10 دقائق قراءة

تجار الأردن ينتظرون فتح الحدود مع سوريا: نريد أن تعود الأمور كما كانت

تمتد مجموعة من الاستراحات والمقاهي ومحلات السوبر ماركت على طول طريق دمشق - عمّان الدولي السريع، الذي يمرّ عبر مدينة المفرق شمالي الأردن، وصولاً إلى بوابة معدنية مغلقة ترسم بداية الحدود السورية.


10 أكتوبر 2018

تمتد مجموعة من الاستراحات والمقاهي ومحلات السوبر ماركت على طول طريق دمشق – عمّان الدولي السريع، الذي يمرّ عبر مدينة المفرق شمالي الأردن، وصولاً إلى بوابة معدنية مغلقة ترسم بداية الحدود السورية.

وكان الطريق السريع شرياناً رئيسياً للتجارة من الأردن إلى سوريا وتركيا وأوروبا، أما الآن فلا يوجد سوى عدد قليل من السيارات التي يقودها سكان القرى الحدودية القريبة تمر عبر الطريق المهجور إلى حد كبير.

والمباني، التي تبدو مهجورة ومهملة منذ زمن بعيد، تدلّ على ما كان عليه الطريق السريع قبل عقد من الزمان، ومن بين المباني مطعم مهجور، اسمه استراحة إدلب، وكُتب على إحدى اللافتات “أهلا بالمسافرين”.

وفي إحدى مواقف السيارات، على بعد ٤٠٠ متر فقط من معبر جابر- نصيب الحدودي، يقوم عبد الناصر جرادات وأبناؤه الأربعة بملء رفوف سوبر ماركت العائلة التي افتتحت قبل أسبوع.

يقول جرادات، وهو مواطن من مدينة إربد الأردنية، وأستاذ في جامعة محلية، لسوريا على طول “كان هذا الشارع مزدحماً ليلاً ونهاراً بسيارات متجهة من وإلى سوريا”.

وتابع قائلاً أما “إذا خرجت في هذه الأيام، فإن المنطقة تبدو كمدينة أشباح”.

“استراحة إدلب: جميع احتياجات المسافرين”. تصوير: وليد النوفل.

 

إن سوبر ماركت الجرادات، وهو المتجر الوحيد المفتوح عبر مسافة كيلومترات على طول الطريق السريع المهجور، وآخرها قبل الحدود، مزود برفوف مرتبة عالية تملؤها الأغذية المعلبة ومنتجات التنظيف الأجنبية، لكن ليس لديه سوى عدد قليل من الزبائن حتى الآن، فعائدات أسبوعه الافتتاحي تزيد قليلاً على ٥٠ دينار أردني (٧٠ دولار) فقط.

مع ذلك، يأمل جرادات أن يكون أحد رواد الأعمال الذين سيستفيدون من إعادة فتح معبر نصيب، أو معبر جابر، كما هو معروف في الأردن، بعد سلسلة من التصريحات المشجعة التي أصدرتها الحكومة الأردنية في الأسابيع الأخيرة.

وفي الشهر الماضي، وافقت السلطات الأردنية والسورية على إعادة فتح معبر نصيب في ١٠ تشرين الأول، وكانت هناك محاولات قبل ذلك، إلا أن الطرفين ألغيا إعادة فتح الحدود حوالي ست مرات في الأشهر القليلة الماضية دون أي توضيح.

وقال الجرادات “يحددون يوماً ثم يلغونه ويحددون يوماً آخر” مضيفاً “لكن هناك عائلات تعيش هنا دون دخل مادي”.

وأضاف “الناس هنا فقراء، قرى بأكملها عاشت على المردود المادي من هذا المعبر الحدودي”، مشيراً إلى بوابة نصيب المغلقة، التي يمكن رؤيتها بوضوح من واجهة متجره.

ورغم أن الحواجز الحجرية والبوابات الحديدية الفخمة تغلق الطريق المؤدي إلى سوريا في الوقت الراهن، إلا أن التكهنات تتزايد بأن الحدود قد تفتح أبوابها للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات بعد أن استولت قوات الحكومة السورية على الجانب السوري للمعبر الذي كان تحت سيطرة المعارضة، في تموز.

يقول عبد الناصر جرادات، الذي افتتح سوبر ماركت صغير بجانب الحدود السورية قبل أسبوع تحسباً لإعادة فتح معبر نصيب “الناس هنا فقراء، قرى بأكملها عاشت على المردود المادي من هذا المعبر الحدودي”. تصوير: وليد النوفل.

 

وأعرب أصحاب الأعمال التجارية في شمال الأردن عن تفاؤلهم – الحذر- بأن الحركة الدولية التي كانت تحفز اقتصاد المنطقة ستعود قريباً إلى البلدات والقرى المنتشرة على طول المنطقة الحدودية، وأخبر العديد من رجال الأعمال الأردنيين سوريا على طول أنهم يعيدون تعبئة مخازنهم والتواصل مع شركاء أعمال سابقين في سوريا استعداداً لإعادة فتح الحدود واستئناف الأعمال التجارية.

“نعيش على كف الرحمن”

ولا يتجاوز عمر الحدود التي تفرق سهول حوران – وهي جزء من الأراضي الخصبة التي تمتد من إربد في شمال الأردن إلى ضواحي دمشق – القرن تقريباً، ولا يزال سكان شمال الأردن وجيرانهم السوريين مرتبطين بشكل وثيق، حيث تمتد الروابط العائلية عبر الحدود، ويربط الجانبين تقاليد مشتركة ولهجة محلية مشتركة.

وأدى اندلاع الثورة على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا في ربيع عام ٢٠١١ إلى عزل المجتمعات الحدودية في كلا البلدين، ما أدى إلى تدهور اقتصاد الاستيراد والتصدير الأردني، وفي غضون أشهر، خنق القتال مجتمعات اعتمدت على التجارة كلياً على جانبي الحدود.

وجاءت الضربة الأخيرة في نيسان ٢٠١٥، عندما أغلقت الحكومة الأردنية حدودها الشمالية إلى أجل غير مسمى، بعد أن اندلعت المعارك بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة، حيث سيطرت الأخيرة على المنطقة – بما في ذلك معبر نصيب – وتسبب القتال على الحدود الجنوبية لسوريا بتدمير وحرق أجزاء من معبر نصيب.

قام العديد من أصحاب الأعمال التجارية في شمال الأردن – الذين يعتمدون على الواردات السورية وحركة المسافرين – بتسريح عمالهم أو إغلاق أبوابهم بالكامل، والنتيجة أن المنطقة تحولت إلى منطقة نائية، مع ارتفاع الأسعار والبطالة التي تدفع مجموعات كبيرة من السكان بشكل متزايد إلى ما دون خط الفقر.

وبالنسبة لأصحاب الأعمال المحلية مثل الجرادات، يتفاءلون بحذر، حيث شهد الصيف الماضي استعادة الحكومة السورية السيطرة على محافظة درعا جنوب سوريا، بعد سلسلة من التقدمات على حساب المعارضة، وانتهى الهجوم في منتصف تموز الماضي إلى مزيج من القوة العسكرية واتفاقيات المصالحة خرجت على إثرها المعارضة من منطقة الحدود السورية – الأردنية بأكملها، بما في ذلك معبر نصيب.

لافتة على الطريق السريع الدولي لدمشق، الذي يمر عبر محافظة المفرق الشمالية في الأردن، مباشرة قبل الحدود السورية. تصوير: وليد النوفل.

 

بدأت الحكومة السورية إعادة تأهيل جانبها من المعبر الحدودي في منتصف أيلول، بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السورية سانا، في ذلك الوقت، وبعد أقل من أسبوعين، أعلنت سانا أن إعادة افتتاح الحدود رسمياً سيتم في ١٠ تشرين الأول.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي للصحفيين في مؤتمر صحفي في لبنان، يوم الثلاثاء، إن حكومته تأمل في فتح الحدود، لكن ذلك لن يحدث إلا بعد توصل الطرفين إلى اتفاق يضمن “كل الاستعدادات والخطوات الضرورية”.

ولم يتسن لسوريا على طول الوصول الى الصفدي ومسؤول أردني آخر للتعليق يوم الثلاثاء.

ومع ذلك، يقول التجار في شمال الأردن إنهم مستعدون للاحتفال فور استئناف العمليات التجارية مع سوريا.

وقال نصر المخادمة، وهو صاحب متجر لمنتجات التنظيف في الخمسينات من مدينة الرمثا الحدودية الأردنية “انظروا، جهزنا الألعاب النارية”.

“عندما يفتحون الحدود، ستروننا نطلق الألعاب النارية من أمام متاجرنا احتفالاً”.

ويقع متجر المخادمة في أحد الأحياء وسط مدينة الرمثا، ويطلق عليه السكان “السوق السورية”، وهو خليط من المحلات التجارية والتجار الذين كانوا يبيعون المنتجات السورية، وتدل المحلات القديمة على أهمية التجارة السورية في السابق، واللافتات القديمة تعد الزبائن بأروع أنواع السلع السورية القادمة عبر الحدود.                                                                                                                                                                                   

شارع “السوق السورية” وسط مدينة الرمثا، حيث تعلن المحلات التجارية القديمة عن المنتجات السورية. تصوير: وليد النوفل.

ولم تعد الأمور كما كانت في السابق، حيث أدت سبع سنوات من القتال في سوريا والركود الاقتصادي في شمال الأردن إلى تدهور عمل المخادمة في متجره الصغير، الذي يقع على زاوية تقاطع ضيق في سوق وسط مدينة الرمثا.

وقال المخادمة لسوريا على طول “كانت هذه الشوارع مزدحمة، لم يكن بإمكانك الخروج والسير فيها بسبب الازدحام الكبير”، مشيراً إلى الخارج حيث الشوارع الضيقة التي تمتد عبر السوق وسط مدينة الرمثا.

“كان جميع أهالي الأردن يأتون إلى الرمثا من أجل البضائع السورية”.

وتعاني مدينة الرمثا وغيرها من المدن الحدودية اليوم من الركود الذي دام عقداً من الزمان، والذي تفاقم بسبب التدفق الهائل للاجئين السوريين، حيث شهدت المدن تضاعف كلفة المعيشة ومعدلات البطالة في السنوات الأخيرة.

وكان نحو 75 ألف نسمة يقطنون في الرمثا عام 2010، ولكن بعد أن بدأ ما يقدر بـ 1.4 مليون لاجئ سوري بدخول الأردن في عام 2011، تضاعف عدد سكان المدينة إلى أكثر من 150 ألف نسمة. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد سكان المفرق – جنوب معبر نصيب – من 95 ألف نسمة إلى 200 ألف بحلول عام 2015، بحسب ما أفاد موقع The Jordan Timesفي تلك السنة.

وكان المخادمة، الذي كان يعتمد على المنتجات السورية، والتي كانت تملأ رفوف محله، مصدوماً منذ لحظة إغلاق الحدود، حيث كان يستورد البضائع من درعا وحلب ودمشق كل شهر بقيمة لاتقل عن 25 ألف إلى 30 ألف دينار أردني (35 ألف دولار إلى 42 ألف دولار) قبل بدء الحرب، وفي السنوات الأخيرة، والآن بدأ يستورد المنتجات الصينية، ذات الجودة الأقل والضرائب الأعلى من الجمارك الأردنية، من أجل استمرار عمله.

وقال إن ارتفاع رسوم الاستيراد على السلع الصينية في وقت الركود أدى إلى انخفاض ​​مبيعاته المحلية، من 5000 دولار شهرياً قبل الحرب إلى حوالي 400 دولار في الشهر الآن.

وأضاف “ذقنا الأمرّين ونعيش الآن على كف الرحمن”.

ومع ذلك، يأمل المخادمة أن تغير الحدود – إذا تم فتحها قريباً – من ذلك، وقال أنه تبادل رسائل الواتساب، عدة مرات خلال الأسبوع، مع أحد التجار السابقين في مدينة حلب السورية، وكانت البنية التحتية في حلب مدمرة إلى حد كبير جراء القتال والقصف على الأحياء الشرقية للمدينة في عام 2016، وتعدّ حلب من أكبر المدن السورية، وذات القوة الصناعية الأكبر في البلاد.

وقال المخادمة “لقد اشترينا كل هذا” وأظهر لنا صورأ عبر الوتساب يعرض أكواماً من منظفات الغسيل والصابون التي يقول إنها مخزنة في حلب وجاهزة لإرسالها له.

وأضاف لسوريا على طول “[التاجر] يستمر في إرسال رسائل لي (من حلب) يسألنا عما إذا كنا مستعدين، وأنا انتظر فقط”.

من متجره الصغير في وسط مدينة الرمثا، يرينا نصر المخادمة محادثات الوتساب التي أجراها مع التجار السوريين ولشركائه التجار السابقين في حلب في الأسابيع الأخيرة. تصوير وليد النوفل.

 

وذكر “نريد أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً”.

عند تقاطع مزدحم بالقرب من محل المخادمة في السوق السورية، بمدينة الرمثا، تشد عبوات المخلل الملونة المصفوفة على أحد جدران متجر ثائر الناطور الأنظار من بعيد، ولمدة 20 عاماً، قامت عائلة الناطور بتشغيل المتجر. وتبدو على الجدار المقابل  صوراً لكبار رجال الأسرة.

وقبل الحرب، كان الناطور وزملاؤه يستوردون غالبية منتجاتهم من سوريا، وكانت السيارات الصغيرة المحملة بالمنتجات تمر عبر الحدود، حيث يقوم الناطور والعشرات من رجال الأعمال المحليين الآخرين بشراء المخللات والملابس وغيرها من البضائع بالجملة من الموزعين السوريين، وفي أحيان أخرى، كانوا يذهبون بأنفسهم إلى سوريا لشراء المنتجات، وقال “يمكنك عبور الحدود والوصول إلى باب الهوى [المعبر الحدودي السوري التركي] – ولا أحد يزعجك”.

وبعد أن أوقف القتال التجارة بشكل كامل، افتتح الناطور مصنعاً في الرمثا لإنتاج السلع محلياً – وهي عملية أكثر تكلفة وتستغرق وقتاً أطول – وبقي مصنعه مفتوحاً طوال فترة الركود، لكن التقديرات تشير إلى انخفاض النشاط التجاري بنسبة 90٪ تقريبًا منذ إغلاق الحدود.

وأكد الناطور لسوريا على طول “كل التجار مستعدون، إذا تم فتح الحدود اليوم، سنشتري المنتجات غدًا من سوريا وسنبيعها صباح اليوم التالي”.

المخللات المعروضة في الرمثا. تصوير وليد النوفل.

قال الناطور إن التجار ورجال الأعمال السوريين يحاولون التواصل مع شركائهم الأردنيين السابقين، كما يحاول البعض بيع بضائعهم من حلب ودمشق وأماكن أخرى إلى التجار في الرمثا،  لكن الشراء من سوريا مع الحدود المغلقة يشكل خطرًا كبيرًا على رجال الأعمال الأردنيين، بحسب ما قال الناطور لسوريا على طول.

وأضاف الناطور “يقول صاحب المصنع [السوري] أرسل لي المال، وأنا لست مسؤولاً عن البضائع بمجرد خروجها من المصنع، فإن حماية البضائع تعتبر مشكلة”.

وقال “نريد أن تعود الأمور كما كانت من قبل”.

“متنفس للأردنيين”

أكد الخبير الاقتصادي معن القطامين، وهو مسؤول سابق في البرلمان الأردني، أن التجارة بين سوريا والأردن كانت في يوم من الأيام تشكل نسبة مليار دولار قبل بدء الحرب، وقال القطامين لسوريا على طول “كانت سوريا متنفس للأردنيين ولاسيما في مناطق الشمال “.

إلى جانب السلع السورية المستوردة في الأسواق الأردنية، اعتمد الأردن على طريق بري عبر سورية لإرسال صادراته إلى تركيا وأوروبا، وهي تجارة حققت مئات الملايين من الدولارات كل شهر، حسب قول القطامين.

وأضاف “القطاع الزراعي وحده كان يصدر 250 ألف طن من المنتجات إلى أوربا، وحالياً كل ذلك توقف وأصبحت كلفة التصدير عالية جداً”.

واجهة محلات مهجورة بالقرب من معبر نصيب. تصوير وليد النوفل.

ومع الحديث عن إعادة فتح الحدود، يعتقد القطامين أن الأردن قد يكون قادراً على القيام بدور حاسم في إعادة بناء سوريا حالما يستقر الوضع هناك، وقال أن البلد – الذي دمره نزاع دام قرابة عقد من الزمن – سيتطلب أدوية ومواد بناء وواردات رخيصة نسبياً يمكن الوصول إليها بسهولة من الأردن.

وذكر القطامين أن “تركيا كانت في السابق تملأ هذا الدور، ولكن الآن أصبحت الحدود مغلقة مع تركيا وهنا ستكون الفرصة الأكبر للأردن لتصدير كل تلك المنتجات”.

ولا تزال المعابر الحدودية السورية مع العراق وتركيا مغلقة، وتقع الكثير من حدود البلاد الشمالية والجنوبية خارج سيطرة الحكومة، وأدى دعم تركيا للمعارضة المتمركزة في شمال غرب سوريا إلى تدهور كبير في العلاقات بين البلدين.

وأكد القطامين أن “هناك شركات أردنية من جميع قطاعات الاقتصاد تستعد للتجارة عبر الحدود”، مضيفاً ” هذه الشركات تنتظر فقط الأمن والأمان”.

وقال الجرادات أنه مستعد لعودة المسافرين وعبورهم معبر نصيب، ومتفائل بأن ذلك سيحدث قريباً.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أخذ الجرادات أطفاله إلى مطعم في قرية سما السرحان، على قمة تل تطل على سوريا على بعد كيلومتر واحد جنوب الحدود، وقال أن المطعم لم يعد يبيع اللحوم لأنه يفسد قبل أن يتمكن من بيعه.

وأضاف ” خمسة قروش فقط يمكن أن تحدث فرقاً مع الناس هنا، السكان هنا لا تملك شيئًا”.

شارك هذا المقال