4 دقائق قراءة

جراح في الغوطة الشرقية: قد يكون الطفل الذي ستنقذه أو تسعفه طفلك

يجد أحمد أبو حمزة، وهو جراح يعمل في الغوطة الشرقية، […]


23 فبراير 2018

يجد أحمد أبو حمزة، وهو جراح يعمل في الغوطة الشرقية، صعوبة في التركيز أثناء عمله في غرفة العمليات.

ترتعش يدا أبو حمزة، وهو يسمع أصوات الضربات الجوية والقصف المدفعي الذي يشنه النظام خارج مشفاه في الغوطة المحاصرة، ويتصور حدوث الأسوأ: كأن تصاب والدته، والده المريض، طفليه، وزوجته، فيراهم أمامه ممددين على سرير غرفة العمليات.

ويتخيل عشرات الجرحى ممن سيعالجهم في الساعات القادمة، والآخرين العالقين تحت أنقاض منازلهم، والذين لن يتمكنوا من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب لإجراء جراحة تنقذ حياتهم.

يقول أبو حمزة لمراسل سوريا على طول عمار حمو، من المستشفى الذي يعمل فيه بمدينة سقبا في الغوطة الشرقية “ينبغي أن تكون بكامل قواك وتركيزك”.

وقتل ما لا يقل عن ٢٠٠ رجل وامرأة وطفل في الغوطة الشرقية، الخاضعة لسيطرة المعارضة، في دمشق خلال الأيام الأربعة الماضية فقط، حيث شنت القوات الموالية للنظام غارات جوية وقصفاً مدفعياً على المعقل الرئيسي الأخير للمعارضة بالقرب من العاصمة دمشق، وتعد هذه الهجمات الأكثر دموية منذ بدء حصار النظام للغوطة الشرقية في عام ٢٠١٣.

مستشفى في دوما يوم الثلاثاء. تصوير: مستشفى ريف دمشق التخصصي.

وأفادت الجمعية الطبية السورية يوم الخميس أن ٢٤ هجمة تقريباً تسببت بأضرار أو دمرت مستشفيات وعيادات الغوطة الشرقية، هذا الأسبوع.

وفي الوقت الذي تستمر فيه الهجمات على الغوطة، يتدفق مئات الجرحى إلى المستشفيات والعيادات المتضررة، والتي تعاني مسبقاً من قلة الإمدادات، جراء سنوات من الحصار.

أما تدفق المصابين فيعني أن أبو حمزة سيواصل عمله داخل المستشفى دون توقف، كطبيب ميداني على خط المواجهة في معركة ليس له يد فيها، حيث يقول إنه لم يغادر المستشفى، خلال الأيام الثلاثة الماضية، حتى بعد قصف يوم الأربعاء الذي استهدف المبنى حيث يعمل، مما أدى إلى إصابته وزميله بجروح طفيفة.

وفي وسط ما يجري، تتوارد الصور إلى مخيلته بأن قد تكون “المرأة التي أحضروها ملفوفة بغطاء هي زوجتك، أو المسنة هي أمك”.

” شعور صعب، عندما تتخيل بكل لحظة أو ضربة أن الطفل الذي ستنقذه أو تسعفه سيكون طفلك”.

كيف تتعاملون مع ضغط العمل في الوقت الذي خرجت فيه الكثير من المستشفيات في الغوطة الشرقية عن الخدمة؟

بالنسبة لي أنا كطبيب أمضيت حتى الآن ٧٢ ساعة في المشفى دون مغادرتها أنا وزملائي، حتى الكوادر الطبية، ونعاني من مشكلة عدم القدرة على تأمين طعام للكوادر الطبية، لأن المحلات والأسواق مغلقة.

نتناول الحد الأدنى من الطعام، والبعض منا لم ير عائلته منذ ثلاث أيام.

السبل الوقائية التي نتبعها لنبقى آمنين هو أن نعمل في الطوابق السفلية، لا يمكننا التنقل كثيراً،  كما أنه

لا يمكننا أن نصرح لأي جهة إعلامية أن المركز الذي تعرض للقصف استأنف عمله خشية أن يستهدف مرة ثانية، وهو أمر حساس للغاية.

هل تعرض المستشفى التي تعمل بها للقصف هذا الأسبوع؟

المستشفى التي أعمل بها خرجت عن الخدمة قبل يومين بسبب القصف، وأجرينا ترميمات سريعة وبسيطة ومن ثم استأنفنا العمل، ولكن يوم الأربعاء عند الساعة ٢ ظهراً، تعرض المشفى للقصف مرة أخرى، وخرج عن الخدمة بشكل كامل.

تم تحويل المرضى والجرحى إلى المشافي الأخرى، والحمد لله لم يكن هناك إصابات خطيرة، كان لدي إصابة طفيفة بيدي، وأحد الكوادر جرح بجبينه فقط.

مستشفى في الغوطة الشرقية بعد تعرضه للقصف هذا الأسبوع. تصوير: الجمعية الطبية الأمريكية السورية.

أنا الآن موجود بالمشفى، المشفى غير صالح بأي شكل من الأشكال للجرحى لكننا مضطرون، النظام قطع أوصال الغوطة كاملة، اليوم وصلتنا حالات كان يتوجب علينا نقلها إلى مشافي أخرى، لكننا لم نتمكن من ذلك لأن تلك المشافي تم استهدافها أيضاً.

ما هو الأثر النفسي لما يحدث في الغوطة عليك؟  كطبيب، أب، زوج وابن؟

نحن بصراحة نعاني من أزمة شديدة…  وفوق كل هذا العناء والجرحى والأشلاء المقطعة، ليس بمقدورنا رؤية  أهلنا ولا يمكننا التواصل معهم لأنهم يختبئون في الأقبية ولايوجد تغطية هناك.

وأنت تعالج الناس تفكر هل أهلي بخطر أم لا؟ إنه شعور صعب جداً، أنت تعالج الجرحى ولا تعلم ماذا حل بوالدتك ووالدك وأولادك وزوجتك…  تسمع وأنت تعمل أن البلدة الفلانية قصفت وأهلك هناك إنه شعور لا يوصف.

أحياناً تكون في غرفة العمليات، تجري عملية جراحية، تسمع أن ضربة وقعت بالحارة الفلانية أو القصف استهدف الحارة، والناس تحت الركام، تبدأ بالتفكير بهؤلاء الناس، وتتخيل صور الأطفال والنساء.

خلال سماعك لهذه الأخبار وما يدور بمخيلتك، تشعر وكأن المشرط الجراحي سيفلت من يديك، ويداك ترتجفان وأنت تعمل… أحياناً تشعر بدوار من كثرة التفكير والضغط أثناء العمليات، رغم أنه طبياً ينبغي أن تكون بكامل قواك وتركيزك.

هل تواصلت هذا الأسبوع مع عائلتك؟

أرسلت لوالدتي تسجيل صوتي، وهي ببلدة قريبة مني لا تبعد سوى حوالي كيلو متر واحد، لكن ليس بمقدوري رؤيتها، والله لولا أنني لا أريد أن أشعرها أنني بخطر  لكنت بكيت أثناء إرسال التسجيل لها.

أبي مريض يعاني من احتشاء دماغي، لم أتمكن من تأمين أدويته مع أنني طبيب… الشعور صعب عندما يكون والدك مريض وأنت طبيب وعاجز عن رؤيته أو علاجه.

البارحة رأيت ابنتي في منامي… هذا ما أعاني منه.  

شعور صعب، عندما تتخيل بكل لحظة أو ضربة أن الطفل الذي ستنقذه أو تسعفه سيكون طفلك ابنتك أو ابنك، أو المرأة التي أحضروها ملفوفة بغطاء هي زوجتك، أو المسنة هي أمك، أو أبوك أو خالك أو عمك… نحن نعاني نفسياً بشكل لا يوصف.

عائلتي تتواصل عبر مجموعات عالواتساب… نخرج من غرفة العمليات للطوابق العلوية نشبك الانترنت ونحاول التواصل معهم.

كيفكن؟ انتوا بخير؟ كل واحد المهم يكتب كلمة أنه عايش…

 

شارك فيه: أماني الخالدي

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال