6 دقائق قراءة

بعد قصفهم بالأسلحة الكيماوية: أهالي إدلب يرفضون دفن موتاهم على أمل أن يستفيقوا من غيبوبتهم

قال مدنيون وأطباء وعناصر إنقاذ، في موقع الهجوم الكيماوي، الذي […]


قال مدنيون وأطباء وعناصر إنقاذ، في موقع الهجوم الكيماوي، الذي وقع جنوب إدلب هذا الأسبوع، وأسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصا وإصابة 500 آخرين، أن “حجم الصدمة لا يصدق”.

وقال الدكتور عقبة الدغيم، طبيب في خان شيخون، لسوريا على طول، الأربعاء إن “صدمة ذهول ما تزال تسيطر على الأهالي”. وأضاف “الكوادر الطبية في خان شيخون والبلدات القريبة منها في حالة استنفار من يوم الثلاثاء حتى هذه اللحظة، وحتى الكوادر الطبية، بذلت كل ما في وسعها”.

وكانت طائرات النظام السوري قصفت منطقة سكنية، فى بلدة خان شيخون، جنوب إدلب بصواريخ تحمل غازا ساما، صباح يوم الثلاثاء، وفقا لما ذكرته مصادر على الأرض.

وفي الساعات التي تلت القصف، قتل عشرات الأشخاص، ونُقل مئات آخرون إلى عدة مستشفيات في إدلب وتركيا، على بعد 90 كيلومترا شمالا. وبينما كانت المستشفيات وعناصر الأنقاذ يعملون في أعقاب هجمات الكيماوي، وردت أنباء تفيد بأن غارة جوية استهدفت المستشفى الرئيسي فى خان شيخون ومبنى الدفاع المدني في البلدة.

وأفادت مديرية صحة إدلب بمقتل 74 شخصا وإصابة 557 آخرين بعد ظهر يوم الأربعاء. وكان عدد من العاملين في المجال الطبي وعناصر الإنقاذ من بين الضحايا. وأشار الدفاع المدني في إدلب إلى ارتفاع عدد الضحايا، يوم الأربعاء، حيث صرح لسوريا على طول بأن عناصره تحققوا من مقتل 100 حالة بالإسم.

وقال مدير الدفاع المدني في إدلب، أسامة برادعي، لسوريا على طول، الأربعاء “استمرت فرق الدفاع المدني في دفن الشهداء للساعة 12 ليلاً، ونواصل عملنا اليوم”.

وتابع البرادعي، إن “حجم الصدمة لا يصدق بين أهالي خان الشيخون، فهناك من فقد 20 شخصا ومنهم من فقد 4 أو 5 أفراد من عائلته، لذلك الجرح عميق ولا يمكن استيعابه بسهولة”.

من جهتها، نفت القوات المسلحة السورية تنفيذ هجوم بالسلاح الكيماوي على خان شيخون. وذكرت وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء، أن الطائرات الحربية التابعة للنظام السوري استهدفت مخزن أسلحة كيماوية تابع للمعارضة.

رجل سوري يجمع عينات من موقع الهجوم بالغاز السام، في خان شيخون، 5 نيسان. تصوير: عمر حاج قدور.

في السياق، أكد الدكتور عبد القادر نجم، مدير مركز صحي في خان شيخون، لسوريا على طول، الأربعاء، أن “الاستهداف كان للأحياء السكنية، والمتواجدين فيها جميعهم مدنيون، ولا يوجد أي مستودع فيها أو تواجد لأي فصيل عسكري”.

ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن، يوم الأربعاء، عَقِب الهجوم الذى لاقى إدانة دولية واسعة النطاق.

وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ومقرها لاهاي، يوم الثلاثاء، أن بعثة تقصي الحقائق التابعة لها “تقوم بجمع وتحليل المعلومات، من كافة المصادر المتاحة”.

وذكرت معظم المصادر التي تحدث مراسلو سوريا على طول معها، الأربعاء، أن الغاز، الذي استهدف به النظامُ البلدةَ، هو غاز السارين، في حين أن آخرين لم يذكروا اسمه.

في سياق متصل، قالت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، أن ضحايا الهجوم تبدو عليهم أعراض تماثل أعراض التعرض للمواد الكيماوية العضوية الفوسفاتية وهي “فئة من المواد الكيماوية التي تشمل عوامل عصبية”. كما أشار بيان للمنظمة على الإنترنت إلى “التكرار المقلق” للهجمات الكيماوية فى سوريا، منذ عام 2012.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الأربعاء، أنها سجلت تسعة هجمات كيماوية في سوريا، من قبل قوات النظام، منذ بداية عام 2017.

ووفقا لما قاله أطباء متواجدين على الأرض، لسوريا على طول، فإن عدم وجود عدد كاف من المنشآت الطبية في المناطق المجاورة والخاضعة لسيطرة المعارضة، وهي من بين الأهداف التي قصفتها الطائرات الحربية الروسية وطائرات النظام خلال الأسابيع والشهور التي سبقت هجوم يوم الثلاثاء، شكل صعوبة كبيرة أمام الجهود الإغاثية المبذولة.

كما أشارت مصادر طبية على الأرض إلى أن الملابس الواقية والأدوية اللازمة لعلاج المصابين كانت قليلة أيضا. وقالت منظمة الصحة العالمية، يوم الأربعاء، أنها كانت تُدخل الدواء إلى إدلب من تركيا، بالإضافة الى التواصل مع العاملين في المجال الطبي على الأرض.

“إنهم يعتقدون أن الموتى قد يعودون للحياة”

ذكرت فرق الدفاع المدني وجود ضحايا إضافيين لهجوم خان شيخون، يوم الأربعاء، حيث عُثِر على عائلات بأكملها، عندما دخل عناصر الإنقاذ إلى الأقبية، والملاجئ.

ولجأ بعض الأشخاص في البلدة، ممن اعتادوا على القصف التقليدي، للنوم في الأقبية، مما سبب اختناقهم بالغاز كونه أثقل من الهواء.

وقال مدير الدفاع المدني، في إدلب، البرادعي أن “هناك جثث ما زالت في منازل أهلها”.

ورفض بعض أهالي خان شيخون تصديق أن أقاربهم قتلوا، واحتفظوا بجثثهم على أمل أن يستفيقوا من موتهم هذا.

وانتشرت شائعات مبنية على كلام تم تدواله بعد هجمات الغاز السام، عام 2013، والتي استهدفت مناطق المعارضة، بالقرب من دمشق، على الإنترنت، يوم الثلاثاء، مضمونها أن هناك فرصة لعودة الضحايا إلى الحياة بعد 48 ساعة.

وقال الدغيم لسوريا على طول، إن “هذا الكلام غير طبي (…) والقلب المتوقف لا يمكن إنعاشه أبدا، وفي حال التأكد من توقفه لأكثر من نصف ساعة، يتم الإعلان عن وفاة المصاب”.

وبالرغم من ذلك، قالت أربعة مصادر في خان شيخون لسوريا على طول، إن هذه الشائعات أعطت أملا كاذبا للأهالي المنكوبين. ولا يزال البعض يرفض دفن القتلى، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تنص على وجوب دفن الجثة في أقرب وقت ممكن بعد الموت.

وقال إياد محمد، مسعف في الدفاع المدني، في خان شيخون، لسوريا على طول، يوم الأربعاء “حتى لو كانت الشائعات التي نتمسك بها مجرد وهم، إلا أننا كبشر لا نستطيع تقبل الموت وفقدان أحبائنا”، مضيفا “غاز السارين دمرنا جميعا”.

ومن بين الذين رفضوا دفن أحبائهم، أم مصطفى، واحدة من أقرباء إياد، حيث توفي ابنها البالغ من العمر 20 عاما في الهجوم. وأعلن الأطباء وفاته، لكن والدته رفضت تصديق ذلك، لأنها “سمعت الشائعات”، بحسب ما قاله إياد.

 أهالي خان شيخون يدفنون ضحايا هجوم الغاز السام، 4 نيسان. تصوير: فادي الحلبي. 

وبدلا من دفنه، أخذت أم مصطفى جثمان ابنها إلى المنزل، حيث صبت الماء فوق جسده عدة مرات، بانتظار أن يستفيق من موته. وقال محمود “ابقته عندها أكثر من 10 ساعات، ورفضت أن يُدفن، وهي تقول: أنا لا أدفن ابني وهو حي وسيعود، كانت أماً مفجوعة”. إلا أن أقارب مصطفى دفنوا الجثة خلافا لرغبة والدته، بعد أن بدأت الرائحة تنبعث منها.

في سياق متصل، قال البرادعي، رئيس الدفاع المدني، إن قصة أم مصطفى ليست الوحيدة “بعض الأهالي رفضوا دفن القتلى رغم إعلان وفاتهم من قبل الأطباء”.

فأبو محمد، مدرس يبلغ من العمر 35 عاما، فى خان شيخون، فقد ابنه أدهم البالغ من العمر 5 أعوام فى الهجوم. ولا تزال زوجته، التى أصيبت بجروح طفيفة، يوم الثلاثاء، تنتظر بجانب جثة ابنهما. حيث قال الأب “إنها تبكي وتصرخ وتتكلم معه”. وأضاف “هي كغيرها من الأهالي أخذوا جثث أبنائهم إلى منازلهم، لأنهم يعتقدون أنهم سيستيقظون بعد 48 ساعة”.

التفجيرات الاعتيادية

يعد هجوم الثلاثاء، المروع، فريدا من نوعه فيما يتعلق بعدد الضحايا والطريقة التي قتلهم النظام بها. فيما تعد الضربات الجوية التقليدية، التي ينفذها النظام السوري وروسيا وطائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، مشهدا يلازم حياة المدنيين في إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث قتل العشرات منهم جراء الغارات الجوية، هذا العام وحده.

وبينما يتضاعف عدد سكان محافظة إدلب بسبب نزوح المدنيين، واتفاقيات الإجلاء بين النظام والمعارضة، في أماكن أخرى، حيث تم نقل الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة إلى إدلب في الآونة الأخيرة، فإن احتمال وقوع خسائر في الأرواح بسبب الغارات الجوية يزداد.

وعلى مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، استهدفت اثنتي عشرة غارة جوية، تقريبا، نفذها النظام وروسيا، عدة بلدات في محافظة إدلب، بما في ذلك خان شيخون. وأصيب العشرات بجروح في تلك الهجمات، حيث تم إرسالهم إلى المراكز الطبية المتداعية.

وفي اليوم الذي وقع فيه هجوم خان شيخون، استهدفت أربع غارات جوية روسية، مدينة سلقين في شمال محافظة إدلب، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 شخصا وإصابة عشرات آخرين، وفقا لما قالته مصادر على الأرض، لسوريا على طول.

وقال متحدث باسم مركز سلقين الإعلامي، لسوريا على طول، إن ما يقارب الـ80 ألف شخص كانوا يعيشون في سلقين قبل الحرب، ولكن هذا الرقم ارتفع بسبب النزوح ، ليصل إلى 200 ألف  شخص على الأقل.

ويوم الأربعاء كان أفراد الدفاع المدنى يقومون بانتشال الجثث من تحت الأنقاض، فى سلقين، في حين تمكنوا من إنقاذ شخص واحد فقط مايزال حيا.

وقال نديم عبد ديبو، مدير مركز الدفاع المدني في سلقين، لسوريا على طول، يوم الأربعاء، إن الطائرات الحربية لا تزال تحلق في سماء المنطقة، موضحا أن الطائرات “تضطرنا إلى العمل بهدوء، وعدم إرسال جميع عناصر الدفاع المدني إلى نفس المكان، خوفا من استهدافهم من قبل  النظام”.

وأفادت تقارير بأن القصف أصاب مسجدا وسوقا شعبيا، ومبنى سكنيا مكونا من ثلاثة طوابق، في الحي السكني في المدينة.

وقال أمجد زيدو، مدير مركز صحة إدلب، لسوريا على طول “نحن عاجزون عن تقديم المساعدة لبعض هؤلاء الناس (…) إننا نعالجهم بالأدوية الأساسية لأن معظم معداتنا دُمرت داخل المستشفيات”.

يذكر أن غارات جوية إضافية استهدفت كل من جسر الشغور وبداما وسراقب، في محافظة إدلب، خلال الـ24 ساعة الماضية، مما أسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين وتسبب بأضرار مادية.

ساهم في هذا التقرير كل من: هدى عبدالرحمن، محمد الفالوجي ورهام توهان.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال