7 دقائق قراءة

خبير أسلحة: كيف يستطيع تنظيم الدولة التزود لدعم قدراته الحربية بعد التقهقر في الصحراء؟

ينتشر تنظيم الدولة اليوم عبر صحاري سوريا والعراق  بعد أن […]


14 أغسطس 2018

ينتشر تنظيم الدولة اليوم عبر صحاري سوريا والعراق  بعد أن خسر تقريباً جميع المناطق التي كان يسيطر عليها في عام 2014، بالإضافة إلى مخزونات ضخمة من الأسلحة.

إلا أن تنظيم الدولة (داعش) لم يستسلم أو يتفكك، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك. وفي الأسابيع الأخيرة، أسفرت سلسلة من الهجمات القاتلة القادمة من البادية الصحراوية في سوريا عن مقتل مئات المدنيين واختطاف عشرات آخرين.

وردت قوات الحكومة السورية بشن هجوم جوي وبري كبير ضد مواقع لتنظيم الدولة في البادية، والمعركة هناك لا تزال مستمرة. 

     فكيف يمكن لمقاتلي تنظيم الدولة في الصحراء السورية، الذين أصبحوا معزولين الآن عن بقية المناطق التي أعلنوا ذات يوم خلافتهم فيها، أن

يواصلوا هجماتهم دون دعم خارجي أو أراضي مجاورة أو خطوط إمداد؟ 

وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة فقد القدرة على إعادة تمويل الأسلحة وتخزينها بالطريقة التي كانت عليها سابقاً، إلا أنه تكيف مع طبيعة الأرض، وفقاً لما قاله نيك جينزين جونز، خبير الأسلحة ومدير مؤسسة خدمات بحوث التسلح.

وقال جينزين جونز لمراسل سوريا على طول جاستن كلارك “سنشهد المزيد من هجمات الكر والفر، وعمليات الاغتيال، والهجمات المحدودة والموجهة”. 

وأضاف أن التنظيم تعرض للضرب بشكل كبير على جميع الجبهات وانسحب من المراكز الحضرية التي كان يسيطر عليها، كما تم تدمير أسلحته الثقيلة، كالدبابات والمدرعات والمدفعية، بالغارات الجوية. 

وذكر أن التنظيم مجبر الآن على القتال بما هو متاح لديه، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والمتفجرات المصنعة يدوياً والأسلحة الخفيفة. 

وصرح جينزين جونز “هناك تغير بالعمليات” مضيفاً “عندما تنتقي وتختار كيف ستتحرك ومن ستقاتل، فإن بعض الأسلحة لا تفيد في حرب عصابات”. 

أصبح تنظيم الدولة اليوم ظلًا للمنظمة التي كانت في عام 2014 تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في جميع أنحاء سوريا والعراق، وانسحب إلى الصحراء باستخدام تكتيكات على غرار حرب العصابات وشن هجمات الكر والفر والاغتيالات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وكذلك المناطق التي يديرها الأكراد.

في البداية بنى التنظيم مخزونا كبيرا من الأسلحة والذخائر والمركبات المدرعة مما كانوا يسرقونه، إما من القوات المدعومة من أمريكا في العراق أو من حكومة الأسد والمعارضة في سوريا. لكن من الواضح أنه لم يأخذ هذا المخزون بأكمله إلى الصحراء. ما الذي حدث لجميع الأسلحة التي كان يمتلكها؟

في البداية يجب ذكر القليل من المعلومات الأساسية. استمد تنظيم الدولة سلاحه من مجموعة من المصادر وحصل على الكثير من امداداته الأولية من المخزونات غير المشروعة الموجودة داخل العراق وسوريا، ثم بعد ذلك، من القوات الحكومية والمخزونات الحكومية، وأخيراً من الجهات الفاعلة الأخرى الغير الحكومية التي هزمها في المعارك الأولى. 

نتيجة لذلك، كان نطاق الأسلحة المتاحة لتنظيم الدولة متنوعاً إلى حد كبير، فهناك الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة متفاوتة الجودة ونظم الدفاع الجوي المحمولة من الأسلحة المضادة للطيران والأسلحة المضادة للدبابات، بما في ذلك الصواريخ الموجهة والأسلحة من العيار المتوسط والأسلحة من العيار الثقيل والمدرعات وغيرها. وأضاف التنظيم إلى هذه الإمدادات التي حصل عليها بطريقة غير مشروعة مجموعة من الأسلحة والذخائر المختلفة التي صنعها بنفسه.

وهناك الكثير من المعدات الكبيرة فقدت فائدتها في الأشهر الأخيرة أثناء خسائر التنظيم في ساحة المعركة. وقد تم التخلي عن بعض هذه المعدات بما في ذلك الأسلحة. عندما تنتقي وتختار كيف ستتحرك ومن ستقاتل، فإن بعض الأسلحة لا تفيد في حرب عصابات”. 

والآن، تختلف عمليات داعش بشكل ملحوظ عن العمليات المعقدة التي كانوا قادرين على إجرائها في ذروة قوتهم. فقد كانت هذه العمليات مدعومة بقاعدة لوجستية معقدة للغاية بالنسبة لجهة غير تابعة للدولة، وحدث تحول بالعمليات أدى إلى حدوث تحول مماثل في الأسلحة والذخائر التي تستخدمها. 

وفيما يتعلق بمصير بعض تلك الأسلحة التي تم التخلي عنها أو فقدانها، فقد تم تدمير الكثير من تلك الأسلحة الكبيرة، إما من خلال الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي أو بعد الاستيلاء عليها من قبل القوات البرية. كما تم إعادة استعمال عدد كبير من الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها إما من قبل القوات الحكومية العراقية أو من قبل الميليشيات المتحالفة معها ووحدات الحشد الشعبي.

[وحدات الحشد الشعبي: هي ميليشيات عراقية تتألف بشكل كبير من الشيعة وتقاتل إلى جانب القوات المسلحة العراقية في معظم المعارك ضد داعش]. 

كما استولت الجهات الفاعلة الأخرى على الأسلحة التي كانت بحوزة التنظيم سابقاً ودمجتها في تشكيلاتها الخاصة. 

عاد تنظيم الدولة إلى الصحراء بطريقة ما، وعاد إلى التمرد وحرب العصابات. فهم لا يحتفظون بالأرض أو يسيطرون على الطرق السريعة في الصحراء الشرقية كما كانوا يفعلون في السابق. 

فكيف يمكن لمقاتلي التنظيم في هذه المناطق، مثل البادية السورية والصحراء العراقية، أن يكونوا قادرين على إعادة تمويل إمداداتهم؟ كيف يحصلون على الذخائر التي يحتاجونها لتنفيذ عملياتهم؟

أعتقد أن الناس لديها سوء فهم عن تنظيم الدولة، أو حول وصولهم إلى الأسلحة والذخائر على نطاق واسع. سوء فهم حيال ما كان يمتلكه في الماضي من مخزونات هائلة من الأسلحة. وبالنتيجة، كان هناك ترسانة كبيرة جداً من الأسلحة والذخائر بحوزة داعش لبعض الوقت. جزء كبير منها حصلوا عليه عن طريق العمليات الناجحة ضد الوحدات العسكرية والقواعد العسكرية في العراق وسوريا.

وعلى أي حال، داعش لاتزال تحتفظ بترسانة كبيرة، وإن كانت قد قلت بشكل كبير أو نقص بعضا من أسلحتها الكبيرة والأكثر تطوراً. 

في الآونة الأخيرة هاجم التنظيم قاعدة جوية في محافظة السويداء بالإضافة لهدف عسكري آخر. لقد بدأنا بالفعل نرى ذلك، أليس كذلك؟

كانت الأهداف العسكرية، وأهداف إعادة التعبئة أو الأهداف التي قد توفر إعادة إمداد بطريقة ما، هي الأهداف الأساسية لعمليات التنظيم لسنوات. لذلك كان من الواضح جدا أن هناك أهمية للضربات الحاسمة الموجهة ضد العدو وإمكانية زيادة القدرات في الوقت ذاته. وبالطبع، من الصعب جدا تحديد إلى أي مدى كانت تتم بالمصادفة أو بشكل مستهدف ومدروس. لكن بالتأكيد، هناك مؤشرات تدل على أن هذه الأعمال تشكل جزءا من استراتيجية متعمدة ومدروسة. 

هل يمكن أن يأخذ التنظيم بعض تلك المخزونات الضخمة من الأسلحة معه إلى الصحراء السورية؟

إطلاقا. ليس بإمكانهم الوصول إلى المخزونات الهائلة، لكننا رأينا قوات التنظيم التي انسحبت وهي تأخذ كميات من الأسلحة معها، لذلك نعلم أنهم يحصلون على العتاد لمواصلة القتال – وهذا واضح جدا. 

وأدت خسائرهم في ساحة المعركة إلى انهيار العديد من تلك القدرات التي تحدثنا عنها، على سبيل المثال، عدد المدفعية الكبير وغيرها من الأسلحة غير المتنقلة. وليس الأمر لأن هذه الأنظمة كان لها مخزون كبير، ولكن تلك التي كانت تحت سيطرة التنظيم انخفضت الآن بشكل كبير. وكانت معظم هذه القطع الكبيرة أهدافا شائعة جدا لضربات التحالف الجوية. فالكثير من المدرعات، بالإضافة إلى الكثير من المدفعية ومدافع الهاون، فقدت أو دمرت. 

وبالمثل- وأعتقد أن هذه نقطة مهمة – كلما تقلص التنظيم وأصبح أكثر تمركزا حول المناطق الحضرية الكبيرة التي يسيطرون عليها، زاد من الحماية الداخلية. في بعض المعارك الأخيرة في الموصل، على سبيل المثال، تم استخدام الكثير من قاذفات الصواريخ المصنعة محليا والمحمولة على الكتف كما تمت إعادة استخدام الأسلحة عديمة الارتداد. 

وكنتيجة لخسائره الأخيرة، تدهورت إمكانياته وفقد الكثير من القدرات لإنتاج هذه الأسلحة. وبالتأكيد ليست المعرفة وإنما المواد، والمكان، والوقت، وحرية العمل-  كلها انتهت لاحقا.

 عنصر في قوات سوريا الديمقراطية يزيل علم تنظيم الدولة في مدينة الطبقة في نيسان ٢٠١٧. تصوير دليل سليمان /AFP.

  

يبدو أن قدرات التنظيم سوف تتدهور أكثر مع الوقت- ولن تكون كما هي الآن. لكن ما زال هناك فائض في الأسلحة الصغيرة والمتفجرات التي تُركت. ما الذي يمكن أن يحدث لهذه الأسلحة عند زوال التنظيم من الخريطة؟ 

إن الشرق الأوسط هي منطقة يوجد فيها فعليا فائض في الأسلحة والذخائر. نحن نعلم أنه لا يوجد نقص في الأسلحة الصغيرة وقياساتها، وحتى في عدة أماكن، يمكن الوصول إلى أنواع مختلفة من الذخائر التي يمكن إعادة استخدامها في الأسلحة المتفجرة محلية الصنع. 

لقد رأينا بالفعل تحولا كبيرا في التكتيكات التي استخدمها تنظيم الدولة. لقد انتقلوا من توظيف بعض الجهود المتقدمة ومتعددة النطاق بشكل معقول، حيث ترى المدرعات والتقنيات والمشاة، التي تعمل بشكل أو بآخر كقوة مشتركة، إلى مفهوم العمليات التي تدهورت إلى حد كبير. 

والآن، نشهد المزيد من هجمات الكر والفر، والاغتيالات، والعمليات ذات الكوادر الصغيرة والهجمات المحدودة. وبالطبع، مع مرور الوقت، من المرجح أن بعض هذه التكتيكات ستتغير لتعكس إمكانية الوصول إلى الأسلحة والذخائر المتاحة. وهذا يعني زيادة في العبوات الناسفة التي يتم تفجيرها عن بعد، والهجمات بالسيارات المفخخة، وتكتيكات الكر والفر، والمزيد من الاغتيالات. 

وهذه الأنواع من التكتيكات – وهي نوع من الأساليب المتبعة من قبل الجماعات الإرهابية التقليدية- يتم اتباعها عند الوصول المحدود إلى الأسلحة الصغيرة والخفيفة وغيرها من أنواع الذخائر، لذا أعتقد أن التكتيكات ستكون مقيدة على نحو متزايد بتوافر المواد. وبالطبع، على نطاق أوسع، إذا تضاءلت المجموعة من حيث الحجم إلى الحد الذي يمكن من خلاله الوصول إلى فائض من الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، فإن الفائض في تلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة من المحتمل أن يتم الاتجار بها في أماكن أخرى من قبل المجموعات داخل المنطقة. 

لاحظنا هذه الظاهرة في ليبيا، وشهدنا عمليات مماثلة في العراق وسوريا: عندما تتمكن المجموعات من الوصول إلى فائض كبير من الأسلحة الصغيرة والخفيفة، أو أي سلاح آخر، فإنها تميل إلى بيعها واستخدامها كوسيلة للوصول إلى الأسلحة الأخرى التي يريدونها. في حالة تنظيم الدولة، قد تكون تلك الأسلحة ذخيرة أو أسلحة خفيفة متطورة وغيرها. 

بالنسبة لأولئك الذين يشاهدون تحركات التنظيم في سوريا وخارجها، ما الذي ينبغي مراقبته مع تغير الواقع على الأرض؟ 

سيكون من المهم معرفة مقدار الخسارة في القدرة الإنتاجية لتنظيم الدولة. هل لا يزال لديهم القدرة على تطوير العربات التي تستخدم في الهجمات الانتحارية، على سبيل المثال؟ هل ما زال بإمكانهم تطوير ذخيرة محلية الصنع، هل ماتزال لديهم تلك المعرفة والقدرات الإنتاجية؟ هل ما زال بإمكانهم إنتاج أسلحة عديمة الارتداد؟ ماذا عن إنتاج ذخائر لاستخدامها في الطائرات الصغيرة بدون طيار؟ 

أرى أنه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك بصراحة. لكن أعتقد أن تلك القدرات قد تدهورت بشدة. وفي حين أن الإمكانات الصناعية وعملية الإنتاج قد لا تسمح بإنتاج ضخم بعد الآن، فمن المحتمل أنه تم نشر المعرفة فيما هو أبعد من الخطوط الأمامية. 

هذه المقابلة هي جزء من تغطية سوريا على طول الإخبارية، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم في سوريا بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

شارك هذا المقال