5 دقائق قراءة

بعد خمس سنوات من الغياب: مواطن من حمص يعود لمنزله ليجد غرباء يسكنونه ويدعون امتلاكه

ر خالد العبيد، 65 عاما، وعائلته منزلهم في حمص القديمة، […]


27 أبريل 2017

ر خالد العبيد، 65 عاما، وعائلته منزلهم في حمص القديمة، عندما بدأت المظاهرات السلمية تتخذ منحاً عنيفاً، في عام 2012. انتقلت العائلة إلى دمشق، وهناك يقول العبيد أنه عاش حياة “الغرباء”، رغم أنه ما يزال في بلده.

اندلعت الحرب، ودارت معارك عنيفة في حمص، حتى الشهر الماضي، عندما سلم المفاوضون في المعارضة حي الوعر، آخر معاقل الثوار داخل المدينة، وبذلك وصلت المعارك في حمص إلى نهايتها.

ومن دمشق، كان العبيد يراقب استعادة النظام سيطرته الكلية على مدينة حمص. وبدأ الناس بالعودة إلى منازلهم المهجورة منذ فترة طويلة.

وفي 20 آذار، أي بعد خمس سنوات من مغادرته حمص، تقريبا، عاد العبيد، يحمل صكوك الملكية وبطاقته الشخصية وغيرها من الثبوتيات.

وعندما وصل العبيد إلى منزله، وجد امرأة تقف في المدخل، وتقول أن المنزل لها.

السوق الأثري في حمص، كانون الأول 2013. تصوير: عدسة شاب حمصي.

يقول العبيد، لمراسلة سوريا على طول آلاء راتب، “قلت لها يوجد لدي الأوراق التي تثبت بأن هذا البيت لي وباسمي ولا حق لكم بالبقاء فيه. فردت المرأة بسخرية “إنقعها واشرب ميتها، هذا المنزل تم تسليمه لزوجي من قبل عناصر الأمن فزوجي يدافع عن وطنه ضد المتمردين ولي الحق أن أبقى في هذا المنزل”.

متى اكتشفت أنه بإمكانك العودة إلى حمص؟

منذ بداية العام عادت العديد من العائلات التي تربطنا بهم علاقة قرابة إلى المدينة، وقالوا لنا أن النظام يسمح لنا بالعودة وترميم المنازل، إذا لم يكن أحد قد سكن فيها، ومعظم الذين عادوا كانوا عوائل كاملة مع أبنائهم، ولكن بعد تشييك أمني شديد خوفاً على أمن الناس الموالين للنظام الذين مازالوا يقنطون حمص، كان هذا تشجيع لنا للعودة، وعدت إلى منزلي في تاريخ 20 آذار .

ما هي أسباب عودتك إلى مدينة حمص بعد أن عشت أربعة أعوام في دمشق؟

هناك عدة أسباب منها أني رجل كبير في السن، لا أستطيع تأمين أجار المنزل لعائلتي، بالإضافة إلى غلاء الأسعار وعدم قدرتي على تلبية احتياجات العائلة، فحياتنا في دمشق كانت صعبة، حيث لم نستطع التأقلم مع المحيط، فشعرنا أننا غرباء بالرغم من أننا داخل الوطن.

حدثنا عما حدث معك عند عودتك إلى منزلك ومدينتك حمص؟

بعد اتخاذ قرار العودة، شعرت أن وضعي المادي والنفسي ليس له نهاية، تناقشت أنا وجيراني الذين هم من باب الدريب في أمر العودة، البعض منهم كان مترددا والبعض الآخر كان خائفا، ولكننا قلنا أننا جميعاً كبار بالسن ولا يوجد علينا أي تهمة أو أي شيء. فلو كان يوجد علينا أي شيء لكان النظام اعتقلنا ونحن في دمشق، فخرجنا رجالا فقط للاطمئنان على وضعنا وسلمنا أمرنا لله وخرجنا.

كنا أربعة رجال من أهالي باب الدريب تتراوح أعمارنا ما بين (55-65) سنة، وخلال طريقنا إلى حمص تجاوزنا الكثير من الحواجز التابعة للنظام مع التشديد على الهويات والثبوتيات وطرح العديد من الأسئلة. وهذا كان السبب في الوقت الطويل الذي احتجناه للوصول إلى حينا. فقد قضينا أربع ساعات من دمشق إلى حمص بدلا من الوقت المعتاد وهو ساعة ونصف.

كان العنصر الموجود على حاجز باب الدريب يطلب دفتر العائلة، ويبدأ بالسؤال عن الشباب الموجودة اسماؤهم في الدفتر والذين تتراوح أعمارهم بين (18-40) سنه، وكان يسألنا أين هم الآن وهل هم مع الثوار أم خارج البلاد و…و…الخ.

وبعد جدال طويل أخذوا الهويات وسمحوا لنا بالدخول إلى حارتنا في حي باب الدريب، وعندها تملكتني الدهشة إذ أنني رأيت أناسا غرباء يسيرون في حارتنا، وعندما وصلت أمام منزلي وكان أمامه أطفال يلعبون، اقتربت لأفتح باب منزلي وإذ بصوت طفل يقول لي: من أنت! ماذا تريد هذا منزلنا؟ قلت له: هذا منزلي أنا من أنتم؟

 

نساء سوريات يمشين بين المباني المدمرة، في مدينة حمص، الخاضعة لسيطرة النظام، أيلول  2016. تصوير: لؤي بشارة. 

وبدت ملامح الصدمة والاستغراب على وجهي، عندما فتحت سيدة باب منزلي وعند سؤالي لها  ماذا تفعلين في منزلي، قالت أنه منزلها منذ ثلاث سنوات، وكان مدمرا وهم من رمموه وسكنوا فيه.

سألتها من سمح لكِ بأن تفعلي هذا وتسكني منزلي، يوجد لدي الأوراق التي تثبت بأن هذا البيت لي وباسمي ولا حق لكم بالبقاء فيه.

فردت المرأة بسخرية: إنقعها واشرب ميتها هذا المنزل تم تسليمه لزوجي من قبل عناصر الأمن فزوجي يدافع عن وطنه ضد المتمردين، ولي الحق أن أبقى في هذا المنزل.

عدت إلى الحواجز مع اللذين كانو معي، وكان وضع منازلهم مثل وضع منزلي. وعند كلامنا مع العناصر على الحواجز قالوا لنا “منيح تذكرتوا إلكم بيوت بحمص” وأنكم تستطيعون العودة ولكن ضمن شروط.

ماهي الشروط التي فرضها عليك عناصر النظام للعودة الى منزلك؟

الشروط كانت أن أسلم أبنائي للنظام مقابل تسليمي منزلي، لكي يخدموا الوطن كما يفعل أبناء من يسكنون في منازلنا، بالإضافة للهوية والأوراق والثبوتيات التي تثب بأن المنزل ملكي.

وعندما أبرزت لهم الأوراق المطلوبة قام العنصر بطردي وقال لي “روح ما إلك شي هون لحتى تجيب ولادك ليخدموا الوطن”.

فتوجهت فورا إلى مكتب المحافظ وتقدمت بشكوى وأخذو رقم هاتفي وقالوا لي إذا حصل أي جديد سنقوم با الاتصال بك، وعدت بعدها إلى دمشق مباشرة، ولحد الآن لا يوجد أي رد منهم، ولا أتوقع الرد.

أين هم أبناؤك وماذا يفعلون؟

رامز خريج كلية التربية اختصاص أدب عربي عمره (25) عاماً، ذهب خارج سوريا منذ أكثر من ثلاث أعوام  إلى ألمانيا عن طريق التهريب عبر البحر من تركيا.

أما رامي كان في السنة الثانيه كلية أدب إنكليزي وعمره (22) عاما، انضم منذ أكثر من عامين إلى “الجيش الحر” وهو الآن في إدلب، ولا يرغب في العودة، على الرغم من محاولتنا إقناعه بفشل الثورة، ولكن رامي لم يسمع كلامنا.

ولدي أيضاً فتاتان وهما لين عمرها (17) عاماً، وسارة عمرها (15) عاماً وهما الآن معي في دمشق. بالإضافة إلى زوجتي المريضة، التي تعاني منذ أكثر من عامين من “ديسك” في ظهرها  كما أنها مصابة بالسكري والضغط.

ما هي البدائل المتاحة أمامك الآن بعد عدم قدرتك على العودة إلى منزلك؟

البدائل ؟! لا أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل.

فلا يوجد أمامي الآن سوى البقاء في دمشق غريبا ذليلاً، أنا وعائلتي فما باليد حيلة، الشروط من المستحيل أن أستطيع تنفيذها.

كيف كان شعور عائلتك عندما أخبرتهم بما حدث معك؟

كانت دموعهم كفيلة بأن تعبر عن حالة الحزن وخيبة الأمل، فقد استعدوا للعودة إلى منزلنا

شعرت بالقهر فعلاً،  فكان يجب عليَ الموت على الخروج من بيتي، أنا خسرت كل شيء، أبنائي وكرامتي لأنني رأيت منزلي ولم أستطع الدخول إليه نهائيا، وحمص باتت خالية من أهلها الأصليين.

أدعو الله دائماً أن يصبرني ويصبر الكثير من الأهالي السوريين الذين يعانون نفس معاناتي، فأنا لست الوحيد، وهناك العديد من الحالات المشابهة لحالتي.

ترجمة: سما محمد

 

 

 

شارك هذا المقال