5 دقائق قراءة

خبراء إعادة تدوير غير مرئيين: لاجئون سوريون في الأردن يحصّلون دخلهم بجمع النفايات

يسارع العديد من جامعي النفايات إلى التقاطها من الشوارع قبل وصولها إلى المكبّات. وهم "يقولون إنك قد تجد كنوزاً في شوارع غرب عمان، لأن الناس [القاطنين هناك] أثرياء، يشترون الكثير من الأشياء، ويرمون الكثير"، بحسب أمل مدانات.


بقلم ليز موفة

17 ديسمبر 2020

عمان- على أرض مكب الحصينيات للنفايات، في محافظة المفرق شمال شرق الأردن، ووسط مخلّفات البلاستيك، تصطف مجموعة من الدراجات الهوائية تعود لأشخاص من قرية الزعتري المجاورة ومخيم اللاجئين السوريين المسمى باسمها، عملهم اليومي البحث في النفايات عما يمكن إعادة تدويره. وليتوقف دخلهم اليومي على كمية ما يجمعونه من هذا المكب الكبير.

ويقدر عدد العاملين بشكل غير رسمي في البحث في القمامة لإعادة تدويرها في الأردن بين 6,000 و7,000 شخص. إذ تعتمد صناعة إعادة التدوير، في مستواها الأول الأدنى، على آلاف الأشخاص الذين يجوبون الشوارع والمكبات بحثاً عن مخلفات الخردوات المعدنية ومواد التعبئة والتغليف التي يتم شراؤها فيما بعد من قبل وسطاء على نطاق أكبر وتصديرها لإعادة تدويرها. ورغم الصعوبات الاقتصادية والوصمة الاجتماعية التي يواجهها هؤلاء، يمثل هذا العمل مصدر دخل لكثير من الطبقات الأكثر هشاشة واحتياجاً في الأردن، بما في ذلك نسبة متزايدة من اللاجئين السوريين.

الملاذ الأخير؟

منذ اندلاع الحرب في سوريا، فرّ آلاف السوريين إلى الأردن الذي يستضيف اليوم نحو 660,00 لاجئ سوري مسجل في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد أدى هذا النمو السكاني المفاجئ إلى زيادة تلقائية في كميات النفايات، فاقم الضغط على خدمات إدارة النفايات الصلبة منها. 

لكن في المقابل، “ساهم اللاجئون السوريون على نحو فعال في توسع قطاع [إدارة النفايات] غير الرسمي”، بحسب دراسة أجريت العام 2015، بحيث يُشكلون في المفرق الغالبية العظمى من جامعي القمامة غير الرسميين المقدر عددهم بنحو 1,000 شخص آنذاك. 

ويعاني السوريون صعوبة في الحصول على ترخيص عمل. إذ “من الصعب جداً حصول اللاجئ على عمل رسمي ولائق [خارج المخيمات]”، كما قالت إيمان زرّوق من منظمة أوكسفام- الأردن لـ”سوريا على طول”. موضحة أن “فرص العمل المحيطة بالمخيم والمتاحة للسوريين تقتصر في الغالب على التصنيع والزراعة الموسمية”. لهذا، يضطّر العديد من اللاجئين السوريين إلى دخول قطاع النفايات كما في حالة سلمى (اسم مستعار)  التي بدأت العمل في مكب النفايات بعد مرض زوجها الذي كان المعيل للأسرة. 

وسلمى واحدة من مئتي امرأة يعملن في جمع القمامة في محافظتي المفرق وإربد. وهي تعمل في هذا المجال مع أبنائها الثلاثة الذين يبلغ عمر أكبرهم 18 عاماً. وقد أسهم قرب المخيمات من مكبات نفايات في زيادة عدد النساء العاملات فيها، كما تشكيل الأطفال نحو 20 إلى 30% من العاملين في بعض المكبات.

علي (اسم مستعار)، في المقابل، كان يعمل أساساً في جمع النفايات في سوريا لغياب فرص أخرى. وبعد لجوئه إلى الأردن حاول، كما قال لـ”سوريا على طول”، العمل “في مزارع الخضروات، لكن العائد المادي لجمع القمامة أفضل”. وهو ما يشابه تجربة سلمى التي عملت في مزارع البندورة القريبة من المخيم، لكن العمل هناك كان منهكاً جسدياً. 

يضاف إلى ذلك، بحسب علي وسلمى، أن الزراعة موسمية، ودخلها غير ثابت، فيما يكون العمل في مكب النفايات يومياً من الفجر وحتى منتصف النهار، وعلى مدار السنة.

كنوز في القمامة

أكياس قماشية كبيرة تضم مواداً قابلة لإعادة التدوير جمعتها نساء عاملات في مكب الحصينيات بمحافظة المفرق شمال الأردن،  1/ 12/ 2020 (سوريا على طول)

يسارع العديد من جامعي النفايات إلى التقاطها من الشوارع قبل وصولها إلى المكبّات. وهم “يقولون إنك قد تجد كنوزاً في شوارع غرب عمان، لأن الناس [القاطنين هناك] أثرياء، يشترون الكثير من الأشياء، ويرمون الكثير”، كما قالت لـ”سوريا على طول” أمل مدانات، مؤسِّسة مبادرة مشوارنا لصفر نفايات التي تهدف إلى الحدّ من النفايات وإعادة تدويرها. وقد عملت مدانات لسنوات مع جامعي قمامة من الشوارع، ومنحت بعضهم فرصة الالتحاق بمدرسة لتعليم الأطفال إعادة التدوير. 

وفي حين قد يحالف الحظ البعض بأن يعثروا على “كنوز”، فإن الغالبية يكدّون في عملهم لكسب قوتهم. وعلى سبيل المثال، يباع الكيلو غرام الواحد من الألمنيوم بنصف دينار، في حين لا يساوي الكيلو غرام من المعادن الأخرى سوى 15 قرشاً، وفقاً لجامع القمامة السابق عدنان، المقيم في عمان. هكذا، “بعد أن كنت أعمل لعشر ساعات، كنت أجني قرابة الخمسة دنانير في اليوم”. مضيفاً في حديثه لـ”سوريا على طول”: “نواجه الكثير من التحديات: الرائحة والتلوث، وكثيراً ما نجرح أيدينا بشظايا الزجاج في الحاويات. أيامنا طويلة ومضنية”.

وكم شرحت مدانات، فإن “الأسر ترمي كل شيء في كيس أسود واحد، فيه تجد ورق التواليت، ودم، وشظايا زجاج، وإبر الحقن. رأيت الكثير من الأيدي المجروحة”. ومن أجل حماية هؤلاء العمال، فإنها تشجع الناس على فرز القمامة المعدنية ووضعها في أكياس منفصلة شفافة. 

لكن الوضع ينطوي على صعوبات أكثر بالنسبة لجامعي القمامة السوريين كونهم لاجئين. فهم يفضلون، بحسب علي وسلمى، العمل داخل المخيمات وفي المكبات المجاورة، لأن مغادرة المخيم من دون تصريح عمل أمرٌ صعب. وكان تقرير نُشر العام 2015 كشف عن أن السوريين الذين يجمعون القمامة من الشوارع “لا يعملون في وضح النهار، ويتوقفون عن أي نشاط حينما تكون الشرطة في ذروة حضورها”. لهذا فهم يجمعون كميات أقل من القمامة بالمقارنة مع نظرائهم الأردنيين. 

أشخاص غير مرئيين

صورة تظهر مجموعة علب مشروبات غازية تم جمعها من حاويات قمامة في عمان، 15/ 12/ 2014 (أمل مدانات)

يقدر حجم النفايات السنوي في الأردن بنحو 33 مليون طن، يعاد تدوير 7% منها فقط، فيما تننتهي البقية في أحد المكبات العشرين الرسمية وغير الرسمية الموجودة في البلاد، ملوِّثةً الهواء والتربة والمياه. ويتم التخلص من قرابة نصف النفايات المنزلية في مكب الغباوي الذي تديره امانة عمان ويعد الوحيد المتسم بالتصميم الهندسي والتشغيل الصحي. 

وبفضل ما يقوم به جامعو النفايات من عمل غير معترف به رسمياً، تجد بعض المواد القابلة للتدوير طريقها من جديد للاستخدام في الحياة. بحيث يغدون “خبراء إعادة التدوير غير المرئيين في الأردن”، بحسب مدانات. مضيفة: “صحيحٌ أنهم غير مرئيين، لكنهم من يقوم بمعظم [أعمال] إعادة التدوير”. 

في هذا السياق، يشار إلى أن إدارة منظمة أوكسفام، وهي عبارة عن اتحاد للمنظمات الخيرية، تدير ثلاث منشآت لفرز النفايات في الأردن، توظف لاجئين سوريين، اثنتان منها في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، جمعتا في العام 2019 أكثر من 655 طناً من المواد القابلة لإعادة التدوير.

“تظهر بياناتنا أن اللاجئين السوريين يتمتعون بالمهارات والخبرات القيَمة التي أسهمت بشكل لا يصدق في تقدم عملنا في قطاع إعادة التدوير”، بحسب زروق. مضيفة: “في الواقع، إن فكرة عملنا في قطاع إدارة النفايات الصلبة تقدم بها لاجئ سوري كان يدير مشروعاً في القطاع في سوريا قبل أن يتم تهجيره قسراً”. 

لكن ما تزال هناك عوائق تواجه اللاجئين السوريين، بما فيها إمكانية الحصول على وظيفة رسمية والحصول على ترخيص عمل في قطاع إدارة النفايات. إذ يتعين على اللاجئين التقدم بطلب للحصول على تصريح عمل بصفتهم عمالاً أجانب، فيكون من الصعب الحصول عليه.

بالنتيجة، يعمل معظم جامعي القمامة بشكل غير رسمي وغير قانوني، ولا يتمتعون بتأمين صحي. بل وكثيراً ما يفتقرون إلى أبسط متطلبات الحماية، كالقفازات والأحذية. عدا عن أن معظمهم فقدوا مصدر دخلهم أثناء فترات الإغلاق الشامل لاحتواء تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).  

لكن من خلال الدعم المناسب، يمكن أن يؤدي “القائمون على إعادة التدوير غير المرئيين” دوراً أكثر إيجابية في قطاع النفايات في الأردن، محققين المبدأ الذي تؤمن به منظمة أوكسفام بأن “اللاجئين يمكن أن يكونوا مصدراً اقتصادياً بدلاً من التعاطي معهم كعبء”، بحسب زروق.

نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال