5 دقائق قراءة

بين اللجنة الدستورية و”نبع السلام”: تركيا والمعارضة السورية

عمان- في مقر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية، أسدل الستار، يوم الجمعة الماضي، على الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي عقدت بمشاركة وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين. وفيما خرج الوفدان بمدونة سلوك مشتركة، كان نصيب إدلب شمال غرب سوريا، في اليوم ذاته، عدداً من الغارات الجوية السورية الروسية التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.


11 نوفمبر 2019

عمان- في مقر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية، أسدل الستار، يوم الجمعة الماضي، على الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي عقدت بمشاركة وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين. وفيما خرج الوفدان بمدونة سلوك مشتركة، كان نصيب إدلب شمال غرب سوريا، في اليوم ذاته، عدداً من الغارات الجوية السورية الروسية التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.

المعارضة السورية جاءت إلى جنيف “بروح وطنية عالية وبمسؤولية كبيرة، وبدافع أساسه الحرص على مصلحة الشعب وإيقاف معاناته داخل سوريا وخارجها”، وفق ما صرّح رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري، في المؤتمر الختامي الذي عقده مع الرئيس المشارك للجنة الدستورية عن المعارضة هادي البحرة.

لكن المعاناة التي تحدث عنها الحريري لم تتوقف، إذ وثق الدفاع المدني مقتل سبعة مدنيين، وإصابة ستة آخرين بجروح، بينهم ثلاثة أطفال، يوم أمس الأحد، جراء استهداف طائرات حربية روسية بلدة كفروما في ريف إدلب الجنوبي، بثلاث غارات جوية وعدد من قذائف المدفعية.

هذا التباين بين أهداف المعارضة السياسية السورية المعلنة والواقع الحقيقي في آخر مناطق نفوذها في شمال غرب سوريا، هو “نتيجة طبيعية لمشاركة المعارضة في الاستحقاقات أو المؤتمرات الدولية من دون تعزيز أوراقها وأن ترتبط مع قاعدتها الشعبية”، بحسب ما قال عضو المجلس الوطني السوري السابق، ميشيل كيلو، لـ”سوريا على طول”. لافتاً أيضاً إلى ضرورة “التفريق بين المعارضة الحقيقية التي تتمثل بالمعارضة الشعبية، وبين المعارضة السياسية التي لا يوجد لها أي برنامج واضح إلى الآن، وليس لها أي قنوات تواصل واضحة مع النخب الوطنية، مع أن عددهم عشرات بل مئات الآلاف”.

ومنذ الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، في 23 أيلول/سبتمبر، شككت شخصيات سورية بقدرتها على أداء مهمتها. إذ اعتبر المحامي أنور البني، في تصريح سابق لـ”سوريا على طول”، أن اللجنة تشكل “ذريعة لتمرير الأجندات العسكرية على أرض الواقع”.

بعد أسبوعين من الإعلان عن قرب انطلاق اجتماعات اللجنة الدستورية، أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” العسكرية، في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالاعتماد على الجيش الوطني السوري، ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في منطقة الجزيرة السورية المعروفة باسم “شرق الفرات”. وليكون القاسم المشترك بين العملتين هو أنقرة، كون اللجنة الدستورية هي أحد مخرجات “محادثات أستانة” التي تشرف عليها روسيا وإيران إضافة إلى تركيا تحت مسمى “الدول الضامنة”.

أهداف تركية بذراع “وطني”

قبيل إطلاق “نبع السلام”، أعلن وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، اللواء سليم إدريس، جاهزية الجيش الوطني السوري للمشاركة في العملية، على اعتبار أن “مصلحة الثورة في طرد هذه المنظمة [وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل أساس “قسد”] تتقاطع مع مصالح أشقائنا الأتراك”. في المقابل، تباينت مواقف المعارضة السياسية، كما على المستوى الشعبي، من “نبع السلام”. 

وسريعاً ظهر غياب القرار الوطني السوري المعارض في مواجهة المصالح تركيا في حربها ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تتبع له وحدات حماية الشعب، ويعدّ أيضاً امتداداً لحزب العمال الكردستاني المدرج على قائمة الإرهاب التركية وسواها.

إذ عُلقت العملية العسكرية بعد أيام من انطلاقها، نتيجة اتفاق تركي- أميركي منح “قسد” مهلة للانسحاب بعمق 32 كيلومتراً عن الحدود التركية، تبعه اتفاق آخر تركي- روسي سمح للقوات الروسية بالوصول إلى الحدود التركية برفقة القوات الحكومية السورية، شريطة انسحاب قوات “قسد” من مناطق أخرى شمال سوريا.

لكن أمس الأحد، أعلن الجيش الوطني السوري استئناف العمليات العسكرية بسبب عدم التزام “قسد” بالاتفاق التركي- الروسي، واستهدافها مواقع المدنيين في المنطقة.

كذلك، أظهرت قضية تسليم تركيا 18 جندياً سورياً للقوات الحكومية، مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، كان الجيش الوطني قد أسرهم في مدينة رأس العين بريف الحسكة، غياب القرار الوطني السوري المعارض.

وقد أثارت عملية تسليم الجنود استياء شعبياً في مناطق المعارضة السورية، إذ أصدر “اتحاد الإعلاميين السوريين” الذي ينشط في مناطق المعارضة السورية المدعومة من تركيا، بياناً استنكر فيه عملية التسليم، باعتبار أن ذلك “فعل شنيع ومخالف لمبادئ ثورة الحرية والكرامة التي خرج بها السوريون”، مطالباً الجيش الوطني بتقديم تفسير مقنع للحادثة.

لكن الفيلق الثاني في الجيش الوطني، برر تسليم الجنود، ببيان في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، بأنه “تم تسليم الأسرى للإخوة الأتراك وفق آلية عمل متفاهم عليها في معركة نبع السلام”، معتبراً أن شراكة الجيش الوطني الاستراتيجية مع الجيش التركي “تقتضي منا المرونة في إدارة المعركة”.

على الرغم من ذلك، فإن “نبع السلام” من وجهة نظر المفكر السياسي كيلو هي “نتيجة وليست سبباً في موقف المعارضة. إذ إن المشكلة في المعارضة ذاتها”، كون “الدول تفكر بمصالحها أولاً. فروسيا لا تهتم بمصلحة [بشار] الأسد بقدر ما تهتم بمصلحتها، وتركيا تفكر بمصالحها أولاً”.

وأضاف كيلو: “كان بإمكان المعارضة أن تحقق مصالحها الوطنية بما يتوافق مع المصالح الدولية، لكن يبدو حتى الآن أنها لم تبلور أهدافها”.

هذا الموقف كان قد أكد عليه رئيس المجلس الوطني السابق، السياسي الكردي عبدالباسط سيدا، محذراً في مقابلة مع “سوريا على طويل” الشهر الماضي، من “تحويل بعض السوريين قضيتهم إلى جزء من السياسة التركية المبنية على سياسات داخلية أو إقليمية تركية”، لأن “هذا يعني أننا أدخلنا قضيتنا في بازارات الدول على الصعيد الإقليمي والدولي، وبالتالي نفقد المصداقية أمام شعبنا، ونتحول إلى جزء من الأجندات الإقليمية التي تنفذ في سوريا”.

من الخاسر؟

رغم أن اتجاه الأحداث الأخيرة شمال شرق سوريا، بما في ذلك ما تضمنته من تفاهمات إقليمية، يؤكد ضرب مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، إلا أن المعارضة السورية لم تجنِ أيضاً ثماراً سياسية أو عسكرية. 

فقد قوبلت عملية “نبع السلام” برفض غالبية الأكراد السوريين، بمن فيهم مناهضو “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قسد”. وهو رفض، لاسيما من غير المؤيدين لحزب الاتحاد الديمقراطي، “لم يأت من منطلق الدفاع عن “قسد”، بل من منطلق التجارب السابقة مع القوات التركية والفصائل المدعومة منها في عفرين” بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” يشار حاج علي، عضو المجلس الوطني الكردي الذي يضم ثلاثة عشر حزباً كردياً ليست على وفاق مع الاتحاد الديمقراطي و”قسد”.

كذلك، جاءت اللجنة الدستورية نتيجة لمحادثات أستانة التي لم تؤد إلا إلى تمكين حكومة دمشق من السيطرة على ثلاث من أصل أربعة مما يسمى “مناطق خفض التصعيد”، إضافة إلى السيطرة بشكل كامل على ريف حماه الشمالي وأجزاء واسعة من ريف إدلب الجنوبي.

ورأى حاج علي أن “الخاسرين من اللجنة الدستورية ونبع السلام كثر، وعلى رأسهم المعارضة السورية. فيما المستفيد هو النظام السوري”.

كل ذلك دفع إلى وجود شعور بأن الأكراد ضحية عمليتين تركيتين، الأولى سياسية، والثانية عسكرية، إذ يرى العضو في المجلس الوطني الكردي، يشار حاج علي وجود “تأثير تركي على اللجنة الدستورية والعملية العسكرية ، وأن السياسة التركية تنظر لحقوق الشعب الكردي في سوريا من منظور حزب الاتحاد الديمقراطي”.

على الطرف الآخر، ورغم اعترافه بصعوبة موقف المعارضة السورية، بسبب “تفوق روسيا وإيران من الناحية العسكرية، وتعرض المعارضة للخيانة من أصدقائها، ما عدا تركيا”، قال الباحث التركي عمر أوزكيزيليك، أن “تركيا تمكنت من تهميش وحدات حماية الشعب إلى حد مهم، فيما ستقوم المعارضة السورية ونظام الأسد بالعمل على انتقال سياسي ودستور جديد لسوريا”.

ونفى أوزكيزيليك الباحث في مؤسسة “سيتا”، وهي مؤسسة بحثية مستقلة مقرها أنقرة، أن يكون “إضعاف وحدات حماية الشعب يعني إضعاف المعارضة السورية”، مشيراً أن “خسائر المعارضة السورية [في شمال شرق سوريا] قليلة إذا ما قورنت بخسائرها الكبيرة في إدلب”.

شارك هذا المقال