4 دقائق قراءة

جدل وقلق يثيرهما إعادة توطين إعلاميين من شمال غرب سوريا

اعتبر الإعلامي أحمد السويد أن "الثورة فكرة، ويجب علينا مثلما بدأناها وآمنّا بها معا، أن نكملها حتى إسقاط النظام. فنحن لم نثر ضد بشار الأسد كي نهجّر من بلادنا ونعيش في نعيم أوروبا".


13 ديسمبر 2020

عمان – في أحد فنادق اسطنبول التي وصلها قادماً من إدلب في السابع من كانون الأول/ديسمبر الحالي، ينتظر الإعلامي السوري مناف حشاش إجراء مقابلة في القنصلية الألمانية هناك، بعد الموافقة على ملف إعادة التوطين الذي تقدم به وأسرته.

ورغم قبول ألمانيا طلبات اثني عشر إعلامياً وإعلامية يقيمون في إدلب، فإن عدد من وصل منهم إلى تركيا رفقة حشاش بلغ سبعاً فقط، كما ذكر لـ”سوريا على طول”، هم عبد الرزاق صبيح، وعلاء فطراوي، وبراء الرزوق، وعبيدة الفاضل، وقصي الخطيب، ورنا ملحم، ولمى السعود. فيما تم “تأجيل سفر ثلاثة من المقبولين، واعتذر أحدهم عن السفر”.

وكان حشاش قد تقدم بطلبه إعادة التوطين في أيلول/سبتمبر 2019، عبر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومقره فرنسا. وبحسب مسؤولة قسم الدعم في المركز، إباء منذر، أطلق المركز “منذ العام 2017 بالتعاون مع أكثر من عشر منظمات دولية معنية بدعم الإعلاميين حول العالم، برنامج  البيت الصحفي باعتباره مظلة دعم من أجل مساندة الإعلاميين السوريين والتحرك عند وجود أي طارئ يواجههم ضمن الإمكانات المتاحة”. 

وقد جاء تحرك المركز باتجاه إعادة توطين إعلاميين من شمال غرب سوريا، كما أوضحت منذر، منذ بدء القوات الحكومية وحلفائها الحملة العسكرية على ريف ادلب الجنوبي في نيسان/أبريل 2019، تحسباً لتقدم تلك القوات. إذ تم وضع قائمة أولية تضم أسماء أكثر من 470 إعلامي وإعلامية، ومن ثم مشاركتها بالتنسيق مع منظمة مراسلون بلا حدود مع دول أبدت اهتمامها بإعادة التوطين. معللة في الوقت نفسه التفاوت بين عدد المقبولين وأولئك المتقدمين، بـ”الوضع الصحي العالمي الذي تسببت به جائحة كورونا، والمشكلات اللوجستية المتعلقة بالعبور، علاوة عن ضعف الاهتمام الدولي بالملف والحالة السورية عامة”. مشيرة في هذا السياق إلى أنه “لا يتم قبول كل الإعلاميين الذين يتقدمون بملفات إعادة التوطين. فلكل دولة معاييرها في اختيار الحالات التي توافق على قبولها، وليس لنا حرية اختيار الحالات”. وأن المركز حاول بالتعاون مع منظمة مراسلون عبر الحدود “الضغط على الدول المستضيفة للاجئين لقبول عدد أكبر من الحالات، لكن لم نتلق أجوبة إيجابيّة للأسف”.

جدل عام وخاص 

فيما يعد قبول طلبات إعادة توطين إعلاميين عبر “البيت الصحفي” من إدلب سابقة على مستوى المحافظة، إلا أنها المرة الثانية للمركز السوري لحرية الإعلام والتعبير على مستوى سوريا ككل. ففي 31 تموز/يوليو العام 2018، تم العمل “على إعادة توطين 65 إعلامياً مهجّراً قسرا من جنوب سوريا”، وفقاً لمنذر، “تم قبول استضافة 31 منهم في كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا”.

ورغم أن السوريين في مناطق النزاع بمختلف فئاتهم “في خطر شديد”، تفسر منذر استهداف المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بمساعدته فئة الإعلاميين (كما نشطاء حقوق الإنسان) في أن “الصحفي الذي يساهم في نقل وتغطية الأحداث والانتهاكات سيكون معرضا للتهديد بصورة مباشرة بسبب عمله الإعلامي”. مضيفة أن “ظهور الصحافيين بأسمائهم الصريحة ووجوههم في المساحات الإعلاميّة المختلفة سوف يجعلهم هدفاً مباشراً للأطراف المتصارعة، خاصة في سوريا التي تعد أحد أكثر البلدان  خطراً في العالم على العاملين في المجال الإعلامي”.

وشهدت مناطق المعارضة المدعومة من تركيا في ريف حلب الشمالي، أمس السبت، مقتل الإعلامي حسين خطاب إثر اغتياله في مدينة الباب، على يد مجهولين، وكان خطاب قد تعرض لعدة محاولات اغتيال آخرها في أيلول/سبتمبر الماضي.

يضاف إلى ذلك محدودية الإمكانات. إذ “لا توجد مؤسسة تستطيع مساندة كل من هو بحاجة للمساندة، خاصة في خضم مأساة إنسانيّة مثل التي تشهدها البلاد منذ سنوات”، بحسب المنذر، و”حتى الأمم المتحدة أعلنت عجزها في بعض الأماكن والأوقات عن تغطية الاحتياجات الإنسانيّة كافّة. 

وإضافة إلى الجدل بشأن “الإعلاميين دون غيرهم”، أثار قبول طلبات إعادة التوطين جدلاً آخر بين الإعلاميين أنفسهم. إذ اعتبر الإعلامي أحمد السويد، المقيم في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، أن “الثورة فكرة، ويجب علينا مثلما بدأناها وآمنّا بها معا، أن نكملها حتى إسقاط النظام. فنحن لم نثر ضد بشار الأسد كي نهجّر من بلادنا ونعيش في نعيم أوروبا”. مؤكداً لـ”سوريا على طول” أنه حتى إن سنحت له الفرصة بالهجرة فإنه لن يغادر “وأخذل شهداء إدلب الذين ماتوا دفاعا عنا وعنها”.

في المقابل رأى الإعلامي منذر الشحود، من مدينة إدلب، أن “الإعلاميين مثلهم مثل أي مدني آخر في إدلب، ضحّوا بحياتهم أثناء تغطيتهم لجرائم الأسد، وخسروا أفراداً من عائلاتهم في قصف قوات النظام والروس”، وهو ما لا يبرر مهاجمتهم بعد قبولهم المغادرة، كما قال لـ”سوريا على طول، “فمن منا لا يتمنى الخروج من إدلب إلى واقع معيشي أفضل”. مستدركاً بأن “هذا ليس أقصى أمانينا، إذ إن القضاء على بشار الأسد و إبقاءنا على أرضنا هو الحلم المنشود”.

إشارة إلى مأساة قادمة؟

بعد مغادرته مدينة إدلب، وصف حشاش مشاعره بـ”المتخبطة بين حزن وفرح”. إذ هناك “فرح الخلاص من العيش في أكثر بقاع الأرض بؤساً بسبب حقد النظام السوري عليها”، يقابله “حزن على مغادرة أهلنا وأرضنا التي كان لنا شرف التغطية [الإعلامية] للمجازر التي ارتكبها النظام السوري وروسيا بحق أهلها ومنازلها”. مضيفاً: “كانت لحظات الوداع صعبة ومرهقة جداً. كم تمنيت لو أخرجت معي كل من في إدلب”.

وهو ما قد يوحي، كما قال  خالد الحمصي (اسم مستعار)، المهجر إلى إدلب من مدينة حمص، بتخلي المجتمع الدولي عن حماية آخر معاقل المعارضة شمال غرب سوريا. إذ إن “إعادة توطين فئة الإعلاميين من قبل المجتمع الدولي، يشير إلى أنهم يحاولون إيصال رسالة لنا مفادها أن لا داع لوجود أناس ينقلون مأساتكم”، كما أوضح الحمصي، و”كأنهم يخبروننا أنه لن تكون هناك حلول دولية جذرية لمعاناتكم، فإما البقاء في إدلب أو الهجرة أو العودة للعيش في كنف الطاغية”. 

لكن رغم أن “عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل للنزاع في سوريا أصبح أمرا يقينا”، كما قالت منذر، فإنها ترفض في الوقت ذاته “ربط قبول إعادة توطين إعلاميي إدلب بيأس المجتمع الدولي من تقديم حلول لفض النزاع في سوريا”، بل تمثل “استضافة الإعلاميين في تلك الدول جزءاً من التزامات دوليّة تجاه اللاجئين السوريين، أو هذا ما نأمله على الأقل”، كما أضافت.

وبالنسبة للحمصي، فهو لا يريد من المجتمع الدولي “أن تعطونا حق اللجوء في بلادكم. بل حقنا عليكم أن تعيدونا إلى ديارنا التي هجّرنا منها بشار الأسد، بعد تسليمه وأجهزته الأمنية لقضاء عادل”.

شارك هذا المقال