5 دقائق قراءة

حصيلة خمسة أعوام من “السلام الروسي” في سوريا

باستثناء تمكين الأسد والمليشيات المدافعة عنه من السيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية، لم يعن التدخل العسكري الروسي إلا مفاقمة المأساة السورية


1 أكتوبر 2020

عمّان – بحلول اليوم، تكتمل خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، بذريعة إحلال “السلام” الذي يتخذ غالباً مسمى حماية الدولة السورية التي كان حافظ الأسد قد ألحقها بعائلته باعتبارها “سوريا الأسد”، ثم مزقها وريثه بشار بآلة حربه التي لم تكفه، فأضاف إليها مليشيات طائفية إيرانية أساساً. 

لكن باستثناء تمكين الأسد والمليشيات المدافعة عنه من السيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية، لم يعن التدخل العسكري الروسي إلا مفاقمة المأساة السورية؛ بحيث لا تقتصر على المناطق الخاضعة للمعارضة السورية أو كانت خاضعة لها، بل يزداد تدهوراً الوضع الإنساني وحتى الأمني، ضمن مؤشرات أخرى، حتى في المحافظات التي تعد معاقل النظام وحاضنته الاجتماعية.

تغير الخريطة العسكرية

شكل التدخل العسكري الروسي المباشر، كما هو معروف، نقطة تحول في الصراع في سوريا، إذ ارتفعت نسبة سيطرة نظام الأسد الجغرافية من حدود 25% من الأرض السورية عشية تدخل روسيا إلى جانبه في أيلول/سبتمبر 2015، إلى ما يقدر بحوالي 63.38% من سوريا حالياً.

وقد جاء ذلك بفعل تولي الروس، منذ تدخلهم، زمام العمليات العسكرية، ولربما أهم من ذلك انتهاج سياسة “الأرض المحروقة” ضد مناطق المعارضة السورية، وصولاً إلى استخدام الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار أو “خفض التصعيد” لقضم مناطق المعارضة تدريجياً.

ففي أيار/مايو 2017، توصلت روسيا وإيران وتركيا، في مباحثات أستانة، إلى إنشاء ثلاث مما يسمى “مناطق خفض التصعيد”، هي: إدلب، وريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية بريف دمشق، بينما تم إنشاء منطقة خفض تصعيد رابعة في جنوب سوريا، في تموز/يوليو من العام ذاته، بموجب اتفاق روسي-أميركي.

لكن، سرعان ما بدأ الروس بقضم مناطق خفض التصعيد تدريجياً، وبحلول تموز/يوليو 2018، أصبحت ثلاث من مناطق خفض التصعيد الأربعة تحت سيطرة دمشق، بينما تكافح منطقة إدلب، بدعم تركي، لأجل البقاء، مع قضم الروس وقوات النظام أجزاء كبيرة منها.

ملف المعتقلين

منذ اليوم للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في آذار/مارس 2011 من محافظة درعا تحديداً، استخدم النظام السوري “الاختفاء القسري” و”الاعتقال” سلاحاً لقمع معارضيه وإسكات صوتهم. وفي عام التدخل الروسي المباشر، 2015، كان قد بلغ مجموع عدد المعتقلين لدى القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها 6,909 معتقلاً، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ليرتفع هذا العدد إلى 130,758 معتقلاً مع نهاية آب/أغسطس الماضي، بينهم 3,584 طفلاً و7,789 سيدة.

وعدا عن امتناع روسيا عن التدخل لإيقاف اعتقالات قوات الأسد، فإنها لم تلتزم فوق ذلك بوعودها الإفراج عن المعتقلين، لاسيما من أبناء محافظة درعا التي كانت موسكو عرابة “التسوية” فيها. إذ تضمن اتفاق التسوية الذي تم التوصل إليه برعاية القوات الروسية في تموز/يوليو 2018، بنداً ينص على الكشف العاجل عن مصير المعتقلين في سجون النظام.

المرتزقة 

وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر أمس، في ذكرى التدخل الروسي في سوريا، عرفت نهاية العام 2018 “توسعاً في نشر قوات روسية برية. ولم تعد تقتصر على الهجمات الجوية، بل شاركت في بعض العمليات العسكرية البرية واستخدمت سلاح المدفعية والدبابات”. 

إضافة إلى ذلك، قامت روسيا، وفقاً للتقرير ذاته، بـ”استجلاب شركات أمنية ومرتزقة يقاتلون مقابل دخل مادي إلى جانب قواتها الأرضية، وفي الصفوف الأمامية، ويقومون بتدريب قوات النظام السوري ويعملون على حماية المنشآت النفطية والاقتصادية”، من بينها شركة فاغنر، وفيغاسي (فيغا)، وشيت (الدرع).

في الوقت ذاته، تحوّل روسيا سوريين إلى مرتزقة يخوضون حروبها بالوكالة، لاسيما إرسال سوريين للقتال إلى جانب قوات خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في ليبيا. في أمر مشابهة لما تقوم به تركيا من عمليات نقل مقاتلين سوريين من المعارضة للقتال إلى جانب حكومة الوفاق.

النازحون واللاجئون

لعب التدخل العسكري الروسي، من خلال سياسة الأرض المحروقة ومن ثم التهجير الذي يشكل أحد ركائز ما تسميه موسكو “تسويات” في مناطق سيطرة المعارضة السابقة، دوراً حاسماً في زيادة وتيرة عمليات النزوح خصوصاً. في الوقت الذي عنى استعادة النظام السيطرة على مساحات جديدة من الجغرافية السورية حرمان الغالبية العظمى من اللاجئين من فرصة العودة إلى وطنهم في الأمد المنظور على الأقل.

إذ بلغ عدد النازحين في العام 2015 ما يزيد عن 1.2 مليون نازح، بينما وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) نزوح 960 ألف سوري خلال الربع الأول فقط من العام 2020 نتيجة العمليات العسكرية التي نفذتها روسيا وقوات النظام على مناطق شمال غرب سوريا.

أما على صعيد اللاجئين، فما تزال أرقام العائدين منهم إلى سوريا ضئيلة، لاسيما مع الخشية من الاعتقالات التعسفية للعائدين من قبل قوات النظام، إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال ما لا يقل عن 62 شخصاً عادوا من لبنان وحده، منذ مطلع العام الحالي وحتى أيلول/سبتمبر.

يضاف إلى المخاوف الأمنية تدهور الوضع الاقتصادي والفلتان الأمني في البلاد عموماً. كما قامت الحكومة السورية، في تموز/يوليو الماضي، بإصدار تعليمات تلزم جميع السوريين العائدين إلى سوريا بتصريف 100 دولار  أميركي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية، وفقاً لأسعار الصرف المعتمدة من قبل الجمارك والطيران السوري.

أزمات اقتصادية 

تشهد البلاد مع كل يوم تراجعاً في القدرة الشرائية نتيجة تدهور سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى المشكلات العديدة التي تواجه الاقتصاد من قبيل نقص القطع الأجنبي، وهيمنة أمراء الحرب، والصراع بين تيارات النظام الاقتصادية المختلفة، ومشاكل الاستيراد وما ينتج عنها من نقص في المواد الأساسية والخدمات.

إذ انهار سعر الصرف من 323 ليرة للدولار الأميركي الواحد مع بداية التدخل العسكري الروسي المباشر، إلى 2,250 ليرة اليوم.

في الوقت ذاته، سعت روسيا منذ تدخلها في سوريا إلى الحصول على استثمارات وامتيازات عدة في مختلف القطاعات الاقتصادية على شكل هبات اقتصادية لقاء إنقاذها نظام الأسد. 

الملف السياسي

على امتداد السنوات الخمس الماضية، “غالباً ما يترافق الحراك السياسي الروسي مع القوة والأرهاب”. بدا ذلك جلياً، وعلى سبيل المثال فحسب، انعقاد جلسات اللجنة الدستورية السورية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2019، ثم اجتماع اللجنة المصغرة في الأسبوع الأول من الشهر التالي. إذ استمرت عمليات القصف العنيف من قبل القوات الروسية، على مناطق شمال غرب سوريا، “سعياً نحو فرض أمر واقع على الأرض، وتحقيقاً للهدف النهائي وهو الحسم العسكري، وإنهاء أي حلٍّ سياسي وبقاء حكم نظام عائلة الأسد”، بحسب ما جاء في تقرير الشبكة السورية.

كما هيمنت روسيا وتركيا على المشهد السياسي هذا العام في إدلب، عبر فرضهما عدة اتفاقات ثنائية بشأن مستقبل المنطقة والتهدئة، ومحاربة الأرهاب، والتي دائماً ما كان ينتج عنها زيادة في مساحة الأراضي لصالح النظام السوري، وانحسار مناطق المعارضة.

وعلى صعيد المفاوضات السياسية، ففي 20 كانون الأول/ديسمبر 2016، أعلنت الدول الضامنة لما يعرف بـ”محادثات أستانا”، وهي: روسيا وتركيا وإيران، التوصل إلى مبادئ تسوية سياسية للصراع في سوريا، سيعرف لاحقاً بـ”مسار أستانة”. 

تالياً، في 21 كانون الأول/ديسمبر 2017، شهدت الجولة الثامنة من أستانة ولادة فكرة “مؤتمر الحوار السوري”، أو ما يعرف بـ”مؤتمر سوتشي”. وفي 30 كانون الثاني/يناير 2018، عقد مؤتمر “سوتشي 1″، بغياب المعارضة السورية الرسمية، نتيجة استمرار عمليات القصف على المدنيين ورفع أعلام النظام في مكان المؤتمر وتضمينها في شعارات اللقاء.

في ختام اجتماع زعماء الدول الضامنة لـ”محادثات أستانة”، روسيا وتركيا وإيران، في العاصمة التركية أنقرة، في 16 أيلول/سبتمبر 2019، أعلن الزعماء الثلاثة قرب انطلاق عمل لجنة صياغة الدستور في سوريا، التي ستعرف لاحقاً “اللجنة الدستورية”. وبذلك هيمنة روسيا أيضاً على الملف السياسي، وكتابة دستور البلاد.

لكن، كما بشأن كل القضايا غير العسكرية التي تعهدتها روسيا، ما يزال عمل اللجنة الدستورية مقتصراً على مناكفات وفد نظام الأسد واستنزاف أي لقاء بجدل حول مفاهيم مجردة، 

شارك هذا المقال