4 دقائق قراءة

بيع “كسوة العيد” بالأقساط سبيل التجار لإنعاش أسواق حماة

ربما تعيد عروض "البيع بالأقساط" شيئاً من بهجة الأعياد والمناسبات لأهالي مدينة حماة، التي غابت عن عيد الفطر لهذا العام، نتيجة الغلاء غير المسبوق وتدني القدرة الشرائية


27 أبريل 2022

حماة- منذ سنوات يعتمد أبو منير على مبدأ “الدور” في شراء كسوة العيد لأولاده الثلاثة، مخصصاً كل عيد لكسوة طفل واحد، و”غالباً ما تكون الملابس من محلات البالة”، لكن استعداداً لعيد الفطر اشترى ثلاثة قمصان دفعة واحدة، مستفيداً من “عروض بيع الملابس بالتقسيط”، التي راجت مؤخراً في حماة.

بلغت قيمة القمصان الثلاثة 60 ألف ليرة سورية (15 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، البالغ 3850 ليرة للدولار الواحد)، أي أكثر من نصف راتبه الشهري، الذي يبلغ 112 ألف ليرة سورية (29 دولاراً).

ومع أن بشار الأسد، أصدر مرسوماً تشريعياً في 21 نيسان/ أبريل الحالي، أمر بموجبه صرف منحة مالية لمرة واحدة قيمتها 75 ألف ليرة (19.5 دولاراً)، “للعاملين في الدولة من المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية”، إلا أن هذه المنحة لا تغطي ثمن بنطال وحذاء رجالي، وفقاً لأبو منير، الذي يعمل موظفاً في إحدى المؤسسات الحكومية، مشيراً إلى أن “متوسط سعر البنطال 50 ألف ليرة [13 دولاراً]، ومثلها للحذاء”، ناهيك عن أسعار الحلويات، التي “تصل في حدها الأدنى إلى 25 ألف ليرة [6.5 دولاراً]”. 

وقدّر أبو منير، 45 عاماً، تكاليف كسوة الطفل الواحد، من لباس وحذاء بنحو 100 ألف ليرة، كما قال لـ”سوريا على طول”، لذلك اكتفى بشراء القمصان حتى لا يحرم أطفاله بهجة العيد ولا يحمل نفسه أعباء مالية لعدة أشهر قادمة.

اتفق أبو منير مع صاحب محل الألبسة تقسيط المبلغ “على ثلاث دفعات متساوية”، ولضمان السداد “وقعت على إيصال مالي يستحق الدفع بداية كل شهر، وقدمت جميع معلوماتي الشخصية ومكان عملي وطريقة التواصل”.

وربما تعيد عروض “البيع بالأقساط” شيئاً من بهجة الأعياد والمناسبات، التي غابت عن عيد الفطر لهذا العام في محافظة حماة، وعموم المحافظات السورية، بسبب غلاء الأسعار، وتدني القدرة الشرائية للسوريين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، نتيجة تدهور سعر صرف الليرة السورية.

آلية البيع بالأقساط

في بلد يعيش أكثر من 90% من سكانه تحت خط الفقر، وفق تقديرات وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتين غريفيث، يضطر كثير منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة لتغطية نفقاتهم، قد يكون “البيع بالأقساط” حلاً للبائع والمشتري، ولكنه لا يخلو من “مخاطر النصب والاحتيال”، كما قال التاجر عمر، الذي يعمل في تجارة ألبسة الأطفال لـ”سوريا على طول”.

لذلك، يسعى التجار إلى صون حقوقهم بطرق عدة، أفضلها “بيع السلعة مقابل السداد على دفعتين، شريطة حجز البطاقة الشخصية للمشتري إلى حين سداد المبلغ كاملاً”، وفقاً لعمر.

وذهب تجار آخرون إلى تقسيط المبلغ على أربع دفعات شهرية، وبعضهم أعطى زبائنه مهلة سداد تصل إلى ستة أشهر “شريطة توقيع الزبون على تعهد للتاجر بسداد المبلغ في الوقت المحدد أو سيقاضى بتهمة النصب والاحتيال”، بحسب عمر، مشيراً إلى أنه “غالباً ما تنحصر عمليات البيع مقابل السداد على ستة أشهر بالعاملين في القطاع الحكومي، لضمان تحصيل الأقساط منهم”، في إشارة إلى وجود دخل ثابت للعاملين في المؤسسات الحكومية على عكس العاملين في القطاع الخاص.

وجاءت فكرة بيع الألبسة والأحذية بالأقساط من المؤسسة السورية للتجارة، التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، التي نفذت هذه السياسة أكثر من مرة عبر منافذ بيعها في المحافظات السورية، ولكن “للعاملين في الدولة”، بمهلة سداد وصلت إلى 12 شهراً، شريطة أن لا يتجاوز إجمالي المبلغ 150 ألف ليرة سورية (40 دولاراً). 

وتحفظ المؤسسة السورية للتجارة حقوقها “باقتطاع القسط من راتب موظف الدولة مباشرة، وهذا غير ممكن بالنسبة للتجار في القطاع الخاص”، كما قال أبو سعيد، الذي يعمل في تجارة الأحذية في حماة، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن نظام الأقساط بالنسبة لتجار حماة “سلاح ذو حدين. فالتاجر مجبر على التعامل بهذا النظام من أجل الخروج من موسم العيد بلا خسائر، لكن قد يواجه مخاطر النصب وتخلف الناس عن السداد”.

وأكثر ما يهدد تجار سوريا المتعاملين بالأقساط تذبذب سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، ما يعني “تغير سعر البضائع بين وقت بيعها ووقت تحصيل ثمنها”، بحسب أبو سعيد، مشيراً إلى أن غالبية السلع “تشهد ارتفاعاً مستمراً في أسعارها وليس العكس”.

فائدة للطرفين

حرمت موجات الغلاء المتعاقبة ذوي الدخل المحدود في مدينة حماة من التسوق، وصارت ملابس العيد حلماً للكثير منهم، حتى من محلات بيع الألبسة المستعملة (البالة). ونتيجة لذلك شهدت أسواق حماة ركوداً اقتصادياً ولحق الضرر تجار المدينة أيضاً.

وعليه، لجأ تجار الألبسة والأحذية في حماة إلى “سياسة البيع بالتقسيط لتدارك موسم عيد الفطر، الذي يعد أهم وأكبر المواسم بالنسبة لنا”، بحسب التاجر عمر، موضحاً أن “30% من محلات الألبسة والأحذية في حماة اتبعت هذا الموسم البيع بالتقسيط”.

وبدأ تجار حماة يحصدون نتائج “البيع بالتقسيط”، بحسب أبو سعيد، الذي اعتبر فيها “طريقة مجدية لدفع الناس إلى شراء مستلزمات العيد”، ولمس ذلك من خلال “عودة الحياة والحركة إلى أسواق حماة”.

تعليقاً على ذلك، اعتبر أبو منير، الذي استفاد من نظام الأقساط، أنه “مبادرة جيدة من تجار حماة تجاه الموظفين أمثالي”، مشيراً إلى أن “البيع بالأقساط هو السبيل الوحيد لإعادة الفقراء وذوي الدخل المحدود إلى الأسواق من جديد بعد أن حرموا منها”.

لكن أم خالد، الموظفة في دائرة حكومية بمدينة حماة، لم تجد في نظام الأقساط ما يخفف عنها ظروف الحياة الصعبة، معتبرة أن الأقساط تعني “توزيع العبء المالي على عدة أشهر”، ومع بقاء دخلها الشهري ثابتاً بالليرة السورية، أي ربما يفقد مزيداً من قيمته، ترى أن “العيش بالفقر والقلة لمدة شهر واحد أفضل من أن يمتد لأشهر”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

ونفت أم خالد أن يكون هدف التجار من سياسة بيع الأقساط هو التفكير بالمواطن السوري وإدخال السرور على أطفاله، وإنما “البحث عن الفائدة للتجار فقط”. لكن ما يهمّ أبو منير أن هذه السياسة ساعدته في “عدم حصر مصروف العيد بشهر واحد”.

شارك هذا المقال