8 دقائق قراءة

تحديث: خرائط توزع الإصابات والأماكن الأكثر عرضة لوباء “كورونا” في سوريا

رغم ارتفاع المنحنى البياني للإصابات بالفيروس المستجد في سوريا بشكل متصاعد، توقفت الجهات المختصة في مناطق النظام عن عزل المناطق التي تسجل أعداداً متزايدة، ولم تفرض المعارضة إجراءات من شأنها منع التجمعات.


24 نوفمبر 2020

عمان- ارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في سوريا، يوم أمس السبت، إلى 28,484 إصابة، منها 693 حالة وفاة، بعد تسجيل 70 إصابة جديدة و4 وفيات في مناطق سيطرة النظام السوري، و257 إصابة و8 وفيات في مناطق المعارضة شمال غرب سوريا، فيما سجلت مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا 100 إصابة و5 وفيات.

على خلفية ارتفاع عدد الإصابات في شمال شرق سوريا، أصدرت الإدارة الذاتية قراراً بفرض حظر شامل في مناطق: الحسكة، القامشلي، الطبقة، والرقة، لمدة 10 أيام اعتباراً من يوم الخميس القادم، الموافق 26 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وإغلاق المدارس والجامعات ورياض الأطفال، كما تغلق المؤسسات والدوائر الرسمية، وتوقف حركة الحافلات المغادرة والقادمة إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.

وبحسب الأرقام الرسمية، بلغ إجمالي عدد الإصابات في مناطق سيطرة النظام 7.295 إصابة منها 380 وفاة، أما في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا 6,691 إصابة منها 183 وفاة، فيما تعد مناطق المعارضة الأكثر تسجيلاً للإصابات بعدد بلغ 14,498 إصابة منها 130 وفاة. لكن الأرقام الصادرة عن الجهات المختصة -رغم ارتفاعها-  لا سيما تلك الصادرة عن وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، لا تكشف حقيقة انتشار الفيروس المستجد في سوريا، بحسب شهادات مصادر ميدانية تحدثت إلى “سوريا على طول”.

وفي مناطق المعارضة، تنذر الأرقام المسجلة هناك تطوراً خطيراً، لا سيما أن ما تم الإعلان عنه من إصابات في الأيام الأخيرة، كُشفت من خلال إجراء عدد محدود من التحاليل، إضافة إلى أن الإصابات بالفيروس هناك تجاوزت تلك المسجلة في مناطق النظام السوري والإدارة الذاتية، رغم أنها آخر المناطق التي سجلت إصابات بالفيروس المستجد.

كذلك، ورغم ارتفاع المنحنى البياني للإصابات بالفيروس المستجد في سوريا بشكل متصاعد، توقفت الجهات المختصة في مناطق النظام عن عزل المناطق التي تسجل أعداداً متزايدة، على عكس سياساتها في الفترة الأولى لانتشار الفيروس، كما لم تفرض إجراءات من شأنها منع التجمعات في مناطق المعارضة شمال غرب سوريا رغم تزايد عدد الحالات، وخطورة تفشي الفيروس في منطقة مكتظة بالنازحين. في المقابل “عادت التجمعات من قبيل الأعراس والولائم وبيوت العزاء” في مناطق النظام، بحسب ما قال أحد سكان دمشق لـ”سوريا على طول” طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لافتاً كذلك إلى “عزوف الناس عن اتخاذ التدابير الوقائية تهاوناً بالفيروس ونظراً لتدهور أوضاعهم الاقتصادية”.

وتتوزع الإصابات في مناطق النظام، بحسب الوزارة، على 13 محافظة: دمشق 1,731 إصابة، وحلب 1,369، وحمص 1,164، وريف دمشق 811، واللاذقية 724، فيما ارتفع عدد الإصابات في طرطوس إلى 353، ودرعا 344، وحماة 333، والسويداء 304، والقنيطرة 98. والحسكة 35، ودير الزور 22 إصابة، والرقة 7 إصابات. أما الوفيات توزعت على كل من دمشق 127 حالة وفاة، وحمص 97، وحلب 44، واللاذقية 24، وحماة 20، وريف دمشق 17، والسويداء 16، وطرطوس 14، ودرعا 11، و4 في كل من دير الزور  والقنيطرة، فيما سجلت الحسكة حالتي وفاة.

وبعد تسجيل شفاء 3,155 حالة في مناطق النظام، بحسب ما ذكرت صحة النظام، تبلغ الحالات النشطة 3,760 حالة، فيما عدد الحالات النشطة في شمال غرب سوريا 8,426 حالة بعد شفاء 5,942 حالة. وفي مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا تبلغ الحالات النشطة 5,528 حالة، بعد شفاء 980 حالة.  

غياب الشفافية

في تصريح سابق، اعترفت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري وجود إصابات بالفيروس المستجد غير تلك المعلن عنها من الوزارة، إذ إن “هذه الأعداد هي الحالات التي أثبتت نتيجتها بالفحص المخبري بي سي آر ِ [PCR] فقط، فيما هناك حالات لا عرضية”، كما أضافت الوزارة في توضيح نشرته في 1 آب/أغسطس الماضي أنها “لا تملك الإمكانيات في ظل الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد الذي طال القطاع الصحي”.

وخلال الأشهر الماضية فرضت “صحة النظام” حظراً على عدة مناطق ومن ثم رفعت الحظر عنها، مثال ذلك في 23 تموز/يوليو الماضي أعلنت “صحة النظام” رفع الحظر عن بلدة رأس المعرة في ريف دمشق، التي كانت قد خضعت لحجر كامل في 8 حزيران/يونيو الماضي، وقبلها رفعت الحظر أيضاً عن بلدة جديدة الفضل، التابعة إدارياً لمحافظة القنيطرة، بعد أن أظهرت نتائج المسح خلو البلدة من أي إصابات جديدة، والتي تم فرض حجر كامل عليها في حزيران/يونيو الماضي أيضاً.

وكانت الجهات المختصة التابعة للنظام السوري، قد فرضت عزلاً كلياً أو جزئياً على عدد المناطق الواقعة تحت سيطرتها، في إطار إجراءاتها الاحترازية للحد من انتشار الفيروس المستجد، من قبيل إغلاق ساحات عامة في حلب، في 28 حزيران/يونيو الماضي، و عزل قرية رأس المعرة بريف دمشق نتيجة تفشي الفيروس بين أعداد كبيرة من مخالطين لسائق شاحنة قادم من الأردن-سوريا، الذي تم الإعلان عن إصابته في السادس من شهر حزيران/يونيو الماضي، وأيضاً عزل بلدة عين منين بريف دمشق لتسجيل إصابات فيها.

في المقابل، عزل النظام السوري بلدة السيدة زينب في ريف دمشق، في الفترة بين 2 نيسان/أبريل و 17 أيار/مايو الماضيين، وهي من المناطق الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، نظراً لحركة الميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية، ولكن لم يتم الإفصاح عن أعداد الإصابات فيها. كذلك لم تعلن الجهات المختصة عن تسجيل إصابات بالفيروس في محافظة حلب إلى أن تم الإعلان عن وفاة الرجل السبعيني في مشفى حلب الجامعي.

لذلك، ما تزال شفافية هذه الحكومة بهذا الشأن موضع شك رغم التحديث المستمر لأعداد الإصابات بالفيروس المستجد في مناطق سيطرتها، كون اعترافها بوجود إصابات جاء متأخراً، كما لا يتناسب وتلك المسجلة في معظم البلدان الأخرى، ولا حتى المسجلة خارج الإحصاءات الرسمية داخل البلاد. إذ تتعامل دمشق مع الوباء، بحسب أحد سكان ضواحي العاصمة ممن تم تشخيص إصابة أحد معارفه بالفيروس مؤخراً، “باعتباره أحد الملفات الأمنية”. لافتاً في حديثه إلى”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إلى لجوء الحكومة إلى “نفي أي إصابة، ومن ثم إثباتها في وقت متأخر بعد أن يكون المصاب قد خالط الأوساط المحيطة”. أو كما هي حالة بلدة السيدة زينب، التي رفع الحظر عنها دون كشف معلومات عن الإصابات فيها.

إضافة إلى ذلك، فإن وسائل إعلام محلية كانت قد شككت في أن القادمين من الكويت كانوا حاملين للفيروس، وإنما رجحت إصابتهم في مراكز الإيواء التي خصصتها “الصحة السورية” لحجر القادمين الجدد. إذ في الفترة بين  23 و26 أيار/مايو الماضي تم تسجيل 62 إصابة بين سوريين قادمين من عدة دول، بينهم 39 قادماً من الكويت، فيما كانت آخر رحلة طيران قادمة من الكويت في 11 أيار/مايو، أي قبل 15 يوم من الإعلان عن إصابتهم.

المناطق الأكثر عرضة لتفشي الوباء

بواعث التشكيك في الأرقام الرسمية والقلق من “انفجار في حالات الإصابة” بالوباء، وفق تحذير رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية، عبد النصير أبو بكر، تبدو في حقيقة وجود ما يمكن اعتباره بؤراً عديدة محتملة لفيروس كورونا المستجد في سوريا، كما تُظهر الخريطة أدناه، نتيجة تواجد مليشيات إيرانية وقوات روسية وتركية، ومخيمات نازحين مكتظة من دون توافر أدنى متطلبات الوقاية، وسجون ومراكز اعتقال رسمية وغير رسمية تضم أكثر من مائة ألف معتقل. ويتضافر كل ذلك مع انهيار النظام الصحي حتى في مناطق سيطرة القوات الحكومية، لكن بشكل أكبر في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب البلاد، و”قسد” شرق الفرات.

وبحسب دراسة صادرة في 26 آذار/مارس الماضي، عن فريق سوريا في برنامج بحوث النزاعات في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، يُقدر الحد الأقصى لعدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد التي يمكن معالجتها في سوريا بشكل مناسب بنحو 6,500 حالة فقط، مع وجود فروقات في القدرة بين المحافظات؛ إذ فيما تستطيع دمشق التعامل مع 1,920 حالة، تكاد تفتقد دير الزور لأي إمكانات في هذا الصدد. وبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يعمل في سوريا سوى 64% من المستشفيات، و52% من مراكز الرعاية الصحية، كما فرّ 70% من العاملين في القطاع الصحي خارج البلاد.

وتُعد السجون ومراكز الاعتقال ضمن مناطق سيطرة القوات الحكومية، من بين أكثر الأماكن عرضة لخطر تفشي فيروس كورونا، لاسيما وأنها تضم “أضعاف قدرتها الاستيعابية”، كما قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ”سوريا على طول”، ويعاني المعتقلون فيها من الإهمال الطبي.

كذلك، يبرز في هذه المناطق خطر الانتشار الكثيف للمقاتلين المدعومين من إيران، والذين يقدر عددهم بنحو 50,000 مقاتل، يتوافدون من ست دول سجلت إصابات بالفيروس، لاسيما إيران التي تعد ضمن الأعلى عالمياً في عدد الإصابات والوفيات.

في المقابل، فإن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام -التي تشهد كثافة سكانية كبيرة- تعاني من عدم وجود إمكانات طبية للكشف عن إصابات بالوباء أو الوقاية منه، وبما “ينذر “بوضع خطير جداً” كما حذر مدير قسم التواصل والمناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، د. فادي حكيم. لافتاً إلى أن “المستشفيات المخصصة للتعامل مع المرض غير مجهزة، وهناك نقص كبير في الموارد والمعدات التشخيصية”، وهو ما بدأ يظهر جلياً بعد ارتفاع تسجيل الإصابات في شمال غرب سوريا على وجه الخصوص.

وتشير أرقام صادرة عن مديرية صحة إدلب، التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، إلى وجود ما يقدر بحوالي 600 طبيب لتقديم الرعاية الصحية لأربعة ملايين نسمة شمال غرب سوريا، أي بمعدل 1.4 طبيب لكل 10,000 شخص. فيما يبلغ عدد الأسرّة في أقسام العناية المركزة 201 سرير، أو سرير واحد لكل 20,788 شخص. أما عدد أجهزة التنفس للبالغين، والتي تؤدي دوراً حاسماً في علاج الإصابة بـ”كورونا”، فيبلغ 95 جهازاً، مقابل 30 جهازاً للأطفال.

ولأن السؤال بشأن شمال غرب سوريا هو “ليس إن كان الفيروس سيصل أم لا؟، وإنما متى سيصل؟”، كما قال مصدر طبي مقيم خارج سوريا لكنه على معرفة عميقة بالواقع الصحي فيها، فإن الخشية تبدو من انتشار الوباء “بشكل انفجاري”. إذ كشف المصدر الذي تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته عن تقديرات بأن يطال “فيروس كورونا” في حال تفشيه شمال غرب سوريا ما بين 60% و70% من الكتلة البشرية الموجودة في المنطقة، وبما قد يؤدي في حال لم تكن هناك إجراءات وقائية شديدة، إلى وفاة  أكثر من 100 ألف شخص، أو ما نسبته حوالي 3% من عدد السكان هناك.

وقد أكد هذه التقديرات مصدر طبي آخر في مديرية صحة إدلب، طالباً عدم الإفصاح عن اسمه. 

معضلة الدعم الدولي

في 19 آذار/مارس الماضي، أثار تصريح المتحدث باسم جهود منظمة الصحة العالمية عبر الحدود في جنوب تركيا، هيدين هالدورسون، استياء العاملين في القطاع الطبي شمال غرب سوريا. إذ رغم تأكيد المسؤول الدولي على دعم إدلب بمعدات الكشف عن فيروس كورونا، فإنه فسّر تأخير وصولها بأن المنظمة وزعت معدات الكشف على وزارات الصحة الحكومية فيما “شمال غرب سوريا ليس دولة”.

إذ سلمت “الصحة العالمية” مخصصات إدلب من معدات الكشف عن “كورونا” إلى حكومة دمشق التي قامت لاحقاً بتسليمها لإدلب، وليس من خلال “الاستجابة عبر الحدود” وفق قرار مجلس الأمن الدولي، كما قال مدير قسم التواصل والمناصرة في “سامز”، وذلك على الرغم من أن المنظمات الإنسانية في شمال غرب سوريا “أثبتت كفاءة عالية في التفشي مع الأوبئة، من مثل وباء شلل الأطفال في السابق، ويمكن الاعتماد عليها. كما إنها أكثر مصداقية من دمشق”.

في هذا السياق أيضاً، أشار وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، د.مرام الشيخ، في مقابلة مع “سوريا على طول”، إلى وجود “تحيز وعدم مساواة من منظمة الصحة العالمية بشأن تقسيم المساعدات على السوريين”، ما يعني إعاقة جهود مواجهة الوباء القابل للانتشار إلى خارج حدود مناطق النفوذ والحدود السياسية.

وكانت المفوضة في لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، كارين أبو زيد، دعت سابقاً إلى “السماح للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الدعم والإمدادات الطبية، بالوصول إلى [النازحين] وفق الحاجة وليس وفق الاعتبارات السياسية”.

 

* تم تحديث التقرير عند 02:30 مساء

شارك هذا المقال