5 دقائق قراءة

“جود”: مؤتمر المعارضة “الداخلية” الذي يسعى النظام إلى قتله قبل الولادة

على الرغم من المخاطر الأمنية المتوقعة، كردة فعل من قبل النظام على عقد المؤتمر، أصرت اللجنة التحضيرية على انعقاده في العاصمة دمشق، إذ إن الأمر متعلق بأن يكون القرار وطنياً


28 مارس 2021

عمان- منع نظام دمشق مجموعة من التشكيلات السياسية المعارضة، على رأسها “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي”، من عقد مؤتمر كان مزمعاً عقده يوم أمس السبت في العاصمة دمشق، للإعلان عن تحالف سياسي جديد يحمل اسم “الجبهة الوطنية الديموقراطية” (جود) أو “القطب الديموقراطي”.

وقال المنسق العام لـ”هيئة التنسيق”، حسن عبد العظيم، في تصريح لموقع “روسيا اليوم”، إن اللجنة التحضيرية للمؤتمر تلقت في ساعة متأخرة من مساء الجمعة الماضي، إبلاغاً من السلطات السورية بأن عقد المؤتمر ممنوع قبل تقديم طلب إلى وزير الداخلية.

وأضاف: “لم تكتفِ بالتبليغ، بل إنها أرسلت أفرادا من أمن الدولة والجنائية [الأمن الجنائي] والشرطة وتوزعوا أمام البناء الذي كان سيتم فيه عقد المؤتمر، ومنعوا الخروج والدخول، كما منعوا وسائل الإعلام، والصحفيين، من تغطية ما يجري”. وبناء على ذلك، قررت اللجنة التحضيرية للمؤتمر تأجيله، بحسب عبد العظيم.

مع ذلك، فإن أحمد العسراوي، عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية، والأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، اعتبر في حديث لـ”سوريا على طول” أن “رسالة المؤتمر وصلت إلى كل العالم، والنظام بمنعه المؤتمر خدمنا أكثر مما خدم نفسه”.

ما هي “جود”؟

في 7 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نشرت اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الديموقراطية، على صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، مشروع رؤيتها السياسية كجزء من الوثائق المعدة للتقديم إلى المؤتمر التأسيسي للتحالف.

وجاء في المشروع أن “التأسيس لبناء جبهة وطنية ديموقراطية سوريّة عريضة، بدءاً بعقد مؤتمرها التأسيسي، يمثل اليوم ضرورة ملحة، لإنجاح مسار الحل السياسي الوطني للأزمة السورية وفق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية ذات الصِّلة”. وقد اعتمدت “جود” في مشروع رؤيتها السياسية، على بيان جنيف1 للعام 2012، وقرار مجلس الأمن 2254 للعام 2015.

كذلك، طالبت “جود” بـ”إنهاء نظام الاستبداد القائم بكل رموزه ومرتكزاته، والمساهمة بإنجاز التغيير والتحوّل الديموقراطي، وبناء الدولة الديموقراطية الحديثة”، مع التمسك بتشكيل “هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات” بموجب بيان جنيف للعام 2012 والقرارات الدولية ذات الصلة. وهو ما يعد سقفاً مرتفعاً للمطالب، لاسيما مع الأخذ بالاعتبار مكان انعقاد المؤتمر؛ العاصمة دمشق، مع انعدام مثل هذه الأنشطة السياسية في سوريا منذ عهد الأسد الأب.

وتتكون اللجنة التحضيرية لـ”جود” من مجموعة من القوى السياسية، أبرزها: هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي بمكوناتها كافة، وحزب التضامن السوري، والحركة التركمانية، والمبادرة الوطنية في السويداء، والحزب التقدمي الكردي، وتيار بدنا وطن، ورابطة الشيوعيين في السويداء، وتيار مواطنة، وحزب الوحدة الكردي “يكيتي”. إضافة إلى مستقلين وقوى سياسية أخرى موجودين خارج سوريا.

وتضم هيئة “التنسيق الوطنية”، التي أعلن عن تأسيسها في حزيران/يونيو 2011، وتمثل إحدى أكبر القوى السياسية في اللجنة التحضيرية لـ”جود”، كلاً من: حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وحزب البعث الديموقراطي العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، وحزب العمل الشيوعي السوري، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحركة الاشتراكيين العرب، وحزب الاتحاد السرياني، والحزب الديمقراطي الكردي السوري، والجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية.

وتعود فكرة “جود” إلى قرابة العامين، حينما بدأ القائمون على المشروع في حزيران/ يونيو 2019 العمل عليه تحت المسمى الحالي “الجبهة الوطنية الديموقراطية”، بحسب ما أوضح العسراوي.

العلاقة بين معارضة الخارج والداخل

قُسمت المعارضة السوري، بحسب مكان وجودها وعملها، إلى ما يعرف بـ”معارضة الخارج” و”معارضة الداخل” التي أطلق عليها بشار الأسد يوماً “المعارضة الوطنية”. على الرغم من ذلك، تتشارك “المعارضتان” المقاعد في مؤسسات أبرزها هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وبحسب د. إبراهيم الجباوي، العضو المستقل في اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي لـ”جود”، والمقيم في العاصمة الأردنية عمّان، فإن “الجبهة ليست بديلاً عن أي كيان سياسي معارض آخر، [بل] مكملة لكل الكيانات السياسية الأخرى، لاسيما الائتلاف وهيئة التفاوض السورية، وكلنا سوريون نطالب بالحرية والكرامة، ونحاول إيجاد حل للمأزق الذي وضعنا به نظام بشار الأسد”.

وكانت الجبهة، كما أضاف الجباوي لـ”سوريا على طول”، قد دعت “الكثير من التكتلات والأحزاب والتيارات السياسية للمشاركة في المؤتمر، وهناك من لبى الدعوة، وهناك من لم يلب، لكن مع ذلك العلاقة جيدة والتنسيق جيد”. مبيناً أن “بعض الأحزاب والتكتلات ارتأى أن مكان انعقاد المؤتمر هو السبب، والبعض على ما يبدو يريد سقفاً عالياً في المطالبات والرؤى السياسية. وكذلك لأسباب خاصة بهم اعتذروا”.

في السياق ذاته، أكد العسراوي أنه “لا يوجد قوى رفضت مشروعنا، إنما هناك خوف لأسباب مبررة أو غير مبررة”. موضحاً أن “هناك من اعترض على انعقاد المؤتمر في دمشق خوفاً على أمنه الشخصي، وهم من سنحاورهم لاحقاً”. كذلك فإن “إمكانية دخول الأخوة المعارضين من الخارج إلى دمشق للمشاركة كانت سبباً لاعتراض البعض، لأن دمشق ليست آمنة لنا حتى تكون آمنة لهم”. وهو ما دفع العديد من أعضاء الجبهة والأشخاص الذين يرغبون في حضور المؤتمر إلى إعلان نيتهم الحضور عبر الإنترنت.

أما عن عدم دعوة الائتلاف السوري المعارض إلى المؤتمر الأخير، فعلل العسراوي ذلك “بوجود مجموعة من الخلافات والعقبات التي تسعى “الجبهة” لتذليلها”. مضيفاً أنه “حينما نتمكن من عقد مؤتمر الجبهة، سنتحاور مع الائتلاف ومع غيره، وقد بذلنا الكثير من الجهود لمحاولة تقريب المواقف بين هيئة التنسيق الوطنية والائتلاف”. 

وأكد العسراوي أن الخلافات “لا تفرض علينا القطيعة، على العكس تفرض أن نعمل نحن والائتلاف مع بعضنا، والواقع يفرض علينا موضوعياً أن نتحاور مع الجميع ولا نستثني أحداً أياً كان موقفنا”.

لماذا دمشق؟

على الرغم من المخاطر الأمنية المتوقعة، كردة فعل من قبل النظام على عقد المؤتمر، أصرت اللجنة التحضيرية على انعقاده في العاصمة دمشق، بحسب الجباوي. مشيراً إلى أن الأمر “متعلق بأن يكون القرار وطنياً، ليس أكثر، ولن نقبل أي رعاية دولية أو حماية دولية، كما لم نستأذن النظام أساساً”.

مضيفاً أنه “اخترنا دمشق لأنها لنا، وليست لآل الأسد. دمشق للسوريين لذا يجب أن يكون القرار وطنياً خالصاً من دمشق حتى نبين للعالم أننا نعارض من قلب النظام وهو الذي لا يقبل أي معارضة، ويرفض أن يقول له أحد لا”.

ومنذ أيلول/ سبتمبر 2012، حينما عقدت “هيئة التنسيق” مؤتمراً عرف بـ”مؤتمر الانقاذ الوطني”، لم تشهد سوريا مؤتمراً للمعارضة. علماً أن قوات النظام اعتقلت عضوا الهيئة عبد العزيز الخير وإياس عبد الغني عياش عقب عودتهما من زيارة إلى الصين قبل ثلاثة أيام من انعقاد المؤتمر في 23 أيلول/ سبتمبر 2012، على الرغم من تعهد روسيا والصين وإيران بسلامة الأعضاء. ولا يزال مصير الخير وعياش، إضافة إلى ماهر عبد الرزاق الطحان الذي كان في استقبالهما بمطار دمشق، مجهولاً حتى اليوم. 

وقال الجباوي: “نحن نتوقع إن لم يكن اليوم أو غداً فإنه في الأيام المقبلة، سيقوم النظام بحملات اعتقال ضد من خطط لهذا المؤتمر؛ فالنظام قد لا يبدي أي انفعال خلال فترة التحضير لانعقاد المؤتمر، وهو يتمهل قليلاً ثم ينقض على المعارضين وينكل بهم”. مضيفاً: “نأمل أن لا يحدث ذلك، فهؤلاء رفاقنا وزملاءنا في الداخل، وهم أمانة لدى الجميع، نسأل الله أن لا يصيبهم ضرر”.

كذلك، لم يخفِ العسراوي الخشية من حدوث اعتقالات في صفوف المؤتمرين، موضحاً: “كنا نتوقع حدوث اعتقالات حتى قبل أن يمنع النظام انعقاد المؤتمر”.

ما هي البدائل؟

مع إفشال النظام انعقاد مؤتمر “جود” في العاصمة دمشق، فإن “اللجنة التحضيرية ما زالت في حالة اجتماع لأجل تقرير البدائل”، بحسب الجباوي، و”ندرس أفضلها وأنجعها لنخرج بالقرار الصائب”.

فيما شدد العسراوي على أن “مشروع عقد المؤتمر هو قرار سياسي لن نتراجع عنه مهما تحملنا من تضحيات، لاسيما نحن الموجودين داخل سوريا”. مضيفاً: “نهدف إلى مسألتين: الأولى، تجميع هذا الكم من التيارات السياسية التي توافق على الوثيقة لتكون مشروعاً أوسع يطرح على كافة القوى التي لم نستطع الوصول إليها حتى الآن”. أما الثانية فهي بحسب العسراوي “إطلاق المؤتمر من داخل دمشق”، والتي تشكل واحدة من احتمالات عدة وأساسية للجبهة. 

وأضاف “لدينا عدة احتمالات والأساسي منها هو أن نعيد التجربة مرة أخرى، أي أن يتم اطلاق المشروع من دمشق، لكون ذلك يعطينا فرصة أو نسبة عالية لنجاحه”.

واعتبر العسراوي أن “محاولة التفكير أن يعقد المؤتمر من خارج سوريا، يعني أن موقفه الوطني سيكون أقل، لأنه لن يكون قرارنا وطنياً مستقلاً، كما نتصرف الآن”، مضيفاً أن “البعض يعتقد أن عقد المؤتمر تحت سيطرة النظام يعني أن سقفنا سيكون منخفضاً، لكن ذلك غير صحيح، فكل ما طرح في وثيقتنا يطالب بسقف الثورة، وهو تحقيق مطالبها المحقة باستعادة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بالتغيير الوطني الديمقراطي والانتقال السياسي، وبتغيير بنية النظام بكافة رموزه ومرتكزاته”.

شارك هذا المقال