6 دقائق قراءة

تحديات التعرف على هوية ضحايا الزلزال السوريين

أمام حجم الدمار في تركيا وسوريا، ونقص الموارد اللازمة لتحديد هوية ضحايا الزلزال والاستعجال في دفنهم، تبرز مخاوف عدم إمكانية عثور ذوي الضحايا على رفاتهم وتحديد أماكن دفنهم.


17 فبراير 2023

أثينا- في اليوم التالي لوقوع الزلزال، بدأ علي الخلف بحفر القبور وتجهيزها لدفن الضحايا. حتى اللحظة، ساعد الشاب الثلاثيني بدفن أكثر من 500 شخص في مقبرة جماعية بمنطقة أطمة، شمال غرب سوريا.

“بسبب طبيعة عملنا غير الرسمية، والهزات الارتدادية [التي تلت الزلزال]، لم نتمكن من ترقيم وتسمية جميع القبور التي نحفرها”، قال الخلف لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن “الدفاع المدني التقط صوراً للضحايا لعرضها على من يسأل عنها لاحقاً”.

في 15 شباط/ فبراير الحالي، بلغت حصيلة وفيات زلزال السادس من شباط / فبراير الذي ضرب كلاً من سوريا وتركيا 38,474 شخصاً، وما زال العمل مستمراً في انتشال الجثث -وناجين فيما ندر– من تحت الأنقاض. كانت مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا الأكثر تضرراً، وبلغ عدد الضحايا بحسب الدفاع المدني السوري 2777 حالة وفاة إلى الآن.

أمام هول الكارثة وأعداد القتلى في شمال غرب سوريا، أو أولئك الذين أرسلت جثامينهم من تركيا، دفعت القائمين على عمليات الدفن إلى الإسراع، ما أثار مخاوفاً من أنّ بعض أولئك الذين قضوا في الزلزال ودفنوا على عجل، من دون التعرف عليهم، قد يُلحقوا بسجل أولئك المفقودين أو المختفين قسرياً في سوريا البالغ عددهم أكثر من 111,000.

مقابر جماعية

في أعقاب الزلزال، لم يصل إلى شمال غرب سوريا، الذي تحكمه هيئة تحرير الشام، وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، سوى مساعدات قليلة. وبإمكانياتٍ ضعيفة، سارع الناس إلى دفن ضحايا الزلزال قبل أن تتحلل جثثهم.

“دفِن عددٌ كبيرٌ من الضحايا في مقابر جماعية، وبعضهم في المدافن [الخاصة]، بحسب الظروف” – منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري، لـ”سوريا على طول” 

في المقبرة الجماعية بمنطقة أطمة المحاذية للحدود التركية، كان هناك نقصٌ في الأكفان المستخدمة لدفن الموتى. كما أن المتطوعين اضطروا في البداية لحفر القبور بأيديهم، لأن “الآليات كانت تُستخدم في رفع الأنقاض لإنقاذ الضحايا”، وبعد يوم من العمل اليدوي “تبرع أحدهم بحفارة”، بحسب الخلف.

في ظل الاستجابة الضعيفة للأمم المتحدة، تُرِك عناصر الدفاع المدني، البالغ عددهم 2,800 متطوعاً، لوحدهم في عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث المدفونة تحت ركام المباني المدمرة كلياً، التي يُقدَّر عددها بـ 1,700 بناءً، والمدمرة جزئياً، البالغ عددها 6,300 في شمال غرب البلاد.

بعد ثلاثة أيام تحت الأنقاض، انتشل الدفاع المدني جثث سبعة أفراد من عائلة محمود أبو عمر، 19 عاماً، المقيم في إدلب، وهم: “أمي، أخواتي الأربعة، أخي، وجدي”، كما قال الشاب لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أنهم “دفنوا في مقابر فردية إلى جانب قبر جدي، آما أولاد خالتي، وخالتي دفِنوا في مقبرة جماعية.

“لم يكن هناك متسع في المقابر الرسمية”، قال ابن عم عُمر، أسعد المحمد، 25 عاماً، الذي فقد والديه وأشقاءه الصغار الثلاثة، نتيجة انهيار منزلهم في قرية بسنيا التابعة لمدينة حارم بريف إدلب، ودُفنوا في مقبرة جماعية بسرمدا، كما قال المحمد لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنه يمكن تحديد قبور ذويه بسهولة.

أما أولئك الذين دفنوا قبل تحديد هويتهم، “أخذنا صوراً لكل الجثث التي لم يتم التعرف عليها، موقع المنزل، وأي وثائق، وأشياء متعلقة بهم أو ثياب، ومن ثم سجلناها ورقّمناها، حتى يتم التعرف عليها لاحقاً”، بحسب منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني.

من جهته، يتابع محمود أسود، مدير تنفيذي في منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، عملية تحديد هوية الضحايا ودفنهم في كل من تركيا وسوريا، موضحاً أن الحكومة التركية جعلت عملية تحديد الهوية والدفن عملية مركزية، أي على أساس قاعدة بيانات موحدة، في حين أنّها ما تزال غير موّحدة في شمال غرب سوريا.

“الناس في سوريا يعرفون بعضهم البعض، فالجيران قد يعرفون عدد الأشخاص الذي كانوا يقيمون في المبنى، وهناك نوع من التنسيق بين المستشفيات والدفاع المبني والأطباء الشرعيين والسلطات المحلية” – محمود أسود، مدير تنفيذي في منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان

وأشار أسود، متحدثاً من هاتاي التركية، إلى أن الأطباء الشرعيين في سوريا لم ينالوا الدعم الكافي خلال السنوات الأخيرة، و”لم يحظوا بأي اهتمام، وهذا خطأ”، معتبراً أن “وجود الأطباء الشرعيين في هذا العمل جوهري، وكان لابد من دعمهم مسبقاً ليكونوا على أهبة الاستعداد للاستجابة لحالةٍ كارثية كهذه”، بحسب قوله.

“لا أحد يعلم أماكنها”

في تركيا، حيث يعيش ملايين السوريين، لاسيما في المناطق الجنوبية الأكثر تضرراً بالزلزال، عملية تحديد هوية كل ضحايا الزلزال هو تحدي ضخم أيضاً، حتى إن كان مختلفاً عن الوضع في سوريا.

في أنطاكية، تكمن المشكلة في أنَّ هناك عائلاتٍ بأكملها تحت الأنقاض، ولا أحد يبحث عنها، أو لا أحد يعلم أماكنها”، بحسب أسود، إذ “من الصعب أن تعلم من تحت الأنقاض. إن لم يكن لك عائلةً في تركيا، فلا أحد يعلم مكانك، أو من يوجد في هذا المبنى”. 

التقى أسود بعدد من العائلات السورية، القادمة من الولايات المتحدة، ألمانيا، والسعودية، للبحث عن ذويهم، لأن أقاربهم في تركيا اختفوا، كما قال.

“المشكلة الكبرى أن الموظفين في المنطقة، المعنيين في الأحوال الطبيعية بتحديد هوية الجثث أو لديهم معلومات حول عدد الأشخاص الذين يقطنون في مبنىً ما قُتِلوا أيضاً، هم تحت الأنقاض أو هُجِروا” – محمود أسود مدير تنفيذي في منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان

في تركيا، كما هو الحال في سوريا، يُدفن الضحايا على عجل، “فأنت تتحدث عن مدينةٍ بأكملها تحت الأنقاض، لهذا يُستعجلون بدفن الجثث”، قال محمد حسنو، مدير وحدة تنسيق الدعم (ACU)، منظمة غير حكومية سورية، مقرها في تركيا، مضيفاً: “لا يوجد ثلاجات موتى تكفي الجثث، وفي أنطاكية وكهرمان مرعش، دُمِرت المستشفيات أيضاً”.

كان أسود شاهداً، هذا الأسبوع، على عملية تحديد هوية الضحايا في مقبرةٍ جماعيةٍ بأنطاكية، التي تنتشر فيها أكثر من مقبرة جماعية، مشيراً إلى أن الجهات المختصة “تأخذ عينة من حمضهم النووي DNA، وترقمهم، وتدفن الجثث في غضون 24 ساعة”، وبالتالي “إذا جاء ذوو الضحايا وتعرفوا على صورهم يمكنهم استعادة رفاتهم”.

الجثث العابرة للحدود

في حين دفنت جثامين بعض الضحايا السوريين في تركيا، أُرسِل بعضها الآخر إلى شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع إدلب.

“هناك مئات الضحايا السوريين الذين دفنوا في تركيا، كونهم من مناطق يسيطر عليها نظام الأسد، أما الضحايا التي وصلت إلينا، تنحدر من شمال غرب سوريا” – مازن علوش، مدير المكتب الإعلامي لمعبر باب الهوى

في مناطق سيطرة النظام السوري، تساعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) حكومة دمشق بعملية تحديد هوية الضحايا ودفنهم. حاولت “سوريا على طول” التواصل مع الصليب الأحمر، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وأكدّ علوش وأسود أن جميع الجثث التي أرسلت إلى الشمال الغربي من تركيا تم التعرف عليها، وسُلمت إلى ذويها. أما حسنو، قال أن هناك جثثاً مجهولة الهوية وصلت أيضاً عبر معبر باب الهوى. بلغ عدد الجثامين التي دخلت إلى سوريا عبر معبر باب الهوى منذ وقوع الزلزال 1,366.

ستة من هذه الجثامين هم من عائلة عمار علي، لاجئ سوري يعيش في أنطاكية، ونجا بـ”معجزة” من الزلزال الذي ألحق دماراً جزئياً بمنزله، في حين انهار منزل أخيه ياسر كلياً، مطبقاً عليه وعلى زوجته وأطفاله الأربعة، “ولم ينج سوى ابنه محمد، البالغ من العمر 11 عاماً، وهو معي الآن”، كما قال علي لـ”سوريا على طول”.

أرسل علي جثامين شقيقه وعائلته إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، و”دفناهم في أرضٍ تعود لأحد أقاربنا في ريف حلب، قرب الحدود التركية”، وفقاً لعلي.

مكان دفن شقيق عمار علي وزوجته وأطفاله الأربعة في أرض تعود لأحد أقاربه بريف حلب، بعد نقل جثامينهم من أنطاكية التركية إلى سوريا (صورة حصلت عليها “سوريا على طول” من أحد أقارب الضحايا)

الخوف من عدم التعرف على الضحايا

تثير السرعة في دفن ضحايا الزلزال قلق المنظمات السورية المعنية بقضايا المفقودين والمختفين والمعتقلين في سوريا.

“في بعض الحالات، لم يتم التعرف على الجثث من قبل ذويهم، أو لم يؤخذ ما يكفي لتوثيق هوية الضحايا، ولكن ما زال الأمر مبكراً لاستيعاب مدى حجم المشكلة”، قال أحمد حلمي، أحد مؤسسي مبادرة تعافي، التي تعنى بدعم المعتقلين السابقين. 

يعقد التهجير مسألة بحث العائلات عن ذويهم، وهو هاجس يؤرق ياسمين مشعان، إحدى مؤسسات رابطة عائلات قيصر، قائلة: “الكثير من العائلات هُجِّرت إلى تركيا وشمال غرب سوريا، فهم لا يعرفون العائلات في المنطقة، وإن ماتوا، فربما لا يتم الوصول إلى قريباً لهم يعرفهم”.

كانت مشعان وحلمي منذ سنوات في صفوف المناصرين لإنشاء آلية دولية للكشف عن مصير وأماكن المفقودين والمختفين قسرياً. واعتبرا أن المساعي المبذولة لمعرفة تحديد هوية الضحايا تشير إلى مدى أهمية وجود هذه الآلية.

“لو أننا نملك مثل هذه الآلية الدولية، التي نطالب بها منذ سنوات، لكانت أدت مهمةً في هذه المأساة”، بحسب حلمي.

“صار ملف المفقودين في سوريا كبيرا، ليشمل ضحايا الزلزال، ولأجل ذلك يجب أن تكون الآلية دولية، وأن تشمل أولئك الذين دفنوا في تركيا أيضاً” – ياسمين مشعان، إحدى مؤسسات رابطة عائلات قيصر

ختم حلمي: “من حق الأهالي أن يعرفوا مكان دفن ذويهم”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال