5 دقائق قراءة

تضاعف حالات الإصابة بمرض الليشمانيا في إدلب مع تداعي التمويل الدولي وخدمات الصرف الصحي

كان سعيد قاسم وأسرته في أرمناز بمدينة إدلب لمدة أسبوع […]


12 مايو 2018

كان سعيد قاسم وأسرته في أرمناز بمدينة إدلب لمدة أسبوع تقريباً عندما بدأوا يشعرون باللدغات المزعجة، التي سرعان ما تبعها موجة من الذباب الأسود الصغير الذي دخل إلى منزلهم.

وبعد أن سمعوا عن وباء يجتاح المدينة، التي فروا إليها في منتصف شهر نيسان هرباً من القتال الدائر في منطقتهم معرة النعمان، توجه قاسم وزوجته مباشرةً إلى المركز الصحي المحلي، وبعد وصفهم للحشرات القارصة أدرك الطبيب على الفور أنها الذباب الرملي، والتي تعتبر الناقلات الرئيسية لطفيليّات الليشمانيا التي تتغذى على اللحم، فشرح لهم لمحة عن العلاج الوقائي لتجنب إصابة ضحايا جدد وسط هجمة من داء الليشمانيا الذي ظهر في شمال سوريا.

وفي العيادات الطبية في محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة لاحظ الأطباء منذ بداية العام ظهور حالات جديدة من داء الليشمانيات بمعدلات تقارب ضعف ما شهده العام الماضي، حيث أشار المتخصصون المحليون إلى 6273 حالة مؤكدة على مستوى المقاطعة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2018. وهذا يجعل سنة 2018 تسير باتجاه تسجيل أكثر من ضعف الأرقام المسجلة في عام 2015، وهو العام الأخير الذي توفرت فيه معلومات معلنة.

إن نقطة البداية تفشي داء الليشمانيا هو بلدة أرمناز الصغيرة. هناك، شهدت العيادة المحلية زيادة في عدد الإصابات أكثر من ستة أضعاف العام الماضي، وفقاً للدكتور صالح حاج طاهر، رئيس مركز أرمناز الصحي، مضيفاً أن العيادة المحلية استقبلت أكثر من 250 حالة جديدة في شهر نيسان فقط، مقارنة لما يقارب 40 إصابة في عام 2017 بشكل كامل.

وقال الطاهر لسوريا على طول “أن عدد الإصابات هنا غير طبيعي”.

وتضع الذبابة الصغيرة، التي تمتص الدم والتي لايتجاوز حجمها ربع حجم البعوضة، بيوضها في أكوام النفايات العضوية والنفايات، وتحمل إناث ذباب الرمل طفيل الليشمانيا الذي يسبب المرض وتصيب البشر والثدييات الأخرى من خلال لدغهم. في حين تختلف الأعراض من ضحية إلى أخرى، فإن العلامات الأولى هي عادةً نتوءات صغيرة تظهر في الأسابيع الأولى من العدوى ثم تنتفخ وتتحول إلى كتل متقرحة وآفات مشوهة.

العوائل النازحين في العيادة الطبية في إدلب في 29 آذار. تصوير زين الرفاعي.

وبالرغم من أن هذه الكتل المتقرحة ليست مميتة، إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى وصمة إجتماعية لا يمكن علاجها إلا بالحقن الطبية المتكررة والتي تكون عادةً على شكل علاج أنتيموني عالي السمية يمكن أن يسبب آثار جانبية موهنة مثل الغثيان الشديد وفقدان الوزن. كما أن تكاليف العلاج تميل إلى الارتفاع مقارنة بمعالجة الأمراض المدارية الأخرى المنقولة بالنواقل. ويمكن أن يكلف نظام العلاج النموذجي لمصاب واحد 25 دولارًا ، مع حقن متعددة ضرورية لقتل الطفيلي.

ويدرس ألفارو أكوستا سيرانو، من مدرسة ليفربول للطب المداري، وتتبع انتشار داء الليشمانيات في سوريا لسنوات. وبحسب بحثه فإن العدد الإجمالي لحالات داء الليشمانيات في مقاطعة إدلب وحدها العام الماضي 75 ألف حالة، ويقول بأن هذا العدد قد يكون أقل من الواقع إذا أخذنا بالحسبان أولئك الغير قادرين على الوصول إلى العيادات الطبية وطلب العلاج.

وأضاف “من المستحيل معرفة عدد الأشخاص الغير قادرين من الوصول إلى العيادات الطبية”.

وأكد الطاهر، من عيادة أرمناز، أن الظهور الأخير لداء الليشمانيا هناك ليس مصادفة، وإنما نتيجة لحكومة محلية تعاني من نقصاً في التمويل وتدهوراً في ظروف المعيشة.

وتحت وطأة القصف بدأت الهياكل الأساسية للمرافق الصحية في أرمناز تتعثر بسبب تدفق النازحين وتبخر أموال البلدية.

وقال السكان أن مياه الصرف الصحي المفتوحة تتدفق في الشوارع، وتتراكم القمامة لأسابيع في كل مرة على طول الطرق دون جمعها، وهذه الظروف الصحية المتدهورة ولدت بيئة مثالية لنمو مذهل في أعداد ذباب الرمال.

ومن جهته، لم ينكر رئيس المجلس المحلي في أرمناز حسن سرداني أن هذا الوباء مرتبط بخدمات الصرف الصحي الفاشلة والبنية التحتية الممزقة، لكنه يقول أن الحكومة المحلية لا تستطيع أن تفعل شيئاً حيال ذلك، حيث يجب إعادة بناء البنية التحتية المحطمة، ولكن صناديق أموال البلدية فارغة والتمويل الدولي من أجل إجراء الأعمال الوقائية مثل شبكات الحماية وعمليات الرش قد جف.

وبالرغم من أن بعض المبيدات الحشرية لقتل الذباب منتشر في أرمناز، إلا أن فعاليتها محدودة، على حد قوله.

وقال سرداني “أن الكمية قليلة وغير كافية، والذين سيخرجون لرش المبيدات هم متطوعين ليس لديهم أي خبرة، ونحن كمجلس محلي لسنا قادرين على العمل وحل المشكلة بمفردنا، ونناشد جميع المنظمات العاملة في المجال الطبي والصحي مساعدتنا”.

وبالإضافة إلى تفاقم المشكلة بسبب سوء المرافق الصحية، وصلت موجة من النازحين إلى أرمناز خلال الأشهر الأخيرة، ووفقاً لمسح عام 2018، فإن 43٪ من سكان المدينة حالياً هم من الأسر النازحة من أجزاء أخرى من سوريا.

ويشتهر داء الليشمانيات بانتشاره في مجتمعات اللاجئين أينما ظهرت، مما ساعد في جعل المرض مرادفاً للأزمة السورية بطرق عديدة.

وقال أكوستا سيرانو أن نزوح السكان وتنقلهم هي واحدة من أقوى المؤشرات على تفشي داء الليشمانيات، كما أن موقع مقاطعة إدلب الجغرافي وأرمناز بشكل خاص، الذي يعتبر بوابة إلى تركيا، يجعل شمال غرب سوريا عرضة بشكل خاص للأوبئة الناشئة.

مياه الصرف الصحي في مدينة كفرناها شمال سوريا في عام 2017. الصورة من وكالة سمارت للأنباء.

وذكر أكوستا سيرانو “قبل الحرب، سجلت إدلب حوالي 20٪ من مجموع حالات داء الليشمانيات في سوريا سنوياً، لأنه مكان يقصده العديد من الناس تاريخيا، ويشهد حركة دخول وخروج بسبب قربه من تركيا”.

وانتشر داء الليشمانيات المداري السائد في الشرق الأوسط لعدة قرون، بما في ذلك وردة أريحا وحبة حلب، حيث تفشى المرض في سوريا، وخصوصاً في محافظات إدلب وحلب، منذ عام 1745 على الأقل.

وسُجلت آلاف الحالات سنوياً في البلاد قبل اندلاع الحرب عام ٢٠١٢، لكن الأعداد تضاعفت بعد وقت قصير حيث توقفت أنظمة المبيدات الوقائية تقريبا وساءت خدمات الصرف الصحي في العديد من المناطق إلى جانب تداعي القانون والنظام بشكل عام. وارتفع عدد الحالات السنوية مع بداية الحرب، حيث تضاعف أربع مرات من ٣٨٢٠ في عام ٢٠١٢ إلى ١٢٣٢٧ في عام ٢٠١٣. وتفشى الوباء وبدأت آلاف الإصابات التي تشوهت بالتدفق إلى البلدان المجاورة كلاجئين، مما لفت الانتباه العالمي.

وقالت أكوستا سيرانو إن أحد العوامل الرئيسية التي تتحكم في ارتفاع معدلات الإصابة بمرض الليشمانيا وانخفاضها هو مستوى دعم الجهود الوقائية من قبل المنظمات الدولية. ومع تراجع ​​حجم الدعم في السنوات الأخيرة، تراجعت الإجراءات الفعلية لمكافحة انتشار داء الليشمانيا.

وعملت مبادرة ال Mentor، التي تقود مشاريع حول العالم لعلاج الأمراض المدارية والوقاية منها، إلى حد كبير على تنسيق الجهود لمكافحة مرض الليشمانيا في جميع أنحاء سوريا. ويقول مدير البرنامج ريتشارد ألين إن المنظمة دربت ٢٠٠٠ عامل في مجال الصحة في جميع أنحاء البلاد لإعطاء الحقن الطبية التي تعالج تلك الآفات، كما أسست ٤٠ عيادة متنقلة.

وعلى الجانب الوقائي، قامت المنظمة بتوزيع شبكات ومبيدات في جميع أنحاء البلاد. كما أنهم يثقون بفعالية هذه الجهود للحد من الإصابات الجديدة في جميع أنحاء سوريا، حيث انخفض عدد الإصابات في إدلب بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٥.

وقال ألين “لدينا دليل واضح في إدلب. فقد تمكنا من خفض عدد الإصابات بداء الليشمانيا إلى النصف”.

إلا أن مشاكل مالية كبيرة ظهرت في عام ٢٠١٦ عندما أوقف المانحون الدعم كما خفضت منظمة الصحة العالمية تمويل مبادرات داء الليشمانيا في البلد الذي مزقته الحرب. وفي حين تمكنت مبادرة Mentor من مواصلة تقديم الأدوية لمحافظة إدلب، اضطرت إلى الحد من الإجراءات الوقائية هناك بشكل كبير.

وقال ألين إن الإرتفاع في عدد الإصابات في إدلب لا يعد مفاجئا، كما أنه يتوقع العودة إلى معدلات الإصابة المرتفعة التي كانت العيادات تستقبلها قبل وضع برامجها الوقائية.

وأضاف ألين “إنه سيناريو كلاسيكي… يمكنك السيطرة على المرض إذا واصلت الدعم هناك، لكن إذا توقفت- في منطقة تعيش حربا- سيرتفع معدل الإصابات ويتفشى المرض مجددا”.

 

ساهمت أليس المالح في إعداد هذا التقرير.

 

شارك هذا المقال