5 دقائق قراءة

بعد “مغيب الشمس” تنحسر سيطرة “قسد” عن الطرق الخارجية في شمال شرق سوريا

يعاني سكان شمال شرق سوريا من مخاطر الانتقال بين المحافظات ويتخوفون من عبور الطرق البعيدة عن مراكز المحافظات، الواقعة تحت سيطرة "قسد"، لا سيما "في الليل"، حيث تنشط خلايا تنظيم داعش


13 يونيو 2022

باريس- يرمز اللون الأصفر في خريطة النفوذ العسكري بسوريا إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على شمال شرق سوريا بنسبة نفوذ تتجاوز 25% من مساحة البلاد، لكن هذا النفوذ ينحسر مع “مغيب الشمس”، كما قالت مصادر عسكرية ومدينة لـ”سوريا على طول”.

تسيطر “قسد” على أجزاء واسعة من محافظات الرقة والحسكة، وريف دير الزور الشمالي، وأجزاء من ريف حلب الشرقي، بعد طرد تنظيم “داعش”، ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على إعلان هزيمة التنظيم بدعم من التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، تشهد المنطقة عمليات مستمرة من خلايا “داعش”، أبرزها هجومه على سجن غويران في مدينة الحسكة في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وانتهى بمقتل 121 من عناصر “قسد” والعاملين في السجن، إضافة إلى 4 مدنيين، مقابل 374 عنصراً لـ”داعش”.

وبدورها تشن “قسد” عمليات عسكرية وأمنية مستمرة لملاحقة خلايا تنظيم داعش، كان آخرها تنفيذ عملية أمنية بدعم من التحالف الدولي في ريف الشدادي جنوب الحسكة، في 10 حزيران/يونيو الحالي، انتهت بمقتل مطلوب “من متزعمي التنظيم كان ينشط في نقل الأموال وتوزيعها على خلايا التنظيم وعوائلهم”، بحسب المكتب الإعلامي لـ”قسد”.

أمام نشاط هذه الخلايا وانتشارها، يعاني سكان شمال شرق سوريا من مخاطر الانتقال بين المحافظات ويتخوفون من عبور الطرق البعيدة عن مراكز المحافظات، الواقعة تحت سيطرة “قسد”، لا سيما “في الليل”، كما قال حمود العيسى، تاجر خضروات من مدينة منبج بريف حلب الشرقي لـ”سوريا على طول”، موضحاً تأثر تجارته، كون “الطريق الآمن هو أساس عملنا في استيراد وتصدير بضائعنا من وإلى المحافظات الأخرى”.

ووجه سائقون ومسافرون دعوات لـ”قسد”، العام الماضي، يطالبونها بتأمين طريق الحسكة-الرقة، بعد تسجيل حوادث استهداف مدنيين بالرصاص من قبل مجهولين، ذكرت شبكة نورث برس المقربة من “قسد”.

واقع “السيطرة”

قال مصدر في قسم الحماية الخاصة بقوى الأمن الداخلي (الأسايش)، التابعة لـ”الإدارة الذاتية” أن “قسد” و”الأسايش” يخلون عدداً من نقاطهم “قبل مغيب الشمس”، ناهيك عن وجود نقاط نائية “خالية من الحواجز الأمنية والعسكرية”.

ولفت المصدر، المقيم في محافظة الحسكة، في حديثه لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، إلى “وجود تعليمات من القيادة بعدم السفر ليلاً عبر الطرق الخارجية التي تصل بين المدن، وخاصة المقطوعة”، وتعدّ قوات الحماية الخاصة أكثر الجهات الرسمية تنقلاً في مناطق شمال شرق سوريا، نظراً للمهام الموكلة إليها بمرافقة وحماية الوفود الدبلوماسية والصحفيين والمنظمات التي تزور المنطقة.

ويتفاوت مستوى أمن الطرق ضمن نفوذ “قسد” بين منطقة وأخرى، وفقاً للمصدر في قسم الحماية الخاصة، مشيراً إلى أن معظم الطرق الواصلة بين مدينة الحسكة واريافها آمنة، إذ “يمكن التنقل في أي وقت من عامودا إلى القامشلي، وصولاً المالكية (ديريك) والعكس، وبين مدينة الحسكة والدرباسية”، نظراً “لكثرة الحواجز وتسيير الدوريات على مدار الساعة”.

في المقابل ينخفض مستوى الأمن في مناطق أخرى، لدرجة تمنع “الأسايش” عناصرها من “السفر ليلاً أو التنقل بين المدن”، بحسب المصدر، مشيراً إلى أن “الطرق الواصلة بين الحسكة والرقة، وطريق الحسكة- الهول وصولاً إلى الشدادي ومنه إلى الهول وانتهاءً بدير الزور، والحسكة-كوباني، الرقة-منبج، الحسكة-تل تمر، خطرة للغاية ليلاً”. 

وإلى جانب خطر خلايا “داعش”، تشكل حواجز النظام السوري تهديداً لبعض المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد”، وفقاً للمصدر، إذ تمنع الأسايش عناصرها “من السفر عبر طرق جنوب القامشلي بسبب وجود حواجز النظام”، بحسب قوله.

كذلك، تتجنب قوات الحماية التابعة للأسايش السير عبر طرق مرصودة من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، كما في حالة “طريق عين عيسى- تل أبيض، وتل تمر- سري كانيه [رأس العين]”، بحسب المصدر.

وتتأثر بعض الطرق أمنياً نتيجة سوء الخدمات، ومثال ذلك طريق الحسكة- الرقة، الذي يفتقد إلى الإنارة ليلاً، حيث “تعرضت جميع أبراج الكهرباء الممتدة بين المحافظتين للسرقة في فترة سيطرة تنظيم داعش على المنطقة”، كما قال المصدر من قوات الحماية الخاصة، موضحاً أن “عدم إنارة الطريق إلى الآن يتيح لعناصر التنظيم التحرك ليلاً بسهولة والاحتماء بعتمة الليل”، وهو ما دفع المدنيين إلى “الامتناع عن السفر ليلاً”، كما قال.

ومع أن النهار أكثر أماناً للحركة، لكن هذا لا ينفي وجود خطر على المدنيين والعسكريين في الطرق النائية والمقطوعة، كما قال المصدر من قوات الحماية الخاصة، مؤكداً تعرض الدوريات التابعة لـ”الأسايش” لإطلاق نار في ساعات النهار، “ولا يمكننا الاشتباك مع مصدر إطلاق النار نظراً لجغرافية المنطقة أو لبعد القواعد العسكرية التي يمكن أن ترسل قوات داعمة لنا”.

وتنذر العملية العسكرية التركية المرتقبة بمزيد من التدهور الأمني في المنطقة، إذ حذر القائد العام لقوات “قسد”، مظلوم عبدي، في تغريدة له على تويتر من أن أي هجوم سيؤدي إلى “خلق أزمة إنسانية جديدة”، معبراً عن قلقه “من التهديدات التركية”، كونها ستؤثر “سلباً أيضاً على حملتنا ضد داعش”.

حاولت “سوريا على طول” التواصل مع “قسد” و”الأسايش” للحصول على تصريح حول أمن الطرقات في مناطق نفوذها، وما هي الإجراءات المتبعة لتأمين الطرق، لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

التأثير على المدنيين

توكل إلى المصور الصحفي، معصوم محمد، من مدينة عامودا شمال محافظة الحسكة، مهمة إنتاج تقارير إعلامية ضمن مناطق نفوذ سيطرة “قسد”، لصالح مؤسسات إعلامية، بمبدأ نظام العمل الحر (فري لانس)، لكن بعض المناطق “غير الآمنة” تتطلب منه تخطيطاً زمنياً خاصاً ليضمن عودته إلى مكان إقامته “قبل مغيب الشمس”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في أثناء تغطيته الصحفية لمحافظة الرقة، ينطلق محمد من عامودا الساعة السادسة صباحاً، ويصل إلى وجهته، التي تبعد حوالي 250 كيلومتراً، عند الساعة التاسعة صباحاً، ويحدد عمله بمدة لا تتجاوز ثلاث ساعات من أجل أن يكون “على مشارف مدينة الحسكة عائداً من الرقة قبل الساعة الثالثة عصراً”، بحسب قوله.

وأحياناً يضطر محمد، الأب لطفلين، إلى مغادرة الرقة قبل إنهاء إعداد التقرير، ما يتطلب منه استكماله في يوم آخر، وهذا “الخيار صعب نظراً لخطورة الطريق وطول المسافة”، وعليه استعان بمصور محلي أكثر من مرة “لإكمال العمل مقابل دفع مبلغ مالي”.

تقاضى محمد على ذلك العمل 400 دولار أميركي، دفع منها “100 دولار مصاريف طريق ومواصلات، و50 دولارً للمصور المحلي”، ويعدّ المبلغ المتبقي له “جيداً مقارنة بالأوضاع المعيشية وأسعار المواد في المنطقة”، لكن في حال تعرضه “لأي خطر جسدي أو سرقة المعدات لا أحد يعوضنا”. 

واستذكر محمد موقفاً حصل معه خلال إحدى زياراته إلى الرقة، حيث أنهى عمله “بوقت متأخر عن العادة”، وخلال عودته “صادفنا ثمانية دراجات نارية، تقلّ كل واحدة شخصين، اعتقدنا أنهم عناصر داعش”، لكن بعد “عشر دقائق مرعبة، تبين أنهم عمّال يعملون في منطقة قريبة، لكنهم يخرجون بشكل جماعي لحماية أنفسهم على الطريق”، على حدّ قوله.

أما حمود العيسى، تاجر الخضروات من منبج، عدل عن فكرة السفر ليلاً “منذ سنوات”، ويجد صعوبة في تصدير بضاعته إلى دير الزور عبر طريق الرقة-عين عيسى، بسبب “انتشار خلايا التنظيم على أجزاء نائية من هذا الطريق، وخلوّ هذه الأجزاء من حواجز الأسايش”، كما قال، مشيراً إلى أن “الطريق البديل يقع تحت سيطرة النظام ولا يمكن استخدامه”.

وعليه، يرفض غالبية السائقين “السفر عبر هذا الطريق وغيره من الطرق المقطوعة، نهاراً، خوفاً على حياتهم”، وفي حال قبولهم “يطلبون مبالغ إضافية”، بحسب العيسى، مشيراً أن “السفر ليلاً مرفوض بالنسبة لهؤلاء مهما كان المبلغ الإضافي”.

شارك هذا المقال