن وضع الوافدين الجدد ربما يكون أكثر تعقيداً، بحسب موسلي، “فإذا دخل أي لاجئ سوري جديد إلى بريطانيا، أو في حال عبر أحدهم القنال [الإنجليزي] من الآن حتى أيلول المقبل وتم اعتقاله، فعليه التواصل مع منظمة كير فور كاليس، من أجل تعيين محامي له”

منذ مطلع العام الحالي عبر 13 ألف شخص بحر الماتش، قادمين بقوارب صغيرة من فرنسا، ومن المتوقع أن يصل عدد الذين يجازفون بأرواحهم في هذه الرحلة الخطرة إلى 60 ألف شخص حتى نهاية العام، عبر مسار هجرة أودى بحياة 166 شخصاً منذ عام 2014.

لا يبدو أن الصفقة مع رواندا “قد تثني المهاجرين عن العبور”. كما جاء في تقرير لجنة الشؤون الداخلية في بريطانيا، المنشور في 18 تموز/ يوليو الحالي. وفيما رأت اللجنة إمكانية “وجود طرق قانونية وآمنة للهجرة إلى المملكة المتحدة”، لاسيما للاجئين من دول مضطربة مثل أوكرانيا أو أفغانستان عبر برامج خاصة، “قد تكون رحلات العبور غير النظامية لغيرهم هي الوسيلة الوحيدة ليتسنى لهم تقديم طلبات [اللجوء]”.

وحذرت اللجنة من أن بريطانيا “تعرض نفسها لخطر الإضرار بسمعتها، إذ تبدو كأنها تغسل يديها من التزاماتها الدولية”. فمثلاً، يُعاقب اتفاق رواندا طالبي اللجوء الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، وفي هذا انتهاك لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، وقد تنتهك الصفقة الحق في عدم الإعادة القسرية الذي نصّت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب.

ترى منظمة أسيلوس، وهي شبكة دولية معنية بدعم الأشخاص الهاربين من الحرب والعنف والاضطهاد والتهديدات الخطيرة للمطالبة بحقهم في اللجوء، أنّ وزارة الداخلية تشير في تقييمها لرواندا كدولة آمنة إلى أن نظام اللجوء فيها”فعاّل”، لكن بريطانيا تجاهلت مخاوف المضطهدين إنسانياً وجنسياً، ولم تتصدّ لخطر الإعادة القسرية غير المباشرة. إذ قد يتعرض السوري في حال ترحيله من بريطانيا إلى رواندا ومنها إلى بلاده لخطر جسيم، وبذلك تكون بريطانيا المسؤولة عن الإعادة القسرية، حتى إن تمت بطريقة غير مباشرة.

في عام 2013 أبرمت إسرائيل مع رواندا اتفاقية مماثلة،”ولم يتمكن معظم طالبي اللجوء من الحصول على اللجوء في رواندا، وبذلك أُجبروا على السفر من جديد”، بحسب ما أشارت شبكة أسيلوس، وسجلت سوريا انتهاكات بحق لاجئين عائدين إلى بلادهم، وفقاً لعدة مجموعات حقوقية.

حرب قانونية مجهولة المصير

بدأت المعركة القانونية ضد اتفاق بريطانيا-رواندا فور الإعلان عنه، وتقدمت ثلاث منظمات غير حكومية ونقابة عمالية في أوائل حزيران/ يونيو بطعنين قضائيين تعترض فيهما على هذه السياسة، غير أن محاكم المملكة المتحدة رفضت إيقاف رحلة الترحيل المقررة في 14 من الشهر ذاته.

وفي اللحظات الأخيرة، حال أمرٌ قضائي صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومقرها ستراسبورغ، دون ترحيل طالب لجوء عراقي، ما دفع طالبي لجوء آخرين إلى الطعن في قرار ترحيلهم، وبذلك ألغيت الرحلة.

وذكرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه ما لم تُصدر المحكمة العليا في بريطانيا حكماً بشأن قانونية هذا النهج السياسي، فلا يمكن ترحيل أي شخصٍ كان.

ومن المقرر أن يصدر حكم المحكمة العليا في أيلول/ سبتمبر المقبل، لكن من أجل مواجهة الاتفاق “لدينا حججاً وأسباباً قوية لإيقافه” وفقاً لموسلي من منظمة “كير فور كاليس”، إحدى المنظمات التي تقدمت بدعوى، كون “السياسة المنتهجة تتعارض مع قانون اللاجئين الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”، واتفقت معها وولارد معتبرة أنه “لا مجال للشك في انتهاك هذه السياسة للقانون الدولي”.

ومع ذلك، ربما يخرج الحكم بما هو “غير متوقع” لأسباب ذات علاقة بالتقنية التي خرج بها الاتفاق، الذي صيغ كمذكرة تفاهم وليس كاتفاقية دولية، و”تم تقديمه عمداً بطريقةٍ تصرف عنه الطعون القانونية”، وفقاً لوولارد.

وأشارت وولارد إلى “وجود معايير معينة في الاتفاقيات الدولية الرسمية، لابدّ من تطبيقها وهذا لا ينطبق على مذكرة التفاهم”، التي طالما استخدمت تكتيكات “مخادعة”، تُقدم الاتفاقيات على أنها “ترتيبات غير رسمية”، لاسيما في مجال الهجرة “وذلك لتصعيب الطعن فيها في المحكمة”، بحسب قولها.

إذا اعتبرت المحكمة العليا أنّ الاتفاقية قانونية، يُمكن للحكومة استئناف رحلات الترحيل إلى رواندا، وبذلك يتعين على طالبي اللجوء الطعن في قرارات ترحيلهم بشكل فردي، كما حدث في حزيران/ يونيو، وفقاً لوولارد، معتبرة أن “الإجراءات القانونية الفردية كان لها تأثير إيجابي ملموس”.

استذكرت وولارد “كيف تم إجلاء الأشخاص من على متن الطائرة واحداً تلو الآخر”، متوقعة أن تحظى الاعتراضات الفردية القادمة بالنجاح، كون “الوضع في رواندا جليٌ للعيان، فمعظم طالبي اللجوء تقريباً لا يرونها ملاذاً آمناً”، على حد قولها.

يمكن للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان “أن تحكم بعدم إمكانية تطبيق السياسة بحالات فردية محددة”، كما فعلت في حزيران/ يونيو، وهذا قد يساعد طالبي اللجوء الآخرين على الطعن بحكم ترحيلهم، وفق ما أوضحت وولارد.

إضافة إلى ذلك، يمكن للمحكمة الأوروبية أن تتبنى “منهجاً أكثر تخصيصاً” بتحديدها أنّها لا تنتقد السياسة ذاتها، لكن في هذه الحالة “ستسعى الحكومة البريطانية إلى ترحيل أشخاص آخرين”، بحسب وولارد.

تحمل تهديدات الترحيل أعباء نفسية كبيرة تثقل كاهل طالبي اللجوء، إذ بات عدد من المحتجزين المقرر إبعادهم في حزيران/ يونيو الماضي يميلون للأفكار الانتحارية، ولم تقدم لهم المشورة والدعم النفسي اللازم.

مشروع قانوني حقوقي لبريطانيا

في حزيران/ يونيو الماضي، قدّمت الحكومة البريطانية مشروعاً قانونياً في البرلمان ليكون بديلاً عن قانون حقوق الإنسان المعمول به، الصادر في عام 1998، الذي يدمج الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في القانون البريطاني المحلي، هذه الخطوة “من شأنها إضعاف حقوق الجميع”، بحسب ما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش. 

وأوضحت وولارد أنه بموجب مشروع القانون المقترح، ستبقى المملكة المتحدة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، غير أنّ المحاكم البريطانية “ستُعطى تعليمات حول كيفية تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، ما يؤدي إلى “الحد من مجال حماية حقوق الإنسان في بريطانيا”.

ووصفت وولارد هذا الإجراء بـ”المضلل ويشوبه القصور”، وسيدفع “ذهاب كثير من الحالات من بريطانيا إلى ستراسبورغ لأنه لن يتم إنصاف الناس في محاكم بريطانيا”.

بعد الموافقة على مشروع القانون الحقوقي، إذا رُفض طعن طالب اللجوء بقرار إبعاده أمام محكمة بريطانية يمكنه الاستئناف أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

لكن بعد حيلولة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان دون عمليات الترحيل إلى رواندا المقررة في حزيران/ يونيو، أعلن بعض المرشحين المحافظين عزمهم مغادرة الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إذا تولوا رئاسة الوزراء.

يذكر أن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل كان قد اقترح الاتفاقية التي صيغت إبان الحرب العالمية الثانية لحماية حقوق الإنسان في أوروبا. هذا ولم يستبعد تروس وسناك المرشحان الحاليان لخلافة رئيس جونسون ترك هذه الاتفاقية.

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين

شارك هذا المقال