6 دقائق قراءة

بعد عدة حوادث: أشوريو سوريا يخشون على ديمومتهم في شمال شرق البلاد

سكان القامشلي يحتجون على المنهج الدراسي للإدارة الذاتية، في آب. […]


14 أكتوبر 2018

سكان القامشلي يحتجون على المنهج الدراسي للإدارة الذاتية، في آب. تصوير: التجمع المدني المسيحي في القامشلي.

 

كان الكاتب والباحث المسيحي الآشوري البارز سليمان يوسف في منزله بمدينة القامشلي شمال شرق سوريا، ليلة الأحد الماضي، عندما جاء عناصر الأمن واعتقلوه وأخذوا معه حاسوبه والهواتف المحمولة.

وبحلول ليلة الخميس، أُطلق سراح يوسف، البالغ من العمر ٦١ عاماً، وهو معارض للإدارة الذاتية ذات الغالبية الكردية التي تسيطر على غالبية محافظة الحسكة وأجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور المجاورتين، وشوهد في وقت لاحق وهو يجتمع بأفراد أسرته مجدداً، حيث ظهروا وهم يبكون في الصور التي تمت مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المحلية.

وألقت صفحات آشورية وأفراد العائلة باللوم على مليشيات السوتورو، وهي قوة شرطة آشورية مرتبطة بالإدارة الذاتية، التي تسيطر على هذه البقعة الهادئة نسبياً من سوريا.

ومن جهة أخرى، أدان بيان صادر عن السوتورو، بعد يوم واحد من اختفاء يوسف، المواطنين الذين “تجاوزوا” حدودهم في حرية التعبير “في مجتمعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، لكنهم لم يذكروا الكاتب أو يذكروا حادثة اعتقاله بشكل صريح،  ولا تزال التهم الموجهة إليه مجهولة.

وأثارت حادثة الاعتقال، موجة من الغضب عبر وسائل تواصل الإعلام الاجتماعي، وسلط الضوء عليها من قبل لجنة حماية الصحفيين الدولية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، وطالب السكان المحليون وناشطو حقوق الأقليات بإطلاق سراح يوسف، منتقدين ما وصفوه بالاعتقال ذي الدوافع السياسية.

وفي الوقت ذاته، أدان معهد السياسة الآشورية، وهو منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان، اعتقال يوسف واصفين الحادثة بأنها “محاولة أخرى للقمع … وهي تبين أثر السياسات الوحشية للإدارة الذاتية على الذين يعيشون تحت سلطتها التي فرضتها عليهم”.

ويوسف هو أحد أفراد الأقلية المسيحية الآشورية في سوريا، وهي جماعة عرقية دينية قديمة يقدر عددها بمئات الآلاف، ويعيش عدد كبير منهم في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، حيث تقول عدة شخصيات آشورية – بما فيها يوسف – أنه يتم حرمانهم بشكل متزايد من بعض الحريات السياسية.

ويتمتع الآشوريون والأقليات المسيحية الأخرى بحريات دينية شكلية – على الأقل – في ظل حكم الأسد، وكذلك الأمر الآن في شمال شرق البلاد، تحت ظل الإدارة الذاتية، رغم أن هذه الحرية غالباً ما تكون على حساب أي موقف سياسي حقيقي، بحسب ما قاله ناشطون محليون وأفراد من المجموعة الدينية لسوريا على طول.

ويوسف، الذي تحدث مرة أخرى مع سوريا على طول، بعد إطلاق سراحه، حيث أجريت المقابلة الأولى معه يوم الأحد الماضي قبل اعتقاله، قال “في سوريا، هناك دائماً حريات دينية مرتبطة بقيود سياسية”.

[اقرأ مقابلة سوريا على طول مع الناشط والكاتب سليمان يوسف هنا]

“التعليم خط أحمر”

تعد الإدارة الذاتية هيئة حاكمة بقيادة كردية مسؤولة عن منطقة شمال شرق سوريا، و تتمتع بحكم ذاتي، ولم يشر دستورها المعتمد في عام ٢٠١٤ إلى أي دين رسمي، كما وينص على حقوق الأفراد في ممارسة معتقداتهم “دون اضطهاد”.

ومنذ أواخر آب، شهدت المناطق الشمالية الشرقية من سوريا نزاعاً دائراً بين السلطات التي يديرها الأكراد ومجتمعات الأقليات المسيحية المحلية، حيث أعلنت الإدارة الذاتية قراراً، في ذلك الشهر، بإغلاق أكثر من اثنتي عشرة مدرسة خاصة تديرها الكنيسة الآشورية والطوائف المسيحية الأخرى في شمال شرق سوريا، والتي لم تتبنى المناهج الدراسية الجديدة التي أنشأتها السلطات الكردية.

وبعد سيطرة حزب الاتحاد السرياني على المدارس في القامشلي خرج عشرات المتظاهرين الآشوريين مع السكان المحليين إلى الشوارع  احتجاجاً على القرار، قائلين إن فرض المناهج التي أنشأتها السلطات الكردية هو محاولة مبطنة للحد من الحقوق السياسية لمجتمع الأقلية الآشورية.

وبحلول أواخر أيلول، تعرض عيسى راشد – وهو رئيس لجنة نصيبين للمناهج السريانية المعتمدة في المدارس السريانية منذ سنوات – للضرب خارج بيته وتم نقله إلى المستشفى إثر ذلك، وأظهرت الصور التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي رصيفاً عليه بقع من الدم وقع فيه الحادث.

ورغم تراجع السلطات ذات الغالبية الكردية في وقت لاحق عن قرار إغلاق المدارس، إلا أن العديد من الناشطين الأشوريين أخبروا سوريا على طول بأن مثل هذه القيود تجعلهم يخشون على ديمومة المجتمع الآشوري التاريخي داخل سوريا.

وقال يوسف في حديثه مع سوريا على طول، الأسبوع الماضي “هناك العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الآشوريين”.

ووفقاً للدستور السوري الذي تم تبنيه في عام ٢٠١٢، ليس هناك دين رسمي للدولة، إلا أن الدستور السابق، في الفترة من عام ١٩٧٣ حتى عام ٢٠١٢، نص على أن يكون الرئيس مسلماً وأن يتم استخلاص القانون من تشريعات الفقه الإسلامي.

ومن الناحية العملية، لطالما كان للأقليات المسيحية السورية، نوعاً ما، حرية العبادة والاحتفال بالأعياد كما تشاء، وهي الحريات الدينية التي يعترف قادة الطوائف الآشورية في الشمال الشرقي بأنهم ما زالوا يتمتعون بها تحت حكم الإدارة الذاتية.

وقال مروان شكرو، الذي كان مشرفاً قبل الحرب على نظام المدارس التي تديرها الكنيسة السريانية في شمال شرق الحسكة، لسوريا على طول “نحن كسريان ومسيحيين، نحتفل بأعيادنا وأنشطتنا الأخرى كالمعتاد، دون أي اضطرابات”.

وهو ما أكده يوسف، قائلاً إن مسيحيي سوريا “يتمتعون بقدر معقول من الحريات الدينية والاجتماعية”، لكنه أوضح، في الوقت ذاته، بأن الجماعات المسيحية – وخاصة الأقليات غير العربية التي تضم الآشوريين والأرمن وغيرهم – قد “حرمت من حقوقها الوطنية والسياسية” في سوريا.

ووفقاً لما ذكره يوسف وناشطون في حقوق الأقليات المحلية، فإن أهم هذه الحقوق السياسية هو نظام مدرسي مصمم خصيصاً ليلائم الخلفية الثقافية والتاريخية الفريدة لمجتمعهم، وهو حق جوهري لهويتهم.

وقال أحد سكان القامشلي الآشوريين، البالغ من العمر ٢٥ عاماً، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من ملاحقته من قبل السلطات التابعة للإدارة الذاتية، لسوريا على طول “لقد درست في المدارس الآشورية، المدارس الآشورية هي التي شكلت هويتي وقربتني إلى [مجتمعي]”.

وأضاف “الناس هنا تقبلت نقص المياه والكهرباء، لكنهم لن يقبلوا التدخل في نظام التعليم”، معتبراً أن “التعليم خط أحمر”.

وبالنسبة للعديد من الآشوريين وغيرهم من المسيحيين غير العرب في شمال شرق سوريا، فإن التعليم المناسب يعني الحفاظ على نظام طويل الأمد من المدارس الخاصة التي تديرها الكنيسة، والتي لا تزال تلتزم بالمنهج الحكومي الذي فرضته الحكومة السورية قبل الحرب.

وكان النظام القديم، بحسب ما قالته العديد من الشخصيات المجتمعية، معترف به دولياً ويمنح الحريات مثل حرية تدريس اللغات التاريخية والليتورجية بما في ذلك السريانية والأرمنية.

سكان القامشلي يحتجون على قرار صدر في آب ينص على تطبيق منهج الإدارة الذاتية في المدارس التابعة للكنيسة. تصوير: التجمع المدني المسيحي في القامشلي.

واللافت أن الإدارة الذاتية تعترف رسمياً باللغة السريانية، التي يتحدث بها الآشوريون، باعتبارها لغة رسمية مسموح بها في المناهج الدراسية المسيحية، إلا أن الناشطين الآشوريين الذين تحدثوا إلى سوريا على طول قالوا إن المخاوف من فرض المناهج الدراسية المعترف بها من قبل السلطات المحلية الكردية تجعلهم يشعرون بالقلق حول مستقبل واستمرارية مجتمعهم في شمال شرق سوريا، لا سيما الاعتراف بشهادات الطلاب.

وقال جميل ديار بكرلي، مدير المركز الآشوري لحقوق الإنسان ومقره السويد “هذه فقط إحدى الطرق التي يتم بها تقييد المسيحيين الذين ما زالوا يقيمون في محافظة الحسكة”.

من جهتها، دافعت أليزابيث كورية عن المنهج الدراسي الذي تم فرضه حديثاً، وكورية هي إدارية في مؤسسة “أولف تاو” الثقافية السريانية، وتابعة للإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، وقالت لسوريا على طول إن المنهاج الجديد سيشمل تعليمات باللغة السريانية وأنه بمثابة تحسين للمنهج القديم الذي تديره الدولة.

وقالت كورية “إن المنهج الذي فرض على مدارسنا منذ نهاية الستينيات، هو النموذج البعثي العربي القومي”، واصفة إياه بأنه “نموذج لتشويه التاريخ”.

“إرثهم قديم”

إن معارضة جماعات الأقلية للإدارة الذاتية ليست بالأمر الجديد، ففي عام ٢٠١٥، أصدرت نحو ١٢ كنيسة ومؤسسة آشورية في محافظة الحسكة بياناً تحذر فيه من أن قوانين الملكية الجديدة والتجنيد العسكري الإلزامي الذي تطبقه السلطات المحلية سيؤدي إلى “صراع طائفي”.

وفي نفس العام، تم تداول أنباء مفادها أن مسلحين ينتمون إلى حزب الاتحاد الديمقراطي اغتالوا داود جندو، وهو قائد في ميليشيا حرس الخابور الآشورية، والتي تدير عدداً من الحواجز في المناطق والقرى الآشورية.

ثم في كانون الثاني عام ٢٠١٦، هاجمت قوات الأمن المحلية التي يقودها الأكراد سلسلة من الحواجز التابعة لشرطة السوتورو الآشورية، في وسط القامشلي، والتي كانت تتبع للحكومة السورية بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام المحلية في ذلك الوقت.

وقال يوسف لسوريا على طول “كأن ما حدث، وما زال يحدث، يتركز على مناطق ذات أغلبية مسيحية آشورية وأرمينية كشكل من أشكال (العقاب)”.

وقال شكرو، المدير السابق لمدارس الحسكة التي تديرها الكنيسة السريانية، بأن النزاعات والتوترات الأخيرة لا تكشف عن أي عنصرية ضمنية من جانب سلطات الإدارة الذاتية.

وأضاف شكرو “الأمور جيدة بشكل عام، لا يمكن القول بأن هناك تمييز بين المسيحيين، السريان، العرب، المسلمين أو الأكراد”.

غير أنه هو وغيره من الشخصيات الآشورية أخبروا سوريا على طول أنهم يخشون من أن القيود السياسية المستمرة على الأقليات المسيحية في المنطقة يمكن أن تؤدي إلى فقدان مجموعات الأقليات العرقية والدينية مع اختيار المزيد من العائلات للهجرة.

وتابع شكرو “يجب على الناس البقاء للحفاظ على هذه الأرض وإرثهم القديم، مما يجعلها منطقة غنية بالتعايش”، مضيفاً “ومع ذلك، فإن الظروف على الأرض تجعل الأمور صعبة، ومعظم الناس يغادرون من أجل أطفالهم”.

وذكر يوسف أن الأقليات المسيحية هاجرت منذ فترة طويلة من سوريا على مدى القرن الماضي، كما أن استمرار النزاع في سوريا وعدم الاستقرار في الشمال الشرقي يعني أن “فرص العودة محدودة في الوقت الحالي”.

وختم قائلاً “كيف سيعود الناس إلى بلد غير مستقر، إلى مستقبل غير مؤكد؟!”.

 

ترجمة: سما محمد.

 

شارك هذا المقال