7 دقائق قراءة

رسوم على أنقاض واحدة من أكثر المدن تعرضا للقصف: هناك دوما شيء جميل رغم الألم

ذات يوم وحين هدأت خطى القصف، راودته فكرة جميلة، حين […]


17 أغسطس 2016

ذات يوم وحين هدأت خطى القصف، راودته فكرة جميلة، حين عثر على اللون والفرشاة، راح أبو مالك الشامي يقلب بصره بين الأنقاض بحثاًعن سطح نظيف في أكثر مدن سوريا قصفاً.

استخدم أسقف المنازل المقصوفة والمنهارة بشكل مائل كلوحات ليرسمها، ليكون من الممكن مشاهدتها من الأرض أو من الأعلى، ولتكون رسالة للعالم بـ”أننا نستطيع أن نجعل من أثر الحرب والدمار شيء جميل”، وفق ما قال الشامي لحسام الدين، مراسل في سوريا على طول.

والشامي، وعمره 22عاماً جاء من دمشق لداريا، قبل ثلاث سنوات ليدافع عن المدينة ويقاتل مع الجيش الحر. وبدأ الرسم على الجدران في عام 2015.

وقال الشامي “في البداية كنت خائفا من ردة فعل الناس من الرسم على جدران منازلهم المدمرة، الموضوع عاطفي نوعا ما، فالناس هنا فقدوا كل شيء تقريباً وارتباطهم ببيوتهم قوي جداً”.

وأضاف “بعد رسمتي الأولى على جدران داريا، لاحظت كمية الفرح والتفاؤل التي زرعتها هذه الجداريات على وجوه المحاصرين”، موضحا “ذلك أشعرني بقيمة العمل الذي قمت به وأثره الإيجابي”.

وداريا، واحدة من المدن السورية الأولى التي انتفضت بوجه النظام في عام2011، والتي اشتهرت بأن متظاهريها رفعوا ورود الجوري الحمراء والبيضاء والزهرية  للموت، وقدموا عبوات المياه ليسقوا الجنود المتمركزين فيها، هي مهمة كرمز للمعارضة، ومهمة استراتيجياً للنظام، كونها مجاورة لعدد من المنشآت العسكرية الرئيسية في جنوب غرب دمشق.

وطوقت قوات النظام داريا عام 2012 وحاصرتها وهي تحاول السيطرة عليها منذ ذلك الحين. وتحت مطر البراميل اليومية، يمضي الأهالي أيامهم في الأقبية تحت الأرض، إذ أن منازلهم لم تعد سوى أكوام أنقاض فوق رؤوسهم.

ولأبي مالك 32 جدارية مبعثرة ومرتمية بين ركام داريا، كواحات من الجمال واللون في الأرض اليباب. ورسمه في قرارة نفسه سياسياً، مستوحى من تجربته كمقاتل وفنان، وكواحد من أهالي داريا في حصارها وقصفها.
وكانت بعض جداريته رثاءً لمن استشهد من أصدقائه، فيما يحاور بعضها الآخر مواضيعاً أكثر  عالمية. في واحدة منها رسم أثاث المنزل بساعته ومزهريته على حطام منزل كظلال وصدى لحيوية الحياة الطبيعية وكناية عن البقاء والخلود. وفي آخرى، يصور فتاة بمقتبل العمر تصعد على جبل من الخوذ العسكري والجماجم لترسم كلمة “الأمل”.

ويقول الشامي “ولها دلالة أن هناك دوماَ شيء جميل ينتظرنا مع كل الألم الذي نتعرض له”.

سوريا الأم، كل عام وأنت بخير أمي، في عيد الأم. حقوق نشر الصورة: لـ أبو مالك الشامي

متى بدأت الرسم على حيطان المدينة ومن أين استوحيت الفكرة؟

عرفت في الثورة باسم أبو مالك الشامي، عمري 22 سنة، ودخلت إلى داريا في بداية عام 2013 لأشارك في الدفاع عن المدينة وأكون ضمن صفوف الجيش الحر فيها، كنت قبلها مشاركاً في الحراك المدني السلمي في حي كفرسوسة في دمشق. كان عملي هو كتابة اللافتات والرسم على الجدران فيها. هوايتي الرسم منذ الصغر ولذلك وظفت هذه الموهبة في خدمة القضية التي أعمل من أجلها.

عندما دخلت إلى داريا كنت غريباً عن الموجودين فيها لم يكن لدي أي علاقات أو أصدقاء فيها، بدأت بالعمل مع الجيش الحر في المدينة، بعد أشهر من بدء المعركة أصبحت وتيرة الاشتباكات أقل وصار لدينا وقت إضافي للعودة للحياة الاجتماعية والعمل السلمي مرة أخرى. عدت للرسم على جدران النقطة التي أقضي أيامي بها أزينها بالرسوم، وأكتب بعض العبارات التي تدعو للتفاؤل أو رثاء لأحد رفاقي الذين استشهدوا.

وذات يوم زارني الإعلامي أمجد معضماني في النقطة التي أعمل بها وشاهد الرسومات الموجودة على الحيطان، أخبرني عندها أنه يفكر في استخدام هذه الموهبة لنزين  شوارع المدينة التي ملأها الدمار، أعجبتني الفكرة واتفقنا على موعد لنحدد به خطوات بدء العمل، كان اقتراحي أن استخدم السقوف المهدومة بشكل مائل ليكون من الممكن مشاهدتها من الأرض أو من الأعلى ولتكون رسالة للعالم بأننا نستطيع أن نجعل من أثر الحرب والدمار شيء جميل.

في البداية كنت خائفا من ردة فعل الناس من الرسم على جدران منازلهم المدمرة، الموضوع عاطفي نوعا ما؛ فالناس هنا فقدوا كل شيء تقريبا وارتباطهم ببيوتهم قوي جدا، لذلك عندما بدأت الرسم تقصدت أن تكون البداية على جدران غير ظاهرة، ولكن عندما نشرت أول جدارية لاقت صدى جيد جداً داخل المدينة وخارجها، وصارت الناس تسأل عن من يقوم برسم هذه الجداريات، وتقديم الافكار والنصائح وأماكن جيدة لأرسمها، ونقد لتصبح اللوحات أجمل وأكثر اكتمالاً. الأمر الذي أعطاني دافعا كبيرا لإكمال العمل ورسم لوحات جديدة مستفيداً من نصائح الناس وملاحظاتها، وتواصل معي عدد من الرساميين المشهورين في سورية والوطن العربي وأعطوني نصائح وأفكار جديدة لأرسمها وقدموا لي بعض النصائح التقنية واللمسات الإحترافية للرسم على الجدران.

بأي حال عدت ياعيد؟!

ما الذي يجعلك تستمر في الرسم على الجدران بعد أربع سنوات من الحرب؟

اعطاني الله موهبة جيدة، واعتبر أن كل شيء ممكن أن يخدم قضيتنا هو واجب على من يملك القدرة، وبعد أول رسمة على جدران المدينة لاحظت كمية الفرح والتفاؤل الذي زرعته هذه الجداريات على وجوه المحاصرين. أصبحت الجدارية الأولى مكان للزيارة وأخد الصور التذكارية بجانبها، وذلك أشعرني بقيمة العمل الذي قمت به وأثره الإيجابي.

أصبت في إحدى المعارك في عام 2015، واضطررت للجلوس لمدة خمسة أشهر، كانت مدة طويلة، وعدت بعدها للرسم. استشهد شريكي مجد بعد إصابتي بفترة بسيطة، كان يقول لي في آخر حديث دار بيننا بأنه يجب علي أن أجد من يساعدني وأكمل الرسم وحتى لو لم أجد من يقوم بمساعدتي قال لي أن الرسومات لها أثر إيجابي كبير، بدت وكأنها وصيته الأخيرة وكانت أول جدارية لي بعد الإصابة تخليدا لذكرى مجد الذي كان يعتبر أيقونة في توثيق سقوط البراميل في سورية عموماً.

لدي إيمان كامل بأن هذه رسالة يجب أن أستمر بإرسالها طالما لدي القدرة.

كم عدد الجداريات التي قمت برسمها منذ البدء حتى الآن؟

بلغ عدد الجداريات 32 جدارية منتشرة في أنحاء المدينة، بعضها ما يزال محافظاً على الالوان والخطوط وبعضها فقد الكثير من التفاصيل بسبب القصف المستمر على المدينة، عشرة من هذه اللوحات أنهيتها بعد التعافي من الإصابة.

عنصر من تنظيم الدولة، مقاتل من الجيش الحر، جندي نظامي يصوبون بندقياتهم على فتاة تعزف الكمان

ما هي مراحل تنفيذ اللوحات وما هي الادوات التي تستخدمها؟

في البداية نقوم بتحديد فكرة الجدارية وتخيل التصميم المبدئي ومناقشته مع الناس من حولي، ثم أقوم برسم نموذج صغير على الورق، بعدها أبحث عن الحائط الذي من الممكن أن يلائم الرسمة وأقوم بتنظيفة من الغبار والردم وأقوم برسمها بالفحم أو الطبشور لأستطيع تصحيحه إذا حدث أي خطأ.

“لا يهمني متى وكيف أموت، ما يهمني أن يبقى الثائرون بصراخهم يملؤون الأرض ضجيجاً حتى لا يبقى الظلم قائماً فوق أجساد الفقراء والمساكين”

عندما أجد أن الرسم صحيح ومناسب أرسم الخطوط الرئيسية باللون الاسود، ثم أتابع الرسم باستخدام الالوان الزيتية مع البنزين لتحافظ اللوحة على ألوانها وتبقى مقاومة للظروف البيئة والمناخية وتبقى لأطول فترة ممكنة، يستمر العمل على كل جدارية ساعتين لمدة يومين أو اكثر حسب حجم اللوحة وتعقيد الألوان فيها.

ما هي الصعوبات التي من الممكن أن تواجه رسام في منطقة محاصرة؟

الرسم على الحيطان أو الرسم بهذه الطريقة التي تحمل رسالة سياسية او اجتماعية كان جريمة قبل الثورة من الممكن أن أقضي بها باقي حياتي في سجون النظام.

أما في واقع الحصار يمكننا أن نلخص الصعوبات بوضع الحصار نفسه، حيث أنك لا تملك الأدوات بشكل دائم كالألوان او الريشة، وتضطر للبحث عن بدائل تكون أقل فعالية، إضافة الى أنني لست متفرغا تماماً للرسم فلدي مسؤوليات أخرى في المدينة، وعدم وجود خبرات أكاديمية من الممكن أن تطور عملي وتعطيني خبرة التقنية الكافية للوصول إلى الاحتراف.

حلب تحترق

هل من الممكن أن تختار لنا إحدى رسوماتك وتشرح عنها؟

الرسمة التي اطلقت عليها اسم (Hope) كانت أول الرسومات التي أخذت صدى كبيرا، وهي تظهر فتاة صغيرة تقف على تلة من الخوذ العسكرية وتكتب كلمة الأمل، ولها دلالة أن هناك دوماَ شيء جميل ينتظرنا مع كل الألم الذي نتعرض له.

الرسم الذي لاقى انتشارا كبيراً خارج سورية كان أثاث لبيت فارغ ومهدم الجدران كناية عن التعلق بالوطن والمنزل وإن كان مخرباً.

والرسم الأبرز كان هو رسائل لمقاتلين، يظهر جندياً يمسك بندقيته ويجلس أمام فتاة صغيرة تقوم بتعليمه، وتلخصت هذه الرسمة في ثلاث أفكار: أولها كن رحيما واستخدم قلبك، والثانية استخدم عقلك، والثالثة لا تكن بيدقا.

استخدم قلبك

استخدم عقلك

“لا تكن بيدقا”

لاتكن بيدقاً ….وطالتها غارة جوية أخرى

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال