5 دقائق قراءة

ذوو الإعاقة من أبناء السوريين في الاردن: حرمان من التعليم تزيد مصاعب اللجوء

عمان – في إحدى شقق مجمع سكني بمنطقة أبو نصير […]


6 أبريل 2021

عمان – في إحدى شقق مجمع سكني بمنطقة أبو نصير الشمالي، إحدى ضواحي العاصمة الأردنية عمّان، تجتمع نساء لشرب قهوة الصباح في مشهد عادي ومألوف، لا يميزه إلا أن جميع النساء هن لاجئات سوريات أرامل، فررن من رحى الحرب الدائرة في وطنهن، بحثاً عن الأمان لهن ولأولادهن.

المجمّع ذو الإطلالة الجميلة، وحيث يلعب أطفال على أدراجه ويمرحون، يؤوي 17 أرملة سورية مع أولادهن، ليس لهن إلا بطاقات المساعدات الغذائية (الكوبونات)، المقدمة من برنامج الأغذية العالمي ومساعدات أهل الخير التي قلصتها تداعيات وباء كورونا (كوفيد-19)، فيما تتكفل جمعية خيرية كويتية بأجرة السكن. لكن هذه الموارد “لا تغطي كلف التعليم والخدمات الصحية، خصوصاً لمن لديهن أولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة”، كما قالت أم أحمد، إحدى السيدات المقيمات في المجمع، لـ”سوريا على طول”.

شبح الأمية يطارد ذوي الاحتياجات الخاصة

“أنا مو دايمتله. شو بده يصير بابني إذا صار لي شي؟”. بهذه العبارة تختزل أم أحمد، 34 عاماً، مخاوفها على مستقبل أكبر أبنائها، 18 عاماً، الذي حُرم من حقه في التعليم بسبب إعاقة حركية لازمته منذ الطفولة.

ففي العام 2004، وقبل أن يُتمّ أحمد عامه الأول، لاحظت الأم، كما روت، أن حركة رجليه غير طبيعية، وليتبين لاحقاً أن سببها وجود كتلة ضاغطة على منطقة حساسة في حبله الشوكي، تسببت له بشلل في الجزء السفلي من جسده أقعدته على كرسي متحرك، فيما أمل نجاح عملية إزالة الورم ضعيف، كما يقول أطباء.

رغم إعاقته، درس أحمد، الذي فقد والده بجلطة قلبية العام 2009، بمدارس ريف حمص حتى الصف الرابع حين اضطُرت أمه، عقب اندلاع الثورة السورية في العام 2011، إلى الفرار به رفقة إخوته الأربعة إلى الأردن. وبعد فترة أمضوها في مخيم الزعتري، شمال الأردن، انتقلت الأم وأولادها إلى سكن الأرامل منذ ست سنوات، بمساعدة أحد أقارب زوجها في عمّان.

منذئذ لم تتوقف محاولات الأم القلقة لتسجيل أحمد في أي مدرسة قريبة من بيتها. غير أن جميع محاولاتها قوبلت بالرفض، كما قالت. إذ رغم موافقة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووزارة التربية والتعليم الأردنية، فإن المدارس الحكومية غير مهيأة لاستقبال ذوي الإعاقات الحركية. فيما حالت الرسوم الباهظة دون تسجيله في مدرسة خاصة.

هكذا، لم يبق من خيار أمام أم أحمد المصرّة على إنقاذ ولدها من براثن الأمية التي تعاني هي منها، إلا تسجيله في حلقات لتحفيظ القرآن الكريم في مساجد المنطقة، “ليتقن اللغة العربية قراءة وكتابة”، كما أوضحت، و”أملاً في أن يصبح مُحفِّظا للقرآن بما يكفل له دخلاً يغنيه عن سؤال الناس في المستقبل”.

الطفل أحمد يجلس على كرسي متحرك ويتلو آيات من القرآن الكريم في منزله بمنطقة أبو نصير في العاصمة الأردنية عمان، 2/ 3/ 2021، (سوريا على طول)

معاناة من نوع آخر

في الشقة الواقعة أسفل مسكن أحمد، تجلس رقية، 16 عاماً، أمام شاشة التلفاز في غرفة الجلوس، وقد مدت ساقيها الملفوفتين بالجبس والشاش على طاولة صغيرة، بعد إجرائها عملية جراحية لتصحيح انحراف فيهما.

ويتوقع الأطباء أن تتمكن رقية المصابة بضمور في الدماغ وارتخاء في أعصاب الرجلين منذ ولادتها العام 2005، من المشي بمساعدة مشاة (ووكر)، بعد العملية الأخيرة، إذا ما تبعتها جلسات علاج طبيعي مكثفة. وبما قد يسمح لها بالالتحاق بالمدرسة، بعد سنوات من عدم القدرة على ذلك نتيجة الإعاقة. 

“هذه العملية الجراحية الخامسة لرجلي رقية؛ عمليتان في سوريا، وثلاث في عمان”، قالت والدة الفتاة، هدى سلوم اللاجئة إلى الأردن من ريف حمص أيضاُ منذ العام 2012، لـ”سوريا على طول”.

لكن سلوم، الأرملة السورية التي فقدت زوجها منذ العام 2012، والتي جمعت تكاليف عملية ابنتها البالغة 5,000 دينار من متبرعين، لا تستطيع تكبد تكاليف العلاج الطبيعي. إذ إن مجموع ما تحصل عليه من نظام “بصمة عين” ( المستخدم من المفوضية لتقديم المساعدات النقدية للاجئين) 125 دينار تقريباً بالكاد يكفيها، مع “كوبونات” برنامج الغذاء العالمي، لتغطية مصاريف العائلة المكونة من ثلاثة أولاد، منهم رقية.

وتخشى سلوم عجزها عن مواصلة حمل ابنتها الشابة إلى غرف بيتها والمطبخ ودورة المياه، كما عيادات الأطباء، بعد أن تحطمت أكثر من 10 عربات أطفال تكفلت بمهمة حملها في السنوات الماضية، فيما لا تملك كرسياً متحركاً يناسب سنها وجسدها.

قانون “رائع” ينتظر التطبيق

منذ العام 2007، تبنى الأردن قانوناً خاصاً بـ”حقوق المعوقين”، والذي حل مكان قانون رعاية المعوقين رقم (12) لسنة 1993. لكن القانون الذي حدد الجهات المعنية المسؤولة عن تطويع المرافق والشوارع وسيارات الأجرة والحافلات والشواخص المرورية، وأفرد بنودًا تفصيلية لخطة عمل شاملة لإدماج ذوي الإعاقة، يظل “رائعاً نظرياً”، على حد وصف نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، “لكنّه لا يعني شيئا للأشخاص ذوي الإعاقة إذا لم تضعه الحكومة قيد التنفيذ”. 

تبرز هذه الفجوة خصوصاً في حالة التعليم. إذ عُدل القانون في العام 2017 بما يُلزم وزارة التربية والتعليم بقبول تسجيل الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية، بحيث نصت المادة 17 منه على أنه: “يُحظر استبعاد الشخص من أي مؤسسة تعليمية على أساس الإعاقة أو بسببها”. لكن في الواقع ظل الأشخاص ذوو الإعاقة يعانون صعوبات الدمج، ولم تحقق تعديلات القانون الغاية منها.

إذ بحسب رئيس المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمير مرعد بن رعد، لا يتجاوز عدد الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس، مع بداية العام 2020، مجموع 27 ألف طالب من أصل ما يقدر بـ335 ألف طفل معوّق في سن التعليم، وبما يعني حرمان نحو 92% من هؤلاء الأطفال حقهم في التعليم. وقد جاءت تصريحات الأمير بمناسبة إطلاق وزارة التربية والتعليم والمجلس الإستراتيجية الوطنية “العشرية” للتعليم الدامج، والتي تهدف إلى رفع نسبة الأطفال من ذوي الإعاقة الملتحقين بالتعليم النظامي الى 10% من نسبة الطلبة المعوقين خلال الأعوام العشرة اللاحقة.

وبحسب دراسة صادرة عن دائرة الاحصاءات العامة في العام 2015، فإن من بين كل تسعة أفراد في سن الخامسة فأكثر، في الأردن، يوجد شخص لديه إعاقة، بنسبة تبلغ نحو 11%.

“عزم”

منذ العام 2008، نفذت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالتعاون مع الصندوق الأردني للتنمية البشرية “مشروع “عزم” الذي يستهدف أساساً اللاجئين السوريين وأصحاب الجنسيات الأخرى، و”يسعى إلى تحسين نوعية الحياة التي يعيشها الأشخاص ذوي الإعاقة من اليوم الأول في أعمارهم وحتى 59 عاما، وكبار السن من سن 60 فما فوق”، كما قال الناطق الرسمي باسم المفوضية في الأردن، محمد الحواري، لـ”سوريا على طول”.

موضحاً أنه بموجب المشروع، “تقدم المفوضية الأجهزة الطبية -المعينات الحركية- عن طريق فريق عمل ميداني مكون من مختص في العلاج الطبيعي، ومرشد نفسي، ومعلم تربية خاصة، كما تقدم أيضا “خدمة التأهيل وجلسات العلاج الطبيعي، لتمكين المستفيدين من ذوي الإعاقة من الوصول إلى مستويات وظيفية بدنية وحسية وفكرية ونفسية واجتماعية، والمحافظة عليها بواسطة التحويل إلى مراكز التأهيل المعتمدة. إضافة إلى “خدمتي الفوط الصحية، وأنشطة الدعم النفسي -الاجتماعي”.

ومن أصل حوالي 664 ألف لاجئ سوري مسجلين في المفوضية، يعاني 3.5% منهم، أو ما يقارب 26 ألف شخص، من إعاقات، بحسب إحصاءات المفوضية الصادرة في شباط/فبراير الماضي، بحسب حواري. 

وبانتظار تحقق حلم ذوي الإعاقة بإدماجهم في المجتمع، وتمكينهم من حقوقهم ومنها الحق في التعليم، يجلس أحمد على كرسيه مقابل النافذة المطلة على شارع الأردن، يشاهد الحافلة التي تقل جارَيه الكفيفين في السكن  نجم وأمير، من مدرسة عبد الله ابن ام مكتوم للمكفوفين، فيما تنتظر رقية أن تجلس على كرسي متحرك قريباً.

شارك هذا المقال