5 دقائق قراءة

ثورة “أونلاين”: السخرية وسيلة تجمع الموالين والمعارضين ضد نظام الأسد

حالة الاستهزاء والتهكم على الأوضاع السورية لم تعد تقتصر على المعارضين، بل انسحبت لتشمل المؤيدين للنظام ممن وقفوا معه في حربه ضد المؤامرة الكونية


1 أبريل 2021

عمان- “محتارة شو اشتري فيهم سيارة ولا بيت!”، علقت ساخرة سيرين منصور (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول” على خبر منحة نظام الأسد البالغة 50 ألف ليرة سورية (13 دولارا) للعاملين المدنيين والعسكريين، و40 ألف ليرة (10 دولارت) للمتقاعدين، في 16 آذار/مارس الماضي. معللة سخريتها كوسيلة للاعتراض على تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا، والتي صارت تلجأ إليها مؤخراً، كما أضافت، بأنه “ليس باليد حيلة. حاصرنا اليأس وكثرت الهموم، ولا نملك إلا السخرية”.

في البداية كانت منصور، 35 عاماً، والمقيمة في دمشق، تتردد في التعبير عن رأيها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خشية على نفسها من الاعتقال والمضايقة الأمنية. “الشرطي داخلي كان يمنعني من إبداء آرائي بجرأة”، على حد وصفها.

لكن الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، إلى جانب انقطاع الكهرباء معظم ساعات النهار، والوقوف الاضطراري في طوابير البنزين والخبز والسكر والأرز، وانتشار الفساد، أفقد “الشرطي” داخل السوريين سلطته، رغم تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية، واتساع رقعة الاعتقالات بحق ناشطين وحتى إعلاميين موالين للنظام.

“ثورة إلكترونية”

مع حلول الذكرى العاشرة للثورة السورية التي اندلعت في آذار/مارس 2011، لاحظ الصحفي المعارض المقيم في مناطق سيطرة النظام أحمد علي (اسم مستعار)، 40 عاما، أن “حالة الاستهزاء والتهكم على الأوضاع السورية لم تعد تقتصر على المعارضين، بل انسحبت لتشمل المؤيدين للنظام ممن وقفوا معه في حربه ضد المؤامرة الكونية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، معللاً ذلك بأن هؤلاء المؤيدين “تفاجأوا بانتصاره عليهم قبل أن ينتصر على المؤامرات”.

ففي كانون الثاني/يناير 2020، أصدر بشار الأسد مرسومين يجرمان التعامل بالدولار، فأطلق سوريون حملة ساخرة تحت وسم “الشوئسمو” للدلالة على الدولار. فيما رد ناشطون موالون بحملة مضادة عنوانها “ليرتنا عزتنا“، لتتحول هي ذاتها إلى مادة للتندر على صفحات الفضاء الإلكتروني.

كذلك، أثار تحدي “أسبوع بلا سكر” الذي أطلقته وزارة الصحة بحكومة دمشق الشهر الماضي، “تحديات” ساخرة موازية تضمنتها التعليقات على صفحة الوزارة الإلكترونية، من قبيل “أسبوع بلا أكل”، و”أسبوع بلا مازوت”، و”صوموا تصحوا”.

وحتى صفحات رسمية من قبيل رئاسة الجمهورية السورية تُظهر ارتفاعاً غير مسبوق في مستوى جرأة التعليقات الناقدة لتصريحات الحكومة ومراسيم الأسد، على حساب تعليقات الشكر والثناء “للسيد الرئيس”، على سبيل المثال: طالب مواطنون تخفيض الأسعار ومحاربة الفساد بدلاً من المنحة، إذ بحسب أحد المعلقين “بتعطونا 50 ألف لشهر واحد، وتدفعونا مقابلها 500 ألف كل شهر”.

ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، لجأ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إنشاء صفحات عامة كوميدية تتناول بطريقة مواربة أغلب القرارات الصادرة عن نظام الأسد وحكومته، عبر الرمز والصورة المستعارة من اﻵخرين. من ذلك مثلاً صفحة “الثورة الصينية ضد طاغية الصين” على موقع “فيسبوك”، وصفحة “بشار الأسد” على موقع “تويتر”. هذا بالإضافة إلى مجموعات مغلقة يبث عبرها السوريون همومهم وشكواهم، مثل مجموعة “مواطنون مع وقف التنفيذ“. ولتغدو هذه الظاهرة بمثابة “ثورة إلكترونية” موازية للثورة على الأرض.

ووفقا لعلي، فإن “وصول البلاد إلى أوضاع كارثية، وارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات قياسية، وانهيار الاقتصاد والعملة السورية، وازدهار المافيات وشركاء النظام، دفع السوريين إلى الالتفاف على الانتقادات المباشرة واللجوء لأساليب التورية والتشبيه والاستهزاء. وقد تحولت صفحات التواصل الاجتماعي إلى منبر ومحجّ للسوريين الغاضبين والمقهورين، للتنفيس عن مكنوناتهم بطريقة النكتة، احتجاجاً على الأوضاع، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام”. مضيفاً أن “السوريين الذين خسروا كل شيء ولم يعد لديهم ما يخسرونه، يواصلون نزالهم ضد قرارات الإفقار والتضييق وخنق النفس الأخير، بمنشورات تظهر مقدار حبهم للحياة وإبداعهم، بمواجهة المآسي بالطرفة المضحكة واللاذعة في آن معاً”.

شعور الشعب السوري وكأنه خسر كل شيء أكدت عليه الأخصائية النفسية السورية المقيمة في عمّان، سماح سليم. إذ إن “المساس بالحاجات الأساسية للمواطن السوري، وتهديد أمنه وبيته، وعجزه عن تأمين طعامه وشرابه، واستمرار هذه التهديدات والضغوطات لفترات زمنية طويلة، دفعه للبحث عن وسائل ينفس بها عن غضبه ومخاوفه”، كما أوضحت في حديث لـ”سوريا على طول”.

هامش متقلص محسوب

في محافظة اللاذقية الساحلية، يتابع سامر سامي (اسم مستعار) تفاعل السوريين مع القرارات الصادرة عن نظام الأسد والذي يُظهر قناعة بأن “أغلب القرارات اعتباطية ومجتزأة، وبعيدة عن الواقع السوري الحالي الذي لا يحتاج إلى شرح أو توصيف”، كما قال لـ”سوريا على طول”،.

واستشهد سامي بقرار “منحة” النظام للعاملين في الدولة الشهر الماضي، والذي تحوّل إلى “ترند” حقيقي “بعد أن بدأ المواطنون بعدّ عبوات الزيت النباتي التي يمكن شراؤها بقيمتها. فالغالبية لم تكن منحتهم إلا خمس عبوات زيت أو 400 ربطة فجل، وغيرها من القياسات السورية المدهشة في حيويتها وقدرتها على الحياة وخلق النكتة من أصعب المواقف”.

وذهب سامي إلى الاعتقاد بأن اللجوء إلى السخرية جاء للرد على “فلسفة النظام السياسي السوري البعثي الذي يحمل طابع الكآبة والسوداوية منذ عقود ويعتبر أن الضحك مُذهب للهيبة، على عكس الروح السورية خفيفة الظل”.

“لكن هذا المنبر الوحيد المتاح أمام السوريين للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم”، وهو مواقع التواصل الاجتماعي، “بدأ يضيق هو الآخر”، كما لفت علي. إذ إن “النظام الذي فعّل قانون الجرائم الالكترونية، بات يلاحق اليوم كل من يكتب منشوراً على فيسبوك يخالف قوانين [النظام] بتهمة التحريض ووهن نفسية الأمة“. مستدركاً بأن السوريين يبدعون “في جلساتهم المغلقة بما هو أظرف وأكثر سخرية، كأنهم  كسروا حاجز الخوف والصمت إلى غير رجعة”.

لكن الخبيرة سليم رأت أن “نظام الأسد وسلطاته يسمحون للسوريين بتفريغ غضبهم على منصات التواصل الاجتماعي، والحديث عن الإطار العام للفساد والغلاء لإضفاء صبغة حرية التعبير عن الرأي في الداخل، وحصر مساحة النقد واللوم في الحدود الدنيا وتوجيهه للحالة المعيشية، من دون المساس بشخص بشار الأسد”. 

وكان رئيس فرع الجرائم المعلوماتية التابعة لوزارة الداخلية، لؤي شاليش، دعا في مقابلة مع صحيفة “الوطن” الموالية في كانون الثاني/يناير الماضي، إلى التحدث عن الفساد وانتقاد الإطار العام، غير أنه حذر من “الإساءة لشخص محدد بذاته”.

مع ذلك فإنه “إذا استمرت محاصرة السوريين بقرارات لا تنعكس على واقعهم ومعيشتهم إيجابياً من ناحية، وبالسجون والزنازين للمتمردين على مساحة الحرية المرسومة لهم من ناحية أخرى”، توقعت سليم “تزايد ردات الفعل وبطرق مختلفة، لا سيما في ظل ارتفاع عدد حالات الانتحار، وجرائم القتل الوحشية، إلى جانب بوادر غياب الحسّ الإنساني والتعاطف مع الآخر”.

شارك هذا المقال