8 دقائق قراءة

بعد خمس سنوات من التدخل العسكري الروسي: إيران باقية وتتمدد في سوريا

رغم أن "القرارات العسكرية التي تصل إلى العناصر في الجيش تكون مذيلة بتوقيع ضباط سوريين، فإن القضايا الاستراتيجية أو القرارات المصيرية لا يتم اتخاذها من دون العودة إلى روسيا وإيران".


30 سبتمبر 2020

عمان- قبيل أيام من حلول الذكرى السنوية الخامسة للتدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام بشار الأسد، والتي تصادف اليوم، 30 أيلول/سبتمبر، عبر الأسد عن امتنانه لروسيا على مساعدتها “في الحرب ضد الإرهاب، وعلى الدعم السياسي الذي أبدته خلال الأزمة التي تمر بها سوريا”.

تصريحات الأسد تلك جاءت خلال استقباله وفداً روسياً ترأسه وزير الخارجية سيرغي لافروف، كان قد سبقه وفد روسي آخر برئاسة نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف الذي كشف عن تسليم دمشق اتفاقية، في تموز/يوليو الماضي، “تشمل أكثر من أربعين مشروعاً جديداً في مجال إعادة إعمار قطاع الطاقة وعدداً من محطات الطاقة الكهرومائية واستخراج النفط من البحر”، إضافة إلى “توقيع عقد عمل لشركة روسية للتنقيب واستخراج النفط والغاز قبالة الشواطئ السورية”.

على خط موازٍ لـ”التعاون” مع موسكو، وفي تموز/يوليو أيضاً، وقعت دمشق وطهران اتفاقية تعاون عسكري وتقني، تتويجاً “لسنوات من العمل المشترك والتعاون لمواجهة الحرب الإرهابية على سوريا، والسياسات العدوانية التي تستهدف دمشق وطهران”، بحسب الأسد أيضاً.

وبنتيجة هذا الدعم العسكري والاقتصادي من الحليفين الرئيسين لدمشق منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، والذي وصل ذروته بالتدخل العسكري المباشر إلى جانب القوات الحكومية، مقابل تقديم امتيازات شتى لموسكو وطهران، يكاد يكون بدهياً القول إن الأسد فقد سيادته على البلاد. لكنه، مع ذلك، مكن نفسه من خلال “التلاعب بحلفائه”، برأي الخبير الروسي في الشؤون العسكرية أنطون مارداسوف. إذ “كما أن موسكو وطهران هما ضمانة لبقاء الأسد، فإنه ضمانة أيضاً لاحتفاظ إيران وروسيا بنفوذهما في سوريا”، كما أوضح مارداسوف، الباحث غير المقيم في كل من مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC) وبرنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، لـ”سوريا على طول”.

على الرغم من ذلك، يظل السؤال الأهم المطروح هو عن رجحان كفة أي من الحليفين، الروسي والإيراني، في السيطرة على موارد سوريا ومؤسساتها، وبالتالي إمكانية التأثير إن لم يكن التحكم الكامل بمصير نظام الأسد في المستقبل، قريباً وبعيداً. وهو ما يبرز خصوصاً بشأن القوات الحكومية التي اعتمد عليها الأسد بشكل كلي في الاستمرار في الحكم، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السورية وحتى الآن. 

في هذا السياق، تباينت آراء المصادر التي تحدثت إليها “سوريا على طول” بشأن من يقود المؤسسة العسكرية السورية ويتحكم بقراراتها. لكنها أجمعت في المقابل، وبينها مصادر عسكرية من نظام الأسد، على أن الأخير وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، لم يعد قادراً على إدارة جيشه بشكل مستقل عن حليفيه الروسي والإيراني. إذ رغم أن “القرارات العسكرية التي تصل إلى العناصر في الجيش تكون مذيلة بتوقيع ضباط سوريين، فإن القضايا الاستراتيجية أو القرارات المصيرية لا يتم اتخاذها من دون العودة إلى روسيا وإيران” بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مصدر عسكري في الفرقة الرابعة طالباً عدم الكشف عن هويته.

تنافس روسي- إيراني

مثّلت عملية “نبع السلام” العسكرية، التي أطلقتها تركيا -من خلال دعمها الجيش الوطني السوري (المعارض)- ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، فرصة لدخول روسيا منطقة النفوذ الأميركي شرق الفرات. إذ بموجب اتفاق تركي-روسي في الشهر ذاته، علقت أنقرة عمليتها العسكرية، فيما أبرمت “قسد” تفاهماً مع روسيا سمحت بموجبه للدوريات الروسية والحكومية السورية بالانتشار على الشريط الحدودي مع تركيا عبر مناطق سيطرة “قسد”.

وقبيل “نبع السلام”، عملت روسيا على تعزيز تواجدها في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة دمشق، لكنه يعدّ فعلياً منطقة نفوذ إيراني. إذ تم نقل معدات لوجستية وأسلحة إلى المنطقة بحيث صار الجزء الشمالي من غرب الفرات منطقة نفوذ روسي، فيما كان نصيب إيران ومليشياتها المناطق الجنوبية في البوكمال والميادين. وهو ما قد يشير إلى أن حليفي دمشق يتنافسان على بسط مزيد من النفوذ في المنطقة الشرقية الغنية بحقول النفط.

لكن التنافس بين موسكو وطهران “قائم منذ اللحظة الأولى، وسيستمر بطرق متعددة مباشرة وغير مباشرة”، بحسب الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، يزيد صايغ. منبهاً في الوقت ذاته إلى أن هذا لا يعني “مواجهة شاملة بينهما نظراً إلى تقاطع المصالح فيما يتعلق بمنع سقوط نظام بشار الأسد”، كما قال لـ”سوريا على طول”. مستدلاً على ذلك بالعلاقات الروسية-التركية التي “لا تصل حدّ القطيعة رغم التناقضات الواضحة، فلماذا نتوقع قطيعة بين روسيا وإيران؟”.

الرأي السابق أكد عليه أيضاً الباحث في مركز جسور للدراسات في تركيا، وائل علوان؛ معتبراً أن “التنافس الروسي-الإيراني لا يمكن أن نطلق عليه صراعاً، لأن روسيا هي من كانت تفرض إيران على طاولة مباحثات أستانة، ضمن المباحثات السياسية”، ما يشير إلى “وجود تفاهم على مستقبل سوريا بين البلدين”، كما أضاف في تصريح لـ”سوريا على طول”.

في هذا السياق، لفت علوان إلى تعهد روسيا لكل من أميركا وإسرائيل، ضمن تسويات الجنوب السوري العام 2018، “منع دخول قوات إيرانية أو مليشيات تابعة لها إلى الجنوب. لكن روسيا لم تلتزم بذلك، فدخلت إيران ومليشيات حزب الله إلى اللجاة وطفس وغيرها من مدن محافظة درعا”، لأن روسيا برأيه “لا تريد الإنزلاق إلى تحديات داخلية في سوريا مع أطراف موالية لها”.

كذلك، اتفق مارداسوف مع أنه حتى إن كان هناك اختلاف في نهج العمليات العسكرية بين موسكو وطهران، فإنهما يتطلعان إلى نفس الهدف المرتبط “ببقاء الأسد”، وأن “إيران لن تعارض أي عملية عسكرية تقودها روسيا، لأن هذا يسمح للوكلاء الموالين لها بالحفاظ على حياتهم”. مع ذلك، لم يستبعد الباحث الروسي أن تؤدي سياسة الأسد في موازنة العلاقات مع إيران وروسيا إلى “خلق منافسة مصطنعة بينهما، أو تزيد المنافسة الطبيعية، لأجل حصوله [الأسد] على أرباح في شكل أسلحة أو قروض أو غيرها”. مضيفاً أنه “يمكن لدمشق إجبار موسكو على تقديم تنازلات بحجة أنها إن لم تفعل فإن إيران ستقوم ذلك”. 

من يملك الميدان؟

في وقت مبكر من عمر الثورة السورية، وبعد أن خرجت الاحتجاجات عن سيطرة نظام الأسد، وتالياً انحسار رقعة سيطرته لصالح فصائل المعارضة، اعتمدت دمشق على المليشيات العسكرية المحلية، من قبيل مليشيات الدفاع الوطني التي تولت مهمة مساندة القوات الحكومية في عمليات القمع والمعارك العسكرية. كذلك، اعتمد الأسد على مليشيات عابرة للحدود، ممولة من إيران تحديداً، أبرزها حزب الله اللبناني، وفيلق القدس، ولواء أبو الفضل العباس، وعصائب أهل الحق. في المقابل، اقتصر الدعم الروسي، حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2015، على الخبراء العسكريين وإمداد القوات الحكومية بالسلاح والذخيرة.

مع تنامي دور المليشيات، لاسيما الأجنبية التي أدت أيضاً أدواراً أمنية محلية، أصبحت أنماط التجنيد الخاصة بهذه المليشيات قائمة على أسس إقليمية ودينية وإيديولوجية. وهو “ما قد يشير إلى تنامي الاستقلالية المحلية ودائرة الولاء الموسعة، فضلاً عن عدم الاتساق الأمني والدفاعي”، وفقاً لما جاء في تقرير نشره مؤخراً معهد مجلس الأطلسي الأميركي. وقد أدى “هذا الهيكل الهجين لقطاع الأمن السوري إلى فرض لامركزية في صنع القرار العسكري في نظام تميّز بالمركزية المفرطة لوقت طويل”، بحسب التقرير ذاته.

أيضاً، فإن تدخل روسيا المباشر عسكرياً إلى جانب الأسد، واستثمارها مع إيران في مؤسسات عسكرية وأمنية، وإن كان قد أدى إلى قلب موازين المعارك لصالح الأسد، فقد كانت تكلفة ذلك “باهظة”، بحسب التقرير ذاته؛ لناحية “تراجع احتكار نظام الأسد للجيش، فيما لعبت القوتان الأجنبيتان دوراً متزايداً، بما في ذلك تعيين كبار الضباط وقادة الوحدات العسكرية والمخابرات”، إضافة إلى “إضفاء الطابع المؤسسي على العديد من المليشيات ودمجها في هيكل المنظومة العسكرية”.

إذ تقاسم الحليفان مع دمشق المطارات الحربية، بحيث أصبح هناك “مهابط للإيرانيين وأخرى للروس، ومهابط خاصة بدمشق”، بحسب الباحث غير مقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيمينوف. مضيفاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن هناك “تشكيلات عسكرية يعمل معها الإيرانيون، مثل الفرقة الرابعة، وتشكيلات يعمل معها الروس مثل الفرقة 25 [التي كانت تعرف باسم قوات النمر بقيادة سهيل الحسن]”، كما توجد “ألوية يعمل فيها مستشارون عسكريون روس ومدربون من حزب الله في وقت واحد”.

لذلك، وعدا عن أن القوات الحكومية ليست تحت إمرة بشار الأسد، فإن هذه القوات “ليس لها قائد واحد، خاصة وأن إيران تدعم بعض الوحدات وروسيا وحدات أخرى”، كما ذكر لـ”سوريا على طول” مراسل حربي روسي مرافق للفرقة 25 في عملياتها العسكرية في سوريا. لافتاً في الوقت ذاته إلى وجود “تنسيق عسكري روسي مع إيران”.

غير أن المصدر العسكري من الفرقة الرابعة أكد أن “للروس كلمة كبيرة بل الكلمة العليا في الجيش، بما في ذلك ضمن الألوية المحسوبة على إيران، من قبيل الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري”. موضحاً أن “الروس يتدخلون على مستوى القيادة وفي المشكلات الأمنية الكبيرة أو في الخلافات الكبيرة بين الجيش والقوات المساندة له”.

مع ذلك، ورغم أن “القرار في الجيش السوري مجتزأ ولا يخضع لطرف واحد دون غيره”، بحسب الباحث صايغ، يظل “النظام هو الطرف الأقوى في نهاية المطاف. إذ لا تملك روسيا سلطة القرار في الجيش، حتى وإن كان لها غلبة في بعض الوحدات التي تنشرها وتمولها”. علماً أن “نفوذ روسيا في الجيش أقوى من النفوذ الإيراني”، كما أضاف. 

لكن حتى إن كان النظام هو الطرف الأقوى، تظل دمشق غير قادرة “على اتخاذ قرارات مستقلة بشأن بدء العمليات العسكرية أو إنهائها، لأن مواردها العسكرية من دون دعم روسي لم تسمح لها سابقاً بتحقيق نصر عسكري حاسم”، بحسب سيمينوف. مستدركاً بأن ذلك “لا يعني أن الأسد محروم من فرصة إطلاق عمليات عسكرية بشكل مستقل، بل هو لا يطلق هكذا عمليات من دون دعم روسي لتفادي الخطر. ذلك أن الأسد ليس واثقاً بقدراته. وإن بدأ عملية عسكرية من دون التنسيق مع روسيا سيتحمل المسؤولية عنها”.

رغم ذلك، يظل “الأسد قادراً على ممارسة الضغط اللازم على روسيا لدفعها إلى المشاركة في العمليات العسكرية في إدلب، رغم أن موسكو غير مهتمة بتلك العمليات لأن من شأنها أن تفسد علاقاتها مع أنقرة”، برأي سيمينوف. معللاً ذلك بقوله: “كما أن الأسد مدين لروسيا بعدم سقوطه، فإن روسيا مدينة له بوجودها في سوريا، لأن ذلك يمكنها من بسط نفوذها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

مستقبل النفوذ

مع ترجيح كفة روسيا على إيران في توجيه القوات الحكومية، لاسيما تأثيرها في قرارات قادة المؤسسة العسكرية من السوريين، فإن هذا لا يقلل من دور إيران وخطورتها في سوريا، لا سيما  على المدى البعيد.

إذ في بداية تدخلها، ركزت روسيا اهتمامها على “سلاح الجو والسلاح الاستراتيجي، مثل صواريخ سكود [أرض-أرض طويلة المدى] الموجودة في جبال القلمون بريف دمشق، والتي يصل مداها إلى نحو 300-400 كيلومتر”، كما قال مصدر كان مقرباً من النظام حتى العام 2011. مضيفاً أنه “حتى بعد تعزيز وجودها على الأرض، لم تمتلك روسيا وحدات مقاتلة روسية كبيرة في سوريا، باستثناء الشرطة العسكرية التي يقتصر دورها على تسيير دوريات في مناطق نفوذها”.

في المقابل، كما أضاف المصدر ذاته لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، فإن “الفرق [العسكرية] العاملة على الأرض هي بلا استثناء محسوبة على إيران”. فوق ذلك، هناك “قيادات وعناصر من حزب الله وإيران في كل فرقة أو كتيبة عسكرية سورية، سواء بصفة خبراء أو مقاتلين، إلى جانب دورهم في التجسس على القادة والعناصر السوريين”.

في الاتجاه ذاته، رأى الباحث علوان أن “التدخل الروسي كان محصوراً في إطار المؤسسة العسكرية السورية. إذ هدفت موسكو إلى الاحتفاظ بعقود الجيش وتسليحه وتنظيمه لصالحها”، فيما إيران، في المقابل “أغرقت سوريا بالمليشيات والمقاتلين وتدخلت في الحكومة والمجتمع”. معتبراً أن “إيران تحاول من خلال تغلغلها في الجيش والحكومة أن تكون أكثر تحكماً بالمجتمع”.

أيضاً، فإن روسيا عندما عززت وجودها في سوريا “كان هدفها نهب الفوسفات والغاز، وهي غير مستعدة لدفع [ولو] 100 دولار أميركي”، بحسب المصدر المقرب سابقاً من النظام، فيما “إيران تضخ ملايين الدولارات لكل من يعمل معها”. ذاهباً إلى أن إيران لم تخترق القوات الحكومية فقط، وإنما “تبذخ بأموال نقدية هائلة لدرجة أنها اشترت المجتمع”، هذا إلى “جانب عمليات التجنيس التي لا يمكن معرفة حجمها لعدم نشر المراسيم المتعلقة بمنح الجنسية [السورية]”.

مثال ذلك، بحسب المصدر ذاته، أسماء عدة لمع نجمها مؤخراً مرتبطة بإيران، مثل “المحامي زياد خلوف من منطقة القلمون، الذي استثمر المنطقة الحدودية في جرود عرسال لصالح إيران. وعضوي مجلس الشعب عن ريف دمشق صبحي عباس تاجر النفط [مرتبط بشركات نفطية لبنانية]، وعامر خيتي رجل الأعمال من مدينة دوما بريف دمشق”. ورغم أن خيتي، وهو من مواليد 1980، لم يلعب أدواراً عسكرية لصالح إيران، لكنه عضو في مجلس الأعمال السوري-الإيراني، وتولى إدارة لجنة المواد الغذائية فيه. “واستغل ملف فقراء الغوطة الشرقية ومشاريعه للسيطرة على المجتمع”. معتبراً أن “إيران لو أرادت تجنيد 10 آلاف مقاتل من ريف دمشق فإن خيتي قادر على ذلك”.

هكذا، ورغم أن “إيران وروسيا تستخدمان سوريا لتحقيق مصالحها، فإن روسيا ستخرج ويقتصر وجودها على أماكن استثماراتها وقواعدها العسكرية مثل قاعدة حميميم ومرفأ طرطوس، فيما إيران ستمتلك الأرض، طالما لا يوجد مشروع حقيقي يمنع تنفيذ مشروعها”، وفقاً للمصدر.

شارك هذا المقال