4 دقائق قراءة

رسالة من مضايا المحاصرة :أعتبر نفسي قطعة جماد لا تشعر.. لا تفكر.. ولا تنمو

ذكرت الأمم المتحدة في تشرين الثاني الماضي أن ما يقارب […]


9 فبراير 2017

ذكرت الأمم المتحدة في تشرين الثاني الماضي أن ما يقارب المليون سوري يعيشون الآن قيد الحصار، وهو الرقم الذي ارتفع من 393 الف سوري في الوقت ذاته من السنة السابقة.

وبات “الرعب الآن اعتيادياً”، وفق ما قال ستيفين أوبراين، منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة في تشرين الثاني في بيان له أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك.

وأضاف “أن مستوى العنف والدمار هذا، يبدو وأن العالم يعتبره طبيعياً لسوريا وطبيعياً للشعب السوري”.

وحازت إحدى المناطق على تركيز خاص في تقرير الأمم المتحدة، وهي مضايا، التي كانت يوما منتجعاً صيفياً، والتي تبعد 26كم شمال غرب العاصمة دمشق، وتضم 4000 نسمة، ويطوقها النظام وقوات حزب الله منذ تموز 2015 ويفرضون عليها حصاراً خانقاً تم تشديده بزرع آلاف الألغام البرية من حولها. والنتيجة: مجاعة، ومحاولة الأهالي سد رمقهم بأوراق الشجر والأعشاب وبقايا الطعام.

وتُملي عليهم اتفاقية هدنة معقدة، كثيراً ما تم انتقادها فيما إذا كان سيُسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى مضايا أو سيتم إخلاء الحالات الطبية الحرجة من البلدة.

محمد درويش في إطلالة على مضايا، حقوق نشر الصورة لـ محمد درويش.

وفي أيلول عام 2015، وقع أهالي مضايا والزبداني، بلدتين في ريف دمشق يُحاصرهما النظام، وبلدتي الفوعة وكفريا في محافظة إدلب اللتين يحاصرهما الثوار، “اتفاقية البلدات الأربعة”، والتي نصت على أن جميع المساعدات وحالات الإخلاء الطبي تحدث بالتزامن عبر البلدات الأربعة.

فحالات الإخلاء الطبي سواءً كانت إصابة برصاص قناص أو مرض خطير يهدد بالحياة لن تخرج ما لم يكن هناك حالة مشابهة من الطرف الآخر.

ولأن البلدتين متشابكتان بالاتفاقية، فالهجوم على الفوعة وكفريا من قبل الثوار، يمكن أن يؤدي إلى وابل من القصف ورصاص القناصة في مضايا، والعكس صحيح.

من داخل مضايا، بقي الدكتور محمد درويش، واحد من ثلاثة اختصاصيين طبيين؛ طالبي طب أسنان وطبيب بيطري. ومنذ الأيام الأولى في الحصار، المصدر الأساسي لسوريا على طول، على الأرض، في توثيق وباء السحايا وجرحى القناصة ومرضى الفشل الكلوي 

ورغم أن درويش طالب طب أسنان سابقاً، لكنه ساعد في إجراء كافة العمليات الطبية في البلدة وسط القصف شبه اليومي ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية المستمر. لكنه الآن، مُتعب.

وسرد درويش لألاء نصار، مراسلة سوريا على طول، برسالة من مضايا “كل مافي حياتي متوقف بفترة الحصار، حيث أنني أعتبر نفسي قطعة جماد لا تشعر، لا تفكر، لا تنمو، أشعر بأن قدراتي العقلية تتراجع (…) أعتقد بأن 10 حيوات من الحياة التي عشتها لا تعوضني عما فاتني”.

وتابع “وصلنا لمرحلة نريد أن ننهي مأساتنا كيف وبأي طريقة لم يعد يهمنا”.

وقال الدكتور درويش في رسالته: أشعر بأننا في ثقب أسود خارج نطاق الزمان والمكان، مكاننا وزماننا بعيد ومختلف عن باقي العالم، لا أحد يشعر بنا وبما نعانيه حتى أهالي مضايا القاطنين في الخارج لم يصدقوا بأنه بالفعل هناك أناس ماتوا عندما حدثت مجاعة في مضايا وما أرفق من صور لأناس ماتوا بسبب الجوع، رغم أن الصغار وكبار السن في مضايا تراهم يوميا يبحثون في المزابل في محاولات لجمع أكياس من النايلون والكرتون والنفايات لحرقها والتدفئة عليها، حتى أثاث البيوت التي كسرها أصحابها ليطبخوا عليها ويتدفئوا الآن نفذت.

بالنسبة لي شخصياً كل مافي حياتي متوقف بفترة الحصار، حيث أنني أعتبر نفسي قطعة جماد لاتشعر لاتفكر لاتنمو ولا تكبر أو  تصغر، ليس هناك أي جديد أو تطور على المستوى الفكري، أشعر بأن قدراتي العقلية تتناقص وتتراجع، كل شيء تعلمته أنساه، أعتقد بأن 10 حيوات من الحياة التي عشتها لا تعوضني عما فاتني.

نحن وصلنا لمرحلة أصبحنا نطالب النظام والحزب بتهجيرنا من أرضنا للأسف، وحتى بذلك الخيار ليس هناك أي استجابة.

وصلنا لمرحلة نريد أن ننهي مأساتنا كيف وبأي طريقة لم يعد يهمنا، الأهالي هنا في مضايا أكثر ما يهمهم هو أن ينتهي هذا الوضع المقيت من الحصار والخناق المطبق، لا طعام ولا أدوية مع انتشار الأمراض اليومية وإصابات القناصة، بأي طريقة كانت.

طرح منذ فترة موضوع خروجنا بأن يخرج المطلوبون للنظام ويقوم النظام بتسوية ومصالحة لمن سيتبقى في مضايا وستكون الأولى من نوعها في سوريا وبضمانات النظام نفسه ولها اعتبارات تختلف عن باقي المناطق، بخروج كامل أهالي مضايا إلى إدلب وجلب أهالي كفريا والفوعة إلى هنا ولكن جيش الفتح لم يرد على هذا المقترح.

العقبة الوحيدة أمامنا هي كيفية الخروج مع ارتباطنا باتفاقية البلدات الأربعة، وإن قمت باستطلاع رأي في الشارع ترين أن 100% من الأهالي مع الخروج من مضايا والخلاص من هذا الوضع، وأنا منهم. (سوريا على طول قابلت خمسة من أهالي مضايا حول مدى استعدادهم لمغادرة البلدة. وتراوحت الأراء مابين قبول مكره وما بين الرفض القاطع).

منذ أكثر من سنة و4 شهور وهم يقصفوننا متى شاؤوا، وإن حصلت مشكلة بين زوج وزوجته في إدلب أو بنش يُطلق الرصاص على الفوعة وكفريا، نحن في مضايا مجبرون ومضطرون على تحمل خطئه، فبسبب حماقات البعض للأسف من جميع الأطراف سواء في جيش الفتح أو النظام والحزب تنهال علينا القذائف ويبدأ القصف ولا تستطيع الرد فإن رددنا برصاصة سينهال علينا وابل من القذائف والرصاص أضعافا مضاعفة.

كان من المفترض أن أتخرج من كلية طب الأسنان منذ 3 سنوات وأعيش حياتي الطبيعية وأفتح عيادة كأي طبيب، ولكني في الوقت الحالي للأسف أتعرض لمواقف حرجة جداً، أرواح أشخاص تكون مرهونة بين يدي لعدم توفر أطباء مختصين وهذا ما يرمي مسؤولية كبيرة عليّ، حيث أنه يمكن بأي غلطة صغيرة أن نفقد المريض، خصوصاً أنه لم نستطع أن نقدم له ما يلزم بالشكل المثالي ليبقى على قيد الحياة، وهذا ما يجعلني دائم التفكير والشعور بتأنيب الضمير ولكن ليس بيدنا حيلة.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال