4 دقائق قراءة

تفاقم عجز القطاع الطبي يعمق معاناة النازحين في إدلب

عمان- اعتذر جمال الحموي عن دعوة أحد أصدقائه للعشاء كونه لا يستطيع التغيب طويلاً عن أخيه محمد الذي يقطن مع عائلته في "مخيم الغرباء" شمال غربي سوريا، خوفاً من نوبة صرع مفاجئة قد تصيب شقيقه.


21 يوليو 2019

عمان- اعتذر جمال الحموي عن دعوة أحد أصدقائه للعشاء كونه لا يستطيع التغيب طويلاً عن أخيه محمد الذي يقطن مع عائلته في “مخيم الغرباء” شمال غربي سوريا، خوفاً من نوبة صرع مفاجئة قد تصيب شقيقه.

إذ يعاني محمد، 34 عاماً والأب لطفلين، من نوبات صرع شديدة، إضافة إلى شلل في ساقه اليمنى، نتيجة إصابته بشظية في الرأس قبل نزوحه من قريته الفان الشمالي بريف حماه، والتي سيطرت عليها قوات الحكومة السورية في العام 2012. 

لكن كما قال جمال لـ”سوريا على طول”، فإن “الطرق الوعرة في المخيمات و[صعوبة] تأمين وسيلة نقل، تشكل خطراً أكبر بكثير على حياة الحالات الإسعافيّة من فقر القطاع الطبي”.

إذ لا يمكن الوصول إلى المشافي البعيدة إلا باستخدام بعض السيارات الخاصة القليلة التي يمتلكها عدد من النازحين، أو عبر الاستعانة بسيارات الدفاع المدني إن أمكن ذلك.

وتعد الخدمات الطبية من أكثر الاحتياجات إلحاحاً بالنسبة للنازحين في مناطق سيطرة المعارضة رغم الاحتياجات المختلفة والصعوبات العديدة التي تواجههم، إذ تفتقر غالبية المخيمات إلى المراكز الطبية، وإن وجدت فإنها تقدم خدمات طبية أولية خلال دوام إداري يمتد حتى فترة الظهيرة.

الأمر الذي يفاقم من معاناة المرضى، ويقلل من فرص نجاتهم، خصوصاً الأشخاص الذين يعانون من أمراض خطيرة تتطلب نقلاً فورياً إلى المستشفى، كمرضى القلب والضغط والربو والحالات الاسعافية.

 ووصف جمال شعوره أثناء البحث عن وسيلة لإسعاف أخيه الذي يتعرض إلى نوبات شديد مرة أو مرتين أسبوعياً، بقوله: “ينتابني شعور بالخوف من فكرة أنني قد لا أتمكن من تأمين وسيلة لإسعافه. فلو تأخرت عشر دقائق قد يفارق الحياة”.

هذا الخوف الملازم لجمال تحول إلى حقيقة مؤلمة في حالة رامي سعيد، الأب لأربعة أطفال، والذي نزح 14 مرة على مدار الفترة بين 2012 و2017. 

إذ لم يكن تأمين سيارة إسعاف، ليلاً، لزوجته الحامل العقبة الوحيدة. فوعورة أرض المخيم العشوائي الذي كان يقطنه في ريف حماه الغربي جعل من وصول السيارة إلى داخل المخيم أمراً مستحيلاً، ما اضطره وزوجته إلى السير على الأقدام للوصول إلى النقطة التي استطاعت السيارة الوصول إليها.

وقال سعيد، الذي فقد طفله في شباط/فبراير الماضي، بعد نزيف حاد تعرضت له زوجته، لـ”سوريا على طول”: “مشينا على الأقدام تحت المطر قرابة 300 متر، استغرق اجتيازها ما يقارب 45 دقيقة بسبب وعورة الأرض الطينية”.

مع ذلك، فقد اعتبر نفسه محظوظاً “لأنني تدبرت سيارة من مخيم قريب. [بينما] منذ مدة توفي رجل في المخيم، و[احتاج ذووه] 24 ساعة لتأمين جرار زراعي لنقله إلى خارج المخيم [لدفنه]”.

وبحسب إبراهيم الشمالي، مدير المكتب الإعلامي في مديرية صحة حماه (التابعة للمعارضة)، في حديث إلى “سوريا على طول”، يتواجد حالياً حوالي “85 ألف شخص بين الأشجار دون خيام [في ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي]، بينهم 9 آلاف رضيع. وقد أدى تقاسم الخيم بين النازحين القدامى والجدد إلى انتشار الأمراض أو انتقالها بالعدوى، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات في ظل غياب الخدمات الطبية”. 

عناصر الخوذ البيضاء في إحدى الأحياء المدمرة بريف إدلب، 137/2019 (AFP)

وتشهد مناطق شمال غرب سوريا، منذ نيسان/أبريل الماضي، تصعيداً عسكرياً مستمراً من قبل قوات الحكومة السورية وحلفائها الروس، أدى إلى حركة نزوح باتجاه المخيمات الحدودية بما يفوق قدرتها الاستيعابية، ما اضطر مئات العائلات النازحة إلى الانتشار بشكل عشوائي تحت أشجار الزيتون وفي البساتين الزراعية.

ووثق فريق “منسقو استجابة سوريا” نزوح 93274 عائلة، أو ما يعادل 606272 نسمة، في الفترة بين 2 شباط /فبراير و1 تموز/يوليو.

استنزاف القطاع الطبي

عندما وصل رامي سعيد وزوجته إلى المشفى، اعتقد أن الخطر قد زال عنها. لكن الطبيب طلب منه إحضار أكياس دم من مشفى آخر بسبب عدم توفره.

بدأ الكادر الطبي في كل مشفى يصله سعيد يوجهه إلى مشفى آخر لأسباب مختلفة، من قبيل عدم وجود مختصين، أو عدم توفر مخبر، أو عدم توفر أكياس لسحب الدم. وقد تنقل بين 4 مشاف قبل أن ينصحه أحد الأطباء بالذهاب إلى مشفى باب الهوى على الحدود السورية –التركية، ليضمن الحصول على الدم. 

بعد رحلة استمرت ثلاث ساعات بين المشافي، لم يتمكن سعيد من انقاذ جنينه الذي أجهض بسبب نزيف الأم.

وبحسب الشمالي “هناك حالة عجز أمام هذه الكارثة، إذ رغم وجود العديد من المشافي التي تخدم المخيمات، هناك نقص كبير بتقديم الخدمات الطبية بسبب عدد النازحين الكبير، وعدم التحرك من قبل المانحين، وعدم الاستجابة الفاعلة للمنظمات الدولية”. 

بالتزامن مع ذلك، تقوم القوات الحكومية باستهداف المنشآت والكوادر الطبية، واستنزاف ما تبقى من إمكانات. إذ بلغ عدد المرافق الطبية المستهدفة بشكل مباشر، منذ بدء الحملة العسكرية الأخيرة “نحو 35 نقطة طبية”، بحسب تصريح سابق للدكتور محمد كتوب، مدير المناصرة في الجمعية الطبية السورية-الأميركية (سامز) لـ”سوريا على طول”، في 11 تموز/يوليو الحالي.

وتحاول مديريتا صحة حماة وإدلب (التابعتين للمعارضة) ايجاد حلول ضمن الإمكانيات المتاحة لسد العجز الطبي، وتخفيف المعاناة عن النازحين. 

فقد قامت مديرية صحة حماة، في 17 تموز/ يوليو الحالي بإعادة افتتاح مشفى للنسائية والأطفال، بالإضافة إلى خمس نقاط طبية بالقرب من مخيمات النازحين. 

كما بدأ حوالي 180 من الكوادر الطبية، التابعة لمديرية صحة حماة، بالعمل في مناطق انتشار النازحين شمالاً، بعد أن تم قصف مركز المديرية عدة مرات من قبل الحكومة، بحسب ما ذكر الشمالي. 

مضيفاً أن “قلة الكوادر الطبية مشكلة كبيرة تواجهنا منذ فترة. وتفاقمت حالياً مع هجرة الأطباء الاختصاصيين باتجاه الشمال. في الأصل هناك ندرة في بعض الاختصاصات كأطباء الأطفال والنسائية، لذلك نعتمد حالياً على الطبيب العام في أغلب المراكز الطبية الموجودة ضمن المخيمات”. 

شارك هذا المقال