7 دقائق قراءة

بعد السجن، إعلامي سوري يوثق الانتهاكات ضد المعتقلين: لن أنساهم في الأقبية العفنة

شيار خليل كان يوماً عنواناً وموضوعاً لكثير من حملات حقوق […]


شيار خليل كان يوماً عنواناً وموضوعاً لكثير من حملات حقوق الإنسان التي نادت بتحريره من أكثر السجون السورية شراسة وتعنتاً. اليوم هو صحفي وناشط حقوقي، حيث كان أحد الشهود في تقرير منظمة العفو الدولية السابق حول طرق التعذيب في معتقلات الأسد الذي تم إصداره في السنة الماضية.  

وكجزء من عمله، ربط خليل معتقلين سابقين، مع باحثين في مجال حقوق الإنسان من أجل إدلاء افادات في فيديو لم يسبق له مثيل من قبل منظمة العفو الدولية لسجن صيدنايا الذي صدر في العام الماضي.

واستغرقت التحقيقات حول سجن صيدنايا 12 شهراً، وتضمنت مقابلات لسجناء سابقين مراراً وتكراراً  ليرسخوا ويعززوا حيثيات رواياتهم. وكانت مهمة خليل، إعلامي سابق، استحضار زملائه السوريين ليشاركوا بتجاربهم الشخصية عن الحياة والموت في السجن.

وجاء تقرير العفو الدولية على ذكر تفاصيل تقشعر منها الأبدان عن طرق “الإبادة” التي يتبعها أولئك المسؤولين في صيدنايا، بما فيها الإعدامات الجماعية والتعذيب النفسي والجسدي الممنهج؛ مشاهد تعيد صدى عذاب خليل وتحاكي تجربته في سجن النظام.

و”مازلت أتذكر جيداً وجوه كل المعتقلين الذين التقيت بهم وحملوني رسالة بأن لا أنساهم في داخل تلك الأقبية العفنة” وفق ما سرد خليل من فرنسا، حيث يعيش الآن  منذ إطلاق سراحه في عام 2015، لمراسل سوريا على طول، محمد عبد الستار ابراهيم.

شيار خليل على شاشة التلفزيون السوري، حين أجبر أن يعترف بأنه إرهابي وغيرها من التهم في أذار 2014. حقوق نشر الصورة لـ شبكة شام

قُتل 17.723 سوريا على الأقل “في سجون النظام” من أذار 2011 وحتى كانون الأول 2015، بحسب تقرير لمنظمة العفو في شباط 2017 ساعد خليل بجمعه، أي بمعدل 300 معتقل شهرياً. وفي صيدنايا وحده، تم إعدام ما يقارب 13000سجين. وأخرون جُوعوا حتى الموت، أو بهبوط درجة حرارة الجسم أو المرض. وبعضهم كان يذوي لوحده بؤساً ويأساً، ونؤوا عن الطعام المخصص لهم بعد أن ذاقت الروح من المرارة ما لا تطيق.

ومن جهته، نفى الرئيس السوري بشار الأسد نفياً قاطعاً ما خرج به التقارير ونبذ أدلة التعذيب بالقول إنها “بروباغندا” و”أخبار ملفقة” وذلك في مقابلة مع ياهو نيوز الشهر الماضي.

اليوم أنت توثق انتهاكات حقوق السجناء من خلال مجموعة العمل لأجل المعتقلين السوريين، والتي شاركت في تأسيسها في عام 2015. وساهمت أيضاً بكتابة تقرير منظمة العفو الدولية الأخير في سجن صيدنايا. هل يمكنك أن تخبرني عن مساهمتك في التقرير؟ كنت سجيناً في عدرا وليس في صيدنايا، فكيف ساعدت الباحثين بجمع معلومات عن ما يجري داخل صيدنايا؟

كنت أحد شهود التقرير الذي صدر قبل تقرير صيدنايا عن أشكال التعذيب لدى النظام السوري. مساعدتي لهم (في تقرير صيدنايا) كانت بتقديم الشهود، مثل شبال ابراهيم، معتقل سابق قدم شهادته في تقرير صيدنايا، وهو أحد أعضاء مجموعة العمل لأجل المعتقلين السوريين. وكان يلقب بأمير حراك الشباب الكردي وهو ناشط معروف وأحد مؤسسي اتحاد تنسيقات شباب الكرد في سوريا.

اعتقل ضباط المخابرات شبال ابراهيم، ناشط كردي في مجال حقوق الإنسان، من منزله في القامشلي في عام 2011. وبعد أربعة شهور أصدرت منظمة العفو مناشدة عاجلة لإطلاق سراحه، بصفته “سجين رأي” وأعربت عن قلقها فيما يتعلق بصحته.  

 فما لبثت السلطات السورية أن حولته إلى سجن صيدنايا، وهنالك بقي حتى أطلق سراحه في أيار عام 2013، بحسب ما جاء في مقابلة الشهر الماضي مع كوردستريت نيوز، موقع إخباري كردي. وفي تقرير العفو الدولية الأخير، يستذكر ابراهيم أصوات الضرب والتعذيب بينما يدور حراس السجن لأخذ رفاقه المعتقلين للإعدام. (هو الآن يعيش في ألمانيا).

تقرير صيدنايا والفيديوهات المرافقة دخلت في منتهى التفاصيل عن نظام الإعدامات والتعذيب داخل صيدنايا، بما في ذلك الشنق الجماعي والانتهاكات الجنسية والتجويع، على سبيل الذكر وليس الحصر، وكيف تختلف تجارب السجناء في صيدنايا عن تجربتك في سجن عدرا؟ وكمعتقل سابق هل كنت تواجه صعوبة في الخوض في قصص معتقلين آخرين؟

الأفرع الأمنية الاخرى لا تختلف كثيراً عن سجن صيديانا بالتعذيب وطرق الموت، سوى أن لكل فرع طريقة خاصة في القتل والتعذيب الممنهج.

ولكن سجن صيدنايا له صيته الكبير في تنفيذ أحكام الإعدام داخل السجن.

أنا على تواصل مع أغلب المعتقلين الذين يخرجون من المعتقل من أصدقائي، وكل يوم وبحكم عملي في هذه القضية أتعرف على أشخاص جدد يذكرونني بمن بقوا في الداخل. لا أواجه أية صعوبة نفسية بهذا الخصوص لأني بالأصل لم أنس أحداً منهم ولا أرغب بأن أفعل ذلك.

كثيرة هي المواقف التي ما زلت أعيش معها كل ليلة، فما زلت أتذكر صور الأطفال والشيوخ والنساء، وما زلت أتذكر صديقي الذي تعرفت عليه في المعتقل وبعدها أصبح في عداد المفقودين داخل معتقلات النظام.

شيار خليل قبل الاعتقال. حقوق نشر الصورة لـ الحرية للصحفي شيار خليل خليل.

هل يمكن أن تحدثني عن العمل الذي تقوم به حالياً منظمتك، مجموعة العمل لأجل المعتقلين السوريين، للدفاع عن حقوق السجناء؟ وهل سبق ووثقتم انتهاكات حقوق الإنسان فيما يخص المعتقلين السوريين من قبل جهات غير حكومية؟

نوثق بشكل رئيسي جرائم النظام والميليشيات التابعة له، كما نقوم بتوثيق جرائم جبهة النصرة والكتائب الإسلامية المتشددة، إضافة الى انتهاكات الإدارة الذاتية في المناطق الكردية متمثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي.

ونعمل حالياً على عدة تقارير منها تقارير عن اعتقال النساء والأطفال.

أنت شخصياً أمضيت أكثر من عامين في سجون النظام، بما فيها “فرع فلسطين” في دمشق سيء الصيت، وسجن عدرا المدني أيضاً. كشخص اختبر السجن والتعذيب، ما الذي تسعى لتحقيقه من خلال عملك؟ هل تعمل لتحقيق نوع من العدالة؟ وماذا تعني العدالة للسجناء ولك برأيك؟

أنا أبحث عن تحقيق العدالة لكل السوريين، والمعتقلين على وجه الخصوص.

العدالة التي تنصف كل السوريين وتحاسب وتحاكم كل المجرمين في سوريا، ابتداءاً من المجرم بشار الأسد ووصولاً لكل المجرمين في الميليشيات الأخرى التابعة للنظام وللأطراف الإسلامية المتطرفة. العدالة تعني وصول السوريين للخطوة الأولى لتحقيق دولة تخص كل السوريين إنسانيا وسياسيا.

تم اعتقالك من قبل ضباط المخابرات في عام 2013، وأنت تجلس في مقهى بدمشق مع مجموعة من الإعلاميين والنشطاء. ماذا حدث بعد اعتقالك؟

واجهنا صعوبات كثيرة خلال الاعتقال، حيث تم أخذنا لفرع فلسطين ذي الصيت السيء.

(فرع المخابرات العسكرية 235، يقع في دمشق، ويعرف بـ “فرع فلسطين”. وهو واحد من أكثر سجون الحكومة السورية رعباً. استذكر الكثير من المعتقلين السابقين قصص التعذيب والضرب والإهانة بهذا الفرع في تقرير هيومن رايتس ووتش (رصد حقوق الإنسان) عام 2015).

ومورس علينا الضرب والتعذيب العشوائي من قبل عناصر الفرع والمحققين المشرفين على ملفنا، وتم توجيه عدة تهم لنا منها ارتكاب أعمال إرهابية، والترويج لأعمال إرهابية وتمويل أعمال إرهابية، وكل ذلك كان بسبب نشاطنا الإعلامي والسياسي المناهض لنظام الأسد.

اعتقلت بغرفة عبارة عن ثلاثة أمتار بأربعة، يمكث فيها 110 معتقلين من مختلف الأعمار، تم خلال هذه الفترة تعذيبنا عن طريق تقديم كميات قليلة من الطعام والتجويع والإهمال الصحي المتعمد، إضافة إلى التعذيب الممنهج. كنا ببساطة داخل قبر جماعي لا نعرف مصيرنا ولا بأي لحظة سنموت من الجوع أو المرض أو التعذيب.

بعد سنة تقريباً من اعتقالك، أجبرتك السلطات على الاعتراف بالإرهاب وتهم أخرى على التلفزيون السوري الرسمي. ما هو شعورك أثناء خروجك على الإعلام وأنت تعترف بجرائم لا علاقة لك بها؟ وكيف كانت ردة فعلك عندما رأيت أن أحد زملائك السابقين هو من سيصور الاعتراف؟

عندما تحولت من فرع فلسطين إلى سجن عدرا المركزي، تم اقتيادي بعد عدة أشهر إلى فرع الأمن الجنائي ليتم توجيه تهمة جديدة بعد ضبط المعدات الخاصة بي من هارد ديسك ومعدات إعلامية تحوي على تقارير إعلامية كنت قد صورتها ضد الأسد. وتم تعذيبي وإجباري على الظهور أمام شاشة التلفزيون السوري التابع للنظام لأعترف أنني إرهابي وأنني أقوم بفبركة الأخبار الإعلامية ضد نظام الأسد لإرسالها للقنوات المعارضة له. بصراحة بعد تعذيبي وتهديدي لم أكن أرغب بشيء، فقط أن أنهي التصوير وأتحول لسجن عدرا المركزي، وقلت ما لقنوه لي بالحرف، أما بالنسبة لصديقي الموظف في التلفزيون السوري الذي صورني، فلم أتفاجئ به غير أنني أشفقت عليه أنه مازال أداة بيد النظام يفعلون به مايرغبون، رأيت كيف كان يرجف وهو يصورني وما زلت أتذكر وجهه جيداً.

تم إطلاق سراحك في أيار 2015 كيف انتهى بك الحال خارج سورية؟

خرجت بشكل مفاجئ بعد عدة تصريحات من منظمات دولية تطالب بي مثل منظمة العفو الدولية، حيث أذيع اسمي لإخلاء سبيلي من سجن عدرا المركزي، كانت لحظات غريبة لا توصف ولا تصدق، أتذكر جيداً عندما خرجت من باب سجن عدرا الكبير ورأيت مزارع الريحان في دوما مقابل السجن، وعلى الطريق وأثناء توجهي لدمشق رأيت الخراب على أطراف الطريق بحرستا، أتذكر جيداً أنني لم أستطع أن أحبس دموعي لرؤية كل ذلك الخراب بعد عامين ونصف من الاعتقال. بقيت في دمشق متخفياً لمدة خمسة عشر يوماً، وبعدها توجهت بطرق غير شرعية عن طريق مطار دمشق إلى مطار القامشلي، لأبقى هناك عدة أيام وأسلك طريق التهريب نحو تركيا.

أثناء إعدادك مع المنظمات الدولية عن انتهاكات بحق المعتقلين  كيف هو شعورك وأنت تكتب تقارير عن قضايا السجناء، ولست موضوع التقرير أو قصته؟

المنظمات الدولية لديها عمل محدد تقوم به من خلال التوثيق والمتابعة والتقصي، شعوري يكون مختلفاً بشكل كبير كسوري عندما أقوم بمساعدتهم أو تقديم بعض التقارير لهم باسم مجموعة العمل أنا وزملائي، والسبب لأنني بكل كلمة أو ذكر لخبر عن اعتقال أو استشهاد معتقل أتذكر كل الأسماء التي أتذكرها في المعتقل، وما زلت أتذكر جيداً وجوه كل المعتقلين الذين التقيت بهم وحملوني رسالة بأن لا أنساهم في داخل تلك الأقبية العفنة.

إذا عاد بك الزمن إلى الوراء، أقصد بداية الثورة، هل كنت ستشارك أو كان سيتغير موقفك؟  وبعد مرور هذه السنوات، كيف تنظر إلى الثورة؟ كيف تنظر إلى ما يحدث حالياً في سوريا؟

الثورات لا تموت، وسأبقى أدافع عن كرامتي وكرامة السوريين لنحصل على حريتنا وكرامتنا، ويذهب بعدها كل المحتلين ونعود لنبني بلدنا. المستقبل ضبابي جداً ودوّل العالم هي من تتحكم بالوضع في سوريا، فلا كلمة للسوريين وهم الورقة التي تدفع الثمن. لكن ذلك لن يمنعنا من النضال من أجل القيم الإنسانية في سوريا المتعلقة بالكرامة وحرية الانسان فيها.

أشتاق لدمشق كثيرا، وأشتاق لزملائي في المعتقلات، وأنا على يقين تام بأنني يوماً ما سأعود لدمشق من دون حكم ديكتاتوري فيها.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال