6 دقائق قراءة

تصعيد روسي وحياد تركي: سيناريوهات مستقبل شمال غرب سوريا

عمان- مع سيطرة القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها على كامل ريف حماه الشمالي ومدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي مؤخراً، بدا أن الاتفاق الروسي-التركي-الإيراني، المعروف باتفاق أستانة لخفض التصعيد، وضمنه اتفاق سوتشي في أيلول/ سبتمبر 2018، قد وصل مرحلة الموت المعلن، بعد فترة طويلة من "الموت السريري" نتيجة الخروقات المتواصلة للقوات الحكومية المدعومة روسياً.


2 سبتمبر 2019

عمان- مع سيطرة القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها على كامل ريف حماه الشمالي ومدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي مؤخراً، بدا أن الاتفاق الروسي-التركي-الإيراني، المعروف باتفاق أستانة لخفض التصعيد، وضمنه اتفاق سوتشي في أيلول/ سبتمبر 2018، قد وصل مرحلة الموت المعلن، بعد فترة طويلة من “الموت السريري” نتيجة الخروقات المتواصلة للقوات الحكومية المدعومة روسياً.

وفيما يبدو مفهوماً تمسك روسيا بـ”اتفاق أستانة؛” إذ تحت غطائه تتقدم عسكرياً على الأرض، فإن السؤال المطروح في المقابل هو عن سبب تمسك تركيا بهذا الاتفاق، وهي التي يُفترض أن تكون الداعم الرئيس للفصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، ناهيك عن وضع الجنود الأتراك في نقاط المراقبة المنشأة بموجب أستانة في مرمى نيران القوات الحكومية. 

التفاهمات التركية-الروسية

إضافة إلى حقيقة الصعوبات التي تواجه علاقات تركيا الإقليمية والدولية لأسباب متعددة، بما في ذلك العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، يثير ضبط النفس التركي إزاء تصعيد القوات الحكومية بدعم روسي في شمال غرب سوريا، بتكلفة إنسانية عالية جداً بين المدنيين، تكهنات بشأن طبيعة التفاهمات التركية-الروسية. لاسيما وأنه مع التقدم المتسارع للقوات الحكومية في المنطقة، قامت تركيا بتثبيت نقاط جديدة على الطريقين الدوليتين: دمشق-حلب (M5)، واللاذقية-حلب (M4).

وكان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، توصلا في أيلول/سبتمبر 2018  إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب على حساب مناطق المعارضة، بعمق يتراوح بين 15-20 كم على طول خط التماس بين القوات الحكومية والمعارضة، وإدخال دوريات روسية وتركية لمراقبة المنطقة، وصولاً إلى استعادة الحركة التجارية على “M4″ و”M5” بحلول نهاية العام 2018.

ومنذ انطلاق الحملة العسكرية البرية والجوية التي تشنها القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها على شمال غرب سوريا في نيسان/ أبريل الماضي، تشير التصريحات الرسمية لضامني اتفاق سوتشي إلى وجود خلافات حول آلية تنفيذ الاتفاق. فخلال الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن الاتفاق “قائم لكنه يواجه صعوبات ومشاكل”. 

في المقابل، لم يخفِ الرئيس التركي عدم رضاه عن التطورات الحاصلة في إدلب جراء التقدمات العسكرية للقوات الحكومية والتصعيد الروسي، مشترطاً في ختام قمة ثنائية جمعته بالرئيس الروسي الثلاثاء الماضي، وقف هجمات القوات الحكومية لاستكمال تنفيذ الاتفاق، مشيراً إلى أن “المسؤوليات الملقاة على عاتقنا بموجب اتفاقية سوتشي لا يمكن الإيفاء بها إلا بعد وقف هجمات النظام”.

وفيما يبدو كاستجابة للمطلب التركي، أعلن مركز المصالحة الروسي التابع لوزارة الدفاع، وقف إطلاق نار في إدلب بدءاً من صباح يوم السبت الماضي، مطالباً فصائل المعارضة السورية أيضاً وقف إطلاق النار. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن مصدر عسكري قوله إنه “تمت الموافقة على وقف إطلاق النار”.

ومنذ لحظة سريان الاتفاق وحتى إعداد هذا التقرير لم تتوقف العمليات العسكرية والقصف على المنطقة، إلا أنها انخفضت بشكل ملحوظ بحسب ما أكد العديد من مصادر لـ”سوريا على طول”.

نقاط مراقبة تركية جديدة

رغم استهداف طائرات للرتل التركي الذي كان ينوي تثبيت نقاط مراقبة جديدة في تل النمر الاستراتيجي قرب مدينة خان شيخون قبل أسبوعين، وإجباره على التوقف، وتثبيته نقطة مراقبة جديدة “مؤقتة” في معرة حطاط شمال المدينة، لم يتوقف “الضامن” التركي عن محاولات نشر نقاط مراقبة جديدة في إطار الحفاظ على اتفاق سوتشي.

إذ انتشر جنود أتراك برفقة آليات عسكرية، أمس الأحد، على الطريق الدولي حلب-دمشق (M5) بالقرب من بلدة برقوم بريف حلب الجنوبي، بحسب ما قالت وسائل إعلام محلية. كما أعلن فيلق الشام المنضوي في الجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من أنقرة، الأسبوع الماضي، عزم تركيا إنشاء نقاط مراقبة جديدة على أوتوستراد حلب-اللاذقية (M4).

ووفقاً لما نقلته شبكة “المحرر” الإخبارية عن مصدر عسكري في فيلق الشام، فإن “القوات التركية تنوي إنشاء عدد من نقاط المراقبة العسكرية بين النقاط الموجودة والمثبتة سابقًا، وذلك لدعم تثبيت وجودها ومنع تقدم قوات النظام السوري في المنطقة، ودعمًا للحل السياسي وتسريعه”.

كذلك، على خلاف المتوقع ما تزال واحدة من نقاط المراقبة التركية في مورك (نقطة المراقبة التاسعة) موجودة في مكانها رغم سيطرة القوات الحكومية على المنطقة. غير أن مجموعة من القوات الروسية تنتشر منذ مطلع الأسبوع الماضي في محيط النقطة التركية الواقعة على الأوتوستراد الدولي دمشق-حلب، وفقاً لتسجيل مصور نشرته وكالة “Unews” الإخبارية المقربة من “حزب الله” اللبناني.

سيناريوهات محتملة

قد تحفز السيطرة السريعة على منطقة خان شيخون الرغبة لدى الحكومة السورية وحليفها الروسي في السيطرة على كامل المناطق الواقعة على طريقي حلب-اللاذقية وحلب-حماه؛ أي تنفيذ اتفاق سوتشي بالقوة العسكرية، بذريعة تأخر الجانب التركي في تنفيذ التزاماته ووجود هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية.

وتعليقاً على ماجرى في مدينة خان شيخون، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سيطرة القوات الحكومية على المدينة “شرعياً” ولا يعد خرقاً لاتفاق سوتشي. مضيفاً أن الاتفاق يستثني “المجموعات الإرهابية”، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام.

وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيصبح ما يقارب نصف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظتي إدلب وحماه تحت سيطرة القوات الحكومية، فاتحاً المجال أمام موجة غير مسبوقة من النازحين باتجاه الشريط الحدودي مع تركيا.

وهو ما أكد عليه قيادي عسكري من الجيش الحر في إدلب، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه وفصيله لأسباب أمنية.

إذ اعتبر أنه “إذا لم ينجح الأتراك في إيجاد حل لفتح الطريقين[“M5″ و”M4”]، سيقوم الروس بفتحهما عبر الحل العسكري. وهذا يشكل حرجاً للضامن التركي محلياً ودولياً”.

ففي حال لم تفلح المساعي التركي في تجنيب المنطقة عمليات عسكرية جديدة، سيكون أمام الروس والقوات الحكومية فرصة كبيرة للتقدم إلى معرة النعمان وسراقب لفتح “M5″، وأريحا وجسر الشغور لفتح “M4″، في ظل وجود فصائل عسكرية تم تجريدها من السلاح الثقيل على يد هيئة تحرير الشام، مع عدم جدية “الهيئة”، في الوقت ذاته، في إلقاء ثقلها العسكري في معارك ريف إدلب الجنوبي حتى الآن.

في مقابل السيناريو السابق، يبرز سيناريو فتح القوات الحكومية جبهة جديدة في ريف حلب الغربي بهدف قضم مناطق جديدة واقعة على “M5”.

ويتبلور هذا السيناريو نتيجة وصول تعزيزات عسكرية للقوات الحكومية على الجبهات الغربية لمدينة حلب الواقعة على تماس مع قوات المعارضة السورية، في منطقة الـ1070 شقة، وضاحية الأسد، ومنيان بالقرب من النقطة التركية في منطقة الصرمان.

ووفقاً لما نشرت صفحات موالية للقوات الحكومية على “فيسبوك”، فإن التعزيزات العسكرية “الضخمة” على حد وصفها، تهدف إلى فتح الطرق الدولية سلمياً في حال انسحبت “عصابات النصرة”، وعسكرياً لـ”قمع وسحق أي تأخير بالتنفيذ[لاتفاق سوتشي]”.

مصدر عسكري من حركة أحرار الشام، طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، قال لـ”سوريا على طول” إن التعزيزات العسكرية إلى غرب حلب تهدف إلى “الضغط على فصائل المعارضة وتركيا وتشتيتها وإثارة الرعب في قلوب المدنيين، وخلق موجات نزوح ضخمة تربك المعارضة وتركيا”.

وأضاف: “في حال قرر النظام فتح عمل عسكري من محور غرب حلب، فالأمر لن يقتصر على السيطرة على الأوتوستراد [M5]. بل ربما سيسعى النظام إلى فصل منطقة إدلب عن عفرين الخاضعة للنفوذ التركي”.

أما السيناريو الثالث المحتمل، فيعتمد على تفاهم روسي-تركي لوقف العمليات العسكرية عند منطقة خان شيخون، وتنفيذ بند المنطقة العازلة الذي تم التوصل إليه في اتفاق سوتشي، وتسيير دوريات مشتركة روسية-تركية في هذه المنطقة، بهدف حماية “M5″ و”M4” من أي اعتداء، وضمان الحركة التجارية.

في هذا السياق، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء الماضي، إن العمليات التي تقوم بها القوات الحكومية في إدلب “تجري حصراً في المنطقة المنزوعة السلاح التي كان من المخطط إنشاؤها منذ عام كامل وفقاً لاتفاق سوتشي”.

ووفقاً لخريطة السيطرة الجديدة بعد سقوط خان شيخون، ستكون مناطق سراقب وجسر الشغور وأجزاء من معرة النعمان الواقعة على الطريقين الدوليين ضمن المنطقة العازلة، فيما لا يبدو واضحاً حتى الآن مصير المناطق الواقعة على الطريق “M4” في عمق إدلب، كما هي حال بلدة أريحا الواقعة على بعد 35كم من جبهات القتال ضد القوات الحكومية.

كذلك، يفرض تنفيذ هذا السيناريو انسحاب هيئة تحرير الشام من المنطقة، أو حل نفسها، إلى جانب انسحاب فصائل المعارضة السورية كافة من المنطقة العازلة وسحب سلاحها الثقيل.

وقد أشار إلى هذا السيناريو القيادي السابق في هيئة تحرير الشام صالح الحموي، المعروف بـ”أس الصراع في الشام”، في تدوينة نشرها عبر تطبيق “تلغرام” الخميس الماضي، حول بنود عرض تركي لتفكيك “تحرير الشام” وتوجه عناصرها إلى فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” خلال مهلة زمنية محددة. مضيفاً أن البند الثاني والثالث تضمنا حل “حكومة الإنقاذ” وعودة الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وحتى لحظة إعداد التقرير لم يتسنَ لـ”سوريا على طول” الحصول على تعليق من هيئة تحرير الشام للرد على هذه الشائعات.

مع ذلك، لم يستبعد القياديان العسكريان اللذان تحدثت إليهما “سوريا على طول”، قيام هيئة تحرير الشام بحل نفسها، مستندين بذلك إلى أحداث سابقة، عندما قامت “الهيئة” بفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتغيير هيكليتها ومسماها، إلى جانب محاولتها إضفاء شرعية على تواجدها وحكمها من خلال حكومة مدنية (الإنقاذ).

كذلك، تزامنت هذه الشائعات مع تصريحات لرئيس الائتلاف السوري المعارض، أنس العبدة، يوم الجمعة الماضي، ربطها كثيرون بما يُقال عن مستقبل “تحرير الشام”.

إذ كشف العبدة عن أن “هناك إعادة ترتيب لغرف عمليات وخطط الجبهة الوطنية للتحرير وبقية الفصائل”، لكن من دون أن يوضح ماهية إعادة الترتيب هذه.

شارك هذا المقال