7 دقائق قراءة

بعد حلب: ناشط ينادي بتجديد الاستراتيجية الإعلامية

حين استعاد نظام الأسد السيطرة على حلب في كانون الأول، […]


2 فبراير 2017

حين استعاد نظام الأسد السيطرة على حلب في كانون الأول، كان حجم الدمار الذي مكّنه منها يُعرض على الشاشات الدولية. وكان النشطاء الإعلاميين المحليين، غير المجهزين في الغالب سوى بهواتفهم الذكية، يُحمِلون الصور والفيديوهات، ويُوثقون الغارات الجوية التي تُسوي المباني السكنية أرضا،ً وقذائف الهاون التي تتهاوى وترتطم بالمستشفيات. 

ورغم كل النشاط الإعلامي، سقطت أحياء حلب الشرقية بعد حملة برية وجوية شرسة، لم تترك أمامها خياراً آخر.

رفاعي طماس، مواطن صحفي سابقا، يقيم حالياً في أستراليا، شاهد على الإنترنت في بث مباشر، حملة النظام التنكيلية على حلب وهي تجتاحها. وكان هو قبل ثلاثة سنوات يُغطي الأخبار من خطوط الجبهة في مدينته القصير، في محافظة حمص، إلى أن سقطت المدينة بيد النظام وقوات حزب الله في صيف 2013.

ويشير طماس، طالب دكتوراه في الدراسات الأمنية والعلوم السياسية في جامعة ماكواري في أستراليا، إلى حاجة الصحفيين المواطنيين السوريين إلى أن يكونوا “أكثر استراتيجية” ليحققوا تأثيراً.

وقال طماس لمراسل سوريا على طول جستن شوستر “حين لا يُحدث صوت النشطاء التأثير والاختلاف ذاته كما في 2011أو 2012، ويصبح صوت السلاح هو من يسيطر على المشهد، فهذه ليست إشارة خير”.

هل يمكن لسوريا أن تعود لما كانت عليه قبل الحرب؟

بالطبع لا، وهذا الشيء الوحيد الذي أثق به. فسوريا إما ستمضي إلى الأمام أو إلى الخلف، وحسب ما تجري الأمور الآن، فهي تسير إلى الخلف. فحين لا يُحدث صوت النشطاء التأثير والاختلاف ذاته كما في 2011أو 2012، ويصبح صوت السلاح هو من يسيطر على المشهد، فهذه ليست إشارة خير. أياً كان الشكل أو الصياغة التي ستتحول إليها سوريا فستكون مختلفة كلياً عمّا رأيناه من قبل.

أحدهم سألني يوماً، كيف ستبدو سوريا فيما لو ربح الأسد، واستعاد السيطرة على كامل البلد. ستكون جحيماً، وستكون شبيهة بالعراق، إذا لم تكن أسوأ. ومن الممكن أن يسيطر الأسد فعلياً على كل سوريا، وإن حدث ذلك، فهل هذا يعني نهاية العنف؟ لا أعتقد ذلك. سيكون هناك الكثير من المفخخات الانتحارية، والكثير من حرب العصابات. وربما لن يكون هناك هذا الحجم من القصف، ولكن سيكون هناك نوعاً مختلفاً كلياً من العنف، وهذا لا يعني بأية حال أنه عنف أفضل، وإنما سيكون أسوأ بكثير.

في بداية هذا الشهر، أجرت سوريا على طول مقابلة عن المظاهرات التي خرجت احتجاجاً على عدد ساعات تقنين الكهرباء غير المتناهي، في االلاذقية، التي تعتبر معقلاً للنظام. هل سيؤثر عجز النظام عن تلبية الخدمات الأساسية، كالكهرباء والماء على تعزيز سيطرته على البلد؟

في البداية، ربما كانت شوكة كبيرة بوجه الأسد، ولكن ليس الآن. فالناس في الداخل، ولاسيما أولئك الذين لم يجنحوا في الحقيقة لطرف ما، وكل ما يعنيهم هو أن يستمروا بحياتهم، سيرون ببساطة أن الوقوف بوجه الأسد يعني القصف، يعني الموت، يعني التشرد، ويعني أن تكون ذليلاً في البلدان الأخرى.

فحتى لو لم يكن هناك كهرباء، سيرون أن الوضع ما زال أسوأ بكثير في المناطق المعارضة. سيقولون “على الأقل نحن لا نُقصف” أو “على الأقل، فنحن نحظى ببضع ساعات من الكهرباء يومياً (…) ومازال الوضع أحسن من مناطق لم تر الكهرباء منذ شهور، وتموت تحت القصف في كل يوم”.

وأنا أرى أنها تُعمِق مستوى الإحباط، والرعب، وفقدان الإيمان بالأسد، ولكني لا أرى أنها تؤثر على الدعم الذي يحظى به. فهم يخشون البديل الأسوأ بكثير.

لا شك أن معركة حلب، استقطبت اهتمام العالم، دونما منازع. لماذا برأيك جذبت كل العيون إليها، بينما هناك أعمال وحشية وحملات عسكرية نأت بعيداً عن الإعلام وتجاهلتها المنصات الدولية؟ هل هذا ينبع من الأهمية التاريخية لحلب ومساحتها؟ هل هو بسبب تعنُت النظام فيها بحملته البرية والجوية معاً؟ أو أن هناك عامل أخر؟

كما أشرت، هذا يعود للأهمية التاريخية والاستراتيجية لمدينة حلب. إنها أكبر مدينة في سوريا واشتهرت منذ قديم الزمان بأنها مركز صناعي هام. وكانت إحدى مدن الثورة السورية، التي قلبت الموازين لصالح المعارضة من البدايات. لذا فإن خسارة حلب عنت الكثير للمعارضة.   

كان هناك الكثير من الترقب والقلق بين السياسيين في الخارج عمّا ستفضي إليه حلب. وربما كان يعلم أكثرهم أن الأسد سيربح، ورغم ذلك كانوا مترقبين لكيف ستتبدى النهاية. وهذا كان جلياً في الاهتمام والتركيز الإعلامي.   

والعامل الأخر هو أن حلب، لقربها من تركيا، لديها نشطاء أكثر. فلم تنقطع عن العالم. والكثير من النشطاء البارزين جداً كانوا داخلها. وكانوا يملكون الوسائل التي تمكنهم من أن يلامسوا العالم بأسره على عكس، لنقُل، مدينة القصير حينما كانت على وشك السقوط. وكان فيها على الأرجح ناشطين إلى ثلاثة نشطاء يجهرون بما يجري. ولكن في حلب، هناك عشرات النشطاء.

هل تعتقد أن حلب دليل قاطع على أن صناع القرار في العالم متحصنون بعمق في مواقعهم  فليس هناك أي حجم من النشاط الإعلامي أو التشهير أو التعزير يمكن أن يحدث اختلافاً في هذه النقطة من الحرب؟

دون أدنى شك، وهذا كان أحد أهم الدوافع لكتابة مقال دروس متعلمة من سقوط حلب لمرصد الشرق الأوسط. ويمكنني أن أتفهم كلياً وأحتوي كل الغضب القادم من النشطاء في الداخل. فحين تكون هناك؛ تشعر أنك غاضب جداً وساخط ومحبط من العالم أجمعه. وحتى أنك تشعر أنك خُذلت من ناسك ومجتمعك أنت في الخارج، إذ كيف يمكنهم حتى النوم حين نقتل هكذا ببطء؟

وأتفهم حقيقة أن التعزير لم يكن ليحدث فرقاً. ولا أعتقد أن دور النشطاء في الواقع أن يغيروا السياسة. والذي فعلوه على أكمل وجه هو حشد الدعم عالمياً واستنهاض الناس العاديين للتظاهر في الشوارع. وهذا قد يشكل ضغطاً على صناع القرار. لكن هل هذا سيغير دينامية ما يجري؟ لا أعتقد ذلك. ليس بيد النشطاء القوة لتغيير مجريات الوقائع على الأرض، وإنما يمكن أن هناك استراتيجيات أكثر، بدلاً من تكرار الشيء نفسه فحسب.

إذا كنت متشائماً حول مقدرة الصحفيين المدنيين والناشطيين الإعلاميين على إحداث تغيير، إذن فما المغزى؟ وأي أمل يسعى المرء لتحقيقه من خلال صوت الإعلام؟

النشطاء والصحفيون الإعلاميون يُلقون الضوء على ما يحدث. يمنحون صوتاً ذي مصداقية للطرف الأخر بالقصة، بصرف النظر عن رواية نظام الأسد وروسيا. يمكّنون الشعب فقط من خلال الإشارة إلى ما يحدث حقيقة. الناس تموت. ولكن حين تشغل التلفاز تجد، “إننا نقوم بتطهير حلب من جميع الخلايا الإرهابية”، وهذا حتى أكثر إذلالاَ. لا شيء أسوأ من أن تموت دون أن يعلم أحد من أنك مت لأجل قضية قيّمة.

الشيء الآخر هو جمع التمويل. فشخصيات كأصحاب القبعات البيضاء أو غيرهم من المنظمات المحلية غير الحكومية التي توزع المساعدات أو تقدم الخدمات الاجتماعية المدنية تحتاج إلى التمويل، وبدون تسليط الضوء على الوضع، فلن يحصلوا عليه.

حين نتحدث عن النشاط الإعلامي، هناك اختلاف ما بين النشطاء على الأرض وأولئك الذين هم خارج سوريا. بالنسبة لأولئك الذين هم خارج سوريا، وخاصة في البلدان الغربية، فالشيء الأساسي الذي يمكنهم فعله هو أن يكونوا أكثر استراتيجية في التواصل مع المنظمات غير الحكومية.  فليست إشارة خير حين يكون مجمل البشر حول العالم لا يعلمون ما يحدث.

بالنسبة لأولئك الذين هم في الداخل. الوضع مختلف. وتتعلق أكثر بالرواية الموحدة بين جميع النشطاء. فلماذا هناك بعض النشطاء يمكنهم الوصول والامتداد إلى العالم في حين يخفق آخرين؟

هذا يختلف من منطقة إلى أخرى. ففي إدلب، على سبيل المثال، قد لا تسمح بعض الفصائل المسلحة للناشطين فيها بالتعامل مع بعض الجهات الفاعلة. أحد الانتقادات التي وجهت لجبهة فتح الشام كان أنها لا تسمح لأي جهة بالتعامل مع راعي دولي، وخاصة الولايات المتحدة. فإذا أرادات وكالة أميركية أن ترسل الدعم، فهذه ستكون قضية.

بتغطية أخبار سوريا، كثيراً ما نسمع عن “صحفيين مواطنيين” وهم مصدر جوهري لرؤية واستبصار ما يجري على الأرض للمواقع الإعلامية الدولية، غير القادرة على إرسال مراسليها لتغطية هذه القصص. على أية حال، فإننا لا نستطيع أن نفرق ببساطة ما بين الصحفيين المواطنين المستقلين والنشطاء. كيف تتبلور بذهنك مهمة الصحفي المواطن في سوريا اليوم؟  وهل ترى دور المواطنين الصحفيين ينحصر بدقة بنقل الوقائع على الأرض، أو هل هناك بالضرورة منظور استراتيجي أو أجندة سياسية يؤديها؟

هذا سؤال جيد جداً. الكثير من النشطاء السوريين والصحفيين المدنيين لا يفرقون بينهما. وحين كنت ناشطاً، رأيت أنهما متكاملين. وأجريت تقاريراً صحفية أكثر مما يقوم به النشطاء في الغرب بالعادة، ولكن نحن لدينا موقف سياسي ونحن ننقل ما يجري.

فغالبية الصحفيين المدنيين مناهضين للأسد ومناهضين لتنظيم الدولة ومعظمهم ضد جبهة فتح الشام. وحين يجرون التقارير، يحاولون أن يكونوا موضوعيين ومحايديين، ولكنهم يعترفون أيضاً أنهم ضد الأسد.

وهذا ما يُصعّب عليهم تغطية الأخبار من الجانب الآخر. فالأفراد يركزون بشكل تلقائي على ما يحدث في مناطقهم. فالأمر ليس مسألة آلا تكون حيادياً، بقدر ماهي نقل ما يشاهدونه. وهذا ما يجعلهم في بعض الأحيان يبدون وكأنهم يتغاضون عمّا يفعله الثوار. ولا أظن أن هذا هو الحال. فجرائم النظام وروسيا تفوق إلى حد بعيد تلك التي يرتكبها الثوار. وهم (الصحفيون المواطنون) يرون أن هذه الجرائم تندرج في الأولوية.

هي منطقة رمادية فعلاً بالنسبة للعديد من الناس. والكثيرون لا يرون الاختلاف. ويفعلون ما بوسعهم.

تقول أن هناك تنقلا أو حالة عبور بين صحافة المواطنة والنشاط الإعلامي في سوريا اليوم، هل هذا يشكل خطراً على موضوعية و نزاهة التغطية؟   

هو ليس خطراً، فيجب أن تنتبه وتعي أنهم مجرد أناس بالنهاية. وغالبيتهم غير مدربين ليكونوا صحفيين. لنقل أن ناشطاً أو اثنين ربما يبالغون حقيقة، لكن هناك 100 ناشط في المنطقة ذاتها، ويغطون الحدث ذاته، وهم يقولون تقريباً الشيء عينه. من الصعب أن تشكك بمصداقيتهم جميعاً.

يمكنني القول فقط كن واعياً وقارن. ذات مرة قالت الصحفية كريستيان امانبور والتي تعمل مع CNN، (رئيسة المراسلين الدوليين لـ سي ان ان) إن قول الحق لا يعني أنك غير محايد. ولا أرى أنه من التحيز إن قلت أن الأسد هو الشيطان الكبير، لأن هذا ما يحدث في الواقع. الطرف الحقيقي المسؤول عن القتل هو الأسد، لذا فمن المنطق أن أتحدث عن الأسد. وبالطبع يجب أن أتحدث عمّا يحدث في الطرف الآخر، وليس ثمة من مشكلة سواءً كانوا معارضين للأسد جهرة أو سراً.  

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال