6 دقائق قراءة

تحت القصف: فلاحون يحصدون الجراد والقحط والاستغلال

 هو موسم حصاد حقول الحنطة والشعير وثمرة التعب والإنتظار في […]


 هو موسم حصاد حقول الحنطة والشعير وثمرة التعب والإنتظار في شمال سوريا، ولكن للمزارعين الذين ما يزالون يصارعون القحط والحرب والأوبئة والمصاعب الإقتصادية فالموسم لم يؤت أكله.

وتعتبر “هذه السنة، سنة قحط  بسبب قلة هطول الأمطار، وتكاليف السقاية باهظة بسبب غلاء الأسعار”، وفق ما قال مدين الموسى، مزارع من ريف حماة الشمالي الشرقي، لسوريا على طول، لافتاً إلى أن “خسارتنا الكبيرة تكمن في كون الزراعة عملنا الوحيد”.

وكان مستوى الأمطار في الشهور الثلاثة الماضية منخفضاً، على غير العادة، في معظم أنحاء سوريا، كما هو مبين في خريطة نشرتها شبكة تحليل الأمن الغذائي القومي، وهي بمبادرة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو وIMMAP، منظمة غير ربحية لجمع وتحليل البيانات الدولية.

وفي المقابل، كان هطول الأمطار في سوريا في سنة 2015 غزيراً وأعلى من معدله في سنوات، وعاد بغلّةٍ وفيرة من الحنطة مقارنة بالسنوات الماضية ومع ذلك بقي مستوى المحصول أدنى، على نحو ملحوظ من المعدل الذي كان به في سنوات ما قبل الحرب.

وقال  ماهر أبوفيصل، مزارع يقيم في ريف حماة الشمالي الشرقي، لسوريا على طول، أن “هذه السنة تعتبر من أشد السنوات قحطاً”.

ويعتبر القمح المحصول الرئيسي والأكثر أهمية في سوريا، “وينتشر على مساحة 60% من مساحة الأراضي الزراعية”، ويؤمن “نحو 40% من السعرات الحرارية التي تستهلكها العوائل السورية”، وفق تقرير موجز في أذار 2016 نشرته جامعة ديوك.

وطالت سنابل القمح والشعير، التي زرعت خلال شهري تشرين الأول والثاني، ولونتها أشعة الشمس بالذهبي، ولكن حال هذه الحبوب التي تمنح طاقة الحياة كحال مزارعيها والناس في المناطق المجاورة الذين يعتمدون عليها، لوت ولووا وطحنتهم  رحى الحرب الدائرة للسنة السادسة.

مجلس محافظة حماة، مكافحة آفات الجراد في أيار. حقوق نشر الصورة لـ مجلس محافظة حماة

وتحدثت سوريا على طول، خلال الأسبوعين الماضيين مع مزارعين سوريين في ريف محافظة حماة الشرقي الخاضع لسيطرة الثوار، بالإضافة إلى مزارع من مناطق شمال شرق محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة الأكراد والتي تعتبر السلة الغذائية لسوريا. ووصفوا ما تعنيه الزراعة في أراضيهم في أيام الحرب في سوريا، بـ”ارتفاع تكاليف الإنتاج، ونقص الموارد، والقحط و دمار الأراض الزراعية بالقصف وتلفها بالأفات”.

وأدى فصل الشتاء الجاف في ريف حماة الشمالي الشرقي الخاضع لسيطرة الثوار والمتاخم لريف إدلب وحلب الجنوبي، مصحوباً مع ارتفاع تكاليف العمل والبذور والمياه والديزل لتدوير حصادات الحبوب إلى “تراجع المحصول الزراعي لما دون الصفر”، وفق ما قال ماهر أبو فيصل، مزراع حموي، لسوريا على طول.

وتعتبر الزراعة عمل رئيسي في محافظة حماة؛ ففي عام 2006، بلغت نسبة الأراضي المستخدمة في الزراعة 36%، حسب وزارة السياحة السورية.

وتسيطر قوات النظام على معظم محافظة حماة، فيما يسيطر الثوار على شمال وشمال شرق المحافظة وجنوبها. ويستولي تنظيم الدولة على أقصى شرق المحافظة.

وذكر المزارع أبو فيصل أن “أغلب المزروعات التي نزرعها في هذه المنطقة القمح والشعير، طبعا من يزرع القمح نسبة ضئيلة جدا لأنه يحتاج إلى سقاية دائمة ومياه وفيرة ونحن في هذه الأوضاع لا نستطيع تحمل مغبة الكلفة العالية لتشغيل مضخات للسقاية الدائمة للقمح، لذلك يتجه أغلب المزارعين لزراعة الشعير”.

فأغلب الزراعة في ريف حماة الشمالي الشرقي تكون بعلاً، أو بالإعتماد على الأمطار لسقاية المحاصيل. وحتى التوجه لزراعة الشعير الذي يحتمل ظروفاً أقسى لم ينقذ المزارعين من خسائرهم بسبب “الارتفاع الباهظ في أسعار كل ما يتعلق بالشأن الزراعي”، وفق ما بين أبو فيصل.

وكذلك “ارتفعت أجور الأيدي العاملة، فالعامل الذي كان يقبل بيومية حصاد 500 ليرة الآن بالكاد يقبل بـ2000 ليرة”، وفق ما قال المزراع الموسى، وحتى وإن كان الفلاح يطيق نفقة سعر الديزل الباهظ  “فأعطال الحصادات كثيرة كونها لم تخضع لصيانة طيلة 6 سنوات الحرب كما أنه لايوجد قطع بديلة لها بعد غلاء الأسعار”.

وقال محمد حلاق، الممثل الزراعي في مجلس محافظة حماة الحرة لسوريا على طول إن “حصادات الحقول لم تستطع حصاد الأراضي لضعف مواسمها هذا العام و أغلب الأراضي المزروعة بالقمح انتشر عليها الجراد الصحراوي، وتغذى على ما بقي منها”.

وأشار إلى أنه “نتيجة لارتفاع ثمن المبيدات وغلاء أسعارها لم يتمكن المزارع من رش محصوله، هذا كله أدى لضعف النبات وإصابته بالآفات”.

الجراد في حماة. حقوق نشر الصورة لـ راديو الكل

وتابع الممثل الزراعي الحلاق “هذا ما أجبر المزارعين على تضمين أراضيهم لرعي الغنم أفضل من أن يخسروها نهائيا”، فيما لفت المزراع الموسى إلى أن “80% من أراضي الشعير تضمنت للغنم لأنه لايمكن حصادها”.

وأشار الحلاق إلى أنه “وبسبب ضيق الإمكانيات وقلة الدعم لم نتمكن من دعم المزارع حقيقة بمواد الرش من مبيدات فطرية وحشرية”.

وفي حين تمكن المجلس المحلي من رش بعض الحقول في حماة لمكافحة الجراد، ولكن بعد أن لحق بها الكثير من الضرر

وما يفاقم الوضع سوءاً “انحسار المساحات الزراعية تدريجيا، بسبب المعارك الدائرة في المنطقة واستهداف ميليشيات النظام لحقول المزارعين”، وفق ما قال الحلاق، وذلك “إضافة إلى المخاوف اليومية من القصف كوننا في مناطق متاخمة لمناطق سيطرة النظام” حسب ما ذكر المزارع أبو فيصل.

وأدى كل ماسبق من عوامل صعبة في ريف حماة الشرقي إلى “انخفاض إنتاج الدونم من الأرض الواحدة إلى ربع الكمية الإنتاجية المعتادة”، كما أشار الحلاق.

“سعر بخس”

في أيار، ذكرت وكالة الخدمات الزراعية الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية، أن إنتاج القمح السوري ككل انخفض بنسبة 31% بالمقارنة مع السنة الماضية، استناداً إلى إحصائيات الحكومة السورية، والبيانات الاقتصادية  صور الأقمار الصناعية. وانخفض إنتاج الشعير بنسبة 35 % مقارنة بالعام الماضي.

ويزرع نحو نصف القمح في سوريا في شمال شرق محافظة الحسكة، والتي شهدت مستويات طبيعية من هطول الأمطار في الشتاء الماضي، إلا أنه وكما قال أحد الفلاحين في عامودا، في شمال الحسكة، لسوريا على طول، “صحيح وأن الفلاحين يمكنهم أن يزرعوا الحبوب، إلا أنهم لا يستطيعون بيعها بسعر مناسب”.

ويدعي المزارع جوان، والذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً، أن النظام السوري، المشتري الوحيد حالياً للقمح من المحافظة، “يشتري من المزارعين القمح والشعير بأسعار استغلالية والمزارع يبيع ويكون بيعه بأقل من ربع القيمة الأساسية”.

وتسيطر القوات التي يقودها الأكراد على معظم محافظة الحسكة، فيما تحافظ  القوات التابعة للحكومة السورية على تواجدها في اثنتين من المدن الكبرى وما حولهما، فيما يستولي تنظيم الدولة على أقصى جنوب المحافظة.

وقبل الحرب كانت الحكومة السورية تتحكم كلياً بزراعة الحبوب وبيع البذور والمبيدات للمزراعين وشراء كل محاصيلهم من خلال المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب، وما تزال مؤسسة الحبوب تشتري كل المحاصيل في الحسكة.

وتشتري مؤسسة الحبوب كيلو القمح بـ100 ليرة سورية، والشعير بـ 75 ليرة و”هذا سعر بخس بحقنا “، وفق ما قال جوان، مضيفاً “ورغم ذلك يبيع المزارع لأن لا طريق أمام المزارع غير هذا”.

وأثرت الأسعار المتدنية وغياب مادة السماد من الأسواق المحلية على جودة القمح المزروع محلياً ودفعت الفلاحين إلى زراعة المحاصيل الأقل كلفة في الإنتاج، مثل العدس والكمون، وفق ما ذكر المزارع جوان.

وتتيح الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على مجمل محافظة الحسكة  للمزارعين بيع محاصيلهم لأي مشتر كان، ولا يقيدونهم بجهة ما، ولكنهم لا يساهمون حالياً في تجارة الحبوب، وفق ماقال جمال جمو، نائب رئيس هيئة التجارة والإقتصاد بمقاطعة الجزيرة، لسوريا على طول.

 

وقال جمو “نحن كإدارة ذاتية في مقاطعة الجزيرة لا نشتري قليل أو كثير، سوف نشتري كمية من اجل البازار (المزاد) في الموسم القادم”.

وبغياب البديل المحلي للنظام، لم يبق للمزراعين سوى خيارات محدودة،  فريف الحسكة الشمالي مفصول من جميع الإتجاهات، تركيا شمالاً، والمعبر مغلق مع كردستان العراق شرقاً، وتنظيم الدولة جنوباً وغرباً.

ويدعي جمو أن نسبة إنتاج القمح هي فقط 12% مما كانت عليه في عام 2012.

وعلى بعد 400 كم جنوب غرب عامودا، يعيش المزارعون في حماة ظروفاً مختلفة ولكنهم يواجهون مخاوف متشابهة، لا تعتمد على الأرض والمطر فحسب وإنما على تقلبات الأسعار، وتوجه المعارك والسياسات لترسم مصيرهم.

“نحن ننتظر كل عام موسم الحصاد بفارغ الصبر لنبيع حصادنا ونقتات منه،” وفق ما قال ماهر أبو فيصل، وأضاف و”إن بقي الوضع على حاله سيكون الأمر كارثيا بالنسبة لنا”.

 

ترجمة : فاطمة عاشور 

شارك هذا المقال