5 دقائق قراءة

سائق حافلة من اللاذقية يضطر لقيادة حافلات الإجلاء تنفيذاً “للواجب الوطني”

يتنقل جعفر، سائق الحافلة البالغ من العمر ٤٠ عاماً من […]


يتنقل جعفر، سائق الحافلة البالغ من العمر ٤٠ عاماً من محافظة اللاذقية في الساحل السوري الخاضع لسيطرة الحكومة، عبر مناطق سوريا خلف مقود الحافلة التي يملكها منذ قرابة ١٠ سنوات.

في أيام عمله المعتادة، ينتظر جعفر، وهو أب لأربعة أطفال، الركاب في محطة مدينة اللاذقية- المدينة التي نجت إلى حد كبير من أعمال العنف والقتال التي شهدتها أجزاء أخرى من سوريا- ثم يغادر إلى المناطق المجاورة على طول الساحل أو إلى المدن الرئيسية التي تسيطر عليها الحكومة كحمص ودمشق، وفي بعض الأحيان إلى لبنان.

لكن في أحد أيام كانون الأول عام ٢٠١٦، تلقى جعفر طلبا للقيام برحلة غير اعتيادية رمت به مباشرة في قلب الحرب السورية. لم يكن الطلب من أحد الركاب الذين اعتاد نقلهم، بل هذه المرة من ضباط شرطة المرور، الذين حضروا إلى المحطة دون سابق إنذار.

ويتذكر جعفر ما قالوه له في المحطة “اخترنا حافلتك لتساعدنا في نقل الإرهابيين… وهذا واجبك تجاه بلدك”.

وبعد ذلك، أخذت الشرطة هويته، وملأت خزان وقود حافلته وأرسلته إلى الشمال، إلى حلب الشرقية، التي تسيطر عليها المعارضة، حيث شارك في إجلاء آلاف المدنيين والمقاتلين بعد نهاية معركة طويلة دامت سنوات في ثاني المدن الرئيسية في سوريا.  

كانت الرحلة غير المتوقعة هي الأولى ضمن ست رحلات مماثلة، حيث أكد جعفر أنه اضطر إلى الانضمام إلى قوافل حافلات الإجلاء التي كانت تنقل السكان من المناطق المحاصرة سابقًا من حمص والغوطة الشرقية وجنوب دمشق إلى معاقل المعارضة في شمال غربي البلاد.

يقول جعفر، الذي طلب استخدام اسم مستعار خوفاً من تداعيات التحدث إلى وسائل الإعلام، إنه ليس الوحيد. حيث اختارت الشرطة السائقين عشوائياً للمشاركة في عمليات الإجلاء الأخيرة، ولم يتم تعويضه هو والآخرين لقاء عملهم هذا أو لقاء أي أضرار قد تحدث في الطريق.

وتحدثت سوريا على طول مع سائق ثانٍ في اللاذقية الذي أثبت قصة جعفر، ولكن لم تستطيع سوريا على طول التحقق من ادعاءات السائقين بشكل مستقل، ولم تُجب وزارة الداخلية السورية على طلب التعليق حول الموضوع في وقت النشر.

وقال جعفر لمراسل سوريا على طول أديب منصور “لا أريد التورط بمثل هذه الأمور”. وكان منصور الذي يعيش في ريف حلب الواقع تحت سيطرة المعارضة، قد إلتقى جعفراً في وقت سابق من هذا الشهر عندما وصل إلى ريف حلب أثناء عملية نقل الأهالي الذين تم إجلاؤهم من جنوب دمشق.

ومع استعادة الحكومة مؤخراً المناطق المحاصرة التي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة، يبقى الدور المستقبلي لعمليات الإجلاء، من قبل سائقين مثل جعفر، غير واضحاً.

ويخشى جعفر من أن يكون مكرهاً على القيام برحلات أخرى، حيث أنه لا يجرؤ على معارضة سلطات الدولة.

وقال “نحن مجبرون ولا حول لنا ولا قوة “.

سائقوا الحافلات يستريحون في كبائن الأمتعة في الحافلات أثناء إجلاء سكان الغوطة الشرقية في نيسان. تصوير لؤي بشارة.

ما الذي حدث في المرة الأولى التي طُلب منك فيها إجلاء الأهالي؟ هل فسرت الشرطة سبب وجوب قيامك بهذا العمل؟

عندما جاءت الشرطة للمرة الأولى في أواخر عام 2016، قالوا لي “اخترنا حافلتك لمساعدتنا على نقل الإرهابيين من حلب وهذا واجبك تجاه بلدك وطلبوا مني أوراق الحافلة وهويتي وقالوا “هذه الأوراق ستبقى معنا حتى تعود”.

لا أحد يستطيع أن يقول شيئاً أو أن يعارض الشرطة، لأن مصير المعترض معروفًا، خصوصاً إذا لم يكن لديه واسطة، كما تقول الجملة المشهورة في القانون العسكري “نفذ ثم اعترض”.

وبالطبع أنا لا أريد أن أشارك بهذه الأمور، ولا أريد أن أن أكون مع أي طرف في الحرب، ولا أن أعرض حياتي للخطر من أجل الدفاع عن شخص ما أو عن شيء غير مقتنع به.

هم يجبروننا على عملية النقل رغماً عنا.

بحسب خبرتك هل تختار الشرطة سائقين معينين للقيام بهذه العمليات، أم أن الاختيار عشوائي؟ هل يقدم لكم النظام أي ضمانات للحفاظ على سلامتكم؟

يتم الاختيار بشكل عشوائي، ويجبرون الجميع على نقل الأهالي، ما لم يكن لدى السائق واسطة قوية تساعده على التهرب من المهمة.

لا أحد يقدم لنا ضمانات، على الرغم من أننا معرضين للموت والخطر من جميع الأطراف وفي كل مكان، لكن مجبرين ولا حول لنا ولا قوة.

كل ما تقوم به الشرطة هو تعبئة الباص بالمازوت أو البنزين، ثم مصادرة ثبوتيات الباص والهوية الشخصية لكل سائق، ولا يتم تعويض السائق بأي شيء حتى لو تعرض لضرر ما، كما لا يتم دفع أجور للسائقين وهذا ما يجعل غالبية السائقين غير راغبين بالمشاركة.

وإذا احتاج السائق لكمية أخرى من المازوت أو البنزين، فعليه أن يشتري من ماله الخاص، لأنه نريد العودة إلى بيته وأهله.

خلال عمليات الإجلاء، هل دار أي حديث بينك وبين الركاب؟ كيف كان الوضع بشكل عام في الحافلة؟

طبعاً يكون بيننا تعامل بسيط وبشكل طبيعي، مع بعض الحذر، في النهاية هم سوريون ومدنيون ويعرفون أن أغلبنا مجبورون على ذلك.

غالبا يكون معي بعض الطعام في الباص أو الحلويات وأعطي منها للأطفال لأنني أعلم أنهم كانوا محاصرين ومتشوقين ليأكلوا أشياء حُرموا منها طويلاً، كنت أفرح عندما أرى الفرحة والبسمة في وجوههم. أحيانا يأتي بعض الشباب الذين يريدون التدخين وأعطيهم السجائر إذا كنت أحمل بعضا منها.

ماهي الصعوبات التي تواجهها أثناء الإجلاء، وهل يمكنك أن تذكر لنا حادثة تعرضت لها على الطريق وبقيت في ذهنك؟

معاناتنا كبيرة وهناك خوف دائم وتململ واستياء عند السماع بحدوث أي تسوية بين الحكومة والمعارضة، فهذا يعني بأن عمليات نقل جديدة على الأبواب.

أخطر الصعوبات التي قد أتعرض لها هي الموت بسبب ردة فعل انتقامية من أي طرف، لا سيما أن هذه الحوادث تكررت أكثر من مرة عند مرور قافلة الباصات في مناطق سيطرة الحكومة السورية والمؤيدين وبعضها تعرض لإطلاق نار.

وحدثت معي أنا شخصياً عندما كنا ننقل الناس من الغوطة، وتعرضت الباصات إلى رمي بالحجارة وتم تكسير واجهة باصي من قبل المؤيدين في قرى سهل الغاب ونحن في طريقنا إلى الريف الشمالي. تضرر باصي ومع ذلك لم يتم تعويضي بشيء وتكفلت بكامل التكاليف من جيبي الخاص.

إضافة الى ذلك، القصف الذي قد نتعرض له عند دخول مناطق المعارضة، وتغيير مسار الباصات أو منع دخولها مما يطيل المدة.

 

Embed from Getty Images


سائقي الحافلات يتناولون الطعام أثناء انتظارهم عمليات الإجلاء من الغوطة الشرقية في نيسان. تصوير: لؤي بشارة.

من بين جميع الرحلات التي قمت بها، أيها كانت الأكثر صعوبة؟

جميع الرحلات بشكل عام كانت صعبة، لكن الرحلة الأخيرة من الحجر الأسود في جنوب دمشق كانت الأصعب لأننا انتظرنا وقتا طويلا قبل انطلاق الباصات باتجاه الشمال السوري. وعندما وصلنا منطقة قريبة من مدينة الباب بقينا هناك أكثر من 48 ساعة ونحن بانتظار الموافقة من الجانب التركي للدخول.

كل هذا ونحن منقطعون عن عملنا الأساسي ونخسر أجورنا عن كل يوم يمر، ولدي أطفال وعائلة وعليّ إعالتها.

هل فكرت بترك عملك لتجنب القيام بهذه الرحلات؟

فكرت كثيرا أن أعمل بمهنة ثانية وأبيع الباص، لكن هذه الخطوة تحتاج دراسة وجرأة خصوصاً أن الوضع المادي صعب، والحصول على عمل جديد أيضا صعب للغاية، وهذا التغيير قد يكلفني وقتاً، فكيف سأصرف على نفسي وعلى عائلتي خلال هذه المدة؟.

فكرت بالانقطاع عن العمل في أوقات عمليات النقل و أركن الباص في مكان ما بعيدا عن الأنظار، لكن هذه الفكرة لم تنفع أيضاً، لأنني خفت أن أتعرض للاستجواب إذا ما تمت ملاحظة الأمر من قبل أي مخبر أو من قبل الأمن. عندها سيتم تفسير الأمر بأنني أتهرب أو غير راض عن عمل الحكومة.

متى تتوقع أن تكون هناك رحلة جديدة؟

صراحة لا أعلم كل شيء ممكن، لكن أتمنى ألا يكون هناك رحلة جديدة.

 

شارك هذا المقال