6 دقائق قراءة

بعد خروج التنظيم من الرقة: عملية إعادة الإعمار وتطهيرها من الألغام قد تستغرق عدة شهور

في الوقت الذي ينتظر فيه آلاف النازحين العودة إلى مسقط […]


5 نوفمبر 2017

في الوقت الذي ينتظر فيه آلاف النازحين العودة إلى مسقط رأسهم، بدأت عملية إعادة إعمار الرقة بعد ثلاثة أسابيع من سيطرة القوات المدعومة من الولايات المتحدة عليها، حيث تقبع المدينة بين ركام متناثر مزروع بالألغام.

يقول فراس ممدوح الفهد، عضو المجلس المدني للرقة، “لا يمكن عودة النازحين إلى المدينة نتيجة كثرة الألغام وانتشار الجثث والركام الكبير في المدينة، حتى أن بعض الأبنية غير المدمرة آيلة للسقوط”.

ويضيف الفهد لسوريا على طول “تفتقر المدينة إلى أبسط الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء ونظام الصرف الصحي كما أن العديد من المباني غير المدمرة لا تزال عرضة للانهيار في أي وقت”.

والمجلس المدني في الرقة، هو هيئة نشأت تحت جناح قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من جانب الولايات المتحدة، في نيسان الماضي، لإدارة المدينة بعد تحريرها من تنظيم الدولة، ويشرف المجلس على عملية إعادة الإعمار التي تعد مهمة ضخمة من كافة النواحي.

وتحت الحطام والأنقاض، لا تزال الجثث تتناثر، متعفنة غير مدفونة، حيث يقول الفهد “إننا نرسل فرقاً من الأطباء الشرعيين للتعامل مع الجثث (…) ولا يمكن السماح للمدنيين بالعودة إلى أن يتم دفنها خوفا من تفشي الأمراض والأوبئة”.

ويشكل انتشار عشرات العبوات الناسفة والألغام في جميع أنحاء المدينة أحد التحديات الأكثر إلحاحاً في المستقبل، وهو ما أكده الفهد وغيره من المصادر المشاركة في عملية إعادة الإعمار لسوريا على طول، هذا الأسبوع.

ووفقاً للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قتلت العبوات الناسفة أفراد ما لا يقل عن تسع عائلات مدنية حاولت العودة إلى المدينة في الأسابيع الأخيرة.

وقال المجلس المدني في الرقة، في منشور على صفحته الرسمية في الفيسبوك، يوم الاثنين الماضي “إن المدينة أصبحت حقل ألغام”.

عضو المجلس المدني في الرقة، يشير إلى مواقع الألغام على خريطة المدينة،  مصدر الصورة صفحة لفراس ممدوح الفهد.

وقال عبد الغفار، وهو مهندس في لجنة إعادة إعمار الرقة التابعة للمجلس المحلي، لسوريا على طول، يوم الثلاثاء الماضي “نحن نعمل مع عدد من المنظمات لإزالة الألغام والأنقاض والتحصينات”، مشيراً إلى أنها “المرحلة الأولية لتمهيد الطريق أمام عودة العائلات إلى منازلهم بسلام”.

يذكر أن قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف متعدد الأعراق يشكل الأكراد غالبيته، أطلقت المعركة لتحرير مدينة الرقة في ٦ حزيران، بدعم من طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ومدفعيته وتوجيهاته على الأرض.

وخلال معركة الرقة التي استمرت لأكثر من خمسة شهور، أسقط التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نحو ٢٠ ألف ذخيرة متفجرة على المدينة، وفقاً لما ذكره مرصد Airwars ، ومقره المملكة المتحدة، كما اخترقت نيران المدفعية ورصاص القناص جدران المباني، وغرف النوم، وتركت أثرها على لافتات الشوارع، وقتلت الألغام الأرضية والعبوات الناسفة التي زرعها مقاتلو التنظيم مدنيين حاولوا الفرار من المدينة المحاصرة، ووفقاً للـ Airwars فإن حوالي ١٨٠٠ مدني قتلوا خلال المعارك في الرقة.

إلى ذلك، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على المدينة يوم ١٧ تشرين الأول، وتحولت أعلام المدينة السوداء للأصفر، ورفعت صورة عبد الله أوجلان – الزعيم الفكري للقوات الكردية التي تشكل الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية – في الساحة المركزية في الرقة أثناء الاحتفالات.

وهرب تقريباً جميع سكان الرقة – حوالي ٣٠٠ ألف شخص – قبل بدء المعركة أو أثناء القتال، وخارج المدينة الفارغة، ينتظر سكان الرقة – في مخيمات النزوح وبيوت الأقارب أو غرف الإيجار المزدحمة – الآن العودة إلى ديارهم، وقال أحد الصحفيين السوريين الذين يزورون معسكرات النزوح إن الكثيرين لا يعرفون ما إذا كان بقي لديهم شيء ليعودوا إليه.

وقال الصحفي عبود همام لسوريا على طول، من ريف الرقة “تشتت النازحون بعد تدمير مدينتهم ومنازلهم… شاهدت البعض ينامون في العراء مع أمتعتهم، وخاصة من فرّ حديثاً من المدينة”.

وبسبب انتشار الألغام الأرضية في كافة أنحاء المدينة فإن الوقت اللازم لإزالتها يعني أن العديد من المدنيين سيبقون خارج مدينتهم، في مخيمات النزوح المزدحمة طوال الشتاء.

وقال الفهد أن “المدينة لا يمكن أن تكون خالية من الألغام بشكل كامل قبل آذار أو نيسان العام المقبل”، وسيسمح لأهالي الرقة بالعودة على أساس المنطقة، حيث يتم الإعلان عن خلوها من الألغام الأرضية وإزالة الأنقاض من الشوارع.

وقال الصحافي عبود همام الذي يعيش حالياً في مخيم عين عيسى شمال مدينة الرقة إن “ستة شهور هي فترة طويلة… خاصة مع اقتراب الشتاء”.

عنصر من قوات سوريا الديمقراطية يفكك عبوة ناسفة أثناء التدريب.  تصوير: CJTFOIR.

من جهته، قال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يقدم حالياً تدريبات لمزيلي الألغام، وآليات ثقيلة لنقل الأنقاض وغيره من الدعم اللوجستي، أنه “لم يحدد جدولاً زمنياً معقداً” ولكنه سيعمل مع شركائه على الأرض “لتمكين المواطنين من العودة بمجرد أن تصبح المدينة آمنة”.

وقال متحدث باسم التحالف لسوريا على طول، الأربعاء الماضي، إن القوات التي تقودها الولايات المتحدة تدعم الجهود المحلية لإعادة إعمار الرقة لكنها “لا تلعب دوراً محدداً في عملية الإعمار “وسيبقى تركيزنا على مهمتنا الأساسية وهي هزيمة داعش في سوريا والعراق”.

النضال للعودة إلى المدينة

من بين مناطق المدينة الأولى التي سمحت للأهالي بالعودة منطقة المشلب شرقي الرقة، وهي المنطقة الأولى التي تقدمت فيها قوات سوريا الديمقراطية في ٦ حزيران، عندما أعلنت المعركة للسيطرة على المدينة.

ومنذ تحرير الرقة في منتصف تشرين الأول، حاول سكان المشلب النازحين العودة إلى ديارهم، من بينهم عمر، وهو رجل يبلغ من العمر ٣٠ عاماً غادر المنطقة في نيسان الماضي، ويعيش في مخيم الشنينة للنزوح، على بعد حوالي سبعة كيلومترات شمال مدينة الرقة.

يقول عمر إنه كان من بين عشرات سكان المشلب الذين تظاهروا وحاولوا العودة إلى منطقتهم في ٢٦ تشرين الأول، وقال لسوريا على طول الثلاثاء الماضي “عندما اقتربنا من حاجز قوات سوريا الديمقراطية أطلقوا النار علينا”، وأضاف إن “إطلاق النار أسفر عن إصابة ١٢ شخصا بينهم امرأة”.

وأظهرت تسجيلات الفيديو والصور التي يقال إنها أخذت في المظاهرة ونشرت في وقت لاحق على الإنترنت مجموعة كبيرة من الرجال والنساء، وبعضهم جرحى ينزفون.

وفي اليوم التالي، قال عمر إن أحد قادة القوات تحدث إلى الأهالي ووعدهم بأنهم سيتمكنون من دخول المنطقة مرة أخرى خلال ١٠ أيام، وأكد الفهد، عضو مجلس الرقة المدني، أنه سيتم السماح لسكان المشلب والمفرق والجزرة بالعودة إلى المدينة خلال أيام قليلة.

وبالرغم من ذلك، أثارت حادثة إطلاق النار مخاوف وشكوك بعض السكان وخاصة بعد عرض صورة أوجلان وغيره من الرموز في الأيام التي تلت استعادة الرقة، وبالنسبة للأهالي هذا يعني أن المدينة وسكانها انتقلوا من سيطرة أيديولوجية إلى أخرى.

وصرحت كل من قوات سوريا الديمقراطية والتحالف مراراً وتكراراً أنها تعتزم أن تكون الإدارة المستقبلية لمدينة الرقة مدنية وممثلة للسكان.

وقال المتحدث باسم التحالف الذي تواصلت معه سوريا على طول يوم الثلاثاء الماضي، أن القوة الدولية مدركة لما يجري لكنها “لا توافق على عرض رموز وصور قد تسبب الخلاف” بعد السيطرة على المدينة.

وأضاف أن عرض الصور التي تمثل جهة معينة “هو أمر غير مقبول” من جانب قوات سوريا الديمقراطية أو مجلس الرقة المدني.

وأقرب نقطة إلى مدينة الرقة، سمح للمدنيين بالعودة إليها، حتى الآن هي قرية السمرا، التي تقع على بعد أربعة كيلومترات شرق مركز المدينة وتجاور حي المشلب.

وسمح للسكان بالعودة إلى القرية يوم الأحد بعد إعلانها خالية من الألغام الأرضية، فالبنية التحتية للقرية أفضل حالا من شبيهتها في الرقة، وفقاً لما ذكره عضو مجلس الرقة المدني الفهد حيث قال إن “شبكة المياه لم تدمر تماماً كما هو الحال في الرقة”.

ولكن حتى في قرية تعد أفضل حالاً من الرقة كالسمرا، يقول السكان العائدون إنهم “وجدوا جثث مقاتلي داعش موجودة هناك، وبعضهم لا يزال يرتدي ستراتهم المتفجرة”، بحسب ما قاله أبو معاذ الرقاوي لسوريا على طول، وهو ناشط في ريف الرقة الشمالي، على اتصال مباشر مع المدنيين الذين عادوا هذا الأسبوع.

وأما بالنسبة لمدينة الرقة “فليس هناك أي مجال للعودة في الوقت الراهن”.

 

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال