6 دقائق قراءة

بين تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية: مدنيو الرقة يعيشون حالة هلع ويحملون العالم المسؤولية

بينما تقترب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، من مدينة الرقة، […]


23 مارس 2017

بينما تقترب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، من مدينة الرقة، يلجأ بعض السكان للفرار إلى عاصمة تنظيم الدولة، في سوريا، ضمن ظروف يسودها القلق والخوف من الغارات الجوية للتحالف، والتقدم البري، في الوقت ذاته.

وبالنسبة للسكان البالغ عددهم 150 ألف نسمة، لم يعد هناك طريق آمن لمغادرة مدينة الرقة في الوقت الحالي، حيث قطعت قوات سوريا الديمقراطية الطرق البرية، في حين تعرضت جميع الجسور الممتدة عبر نهر الفرات، إلى الجنوب من مدينة الرقة، حيث يعيش 50 ألف شخص، للدمار بفعل الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، في الأسابيع الأخيرة.

إلى ذلك، أطلقت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف متعدد الأعراق، يشكل الأكراد المكون الرئيسي فيه، عملية غضب الفرات فى تشرين الثاني 2016 للسيطرة على مدينة الرقة.

ومنذ ذلك الحين، قامت قوات سوريا الديمقراطية، مدعومة بعشرات الضربات الجوية التى شنها التحالف، بعزل المدينة، واستولت على أراض واقعة إلى الشمال والغرب والشرق منها.

وشيئا فشئيا، تم تطويق تنظيم الدولة بشكل أكبر الآن في مدينة الرقة. إلا أن التنظيم ليس بمفرده هناك، حيث يوجد الآلاف من المدنيين، من سكان الرقة والنازحين من المدن والقرى في المناطق الريفية المجاورة، محاصرين أيضا في الداخل.

وقال فرات، الاسم الوهمي لناشط وإعلامي من الرقة، لسوريا على طول، من تركيا “يقدر عدد النازحين من ريف الرقة الشرقي، في الأسابيع الأخيرة، بعشرات العائلات التي هربت إلى مدينة الرقة”.

وفرات عضو سابق في منظمة الرقة تذبح بصمت، وهي مجموعة من الناشطين الإعلاميين الذين يوثقون انتهاكات تنظيم الدولة. وهو حاليا عضو ومؤسس “إعلاميون بلا حدود – الرقة” وهي مجموعة إخبارية مستقلة تقدم تقارير عن أحداث الرقة على الإنترنت.

قوات سوريا الديمقراطية تتقدم شمال شرق الرقة، في شباط 2017. تصوير: دليل سليمان.

ويشكل الأشخاص الذين فروا إلى مدينة الرقة، من القرى والمدن الصغيرة، التي تقع حول مدينة الرقة شمال سوريا، جزءا بسيطا من النازحين، جراء المعارك الأخيرة.

ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الشهر الجاري، فإن “ما يقارب 42 ألف شخص” في الرقة، نزحوا منذ بدء عملية غضب الفرات، و”من المتوقع حدوث موجة نزوح جديدة مع استمرار العمليات العسكرية”.

ونزح البعض منهم مؤقتا ثم عادوا إلى مناطقهم. كما فر الكثيرون إلى الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، في الشمال. في حين حاول آخرون الحصول على مأوى داخل أراضي تنظيم الدولة، بما في ذلك مدينة الرقة.

لماذا يفرون إلى عاصمة تنظيم الدولة، والهدف المعلن لحملة غضب الفرات؟

وفقا لخمسة مدنيين فروا إلى مدينة الرقة، فإنهم يخشون تقدم قوات سوريا الديمقراطية. وبعضهم كان قلقا من الاعتقالات في حال تم اعتبارهم على أنهم أنصار تنظيم الدولة. وتناقل آخرون أنباءاً وشائعات حول التجنيد الإلزامي واستيلاء قوات سوريا الديمقراطية على الممتلكات.  

من جهة أخرى، بعض الأهالي في الرقة ليس لديهم مكان آخر يتجهون إليه، حيث مُنعوا من الخروج من قبل التنظيم أو بسبب الألغام الأرضية والعبوات الناسفة المزروعة على طول الخطوط الأمامية.

في السياق، يعاني الأشخاص الذين يقيمون داخل مناطق سيطرة التنظيم من صعوبة وخطورة التواصل مع المصادر الإعلامية الخارجية. حيث أرسل أربعة نازحين داخل مدينة الرقة، ممن تواصلت معهم سوريا على طول، أثناء إعداد هذا التقرير، تسجيلات صوتية عبر الإنترنت من خلال فرات، الناشط السوري والمراسل المقيم في تركيا. في حين تواصل شخص خامس بشكل مباشر مع سوريا على طول عبر تطبيق الواتساب. وليس بمقدور سوريا على طول التأكد من حساباتهم بشكل مستقل.

وبصرف النظر عن سبب فرار بعض النازحين إلى الرقة، فإن الأشخاص الذين تواصلت معهم سوريا على طول، أثناء إعداد هذا التقرير، قالوا أنهم محاصرون هناك مع بقية أهالي المدينة، في مدينة تتعرض للقصف اليومي من قبل طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وقال أبو عمار، مدني هرب إلى مدينة الرقة، من الريف، الشهر الماضي، لسوريا على طول إن “الحياة في الرقة باتت شبه معطلة، خوفاً من تبعات المعركة المقررة لطرد التنظيم ونظراً لاستهداف التحالف للمدينة ومحيطها”.

وذكرت قوات سوريا الديمقراطية، هذا الأسبوع، أن قواتها كانت تتقدم باتجاه الرقة من الشرق “بعد تلقي بعض أنواع الاسلحة الجديدة والصواريخ والمدرعات العسكرية من قوات التحالف الدولي” . وتبعد أقرب مواقع لقوات سوريا الديمقراطية 5 كم شمال شرق المدينة.

ومع اقتراب المعارك من الرقة، أفاد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بوقوع 154 ضربة جوية ضد تنظيم الدولة بالقرب من مدينة الرقة هذا الشهر وحده. كما ذكر نشطاء محليون وصفحات إخبارية وقوع عشرات الضحايا في صفوف المدنيين نتيجة لذلك.

ويعيش النازحون داخل مدينة الرقة، مثل خليل عمر، الذي فر من مدينته في الريف الشمالي مع زوجته وأطفاله الثلاثة، في كانون الثاني، في المساجد والمدارس والمباني العامة الأخرى. وقال عمر “لم أكن من الأشخاص المحظوظين الذين يملكون المال لاستئجار منزل”. بينما أقام أشخاص آخرون خيام في الشوارع والساحات في المدينة.

في سياق متصل، أثارت تجمعات النازحين المخاوف من وقوع خسائر جماعية أثناء الغارات الجوية. وتفيد التقارير بأن ضربات التحالف استهدفت المدارس والمناطق الأخرى التي تجمع فيها النازحون في الأيام الأخيرة.

وأفاد ناشطون محليون وبعض المراصد، يوم الثلاثاء، بمقتل ما لا يقل عن 180 شخصا بسبب غارة جوية من قبل التحالف على مدرسة تضم عشرات الأسر النازحة فى بلدة المنصورة، التى يسيطر عليها التنظيم، غربي محافظة الرقة. في المقابل، أشار التحالف إلى أنه شن 18 غارة جوية بالقرب من الرقة، يوم الثلاثاء، بما فيها مقرات تنظيم الدولة ومؤسسة إعلامية.

وفي 11 آذار، أفادت تقارير بأن 12 مدنيا على الأقل قتلوا شرق مدينة الرقة عندما قصفت غارة جوية تابعة للتحالف مدرسة كانت تأوي النازحين، وفقا لمرصد airwars. وأشارت تقارير صادرة عن قوات التحالف إلى وقوع 12 غارة جوية قرب الرقة، في نفس اليوم.

ووفقا لأبي عمار، نادرا ما تخلو سماء الرقة من طائرات التحالف، و”هناك استهداف شبه يومي لأطراف المدينة ومحيطها”.

وعبر النازح عمر عن عدم تفاؤله بشأن مستقبل عائلته، قائلا لسوريا على طول “لا أظن أن الحال سيطول هنا في هذه المدرسة فقريباً سنكون قتلى تحت ركامها بقصف قسد أو التحالف”.

وبالإضافة إلى الطائرات الحربية والقصف المتواصل، ترك التقدم السريع للقوات البرية لقوات سوريا الديمقراطية بعض السكان في حالة خوف مما قد يحدث بمجرد وصول القوات التى تدعمها الولايات المتحدة.

إلى ذلك، تقول أم أحمد، وهي امرأة هربت إلى المدينة مع بناتها في وقت سابق من هذا العام، لسوريا على طول “الروايات التي يتناقلها الناس هنا عن أفعال قوات سوريا الديمقراطية أدخلت الخوف إلى قلبي”.

كما ذكر الأشخاص الخمسة الذين تواصلت معهم سوريا على طول، أثناء إعداد هذا التقرير، مخاوفهم من الاعتقال والتجنيد والتشرد وغيرها من الانتهاكات من قبل قوات سوريا الديمقراطية. وقالوا إن هذه المخاوف تستند إلى “الممارسات الإجرامية والطائفية” التي قامت بها قوات سوريا الديمقراطية في معارك سابقة، في ريف الرقة.

وخلص تقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، مؤخرا، إلى أنه “لا يوجد أدلة تدعم الادعاءات بأن وحدات الحماية الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية استهدفت المجتمعات العربية على أساس عرقي” على مدى سبعة أشهر، بدءا من تموز الماضي. وعلاوة على ذلك، يشكل العرب جزءا من قوات سوريا الديمقراطية، جنبا إلى جنب، مع الأكراد الذين يشكلون الغالبية الأكثر فعالية فيها.

وتناول تقرير الأمم المتحدة، التهجير المؤقت والطويل الأمد، من القرى التي استولى عليها تنظيم الدولة، على أنه مصدر للقلق، فضلا عن التجنيد الإلزامي للرجال والفتيان.

وتسود مخاوف بين المدنيين، داخل الرقة، من إمكانية اعتبارهم “حاضنة شعبية للتنظيم”، بحسب ما قاله أبو عمار وآخرون، لسوريا على طول.

وتابع أبو عمار “نحن نعيش تحت هيمنة التنظيم وإرهابه، ونعيش حالة الخوف الدائم من  الاعتقال والجلد والقتل بتهم التنظيم الباطلة”، مضيفا “فـنحن المدنيون في الرقة من أكثر المتضررين في عموم سوريا”.

وقال أبو خالد، مدني آخر في الرقة “نحن في الرقة مختطفون من قبل التنظيم”.

وختم أبو خالد قائلا “إذا تم اقتحام المدينة فالمدنيين هم مسؤولية العالم أجمع. ونحمل التحالف وقواته الحليفة على الأرض مسؤولية أي دماء تراق وأي دمار يلحق بممتلكاتنا، وليعلموا أن حجم الظلم الذي نلاقيه من قبل التنظيم لا تحمله الجبال”.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال