6 دقائق قراءة

دير الزور: صراع على البدائل المحدودة لملء الفراغ الأميركي

عمان- للأسبوع الثاني على التوالي، تتواصل احتجاجات أهالي محافظة دير الزور، شرقي سوريا، تعبيراً عن رفضهم دخول القوات الحكومية السورية إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المحافظة.


عمان- للأسبوع الثاني على التوالي، تتواصل احتجاجات أهالي محافظة دير الزور، شرقي سوريا، تعبيراً عن رفضهم دخول القوات الحكومية السورية إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المحافظة.

التظاهرات التي خرجت في ريفي دير الزور الشرقي والشمالي، يوم الجمعة الماضي، وأطلق عليها ناشطون اسم “جمعة الأسد وإيران محور الإرهاب”، جاءت في أعقاب اتفاقين منفصلين، لكنهما يعززان من حظوظ حكومة دمشق في السيطرة على مناطق جديدة شمال وشرق سوريا. إذ كانت “قسد” أعلنت التوصل إلى اتفاق مع دمشق، الأحد الماضي، ينص على انتشار القوات الحكومية على طول الشريط الحدودي مع تركيا. فيما توصلت أنقرة إلى اتفاق مع موسكو يسمح بوصول الأخيرة إلى الشريط الحدودي، ضمن آلية مشتركة بين البلدين تضمن إنشاء “المنطقة الآمنة” التي يريدها الأتراك بعمق 32 كيلومترا داخل الأراضي السورية.

ويتضمن الاتفاق التركي-الروسي انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) التي تشكل عماد “قسد”، من المنطقة الآمنة، على أن تدخل الشرطة العسكرية الروسية لمتابعة التنفيذ على الأرض، مع تسيير دوريات تركية روسية مشتركة على عمق 20 كيلومتراً. وقد جاء هذا الاتفاق قبل انقضاء العمل باتفاق تركي-أميركي مشابه، أعطت أنقرة بموجله مهلة 120 ساعة لـ”قسد” للانسحاب من حدود المنطقة الآمنة.

إحدى تداعيات التطورات السابقة أن “التظاهرات لم تتوقف منذ أسبوعين [في محافظة دير الزور]، بشكل شبه يومي”، وفق ما ذكر علي الشعيطي، من بلدة غرانيج بريف دير الزور الشرقي، لـ”سوريا على طول”، وبحيث “بلغت ذروتها يومي الجمعة الماضيين”. 

ويعبر المشاركون في التظاهرات، عن “رفض دخول النظام والإيرانيين إلى المنطقة، وطالبوا الأميركيين بالبقاء وحماية الناس والمنطقة”، بحسب الشعيطي. لافتاً إلى أن اتفاق “قسد” مع حكومة دمشق “زاد من سخط الناس ضد [قسد]، رغم معرفتهم أنه لا توجد خيارات أو بدائل أمامها”.

تخوف المكون العربي في شمال وشرق سوريا، لا سيما في دير الزور، من دخول النظام وروسيا إلى المحافظة، مبني على تجارب سابقة من الاعتقال والتنكيل بحقهم على يد القوات والأجهزة الأمنية الحكومية، كما قال مدير منظمة مجتمع مدني تنشط في ريف دير الزور. وقد عززها “تخبط الإدارة الأميركية في المنطقة”.

وأضاف المصدر لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن “إدارة [لرئيس الأميركي دونالد] ترامب يوماً تصرّح بأنها ستغادر، ومن ثم تتراجع. ومرة تقول إنها قضت على الإرهاب، وما تلبث أن تصرّح بأنها تعمل على مكافحته. ومرة تدعم حليفها، ومرة تبيعه. وهو ما زاد من تخوف الأهالي المناهضين للأسد من دخول النظام إلى المنطقة”. معتبراً أن هذا التخبط وضع المنطقة أمام مستقبل مجهول بحيث “لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث غداً”.

ولعل أحد المؤشرات الواضحة التي تعزز اتهام إدارة ترامب بـ”التخبط”، إرسال تعزيزات عسكرية أميركية إلى قاعدة حقل العمر النفطي، أمس السبت، بعد القرار بالانسحاب من شمال شرق سوريا نهائياً نحو العراق. فرغم إبداء ناشطين ارتياحاً لوصول التعزيزات، كون ذلك يعني منع وصول القوات الحكومية والمليشيات الإيرانية المتحالفة معها إلى المنطقة، إلا أن تناقض القرارات الأميركية يظل مبعثاً للتخوف دائماً من القادم.

مفترق طرق

في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” بدعوى تطهير المنطقة من “الإرهابيين” ممثلين بوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني. هذا بالإضافة إلى إنشاء منطقة آمنة تسمح بعودة لاجئين سوريين إلى بلادهم، بحسب الإعلان الرسمي التركي.

وفيما مثلت العملية التركية خلاصاً لمناهضي “قسد” شرق الفرات، فإن الاتفاقيات الإقليمية والمحلية المتعلقة بالمنطقة، والتي تلت “نبع السلام”، عزّزت من حظوظ النظام في المنطقة، برأي مدير منظمة المجتمع المدني.

وكما أوضح، فإن “هدف الروس هو إدخال النظام إلى المناطق التي خرجت عن سيطرته في شرق الفرات، ولو من خرم الإبرة. وقد أدى تصلّب “قسد” في موقفها، وعدم تطبيقها شروط مهلة الـ120 ساعة التي منحتها تركيا لها للانسحاب من كامل المنطقة إلى عمق 32 كيلومتراً، أسهما في إتاحة الفرصة لروسيا لإدخال النظام عبر الاتفاق مع تركيا”. وهو ما يعني بالمحصلة أن “المنطقة كاملة، وبكل مكوناتها، ستدفع الثمن”.

في الأثناء، بدأت حكومة دمشق تحريك خلاياها في شرقي سوريا، بهدف كسب تأييد الشارع، بحسب ما ذكرت مصادر عدة لـ”سوريا على طول”.

وفي هذا السياق، عاد اسم نوّاف البشير إلى الواجهة، وهو أحد مشايخ عشيرة “البقارة” الذي تحوّل من معارض لحكومة دمشق إلى أحد رجالاتها. إذ وجهت له اتهامات “بمحاولة كسب ولاء الأهالي والترويج لإيران بشكل خاص، من خلال المال”، بحسب ما كشف عمر الشعيطي. كما أكد ذلك مدير منظمة المجتمع المدني، مستدركاً بأن “مساعي البشير في التشييع لن تنجح، لعدم وجود امتداد حقيقي له في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام”.

مع ذلك، لا يجب التقليل من خطر مد خلايا دمشق نفوذها في دير الزور في حال انسحب التحالف الدولي من المنطقة. إذ إن “أهالي المنطقة لن يصمدوا في وجه النظام”، بحسب ما كشف مصدر عسكري معارض يتواجد في منطقة الـ55 التي تضم قاعدة التنف الأميركية، جنوب سوريا. وعلى حد وصفه، فإن “انسحاب التحالف من المنطقة قد يدفع الأهالي إلى محاولة منع النظام من الدخول إلى المنطقة بالقوة، لكنهم في نهاية المطاف لن يمنعوه، لأن معظم أبناء دير الزور في الجيش الحر موزعين على الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي، وجنوب سوريا، بمحيط قاعدة التنف”.

ونظرياً، يبدو الجيش الحرّ أحد الخيارات الجيدة لأهالي دير الزور، كونه يسدّ الفراغ الذي قد يحدثه الانسحاب الأميركي، ويعوَض ضعف “قسد” بعد الاتفاقات الأخيرة، عدا عن وجود حاضنة شعبية له في المنطقة. لكن وصول مقاتلي الجيش الحر إلى المنطقة لا يبدو وارداً إلى الآن.

إذ قال عضو المكتب الإعلامي في جيش مغاوير الثورة لـ”سوريا على طول”، إنه “رغم وجود تجاذبات سياسية في المنطقة، لكن لا توجد نية للتحرك حتى الآن”.

في المقابل، فإن “وصول مقاتلي الشرقية [من أبناء دير الزور] في الجيش الوطني، المشارك في عملية نبع السلام، قد يمثل حلاً فيما لو سمحت تركيا بذلك. لكن حدود نبع السلام مرسومة مع روسيا والنظام”، بحسب ما ذكر المصدر العسكري من منطقة الـ55.

وكون “قوام الجيش الوطني السوري من أبناء القبائل والعشائر شرق سوريا، فقد طالب مجلس القبائل والعشائر السورية الجيش الوطني بأن تمتد المنطقة الآمنة إلى مسافة أعمق من 32 كيلومتراً، لضمان عدم تقدم النظام وإيران في ريف دير الزور”، بحسب ما صرّح المتحدث الرسمي باسم المجلس، مضر حماد الأسعد، لـ”سوريا على طول”.

لكن “إرادة القبائل والعشائر السورية اصطدمت بالاتفاقات الدولية”، وفقاً للأسعد. ذلك أن “كثيراً من الدول العربية والأجنبية، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، ترفض رفضاً قاطعاً تشكيل منطقة آمنة، بسبب دعم [هذه الدول] اللامحدود لقوات قسد”.

الصراع على العشائر

في أعقاب عملية “نبع السلام” بدأ تحرك العشائر العربية شرق الفرات لبحث مستجدات المنطقة ومستقبلها. إذ عقدت عشيرة العكيدات، بقيادة الشيخ جميل رشيد الهفل، اجتماعاً في ريف دير الزور الشرقي، للخروج بإجماع على حل مناسب.

وقد جاء الاجتماع عقب إبلاغ “قسد” الشيخ الهفل نية الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، وضرورة البحث عن بديل، وأن “قسد” تحضر لاجتماع مع الروس في قاعدة حميميم، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”، مصدر مع منطقة الشحيل بريف دير الزور الشرقي، كان حاضراً الاجتماع.

في المقابل، عقد الشيخ نواف عبد العزيز المسلط، شيخ قبيلة الجبور، اجتماعاً ضم ممثلين عن قبيلته وقبائل سورية أخرى، في قصر عبد العزيز المسلط في قرية تل براك بريف الحسكة، تحت حماية “قسد” وبحضور الأجهزة الأمنية السورية. وفيما لم ينته الاجتماع إلى نتائج محددة معلنة، فقد ذكرت وسائل إعلام محلية سابقاً أن هدفه هو تشكيل جيش عشائري باسم “الحشد العشائري السوري”، سيحظى بدعم كلٍّ من الرياض ودمشق وموسكو والأكراد.

ورغم أن الشيخ الهفل لم يحضر اجتماع تل برّاك، فإن اجتماعه مع العكيدات في ريف دير الزور الشرقي، خرج باقتراحات قريبة، لاسيما “تشكيل جسم عسكري موحد بين العشائر لإدارة المنطقة وسدّ فراغ الانسحاب الأميركي من المنطقة”، إضافة إلى “إدخال الشرطة الروسية [إلى المنطقة]، وإدخال بعض ضباط النظام بإدارة مجلس دير الزور المدني الحالي، مقابل منع انتشار الإيرانيين في المنطقة”، بحسب ما كشف المصدر الذي كان حاضراً في الاجتماع.

وتعد الورقة العشائرية مصدر قوة في شمال وشرق سوريا، ما يفسّر الصراع عليها واستخدامها من قبل الفرقاء للسيطرة على المنطقة. إذ تستخدم حكومة دمشق والإدارة الذاتية (التابعة لـ”قسد”) العشائر لكسب ودّ أهالي المنطقة، وتعزيز نفوذهما، كما يظهر في تنظيم كلا الفريقين اجتماعات بين فترة وأخرى للعشائر هناك.

في المقابل، رعت تركيا ولادة “مجلس القبائل والعشائر السورية”، الذي تم الإعلان عنه في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، الواقعة تحت فصائل الجيش الحر المدعومة من تركيا.

بدوره، انعكس هذا الاهتمام الكبير بدور العشائر العربية في المنطقة على قوتها، إذ “أصبحت مشتتة القدرات ومتعددة الولاءات، بالتالي ذات دور معدوم”، كما ذهب نائب الأمين العام لائتلاف شباب القبائل والعشائر العربية، الشيخ نضال الإبراهيم، في حديثه إلى “سوريا على طول”.

معتبراً أنه إذا كانت العشائر العربية عاجزة عن التحرك الفعلي للحيلولة دون وقوع مخاطر تتمثل في دخول حكومة دمشق إلى منطقة شرق الفرات، فإن “الرهان الأخير والأهم معقود على شباب العشائر والقبائل في المنطقة”.

من ناحية أخرى، فإن “التقاء مصالح أهالي دير الزور مع توجه أميركا وحلفائها في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، ربما يمثل طوق النجاة لأهالي المنطقة. ومن دون ذلك فإن الحراك الشعبي، الذي قد يتطور إلى حراك مسلح، هو البديل”، كما قال االمصدر من بلدة الشحيل.

محذراً في الوقت ذاته من أن “القادم أسود للمنطقة إذا تخلت أميركا عنها. إذ إنه لم يعد إلى المناطق التي سيطر عليها النظام في دير الزور سوى 25 بالمائة من أهلها، بسبب ممارسة النظام وتضييقه على المدنيين هناك”.

شارك هذا المقال