8 دقائق قراءة

خلافات بين “رجال الكرامة” وليث البلعوس: هل يبحث الابن عن “إرث” أبيه؟

يحاول ليث البلعوس استعادة موروث أبيه، طامحاً بأن يكون زعيم في الجبل، وقائد عسكري لحركة رجال الكرامة، وهو ما قد يفضي إلى حالة من الصدام العسكري مع الحركة


18 يناير 2023

باريس- تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا حالة من الخلافات و”المناكفات” بين حركة رجال الكرامة، الفصيل العسكري الأكبر في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، والشيخ ليث البلعوس المطرود من الحركة، الذي يحاول العودة إلى الواجهة مستنداً إلى “موروث أبيه” وحيد البلعوس، مؤسس الحركة.

خلف هذا المشهد ثمة طرف ثالث مُتّهم بتحريض الشاب البلعوس، وفقاً لـ”رجال الكرامة” وناشطون تحدثوا لـ”سوريا على طول”، وهو حزب اللواء السوري، الذي ينسق مع “قوة مكافحة الإرهاب”، وهي قوة “استئصلت” في حزيران/ يونيو الماضي، بعملية عسكرية للأمن العسكري التابع للنظام السوري بمشاركة مجموعات محلية تابعة له، وانتهت بمقتل قائد “مكافحة الإرهاب” سامر الحكيم.

تُبقي هذه الخلافات المحافظة الجنوبية على صفيح ساخن، وسط تخوف من أن تطور إلى صدام مسلح، كون الخلافات الحالية هي استمرار لحالة الاشتباكات والتجاذبات التي تشهدها المحافظة بين الفصائل المحلية والمجموعات العسكرية المحلية التابعة للنظام السوري، التي بدأت بـ”استئصال” قوة مكافحة الإرهاب، ومن ثم عمليات “اجتثاث” المجموعات التابعة للأمن العسكري، وأبرزها مجموعة فلحوط، التي شاركت “رجال الكرامة” وفصائل أخرى في حملة ضدها في أواخر تموز/ يوليو 2022.

خلافات داخل “رجال الكرامة”!

في 9 كانون الثاني/ يناير الحالي، أعلن قائد “مجموعة الكفر”، نسبة إلى بلدة الكفر بريف السويداء، المنضوية في “رجال الكرامة”، تعليق مشاركتها في الحركة “لأسباب داخلية مع التأكيد على استمرارية وقوفنا واستعدادنا لسكب دمائنا من أجل كرامة جبلنا وأهلنا في بلدة الكفر”.

رداً على ذلك، قال مصدر إعلامي من حركة رجال الكرامة، طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن هويته، أن الحركة هي من أبعدت المدعو أيسر مرشد عن قيادة المجموعة “نتيجة إهماله لواجباته، وتراكم الديون عليه، واتهامات موجهة له بالنصب”.

وعليه، أبعدت اللجنة القضائية في الحركة مرشد من منصبه، ما أدى إلى “حصول ردة فعل تمثلت بنشر أنباء غير حقيقية من قبله”، لافتاً في الوقت ذاته أن “أكثر من نصف عناصر تلك المجموعة لم تلتزم بقرار تعليق المشاركة مع الحركة”.

رداً على ذلك، نفى مرشد الاتهامات الموجهة إليه أو تعرضه لأي مساءلة من لجان الحركة، مشيراً إلى أن مجموعته علقت عملها في الحركة بناء على “مطالب وتساؤلات لم يتم الإجابة عليها من قبل قيادة رجال الكرامة بشكل مقنع”.

وأضاف مرشد “انسحب الكثير من العناصر والمجموعات من الحركة الفترة الماضية، أهمهم عناصر بيرق الأدهم”، نظراً لـ”موقف الحركة المهادن للنظام السوري، وسيرها إلى حالة من التدهور”، على حد وصفه، نافياً أن يكون انسحابه بهدف “الانتقال إلى صفوف ليث البلعوس، أو أن يكون لدينا علاقة به حالياً”.

بالتزامن مع ذلك، صدرت تصريحات إعلامية عن “رجال الكرامة”، تتهم الشيخ لؤي سامي القنطار، الذي كان يعمل مع بيرق الأدهم التابع لرجال الكرامة، بخروجه عن المبادئ الدينية والأخلاقية للحركة.

لكن “مضافة الكرامة”، التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس، عام 2013، ويتزعمها حالياً ابنه ليث، نفت الاتهامات الموجهة للقنطار، معتبرة فصله من الحركة كان “تعسفياً”، كما جاء في بيانها الصادر في 13 كانون الثاني/ يناير الحالي.

وجاء في البيان: “لا نقبل بالظلم لأي شيخ أو شاب من مشايخنا وشبابنا وندحض بنفس الوقت كل الافتراءات والأكاذيب التي يروجها عملاء الأمن وأجهزة المخابرات للمحاولة من النيل من المضافة لتشويه تاريخها”.

وأعلن بيان المضافة أن “أبوابها مفتوحة وهي حصن يلجأ إليه كل مستضعف ومظلوم، ومستعدة لاستقبال أي شخص  للانضمام إلى مجموعاتها”، شريطة أن يكون غير متعامل مع أجهزة المخابرات أو “عملائها” في السويداء “وغير متورط بأي شيء يخل بالعادات والتقاليد والشرف ونهج ومبادئ الشهيد المؤسس الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس”.

بيان المضافة هو جزء من تصريحات ناقدة، وجهها ليث البلعوس لقيادة “رجال الكرامة” منذ عدة أسابيع، سواء عبر خطاباته في الشارع أو عبر وسائل الإعلام.

وكانت حركة رجال الكرامة طالبت القنطار بضرورة تسليم سلاحه، بعد أن خرج عنها، قبل نحو شهرين، والتحق بليث البلعوس، معتبرة أن السلاح مُلك للحركة، بحسب المصدر الإعلامي من “رجال الكرامة”، الذي اتهم القنطار بتنفيذ عملية بالمشاركة مع إحدى الفصائل المحلية والهجوم على حاجز للنظام “من دون سبب”، وأدت العملية إلى “سقوط ضحايا”، دون أن يشير إلى توقيت الحادثة وتفاصيل عنها.

وبناء على ذلك “فُصل القنطار من المجموعة، وسحب سلاحه”، بحسب المصدر من رجال الكرامة، مؤكداً أن “القرار تم بإجماع عناصر وقيادة بيرق الأدهم الذي يتبع لها المذكور”.

يبدو أن ما تواجهه حركة “رجال الكرامة” ليس جديداً، كما أوضح الناشط الإعلامي زين الحلبي (اسم مستعار)، ابن محافظة السويداء، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنه “منذ اغتيال الشيخ وحيد، في العام 2015، تعيش الحركة حالة انشقاقات مستمرة”، وأحياناً “تحمل طابعاً مناطقياً أو خلافات داخلية أو تتعلق بتدخلات النظام، لكنها لا ترقى إلى انشقاقات جسم عسكري تقليدي”.

الموقف من النظام أُسّ الخلاف!

بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، في عام 2015، بتفجير استهدف موكبه، اتهم النظام السوري بتدبيره، تسلم شقيقه الشيخ رأفت قيادة حركة رجال الكرامة، الفصيل العسكري الذي أسس لحماية “جبل الدروز” والدفاع عنه ضد أي تهديدات من النظام السوري أو حتى فصائل المعارضة والتنظيمات المتشددة.

آنذاك، استبعد ليث بن وحيد، من الحركة على يد عمه، لينتقل بين عدد من الفصائل المحلية بغض النظر عن ولاءاتها ومرجعياتها، بدءاً من “قوات شيخ الكرامة” و”الشريان الواحد” وصولاً إلى “قوة مكافحة الإرهاب”.

التحول ليس عند البلعوس الابن فحسب، وإنما الحركة التي أسسها والده شهدت تحولاً واضحاً من حالة الجفاء مع النظام في أعقاب اغتيال الشيخ وحيد واستلام شقيقه رأفت، إلى نوع من “الانفتاح” أكثر على النظام السوري في أعقاب تسلم الشيخ يحيى الحجار قيادة “رجال الكرامة” في شباط/ فبراير 2017، وفقاً للناشط الحلبي.

وعلى الرغم من أن خطاب الحركة تجاه النظام بدا أنه “مهادن للنظام”، منذ عام 2019، إلا أنه “يستخدم اليوم بشكل أكبر ضد الحركة من قبل الشيخ البلعوس”، كما قال الحلبي.

ففي تصريحات ليث البلعوس لـ”عنب بلدي” -مؤسسة إعلامية محلية معارضة، الأسبوع الماضي، قال: “من يظهر في تسجيلات مصورة شاكراً رئيس النظام بشار الأسد، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية كفاح الملحم، فإن تبعيته واضحة لمن”، في إشارة منه إلى تسجيل مصور للشيخ الحجار شكر فيه بشار الأسد واللواء كفاح الملحم، يعود للعام 2019.

وأضاف البلعوس أن “القائد العسكري المعارض للنظام لا يستطيع أن يذهب إلى ضاحية جرمانا في دمشق وبلدة حضر في القنيطرة سالكاً طريقه عبر الحواجز الأمنية”، في إشارة إلى زيارات أجراها الشيخ الحجار لتلك المناطق، آخرها زيارته إلى حضر في الرابع من الشهر الحالي.

يتخذ البلعوس موقفاً حاداً من النظام السوري منذ سنوات، ويتبنى موقفاً معارضاً، بدا أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة، لا سيما مع موجة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المحافظة بسبب تدني الخدمات وسوء المعيشة.

في مقابل ذلك، لم تطور “رجال الكرامة”، شعارها أبداً “وما يزال قائم على ذات الشعارات التي أعلنها مؤسسها، وتتمثل في: نحرم التعدي منا، ونحرم التعدي علينا”، بحسب الناشط الإعلامي زين الحلبي، لافتاً إلى أن مواقف الشيخ وحيد كانت قائمة على “مبدأ الفعل ورد الفعل مع النظام، ولم يطورها لحالة فصائل معارضة للنظام، وهي مستمرة إلى اليوم”.

ورداً على اتهامات ليث البلعوس لقائد الحركة الحالي بشأن شكره لبشار الأسد، قال الناشط الحلبي: “سبق للشيخ وحيد البلعوس شكر رئيس الجمهورية، في مقطع مصور، بعد حادثة خطف متبادل بين درعا والجبل، وهو نفسه شارك عام 2014 في الانتخابات الرئاسية وصوت لبشار الأسد”.

“تمتلك حركة رجال الكرامة الآن خطاباً أقل من المستوى المطلوب، ورغم تراكم الأزمات في المحافظة وتغوّل النظام فيها” إلا أن الحركة “بقيت تتصرف بشكل مهادن وأقرب للسلبية”، كما قال الكاتب والسياسي السوري، حافظ قرقوط، ابن محافظة السويداء، لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن الحركة تستند في شعبيتها “على الإرث الذي تركه لها الشهيد الشيخ وحيد البلعوس، في شعبيتها”.

وبناء على موقف الحركة الأخير “ابتعد البعض عن الحركة، وصارت عند شريحة من الشباب مصدر تهكم”.

رداً على ذلك، نفى المصدر الإعلامي في الحركة، أن الحركة غيّرت من سياستها، قائلاً: “نحن ثابتون على طرح الشهيد وحيد البلعوس، الذي قال أننا لسنا مؤيدين ولسنا معارضين”، ولافتاً إلى أن “الحركة كانت رأس الحربة في مواجهة واجتثاث العصابات التي تتبع للأجهزة الأمنية مثل راجي فلحوط”.

وتابع المصدر “من باع سلاح الشهيد وحيد البلعوس الشخصي للمدعو راجي فلحوط، لا يحق له الحديث عن مسار الكرامة اليوم”، في إشارة منه إلى اتهامات وجهت لليث البلعوس ببيع سلاح أبيه إلى راجي فلحوط، قائد قوات الفجر، التابعة للأمن العسكري السوري.، التي جرى اجتثاثها في تموز/ يوليو الماضي.

ليث البلعوس: ضياع البوصلة

يحاول ليث البلعوس استعادة موروث أبيه، “طامحاً بأن يكون زعيم في الجبل، وقائد عسكري للحركة”، وفقاً للناشط زين الحلبي، محذراً من أن “من يزرع هذه الأفكار برأس ليث يسوقه إلى مكان ليس جيداً، وقد يصل إلى حالة من الصدام العسكري مع رجال الكرامة، ويكون ذلك في خدمة النظام”.

يحاول البعض “تصدير ليث كواجهة للمحافظة، لكنه في الواقع لا يحمل ذات المكانة التي تصور له”، بحسب الحلبي، معتبراً أن “وزنه يعتمد موروث أبيه فقط”.

من جانبه، اعتبر المصدر الإعلامي في “رجال الكرامة” أن زعامة ليث للحركة “أمر مستحيل، فعناصر وقيادات الحركة مخلصة للشيخ أبو حسن يحيى الحجار، لعلمنا بمدى حكمته وشجاعته وطيب مزاياه”.

في المقابل، يبدو أن ليث البلعوس “غير راضٍ بأداء الحركة، واتخذ موقفاً منها لم يعلن سببه”، لكن ربما يكون السبب “ابتعاد الحركة عن خطها الأساسي الذي تشكلت من أجله”، بحسب الكاتب والسياسي حافظ قرقوط، معتبراً أن “دور الحركة صار أقرب للمجاملات الاجتماعية، وهناك فرق بين ما تفعله الحركة من التلون بألفاظ لم تكن بالمستوى المطلوب، وبين ما يفعله الشيخ ليث بوضوح خطابه وإعلان خصومته مع النظام بشجاعة وعناد”.

واتفق الأكاديمي والمعارض السوري د. يحيى العريضي، مع الطرح في أن “ليث يأخذ على الآخرين الليونة والدبلوماسية التي لم تعد تنفع مع منظومة الاستبداد، والتي لا يوفرها هو، ويعرف أنها وحزب الله وراء مقتل أبيه”، مضيفاً في حديثه لـ”سوريا على طول”: “ليث بموقفه هو صوت الناس، وصوت من لا صوت له، في إيضاح ما وصلت إليه المحافظة من فتن وفوضى ومخدرات”.

لكن، بالنسبة للمصدر الإعلامي من رجال الكرامة، فإن وراء سطوع نجم ليث البعوس، محاولة تصديره من مالك أبو الخير رئيس حزب اللواء، متهماً البلعوس الابن بـ”تلقي تمويل من الحزب لأجل مطامع شخصية”.

واتهم المصدر الإعلامي البلعوس بأنه “خالف وصية أبيه المرحوم الشهيد وحيد البلعوس، الذي كان يعمل على طرح عربي سوري جامع موحد وليس انفصالي طائفي”، مشيراً إلى أن حزب اللواء “يعمل على مشروع إدارة ذاتية درزية، يكون مالك أبو الخير رئيسها، وتجلى ذلك بشكل واضح في عدة أحداث أهمها التحريض الدائم على باقي الطوائف في المحافظة، وجرائم عديدة نفذها عناصر حزب اللواء وليث البلعوس ضد اثنين من بدو السويداء وقاموا بقتلهم وتعليقهم وتصويرهم بشكل مستفز”.

بمعزل عن الاتهامات الموجهة للبلعوس وأبو الخير، توقع الناشط زين الحلبي أن “تقارب ليث ومالك يشير إلى تغيير حزب اللواء من سياسته في المحافظة بعد مقتل قائد قوة مكافحة الإرهاب، التابعة لحزب اللواء سامر الحكيم في الصيف الماضي”، لذلك “يعمل مالك أبو الخير على التسويق لليث، في محاولة لجعله ورقة بيده ولأجل مشروعه السياسي”.

رداً على ذلك، قال الأمين العام لحزب اللواء السوري، مالك أبو الخير، أنه “لا عداء أو خلاف لنا مع حركة رجال الكرامة، ونحن لم نحرض أو نتدخل بأي نشاط ضد الحركة”، مشدداً في حديثه لـ”سوريا على طول” على أن “بيانات الحزب لم تهاجم أو تذكر الحركة بأي كلمة، وما يحدث داخلها انشقاقات داخلية، ونحن لا علاقة لنا بها”.

ونفى أبو الخير انتماء الشيخ ليث البلعوس لحزب اللواء أو تلقيه معلومات منه أو حتى حصوله على دعم من الحزب، معتبراً أن ما يقال هو محض شائعات “وليث ليس بحاجة لحزب اللواء أو لغيره لأخذ تعليمات منه”.

في المقابل، لم ينفِ أبو الخير تبني حزبه “فكرة الحكم الفيدرالي علناً”، ويسعى أن تكون سوريا القادمة “سوريا فيدرالية على خطى الدول المتقدمة التي تدعم هكذا نوع من الحكم”. وفي المحصلة، الحديث عن مشروع الحكم الذاتي أو غيرها من المشاريع “ليس حزب اللواء من يقرره، إنما المجتمع في السويداء بكل مكوناته عبر عمل ديمقراطي حضاري”.

وسط هذه الظروف، توقع الكاتب حافظ قرقوط، تطور الخلافات الداخلية في صفوف “رجال الكرامة” عازياً ذلك إلى “ترهل الحركة بشكل عام”. لكن هذا لا يعني أن يتطور المشهد ليصل إلى “نشوب صدام مسلح بين ليث البلعوس ورجال الكرامة”، وفق الناشط الحلبي، إذ “لا يمكن مقارنة حجم ليث بالحركة من ناحية البعد الاجتماعي والديني والعدد والعتاد”.

وفي ذلك، قال المصدر الإعلامي في “رجال الكرامة”: “الحركة لا توجه سلاحها للداخل خصوصاً أن الشيخ يحيى الحجار صرح منذ عدة أيام بعدم السماح للأجهزة الأمنية بتهديد مضافة الشيخ الشهيد وحيد البلعوس”، في أعقاب تهديدات وجهها أحد ضباط النظام للمضافة على خلفية الاحتجاجات في المحافظة.

 

* اعترض الأمين العام لحزب اللواء، مالك أبو الخير، على ما ورد في التقرير بأن “قوة مكافحة الإرهاب” تتبع للحزب، مؤكداً أن العلاقة بينهما علاقة تنسيق، لذلك تم تعديلها في 19/01/2023.

شارك هذا المقال