6 دقائق قراءة

ذوو الأطراف الصناعية في إدلب منسيون وراء أزمة “التمويل” فماذا بعد الزلزال؟

لطالما كانت المنظمات الطبية المحلية والدولية، في السنوات الأولى لاندلاع الثورة السورية، تبحث عن مبتوري الأطراف، بهدف دعمهم، فيما يجد المبتورون في شمال غرب سوريا، اليوم، صعوبة في إيجاد جهة تتبناهم، وتقدم لهم خدمات تركيب الأطراف أو صيانتها


8 مارس 2023

محمود حمزة

إدلب- في سهول بلدة البارة بريف إدلب الجنوبي، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، المطل على مسقط رأسه في بلدة كفروما، وقف محمد العقدة، 29 عاماً، حالماً بـ”العودة إلى بيتي وأرضي ومصدر رزقي”، التي هُجّر منها بعد سيطرة النظام السوري عليها، مطلع عام 2020، لكن انفجار لغم أرضي تسبب ببتر قدمه اليمنى، حوّل حلمه إلى مجرد “الحصول على طرف صناعي”.

يتشارك العقدة، الأب لأربعة أطفال، مع النازحين في مخيمات إدلب همومهم، نتيجة سوء الظروف المعيشية والاقتصادية، لكن حياته صارت أشدّ قسوة بعد أن خسر قدمه، وتالياً عمله في مجال البناء، ليقضي يومه حالياً، في مخيمات كللي، طريح الفراش يفكر في مستقبله ومستقبل أطفال، ويكتفي بسلة المساعدات الشهرية التي يحصل عليها في إطعام عائلته، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لطالما كانت المنظمات الطبية المحلية والدولية، في السنوات الأولى لاندلاع الثورة السورية، تبحث عن أمثال العقدة لتقديم العلاج وتركيب أطراف لهم. لكن مبتوري الأطراف اليوم يعجزون عن إيجاد جهة تتبناهم، وفقاً للعقدة، الذي يعتمد على عكازه للتنقل قرب خيمته، “محروماً من إيجاد عمل وأنا على هذه الحال”.

بعد زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، الذي ضرب سوريا وتركيا، وأودى بحياة 3697 شخصاً وإصابة نحو 15 ألف شخص في سوريا، بينهم العديد من حالات بتر الأطراف، عادت أزمة “الأطراف الصناعية” إلى الواجهة في شمال غربي البلاد، المنطقة الأكثر تضرراً من الزلزال.

“لا شك أن الزلزال نقطة فارقة، لأن عدد الأشخاص الذين يحتاجون لتركيب الأطراف الصناعية أكبر بعد الزلزال”، كما قال حسن الاسماعيل (اسم مستعار)، الذي يعمل فنياً في مركز تركيب أطراف صناعية وأجهزة تقويمية في إدلب.

وأوضح الاسماعيل في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “الكثير من المنتشلين من تحت الأنقاض عانوا من متلازمة هرس الأطراف، التي تؤدي بالضرورة للبتر”، وتخوف من حدوث أزمة “أطراف” في حال عدم استجابة الجهات المانحة، مشيراً إلى أن “الأزمة ستكون أكثر وضوحاً بعد ثلاثة أشهر من وقوع الزلزال، حيث يكون المصاب انتهى من العلاج الإسعافي، وقادراً من الناحية الجسدية على تركيب الطرف واستعماله”.

اقرأ أيضاً: “متلازمة الهرس” والسرطان: الزلزال يضرب القطاع الصحي في إدلب ويكشف عجزه

حتى الآن “ما زالت عوامل الاستجابة لمراكز الأطراف الصناعية نفسها قبل كارثة الزلزال”، كما قال الدكتور محمد كتوب، خبير في مجال المناصرة للاستجابة الإنسانية وحماية عمال الإغاثة في سوريا، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “موضوع الأطراف الصناعية يشكل أولوية، ولكن المشكلة هي بالمانحين، من ناحية تخصيص موارد لهذا الجانب أم لا، وفي حال استمرت الاستجابة لهذا القطاع، كما كانت قبل الزلزال، فلن نشهد تحسناً ملحوظاً فيه”.

محمد العقدة واحد من أصل نحو 15 ألف شخص بحاجة إلى تركيب أطراف صناعية أو صيانتها، بحسب أحمد الحمدو، مدير المشروع الوطني للأطراف الصناعية في إدلب، الذي أغلق أبوابه مطلع العام الحالي، بسبب وقف الدعم عن المركز، مشيراً إلى أن 60% من هؤلاء لا يملكون طرفاً صناعياً نهائياً. هذا الرقم هو تقريبي حتى ما قبل وقوع كارثة الزلزال، وحاولت “سوريا على طول” الحصول على أعداد مبتوري الأطراف في شمال غرب سوريا، بفعل الزلزال، لكن لا توجد إحصائية رسمية بهذا الخصوص، بحسب ما ذكرت عدة مصادر طبية.

من جهته، قال الدكتور ملهم غازي، مدير دائرة المستشفيات في وزارة الصحة بحكومة الإنقاذ، أن “مديرية الصحة وثقت 15 حالة بتر أطراف، بفعل الزلزال، خلال أول يومين من حدوثه”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن تأثير الزلزال على عمل مراكز الأطراف الصناعية لم يظهر حتى الآن.

خلال ثماني سنوات، قدم المركز الذي يديره الحمدو، وهو واحد من أربعة مراكز تقدم خدماتها مجاناً، أكثر من خمسة آلاف طرف صناعي. مع توقف الدعم عنه، حاولت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، الواجهة المدنية لهيئة تحرير الشام، وضع يدها عليه وتشغيله، شريطة أن يكون تحت إدارتها، لكن حتى الآن “لم يحدث شيئاً والمركز متوقف عن تقديم الخدمات”، بحسب الحمدو.

منذ عام 2020، بدأت العمليات العسكرية والقصف على شمال غرب سوريا بالانخفاض تدريجياً، لكن ما تزال الألغام تهدد حياة السكان في آخر مناطق سيطرة المعارضة، وكذلك مناطق سيطرة النظام، التي استعاد السيطرة عليها. إذ بحسب تقرير صادر عن مجموعة الحماية العالمية، في أيار/ مايو 2022، تعرض شخص من كل شخصين في سوريا لخطر الموت والإصابة بالذخائر.

وجاء في التقرير أن أكثر من ثلث ضحايا الذخائر قتلوا، بينما يعاني واحد من كل ثلاثة ناجين من بتر أحد الأطراف، واثنان من كل ثلاثة تعرضوا لإصابات يستمر أثرها مدى الحياة.

أزمة ما بعد الحصول على طرف

قبل أربع سنوات، بتر جزء من القدم اليسرى لحسان حاج أحمد، 44 عاماً، نتيجة مضاعفات مرض السكري، وبعد عامين من بترها تمكن من الحصول على طرف صناعي. 

أجرى حاج أحمد، المقيم في بلدة أبو طلحة شمال غرب إدلب، عملية بتر جديدة للساق نفسها، قبل عدة أشهر،  ما يعني أنه بحاجة إلى إجراء تعديل (صيانة) على الطرف الصناعي القديم، ليتناسب مع حالته الجديدة، ولكنه لم يتمكن من ذلك حتى الآن، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لم يجد حاج أحمد مركزاً عاماً أو منظمة خيرية تجري التعديل لطرفه الصناعي، فتواصل مع مركز خاص وشرح حالته المرضية. ليتبين أن تعديل الطرف يتطلب “تغيير القالب وحشوة السيليكون، بكلفة 400 دولار أميركي، وهو مبلغ لا أملك منه إلا عشرة دولارات”، على حد قوله.

لذلك، عاد حاج أحمد كما كان قبل تركيب الطرف “مقعداً ألتزم بيتي من جديد، وتقتصر حركتي على التنقل بين الفراش والحمام فقط”.

قال أحمد الحمدو، مدير مركز المشروع الوطني للأطراف الصناعية “تحتاج الأطراف الصناعية صيانة دورية، وهو أمر طبيعي، ويتطلب ذلك تأمين قطع ومواد أولوية”، لكن نظراً لأزمة الدعم “هناك أكثر من 1500 حالة، غير مخدّمة في إدلب، تحتاج إلى صيانة أطراف أو استبدال الطرف بآخر جديد”.

تبرز مشكلة تعديل الأطراف أو تبديلها عند فئة الأطفال المبتورين على شكل خاص، لأن “الطفل بحاجة إلى استبدال الطرف بشكل دوري، كل ثمانية أشهر تقريباً، نظراً لنموه وتغيّر بنيته التشريحية”، كما أوضح حسن الإسماعيل، الفني في مركز تركيب أطراف بإدلب.

بعد أن فتحت وزارة الصحة التابعة لحكومة الإنقاذ باب ترخيص مراكز الصناعية، في الأول من تموز/ يوليو 2022، بلغ عدد مراكز صناعة الأطراف الصناعية في إدلب، 10 مراكز، منها أربعة تقدم خدماتها مجاناً، وفقاً للدكتور ملهم غازي، مدير دائرة المستشفيات في وزارة الصحة، منها مركز تابع للوزارة في مدينة سرمدا، تم افتتاحه في حزيران/ يونيو 2021، وآخر سيفتتح قريباً في مدينة إدلب، بحسب غازي.

المراكز المجانية لا تغطي احتياجات مبتوري الأطراف، كما أن أجور المراكز الخاصة “لا تتناسب مع دخل الأفراد في المنطقة، على سبيل المثال: أبسط  قطعة في صناعة الطرف يبلغ ثمنها 100 دولار أميركي، والقالب 150 دولاراً، أما حشوة السيليكون تصل إلى 250 دولاراً”، وفقاً للحمدو.

نقص الكوادر والتمويل 

في فترة عمل مركز المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية بإدلب، كان يستقبل المركز حالات تريد صيانة أطراف تم تصنيعها في مراكز خاصة، كما قال أحمد الحمدو، عازياً ذلك إلى “نقص الخبرات وخروج عدد من الفنيين ذوي الخبرة للعمل في المراكز المدعومة بمناطق سيطرة الجيش الوطني بريف حلب”.

تأكيداً على ذلك، قال عبد السلام العمر (اسم مستعار) أنه اضطر إلى إعادة تركيب طرف صناعي في مركز الأطراف الصناعية في بلدة عقربات بريف إدلب الشمالي، العام الماضي، نتيجة “عدم مطابقة الطرف القديم لحالتي، الذي حصلت عليه من مركز خاص، بتكلفة 700 دولار”، كما أوضح الرجل الستيني المهجر من جبل الزاوية، جنوب إدلب، إلى مخيمات أطمة في شمال المحافظة.

ويتفق الدكتور ملهم غازي مع أن مشكلة مراكز الأطراف الصناعية في إدلب لا تقتصر على التمويل فحسب، وإنما “في تأمين الكوادر الفنية المؤهلة للعمل في هذا المجال”. هذا لا ينفي أن نقص التمويل من أهم التحديات التي تعيق عمل المراكز.

“يعاني قطاع الأطراف الصناعية بشكل مستمر من انقطاع التمويل”، وفقاً للفني حسن الإسماعيل. لذلك، بعد سنوات من عمل هذه المراكز “لم ترتقِ إلى مستوى سد احتياجات المبتورين، وهو أكبر بكثير من قدرة المراكز”، بحسب قوله.

في السنوات الأولى من الحرب السورية، كانت مراكز الأطراف الصناعية “تعتمد على الدعم المقدم من المنظمات والمؤسسات الإنسانية، لكن في الفترة الأخيرة تعتمد على منح محدود”، كما أوضح الإسماعيل، مشيراً إلى بعض المصابين يحصلون على خدمات مجانية في المراكز الخاصة، حيث “تتكفل منظمات أو أشخاص بدفع التكاليف للمركز”، وهي “حالات قليلة”.

ومن التحديات التي يواجهها الأشخاص المبتورين أن الداعمين يسعون إلى توزيع المبالغ المخصصة على أكبر عدد من المرضى، وهو ما قد يحرم شريحة من المصابين، مثل مبتوري الأطراف العلوية نظراً لتكلفتها المرتفعة، وفقاً للإسماعيل، إذ “يمكن تخديم 20 حالة بتر من تحت الركبة بتكلفة تركيب طرف علوي واحد”.

وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد كتوب أن مراكز الأطراف الصناعية “تحصل على تمويلات محددة بعضها من منظمات دولية متخصصة، مثل منظمة الإنسانية والاندماج (Humanity and Inclusion) أو تمويلات مانحين أفراد”. أما “التمويلات الحكومية والأممية في هذا القطاع فهي متدنية، لاسيما مع تقليص التمويل”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

وأرجع كتوب ضعف تمويل مشاريع الأطراف الصناعية إلى “بنية الاستجابة الطارئة، ونسبة تغطية الاحتياج من التمويل”، مشيراً إلى أن القطاع الوحيد الذي تجاوز نسبة دعمه 50% من تغطية الاحتياجات هو الغذاء، بينما نسبة تغطية قطاع الصحة بلغت 26% فقط، وفق خطة الاستجابة الإنسانية الخاصة بسوريا لعام 2022–2023، كما جاء في موقع خدمة تعقب التمويل لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة.

لكن، هذا لا ينفي أن تراجع الدعم مرتبط أيضاً بتراجع العمليات العسكرية والقصف في سوريا، وفقاً لأحمد الحمدو، منتقداً ربط الجهات المانحة والمنظمات بين دعم قطاع تركيب الأطراف وبين التصعيد العسكري، خاصة أن بعض الإصابات تكون بالذخائر غير المنفجرة أو لأسباب مرضية، كالبتر نتيجة مضاعفات مرض السكري.

كان وقع الزلزال كبيراً على أحمد العقدة، ومع أنه لم يتضرر جسدياً من الزلزال، إلا أنه يحلم بـ”الحصول على طرف صناعية في حال عودة دعم مراكز الأطراف بعد حدوث الكارثة”، متمنياً من الجهات المانحة التي “أولت اهتماماً كبيراً بالزلزال، وقدمت المساعدات للمنكوبين، أن تضع مراكز الأطراف ضمن أولوياتها”.

شارك هذا المقال