7 دقائق قراءة

بهدوء ودون إعلان: الحكومة السورية تغلق “الوافدين” المعبر الآخير للغوطة الشرقية وتشدد الحصار على 450 ألفا يسكنونها

في ضاحية بشرق دمشق، يسيطر عليها الثوار، تسودها الطبقة العاملة، […]


21 أبريل 2017

في ضاحية بشرق دمشق، يسيطر عليها الثوار، تسودها الطبقة العاملة، ومن بين السكان ورد حمدان، وهي حامل في شهرها السابع، وتنتظر مولودها الأول، وتتوقع أنه صبي.

ولكن الآن، وبعد شهر من حصار الحكومة الخانق للغوطة الشرقية، والتي تضم مجموعة من  حوالي عشرة بلدات وقرى شرق العاصمة، فإن ورد وزوجها في حيرة من أمرهما؛ فكيف سيتدبران تأمين الحليب والحفاضات واللقاحات للطفل المرتقب.

و”هذا أكثر ما يؤرقني ليلاً” وفق ما قال أحمد زوج ورد، صحفي مستقل مع أورينت نيوز وخياط أيضاً من بلدة سقبا وسط الغوطة الشرقية والتي كانت تعرف بنجارة الموبيليا الخشبية والمفروشات.

“لا أريد أن يحيا ابني في ظل الحصار”

وحاصر النظام الغوطة الشرقية في عام 2012، ومنذ ذلك والمعارضة تستغل الثغرات في طوق الغوطة والذي يبدو بظاهره منيعاً.

ولكن المنفذ الأكثر أهمية والذي جعل الغوطة الشرقية تصمد هو حاجز تفتيش للنظام يقع بالقرب من مدينة دوما في شمال المنطقة. وسمي بمعبر الوافدين، على اسم مخيم مجاور للاجئين الفلسطينيين، وزود سكان الغوطة الشرقية البالغ عددهم 450 ألف نسمة بأغلبية أغذيتهم وسلعهم الأساسية.

ويدير معبر الوافدين محي الدين المنفوش، عرّاب حرب محلي ثري، وتُشتهر عائلته بارتباطاتها بمصانع توزيع الأغذية والألبان. وبملئه جيوب مسؤولي الحكومة، تمكن المنفوش، وحتى وقت قريب من إدخال نحو 150 طنا من المواد الضرورية يومياً عبر حاجز الوافدين. وفق ما ذكرت سوريا على طول، في أذار.

رجل يسكب الحساء في دوما. كانون الأول عام 2017. حقوق نشر الصورة لـ Abd Doumany/Getty Images.

ويعلم “الجميع في الغوطة بأن من يدخل البضائع من المعبر هو المنفوش، وكنا نرى سياراته يوميا وهي تدخل إلى الغوطة”، وفق ما قال أسامة العمري مدير مكتب شدا الحرية، موقع إعلامي موال للمعارضة في الغوطة الشرقية.

ولكن في 21 أذار، أغلقت قوات الحكومة معبر الوافدين كلياً، بهدوء ودونما إشعار مسبق، وأقامت السواتر التربية، وفق ما قال العمري لسوريا على طول.

و”فجأة لم تعد تدخل سيارات المنفوش” بحسب العمري الذي تابع “وحينما أيقنوا أن المعبر أغلق نهائيا صُدم غالبية الأهالي”.

ومع إغلاق معبر الوافدين، فإن الغوطة الشرقية الآن قطعت كلياً وباتت بمنأى عن الغذاء والإمدادات لأول مرة منذ فرض النظام الحصار الخانق على المنطقة في بدايات عام 2014. وبعد ساعات من إغلاق المعبر في 21 أذار، “حلّقت” أسعار البضائع داخل الجيب الثوري و”مباشرة”، وفق ما قال أحمد، ناشط ميداني سابق. وأضاف “وهكذا علمنا بإغلاق المعبر”.

وبعد أقل من شهر، تضاعف سعر الخبز وحفاضات الأطفال وسلع أخرى إلى ثلاثة أضعاف مما ترك حمدان والعمري وكثير من أهالي الغوطة الشرقية، يعانون الجوع وغير قادرين على تأمين الحاجات الأساسية، وهذا كله والحكومة تمطرهم بالغارات الجوية.

و”بدأنا نتعرض لاستنزاف كبير بكل المجالات المواد الغذائية؛ الأدوية الخ.. فالمواد التي يتم استهلاكها الآن لا بديل عنها”، وفق ما قال حمدان مضيفاً “أخشى أن يأتي ابني إلى هذه الدنيا ونحن في أشد أيام الحصار”.

“أبو أيمن المنفوش”

وتُغرق منتجات محي الدين المنفوش منطقة دمشق، حيث توزع شركته الأجبان والألبان وغيرها من السلع إلى كل من النظام والمناطق الثورية على حد سواء تحت اسم “المراعي”. وألصق على إعلانات المنفوش شعار كتب باللغة الإنكليزية‘Is all what I want!’ “هو كل الذي أريد”

ويعود أصل عائلة المنفوش إلى مسرابا، وسط الغوطة الشرقية، حيث ما تزال شركته تمتلك عدداً من مزارع الألبان. ورغم ندرة التفاصيل عن شخصية هذا التاجر المراوغ، إلا أن له ارتباطات وثيقة مع مسؤولين رفيعي المستوى في كل من الحكومة السورية والفصائل المعارضة.

وفي آواخر عام 2014، عقد المنفوش اتفاقيات بين النظام والثوار تتيح للمهربين بيع الغذاء للتجار في الغوطة الشرقية. ووبموجب هذه الاتفاقيات، يشتري التجار بضائع من دمشق عند حاجز الوافدين، ومن ثم يعيدون تعبئة محلات البقالة الخاصة بهم، وغالبا بمنتجات المنفوش، في الغوطة الشرقية، وفقا لتقرير Century Foundation  (مؤسسة القرن) في كانون الأول عام  2016.

وجعلت عمليات المنفوش، وفق ما تواردت الأنباء، منه رجلاً بمنتهى الثراء. وفي الوقت ذاته تركت حصةً فخمة لمسؤولي الحكومة. وفي الغوطة الشرقية، ذكر التجار أنهم يدفعون رشاو فاحشة لكل من جنود النظام الذين يحرسون  حاجز الوافدين ومسؤولي المعارضة.

وفي الوقت الذي تستلم كل الأطراف حصصها على التوالي، فيمكن أن تباع المادة في الغوطة الشرقية بـ 24ضعف سعرها في دمشق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وفق ما ذكرت the London School of Economics  (كلية لندن للاقتصاد) في 2015.

حصار “أسوأ بكثير”

قبل اتفاق المنفوش مع النظام على مد الغوطة الشرقية بالأغذية في أواخر عام 2014، أحكمت القوات الحكومية محاصرة الغوطة الشرقية في ربيع العام نفسه، وفرضت حصاراً قاسيا على السكان. ومع شح الغذاء وغلائه، بدأ بعض الأهالي إعداد الخبز من العلف الحيواني لسد رمقهم، حسبما ذكرتوكالة سمارت نيوز الموالية للمعارضة في أيلول عام 2014.

والآن، بات أهالي الغوطة الشرقية، يخشون وفق ما قال عدد منهم لسوريا على طول أن تكون الشهور القادمة، أكثر قسوة وبطشاً من فترة الحصار الكلي التي كادت تبلغ السنة في عام 2014.

ففي عام 2014، كانت المنطقة التي يسيطر عليها الثوار في ضواحي الغوطة الشرقية، تضم  أراض زراعية خصبة مما أتاح للأهالي أن يزرعوا ويخففوا من ضغط عزلتهم وانقطاعهم عن الإمدادات الخارجية.

وفي الوقت ذاته، بنى الثوار نظاما ضخما ومعقداً من الأنفاق، في عام 2013، يربط شرق دمشق بالغوطة الشرقية، مما أتاح للمعارضة تهريب المواد الغذائية والوقود والأدوية إلى الغوطة المحاصرة. وواصل الثوار بناء أنفاق إضافية للاستخدام التجاري والعسكري طوال فترة الحصار، عام 2014.

ولكن على مدى العام الماضي، استعاد النظام السوري السيطرة على مناطق استراتيجية في الغوطة الشرقية وما حولها، مما حد من قدرة قوات المعارضة على الصمود أمام الحصار الكلي.

إلى ذلك، خسرت قوات المعارضة، في أيار الماضي، منطقة المرج الخصبة، إلى الجنوب من الغوطة الشرقية، والتي كان يزرع فيها الجزء الأكبر من احتياجات المنطقة ومنتوجاتها. ولم يتمكن الثوار من استعادة السيطرة عليها.

وفي شباط الماضي، وجه النظام  ضربة قاسية أخرى للثوار، من خلال فرض الحصار على ثلاثة أحياء، شرقي دمشق، شمال الغوطة الشرقية، والتي كانت تغذي المنطقة المحاصرة بالإمدادات عبر أنفاق التهريب.

وتقول خلود، 31 عاما، أرملة وأم لثلاثة أطفال، من بلدة كفر بطنا الواقعة في الجهة الجنوبية للغوطة الشرقية، “اعتدنا أن تنقل الأنفاق إلينا المواد الغذائية والدواء، أما الآن فليس لدينا أي شيء”. وتعيش خلود مع أقاربها منذ مقتل زوجها إثر غارة جوية، قبل ثلاث سنوات.

وتضيف خلود أنه خلال الحصار الأخير في عام 2014، “كان هناك حبوب وخضراوات”، أما الآن، “لم يعد لدينا حبوب، ومعظم الخضراوات غير متوفرة، فيما عدا الخس والسبانخ”.

وتتابع أن “هذا الحصار أسوأ بكثير مما كان عليه قبل ثلاث سنوات”.

“يبدو أننا مقبلون على أيام سوداء”

الآن، وبعد أسابيع من وقت الولادة في سقبا، تقول ورد حمدان أن هناك العديد من الأمور التي تُقلقها: احتمال إجراء عملية قيصرية مع نقص الأدوية، ونقص كبير في اللقاحات التي ستعطى لمولودها، وعدم توافر حليب الأطفال الصناعي في رفوف الصيدليات، كما في السابق.

كما أنها لم تأخذ الفيتامينات اللازمة أثناء فترة الحمل، حيث اختفت الفيتامينات والمكملات كليا في بداية الحصار، منذ شهر.

وتقول ورد “أخشى أن يؤثر ذلك على صحة جنيني”.

وحمدان ليست وحدها، حيث وصف اثنا عشر شخصا تقريبا، من أهالي الغوطة الشرقية، أجريت معهم مقابلات من أجل إعداد هذا التقرير، الفقر “الشديد”، والنقص في المواد الأساسية ذات الأسعار المعقولة، بشكل شبه كامل على الأرض، بما في ذلك المواد الغذائية والدواء، مع استمرار إغلاق معبر الوافدين للشهر الثاني.

ويصف الأهالي الأسواق الفارغة في بلدات الغوطة الشرقية، منذ إغلاق المعبر الشهر الماضي، حيث يتجول غالبية الأهالي “في السوق دون أن يشتروا شيئا بسبب الغلاء ومن يضطر لشراء شيء يشتري منه عينات كون معظم الأهالي لا يملكون مخزونا في منازلهم”، وفقا لما قاله أحمد البقاعي، الذي يدير منظمة إغاثية طبية في كفر بطنا.

ومن بين هؤلاء الأهالي، آباء لأطفال صغار، يقولون أن الإمدادات التي تعين أسرهم قليلة وباهظة الثمن منذ أن أُغلق معبر الوافدين الشهر الماضي.

في السياق، يقول أسامة العمري، مدير مكتب إحدى وسائل الإعلام الموالية للمعارضة، في الغوطة الشرقية، لسوريا على طول، أنه منذ الإغلاق، بالكاد يستطيع دفع ثمن حفاضات الأطفال، وهو 250 ليرة (1.15 دولار) للواحدة، لطفله البالغ من العمر عاما واحدا. ويضيف أسامة “بمعنى أن من لديه طفل يحتاج بشكل يومي إلى 500 ليرة (2,30 دولار) بأقل تقدير كمصروف لحفاضات طفله”.

وحتى المواد الغذائية الأساسية مكلفة للغاية بالنسبة لخلود، الأرملة الشابة التي تعيش في كفر بطنا مع بناتها الثلاث. وتعاني بناتها من مشاكل في الدم تتطلب اتباع حمية غذائية خاصة. ولكن خلود لا تستطيع أن تشتري “القليل من الطحين”، لها ولبناتها، حيث يبلغ سعر الكيلو الواحد الآن ألف ليرة (5 دولارات)، منذ إغلاق معبر الوافدين.

وتقول خلود إن سعر الكيلو من الخبز ارتفع الآن إلى 000 1 ليرة سورية (5 دولارات)، أي أنه ضعف السعر في دمشق، الخاضعة لسيطرة النظام، بـ40 مرة.

ولسد احتياجاتها، قامت خلود مؤخرا ببيع معظم ملابس بناتها “من أجل توفير الطعام”، وتقتات الآن هي وبناتها على القليل من البرغل، وهي حبوب منخفضة السعر نسبيا، “كوجبة يومية فقط للبقاء على قيد الحياة”.

إلى ذلك، توقف مهند الخطيب، وهو معلم في مدرسة ابتدائية في كفر بطنا، عن شراء الطحين واللحوم تماما منذ الإغلاق، وبدأ “بالطهي على الحطب لانعدام وجود الغاز”، وفقا لما يقوله لسوريا على طول. وأُغلقت المدارس في الغوطة الشرقية قبل أسابيع، بسبب الغارات الجوية التي يشنها النظام، وبالتالي فقد الخطيب مصدر رزقه.

ويقول مهند، لسوريا على طول، أنه الآن يعيش على الشعير والسبانخ، “فلا توجد أموال كافية لشراء المواد الغذائية”.

أما محمد أيمن، وهو ناشط من دوما، وأب لطفل واحد، فيقول أن كل ما تبقى هو “ما يزرع ضمن الغوطة”، وهذا يعني بعض البقوليات والجزر والقليل غيرها.

ويقول السكان إن الجوع المتزايد في الغوطة الشرقية، هو نذير شؤم لأولئك الذين شاهدوا حصار النظام وتجويعه لمجتمعات المعارضة، في أماكن أخرى من البلاد، وإعادة السيطر عليها في نهاية المطاف.

وحتى العمري، وهو على عكس ورد وأحمد حمدان اللذين سيصبحان أبوين قريبا، ما يزال يريد أن يربي ابنه الرضيع في الغوطة المحاصرة، لكنه يخشى أن تسوء الأمور أكثر.

ويقول العمري “أنا أفضل أن يتربى ابني في الغوطة حتى في ظل الحصار، على أن يربى خارج بلده (…) ولكن المؤشرات تدل على حصار أقسى من حصار 2014 بأضعاف”.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال