6 دقائق قراءة

“تحرير الشام” و”فاثبتوا”: مواجهات مفتوحة على كل السيناريوهات  

الخطوات العملية للهيئة من اعتقال قيادات وأفراد من كل فصائل الغرفة يدل على أنهم يستهدفون كل فصائلها


28 يونيو 2020

عمّان – رغم توصل هيئة تحرير الشام وغرفة عمليات “فاثبتوا”، إلى اتفاقات ثلاثة توقف المواجهات التي شهدها الأسبوع الماضي بين الطرفين، يظل السؤال قائماً حول مدى إمكانية صمود هذه الاتفاقات التي جاءت بعد مناشدات ودعوات أطلقتها شخصيات مما يسمى “التيار الجهادي” في شمال غرب سوريا، إضافة إلى بيان منسوب إلى تنظيم القاعدة ضمن الغاية نفسها. 

ورغم توقف المواجهات العسكرية التي بدأت الثلاثاء الماضي، تشير المعطيات إلى أن المواجهات أقرب للتجدد منها إلى التوقف، لاسيما مع اعتقال “تحرير الشام”، ظهر اليوم، أبو عمر منهج، القيادي في تنظيم حراس الدين المنضوي في “فاثبتوا”، إضافة استمرار الطرفين المتواجدين في شمال غرب سوريا في تراشق التهم حول المسؤول عن إشعال فتيل الاشتباكات، كما الهدف منها، وفوق ذلك التصريحات الإعلامية المتناقضة بشأن مصير غرفة عمليات “فاثبتوا”. 

وبحسب ما أكد اثنان من القادة العسكريين في هيئة تحرير الشام لـ”سوريا على طول”، أمس السبت، فإنه تم الاتفاق على “حل غرفة عمليات فاثبتوا”. وهو ما نفاه مسؤول في المكتب الإعلامي للغرفة في حديث لـ”سوريا على طول”، بقوله: “هم يروجون لذلك، لكن لا علاقة للاتفاق بحل الغرفة”.

وقال أبو محمد، القيادي العسكري في “الهيئة”: “هم [غرفة فاثبتوا] حاولوا تثبيت اسم غرفتهم، لكن نحن قلنا إن أي تجمع لا يعمل ضمن [غرفة عمليات] الفتح المبين [التي تضم إضافة إلى تحرير الشام، الجبهة الوطنية للتحرير وجيش العزة] سيتم حله. لذلك من يرابط إن كان يريد فوضى لا نقبله، أما إن عمل بالتنسيق ومواكبة التنسيق والتحصين فهذا له كل الإحترام ونحن نقدم ما يحتاج بالاستطاعة”. مضيفاً:  “نعمل على حل الأزمة بأقل الخسائر”.

أصل الخلاف

بدأت الاشتباكات بين “تحرير الشام” وغرفة “فاثبتوا”، يوم الثلاثاء الماضي، على خلفية اعتقال الأولى القيادي السابق في صفوفها، والمسؤول العسكري الحالي في “فاثبتوا” أبو مالك التلي، والذي سبقه أيضاً اعتقال “الهيئة” القيادي السابق في صفوفها سراج الدين مختاروف، الملقب بـ”أبو صلاح الأوزبكي” الذي التحق بعد خروجه من “الهيئة” بجبهة أنصار الدين ضمن غرفة “فاثبتوا”.

وعقب تحذير “فاثبتوا” من عدم إطلاق سراح التلي والأوزبكي، اندلعت الاشتباكات بين الطرفين في ريف إدلب الغربي، لاسيما مع محاولة “تحرير الشام” اقتحام منطقة عرب سعيد التي تتمركز فيها فصائل “فاثبتوا”. 

وقد سعت “تحرير الشام”، في بيان لها، إلى حصر الخلاف مع فصيلي “حراس الدين” و “أنصار الدين” فقط، دون بقية فصائل الغرفة الأخرى التي تضم أيضاً جماعة أنصار الإسلام، وتنسيقية الجهاد، ولواء المقاتلين الأنصار. إذ جاء في البيان الذي نشر ظهر الخميس الماضي: “تفاجأنا بالتصعيد غير المبرر من قبل فصيلي حراس الدين وأنصار الدين، حول اعتقال بعض العناصر التابعة للهيئة ضمن السلك القضائي”. مضيفاً: “إن خيارهم في الاستقالة لا يعني قبولها ابتداء، أو أنه قد تم إعفاؤهم من أعمالهم ومستلزماتها، فضلاً عن تشكيلهم لمجموعات صغيرة جديدة تحت شعارات واهية لا تخلو منها لغة التخوين والاتهامات المبطنة الزائفة”.

رداً على ذلك، قال المسؤول في المكتب الإعلامي لغرفة عمليات “فاثبتوا” لـ”سوريا على طول”، الخميس الماضي، إن “الخطوات العملية للهيئة من اعتقال قيادات وأفراد من كل فصائل الغرفة يدل على أنهم يستهدفون كل فصائلها”.

من تراشق الاتهامات إلى التباين بشأن الاتفاق 

توصل الطرفان، عصر الخميس، إلى اتفاق أولي يقضي بمنع نشر أي منهما حواجز عسكرية على الطريق الواصلة بين مدينة جسر الشغور وبلدة دركوش، غرب إدلب. إضافة إلى إزالة حاجز اليعقوبية، غرب إدلب أيضاً. وفي اليوم التالي، توصل الطرفان إلى ثلاثة اتفاقات منفصلة. وقع الأول في “عرب سعيد” وسهل الروج غرب إدلب، ونص على وقف إطلاق النار في المنطقتين، وإزالة الحواجز العسكرية. كما السماح لأبناء قرية عرب سعيد البقاء في قريتهم بسلاحهم الشخصي، فيما يخرج من يرغب في ذلك بسلاحه الفردي فقط.

وبحسب الاتفاق ذاته أيضاً، يُحال بعض العناصر المدعى عليهم من الطرفين إلى فصيل “الحزب الإسلامي التركستاني”، لأجل “النظر في أمرهم قضائياً”، إضافة إلى إغلاق مقر “حراس الدين” في عرب سعيد، وتعهد الأخير بعدم نشر أي حواجز في القرية.

أما الاتفاق الثاني فشمل مناطق الجديدة والحمامة واليعقوبية، غرب إدلب. وتضمن إخلاء فورياً لمقرات “حراس الدين” باستثناء مقر واحد، والإفراج عن أحد العناصر (من دون تحديد انتمائه) وإحالة بعض آخر إلى القضاء. وكذلك منع نشر حواجز في المنطقة إلا من قبل إدارة المعابر، التابعة لـ”تحرير الشام”.

وشمل الاتفاق الثالث مناطق الشيخ بحر وحارم وأرمناز وكوكو، شمال إدلب. وتضمن إزالة الحواجز التابعة لـ”حراس الدين” في هذه المناطق، وتسليم مقراته إلى “تحرير الشام”، متعهداً بعدم فتح مقرات أو إنشاء حواجز جديدة هناك.

قبيل ذلك، قال مسؤول التواصل في مكتب العلاقات الإعلامية في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، لـ”سوريا على طول”، إن “[تنظيم] حراس الدين لم يقبل بأي صيغة حل”، وأن “لا حل إلا بإزالة الأذى عن الطريق ورفع الحواجز”، في إشارة منه إلى حاجز اليعقوبية والحواجز الأخرى التي نشرتها غرفة عمليات “فاثبتوا” على طريق جسر الشغور-دركوش.

وأضاف عمر: “مرحلة الاقتتال الداخلي انتهت منذ أكثر من عام ونصف العام، ولا يسمح بهكذا تصرفات. من كان لديه حق يأخذه بالطرق الشرعية بعيداً عن إدخال المحرر [المناطق الخاضعة للفصائل المناوئة لدمشق] في اقتتالات داخلية”، مؤكداً أن الهيئة “لم نطلب منهم إلا إزالة الحواجز و محاسبة مجموعة عرب سعيد التابعة للحراس [حراس الدين] والخارجة عن سيطرتهم”. متهماً “مجموعة عرب سعيد” بالوقوف وراء العديد من “التوترات السابقة التي كان آخرها منذ شهر، حين سرقوا أحد الأسلحة المتوسطة الرشاشة من الهيئة، وتبين يومها أن لديهم الكثير من المسروقات التي سرقوها من [فصيلي] فيلق الشام وأحرار الشام”.

رداً على ذلك، قال المسؤول في المكتب الإعلامي لغرفة “فاثبتوا” إن فصائل الغرفة رحبت “بمبادرات الصلح التي عرضها العديد من المشايخ والوجهاء والأعيان من أجل حل الخلاف وتحكيم الشريعة، لكن قيادة الهيئة قابلتها بالتجاهل والاقتحامات وقصف المناطق السكنية ورفض إيقاف القتال ورفض الصلح ورفض التحاكم للشريعة”.

وأضاف المصدر الإعلامي: “الهيئة حشدت كل من استجاب لها وتحاول منذ أيام اقتحام المنطقة على غرفة عمليات فاثبتوا”.

الداء في بنية “الهيئة”

رغم أن الاشتباكات الأخيرة بدأت عقب اعتقال هيئة تحرير الشام لأبو مالك التلي، فإن الخلاف “قديم ويتجدد” داخل “تحرير الشام” والمنشقين عنها منذ تأسيسها وحتى الآن، بحسب ما أكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية.

وأوضح أبو هنية لـ”سوريا على طول” أن الخلاف “ذو طابع أيديولوجي، متعلق بتحولات وتغير النهج من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام”، إضافة إلى “قولبة [تحرير الشام] الأيديولوجيا لغايات، سواء محاولة تجنب الوصم بالإرهاب أو التكيف مع الشأن الداخلي. وهذا التغير كانت تتبعه دائماً اعتراضات من مكونات وعناصر تحرير الشام”.

يرتبط بذلك كون “تحرير الشام” منذ تأسيسها “غير متجانسة على صعيد الأيديولوجيا، واختلاف الأيديولوجيا ينعكس على الاستراتيجية القتالية أو نهج الهيمنة والسيطرة وغيرها”، وفقاً لأبو هنية. وهو ما ظهر جلياً حينما أعلنت “جبهة النصرة” (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام) فك ارتباطها بتنظيم القاعدة. إذ أعقب ذلك خروج عدد من عناصر وقيادات “النصرة” بشكل واسع. وبحسب أبو هنية فإنه “كلما كانت تتغير هذه الأيديولوجيا كانت تخرج مجموعات جديدة، آخرها [مجموعتا] أبو مالك التلي، وأبو العبد الأشداء [القيادي السابق  في “تحرير الشام”، والذي بقود حالياً فصيل تنسيقية الجهاد]”.

ودائماً ما كانت تلقي هذه التغيرات بظلالها على “تحرير الشام”، لاسيما وأنها ارتبطت دائماً بتغيرات دولية تسعى “الهيئة” إلى التكيف معها. بحسب أبو هنية. إذ جرت “العديد من محاولات إعادة تأهيل تحرير الشام، وشطبها عن لوائح الإرهاب”، وأصبحت “ديناميكية أساسية بين تركيا وروسيا”.

وقد تسببت الاتفاقات بين الجانبين الروسي والتركي، لاسيما الاتفاق الأخير في آذار/مارس الماضي، بشأن شمال غرب سوريا، في خروج عدد كبير من عناصر وقيادات “تحرير الشام”، إضافة إلى سلوك “الهيئة”، من قبيل افتتاح المعابر مع مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية، والاتهامات بسوء الإدارة والمشاكل الداخلية. 

إذ إن “تحرير الشام”، كما أضاف هنية، تقدم “نفسها حركة محلية معتدلة، وهو ما شهدناه في  حوار الجولاني مع مجموعة الأزمات الدولية، ومن ثم الموقف من الأتراك وحكم [ذلك شرعاً]. فالهيئة في النهاية حركة جهادية متصلبة، وكان الموقف من الأتراك محط نقاشات عميقة داخل الهيئة وبالتالي صدامات، والجولاني كان دائما، إما عن طريق الاعتقالات أو الاغتيالات، يحاول تصفية او التقليل من خطورة هذه المجموعات، فلا يريد أن توجد مجموعات تنافس تحرير الشام، ويريد أن يبقى هو الممثل الأساسي في شمال غرب سوريا. وفي النهاية قبوله في أي مفاوضات لاحقة مع الروس أو النظام أو الاتراك وهو سبب الخلاف باعتقادي”.

مستقبل الخلاف

وفقاً لما ذكره، أمس السبت، قائد فصيل تنسيقية الجهاد، أبو العبد أشداء، فإن مقاتليه عادوا إلى “نقاط تمركزهم، بسبب مهاجمة أرتال من الهيئة [تحرير الشام] لهم”. معتبراً ذلك استكمالاً من “الهيئة” لمعركتها الأخيرة التي شنتها ضد غرفة عمليات “فاثبتوا”. 

لكن “تحرير الشام” نفت هذه الاتهامات، بحسب ما نقلت وكالة “إباء” التابعة للهيئة عن المسؤول العسكري أبو علاء عندان.

في هذا السياق، عبر أبو هنية عن اعتقاده بأن “الخلاف سيبقى في حدود متوازنة، ولن يصل حد المواجهة الشاملة”. مستدركاً بأن هذه الصدامات قد تكبر وتتوسع في حال “حاول أي طرف السيطرة على بعض مناطق الطرف الآخر” . 

وأرجع أبو هنية احتمالية محدودية الصدامات إلى “خشية [تحرير الشام] من أن تصبح الأمور مكلفة”. موضحاً أنه “قد تتمكن تحرير الشام، وهي القوة الأكبر [في إدلب]”، لكنها ستخسر كثيراً”. وربما لا تقتصر هذه الخسارة على المستوى العسكري، وإنما قد تمتد إلى بدء عناصرها “بالانحياز تجاه هذا المكون الأيديولوجي [فاثبتوا] الأكثر صلابة من ناحية الأيديولوجيا”.

إضافة إلى ذلك، سترتبط حدة المواجهات العسكرية من طرف هيئة تحرير الشام بإمكانية حصول صفقة روسية- تركية لصالح أبو محمد الجولاني قائد الهيئة. فبحسب أبو هنية، “في حال أعطى الروس والأتراك للجولاني أو تحرير الشام شيئاً، أو تم دمجهم في عملية [تسوية] مستقبلية، فإنه قد يدخل في مواجهة عسكرية حقيقية”. 

أي في حال كان هناك “دفع باتجاه استئصال هذه الحركات لإعطاء الجولاني نوعاً من الشرعية، فبالتأكيد قد يذهب باتجاه هذه المعركة الشاملة. وبالتالي فإن الأمور مفتوحة على كل السيناريوهات”.

شارك هذا المقال