7 دقائق قراءة

خدعة “التسويات” الروسية تعيد قبضة دمشق الأمنية إلى المناطق الثائرة

تلك الاتفاقات لم تكن أكثر من "خديعة" مكنت نظام بشار الأسد من السيطرة، بداية، على مناطق واسعة كانت خاضعة للمعارضة السورية، وليعاود هذا النظام، بعد فترة وجيزة، إحكام قبضته الأمنية


12 أكتوبر 2020

عمّان – بالتزامن مع مشاركتها الحاسمة في سياسة الأرض المحروقة التي نفذتها القوات الحكومية ضد المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، نشطت روسيا في ترويج وفرض ما سمته اتفاقات تسوية مع أهالي تلك المناطق والفصائل الموجودة فيها،

كان الهدف من ذلك، بحسب الزعم الروسي، هو وقف معاناة ونزيف دماء السوريين، بما يشكل بداية الاستقرار والوصول إلى حل سياسي للصراع في سوريا، لكن مراجعة لاتفاقات التسوية التي رعتها موسكو، لاسيما في العام 2018 -وشملت مناطق جنوب سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، والغوطة الشرقية بريف دمشق، والقلمون الشرقي، وريف حمص الشمالي- تًظهر أن تلك الاتفاقات لم تكن أكثر من “خديعة” مكنت نظام بشار الأسد من السيطرة، بداية، على مناطق واسعة كانت خاضعة للمعارضة السورية، وليعاود هذا النظام، بعد فترة وجيزة، إحكام قبضته الأمنية هناك من خلال فرض اتفاقات جديدة على المناطق الثائرة، تتنكر لمضامين التسويات السابقة.

“اتفاقات” جديدة

أحدث الاتفاقات “الجديدة” التي تهدف العودة إلى قمع ما قبل 2011، إن لم يكن أشد، هي التي تم التوصل إليها بداية الشهر الحالي بشأن بلدة كناكر، بريف دمشق الغربي، التي سيطر عليها النظام بموجب اتفاق التسوية الخاص بجنوب سوريا في تموز/يوليو 2018. 

وقد جاء الاتفاق الجديد على خلفية تهديد دمشق باقتحام كناكر بعد حصار  استمر لأكثر من أسبوعين، رداً على احتجاجات شهدتها البلدة على اعتقال القوات الحكومية ثلاث نساء منها.  

وبحسب مصدر مطلع على عمليات التفاوض بشأن كناكر، فإن “النظام لم يحصل على مكاسب جديدة من الاتفاق الأخير”. موضحاً في حديث لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن “الاتفاق لم يختلف في شيء عن الاتفاق السابق [في تموز/يوليو 2018] باستثناء اشتراط تهجير عدة أشخاص بدعوى أنه لا يمكن قبول تسويتهم بسبب اتهامات بتورطهم في تفجيرات دمشق”، وهي سلسلة من التفجيرات استهدفت ضباطاً وعناصر من القوات الحكومية مطلع العام الحالي.

مع ذلك، اعتبر المصدر ذاته أن “كل التسويات التي حصلت في سوريا هي حبر على ورق؛ إذ لم يتم نسيان كل شخص هتف بالحرية يوماً ما، ولتكون التسوية مجرد طي صفحة [هكذا شخص] لحين الحصول على فرصة مناسبة لاعتقاله”. ما يعني أن “القادم متشعب وخطر جداً”، كما أضاف؛ “إذ تسعى إيران إلى زيادة نفوذها بعد أن قللت روسيا نفوذها في الجنوب”. مشيراً إلى أن “دور الروس في الاتفاق الأخير كان خجولاً، فاقتصر على إبلاغنا بقرارات النظام فقط”.

وكان النظام قد لجأ إلى الاستراتيجية ذاتها بغرب درعا في أيار/مايو الماضي، من خلال التهديد بعملية عسكرية واسعة في المنطقة. ليتبع ذلك توصل اللجنة المركزية في درعا -والتي تتولى التفاوض مع النظام وممثلي الجانب الروسي- وعدد من قادة الأجهزة الأمنية والقوات الحكومية إلى اتفاق جديد يقوم على “نشر نقاط عسكرية مشتركة من الفرقة الرابعة وأبناء المنطقة الذين أجروا تسوية وانخرطوا في صفوفها” غرب درعا، كما ذكر لـ”سوريا على طول” سابقاً اثنان من أعضاء اللجنة المركزية، بدعوى “العمل على تأمين طريق معسكر زيزون والثكنات العسكرية للنظام في المنطقة الغربية”. هذا بالإضافة إلى “تكثيف نشر الحواجز العسكرية في المناطق التي تحدث فيها اغتيالات”، شريطة أن يقتصر انتشار القوات العسكرية من خارج أبناء المنطقة على أطراف المدن والبلدات غرب درعا. 

وفيما يلي استعراض لأهم ما تضمنته اتفاقات “التسوية” التي رعتها روسيا في العام 2018، وما تلا ذلك من انتهاكات من قبل النظام في تأكيد على إصراره على استعادة الحلول الأمنية كسبيل وحيد للسيطرة على المناطق التي ثارت ضده.

اتفاق التسوية في الغوطة الشرقية (القطاع الأوسط):

1- البدء فوراً بإخراج الجرحى والمرضى إلى مشافي دمشق أو المشافي الميدانية الروسية، حسب رغبتهم، عن طريق الهلال الأحمر. وضمان سلامتهم وعدم ملاحقتهم من قبل الحكومة السورية، ويكون لهم الخيار بعد تماثلهم للشفاء، بين العودة إلى الغوطة أو الخروج إلى الشمال السوري.

2- اتخاذ التدابير اللازمة كافة لتحسين الحالة الإنسانية فوراً في الغوطة، والتسهيل الفوري لدخول قوافل الإغاثة الإنسانية.

3- الخروج الآمن، بإشراف ومرافقة الشرطة العسكرية الروسية حصراً، لمن يرغب من المسلحين مع عوائلهم بأسلحتهم الخفيفة، كما من يرغب من المدنيين، إلى الشمال السوري.

4- ضمان عدم ملاحقة أجهزة الحكومة لأي من المواطنين المدنيين الراغبين في البقاء بالغوطة.

5- نشر نقاط شرطة عسكرية روسية في البلدات التي تقع تحت سيطرة فيلق الرحمن آنذاك (القطاع الأوسط)، وهي: عربين، وزملكا، وعين ترما، وجوبر.

انتهاكات الاتفاق:

1- كانت روسيا وعدت من تبقى من مقاتلي المعارضة في الغوطة الشرقية بتشكيل قوة عسكرية تتبع الفيلق الخامس للدفاع عن مناطقهم، تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية، وأنهم لن يكونوا عرضة للاعتقال أو المحاسبة على الخلفية الثورية، وهو ما لم يتم الالتزام به.

2- بدأت الأجهزة الأمنية بالتوسع وزيادة نفوذها في المنطقة وتنفيذ اعتقالات واسعة، خاصة في صفوف الناشطين والعاملين في منظمات المجتمع المدني المعارضة، كما المقاتلين السابقين في الفصائل العسكرية. ولا يزال مصير  كثير ممن تم اعتقالهم مجهولاً.

3- لم توفر الظروف المعيشية الجيدة في مناطق التسوية بالغوطة، وهي ما تزال تخضع لضغوطات أمنية كبيرة جداً.

4- انخفض الدور الروسي بعد التسوية تدريجياً، وصولاُ إلى ترك مناطق الغوطة بشكل كامل في مواجهة الأجهزة الأمنية وقوات النظام. 

اتفاق التسوية في القلمون الشرقي:

1- نشر الشرطة العسكرية الروسية على مداخل المدن، ومنع دخول قوات النظام إلى مدن وبلدات المنطقة، إلى جانب تسوية أوضاع من يرغب من أبنائها في البقاء.

2- السماح للراغبين في الخروج من المنطقة بالتوجه إلى الشمال السوري.

3- تشكيل لجنة مدنية مشتركة ثلاثية، من ممثلي النظام والروس وأهالي المنطقة، مهمتها تسيير أمور المنطقة وحل قضايا المعتقلين والموقوفين.

4- إعطاء مهلة ستة أشهر للمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإجبارية والاحتياطية قابلة للتمديد لسنة واحدة، بينما سيتم إصدار عفو خاص عن المنشقين شريطة التحاقهم بثكناتهم خلال 15 يوماً، أو مغادرة المنطقة.

5- الحفاظ على أملاك المدنيين المهجرين وحقهم في عدم المساس بها أو مصادرتها.

انتهاكات الاتفاق:

1- تضمن الاتفاق نشر القوات الروسية ومنع دخول المليشيات الإيرانية والأجهزة الأمنية السورية، لاسيما المخابرات الجوية الموالية لإيران، إلا أن ذلك لم يحدث. إذ انسحبت القوات الروسية، وسلمت المنطقة للقوات الحكومية السورية.

2- استمرار الملاحقات الأمنية والاعتقالات التعسفية، وعودة القبضة الأمنية إلى ما كانت قبل العام 2011، إضافة إلى انتشار ظاهرة فوضى السلاح.

3- تحولت المنطقة إلى ممرات آمنة للمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، لأجل نقل وتهريب السلاح والمخدرات، وإقامة المعسكرات.

4- لا يوجد لجنة فعالة لمتابعة ملف المعتقلين وبقية بنود التسوية، أو التنسيق مع الروس ودمشق لأجل حل القضايا العالقة أو المطالبة بتنفيذ بنود التسوية.

5- مصادرة أملاك عشرات المعارضين عبر إصدار قرارات الحجز الاحتياطي أو المصادرة، أو حتى إتلافها وحرقها وتدميرها بشكل كامل.

اتفاق التسوية في ريف حمص الشمالي:

1- تسلم الفصائل سلاحها الثقيل، ويخرج من لا يرغب في التسوية، خلال مدة معينة، نحو الشمال السوري بسلاحه الخفيف فقط، بينما يسلم من يرغب في التسوية والبقاء في المنطقة سلاحه كاملاً حين البدء بإجراءات التسوية.

2- تدخل الشرطة العسكرية الروسية والشرطة المدنية السورية المنطقة بعد خروج آخر قافلة تهجير منها.

3- تجري دمشق عمليات تسوية للمنشقين والمدنيين لمدة ستة أشهر، بعدها يساق من دخل سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية إلى الجيش.

4- يمنع دخول القوات الحكومية السورية إلى المنطقة طيلة فترة وجود الشرطة العسكرية الروسية، وهي حوالي ستة أشهر ، بعد توقيع الاتفاق.

5- تسوية أوضاع الطلبة والموظفين، ويعودون إلى عملهم ودراستهم مع مراعاة فترة الانقطاع.

انتهاكات الاتفاق:

1- نفذت القوات والأجهزة الأمنية الحكومية عمليات اعتقال مستمرة، وتعسفية، بحق المدنيين والمعارضين السابقين بما فيهم بعض قادة المعارضة الذين بقوا في المنطقة.

2- عمدت دمشق إلى تجنيد الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية بشكل واسع، إضافة إلى إطلاق يد المليشيات الرديفة في المنطقة، والتي سعت كذلك إلى استقطاب الشباب مقابل بعض الامتيازات، من قبيل وقف الملاحقة الأمنية، والمال وغيرهما، وهو ما قامت به روسيا أيضاً؛ إذ قامت بفتح باب التجنيد لمئات المقاتلين السابقين في ريف حمص الشمالي ضمن صفوف ملبشيات تابعة لها في المنطقة. 

3- فور انتهاء المدة المحددة لانتشار الشرطة العسكرية الروسية، نشرت القوات الحكومية السورية حواجز ونقاط تفتيش داخل مدن وبلدات ريف حمص الشمالي.

4- لم تلتزم دمشق بإعادة الموظفين الحكوميين إلى وظائفهم.

اتفاق التسوية في محافظة درعا (اتفاق بصرى الشام):

1- تسوية أوضاع الأشخاص الراغبين في المصالحة، وبحيث يشمل ذلك كل من يلقي السلاح من العسكريين المنشقين والمدنيين، من دون ملاحقة أمنية، شريطة عدم قيامهم بأعمال ضد سماه الاتفاق “الدولة” والأمن.

2- تسوية أوضاع المنشقين من الضباط وصف الضباط والمتطوعين، بحيث يسرحون بعد ذلك من الخدمة من دون أي تعويض. أما المنشقون من المجندين، فتتم تسوية أوضاعهم، ليلتحقوا عقب ذلك بقطعهم العسكرية خلال فترة ستة أشهر.

3- يمكن للراغبين من الأفراد أو المجموعات، بعد تسوية أوضاعهم وتقديم طلبات تطوع وتعاقد، الانضمام لصفوف الجيش.

4- تتولى قوات من الشرطة العسكرية الروسية والداخلية السورية إدارة المناطق أمنياً.

5- عودة الجيش، في إشارة إلى القوات الحكومية، إلى الثكنات والقطع العسكرية.

6- يسمح لرافضي التسوية من المدنيين والعسكريين الخروج باتجاه الشمال السوري (إدلب وريف حلب الخاضعين لسيطرة المعارضة).

7- دخول مؤسسات الحكومة لتقديم الخدمات كافة للمواطنين: مياه، كهرباء، غاز، صحة، تربية وتعليم، وإعادة ترميم وتأهيل الطرق.

انتهاكات الاتفاق:

1- لم تلتزم قوات النظام بالتسويات التي منحتها للمعارضين، إذ استمرت عمليات الملاحقة الأمنية والاعتقالات بحق حملة “بطاقة التسوية”.

2- سجل العديد من الانتهاكات بحق المنشقين المجندين الذين عادوا إلى ثكناتهم العسكرية، من قبيل الإخفاء القسري والتصفية.

3- شهدت مناطق التسوية جنوب سوريا سباقاً بين الروس والإيرانيين والنظام على تجنيد الشباب هناك، مستغلين مخاوف هؤلاء من الملاحقات الأمنية، كما معاناتهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

4- تدريجياً، أخذ دور قوات الشرطة العسكرية الروسية بالتراجع، وأصبح يقتصر على التدخل في القضايا التي تنذر بانهيار اتفاق التسوية والتسبب في إطلاق عمليات عسكرية واسعة. 

5- لم يلتزم النظام السوري بإعادة الجيش والمليشيات التابعة له إلى الثكنات، بل عمد إلى تقطيع أوصال مدن وبلدات جنوب سوريا عبر نشر حواجز ونقاط تفتيش في محيطها، وحتى نشر قوات داخل المدن والبلدات في بعض الأحيان، وفرض حصار مؤقت على عدد منها والتهديد باقتحامها.

6- لم تقدم المؤسسات الحكومية الخدمات الأساسية بشكل كافٍ للمناطق التي عادت إليها، كما استخدمت دمشق الخدمات كورقة للضغط في العديد من المرات لأجل تحصيل مكاسب معينة.

شارك هذا المقال