3 دقائق قراءة

سر انعقاد “أستانة 15” بعد موت سريري لثلاثة عشر شهراً

إن سرّ إحياء مسار أستانة "الميت سريرياً"، على حد تعبير د. رضوان زيادة، هو أن يكون "رسالة من موسكو إلى واشنطن التي أعلنت عدم حضورها كمراقب، بأنها [أي موسكو] تمتلك أوراقاً في الملف السوري".


17 فبراير 2021

عمان- بعيداً عن مناطق شمال غرب سوريا المنكوب سكانها البالغ عددهم حوالي أربعة ملايين إنسان، نصفهم نازحون يتوزع أغلبهم على مخيمات بين مدن وبلدات آخر منطقة للمعارضة السورية، اختتمت اليوم في مدينة سوتشي الروسية، الجولة الخامسة عشرة من مباحثات أستانة التي انطلقت أولى جولاتها في العاصمة الكازاخستانية في كانون الثاني/يناير 2017.

في الجولة الأخيرة التي استمرت ليومين، ناقشت من تسمى الدول الضامنة؛ تركيا وروسيا وإيران، تمديد وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، استناداً إلى الاتفاق الذي كان قد دخل حيز النفاذ في منتصف آذار/ مارس 2020 بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. ولم تأتِ الدول الضامنة في بيانها الختامي، اليوم الأربعاء، بجديد، إذ شددت أنقرة وموسكو وطهران على مواصلة جميع الاتفاقات المتعلقة بالتهدئة في شمال غرب سوريا، كما أكدت عزمها على محاربة الإرهاب ومواجهة الأجندات الانفصالية. علماً أن المنطقة المشمولة بالاتفاق شهدت منذ مطلع العام الحالي فقط 289 خرقاً من قوات نظام الأسد والمليشيات المساندة لها، كما الطيران الحربي الروسي، بحسب ما جاء في بيان فريق “منسقو استجابة سوريا”، نشر في الرابع من شباط/فبراير الحالي.

انعقاد “أستانة 15” جاء بعد توقف امتد ثلاثة عشر شهراً. إذ انعقدت الجولة 14 من المباحثات في كانون الأول/ديسمبر 2019، عقب عملية “نبع السلام” العسكرية التي أطلقتها تركيا بمشاركة الجيش الوطني السوري (المعارض)، ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، وانتهت باتفاق تركي-روسي سمح للقوات الروسية تسيير دورياتها في المنطقة.

لكن “فشل مسار أستانة في الالتزام بما اتفق عليه جعله من دون قيمة”، بحسب د. رضوان زيادة، المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في العاصمة الأميركية واشنطن. ففي “أستانة 4″، التي عقدت في أيار/مايو 2017، اتفق “الضامنون” على إنشاء ثلاث مناطق خفض تصعيد، تشمل كلاً من إدلب والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، تبع ذلك اتفاق روسي-أميركي مستقل، في تموز/ يوليو من العام ذاته، على إنشاء منطقة خفض تصعيد رابعة جنوب سوريا. لكن بعد أكثر من ثلاث سنوات على العمل بمناطق “خفض التصعيد” سيطر النظام السوري على ثلاث منها، وما يزال يسجل خروقات في المنطقة الأخيرة التي تضم إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية، وقد سيطر على أجزاء واسعة منها.

وكانت دمشق وموسكو تسعيان للسيطرة على إدلب، كما أضاف د. زيادة لـ”سوريا على طول”، “ولم يوقفهما سوى جدية تركيا في التدخل عسكرياً وحماية المناطق التي تحتفظ بتأثير كبير عليها”.

سرّ عودة أستانة

جاءت عودة مباحثات أستانة غداة انتهاء مناقشات الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية -التي تمثل إحدى مخرجات تلك المباحثات- من دون تحقيق أي نتائج، أسوة بجولات المفاوضات الأربع الأخرى.

لذلك، فإن انعقاد الجولة الخامسة عشرة من مباحثات أستانة “مقرون بانسداد أفق مسار الإصلاح الدستوري”، وتهدف إلى “دفع التسوية إلى الأمام، والحفاظ على دور الدول الضامنة في توجيه العملية السياسية السورية والتأثير عليها”، برأي محمد سرميني، مدير مركز جسور للدراسات في تركيا. لافتاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “انعقاد الجولة 14 من مباحثات أستانة اقترن مع انطلاق أعمال الجولة الأولى للجنة الدستورية”.

وفي تصريح لوسائل الإعلام، عبر رئيس وفد المعارضة إلى جولة أستانة الأخيرة، د. أحمد طعمة، عن وجود “بعض الآمال أن شيئاً ما سوف يتحقق خصوصاً في ظل النقطة الأساسية التي سيتم طرحها في الاجتماع وهو السعي لإنقاذ اللجنة الدستورية”، معتبراً أنه بفضل مسار أستانة “خطوط التماس بين قوات النظام والجيش الحر تقريباً قد وصلت إلى حدودها النهائية”.

لكن البيان الختامي للجولة الأخيرة يشير إلى أنه لن يحدث أي تغيير على العملية السياسية والعسكرية في سوريا، إضافة إلى أن وفد المعارضة في “أستانة 15″، الذي يرأسه طعمة؛ الرئيس السابق للحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، يشاركون في المباحثات “بصفتهم الشخصية، ولا يمثلون الائتلاف ولا المعارضة ولا حتى الثورة السورية”، كما نبه  أيمن عبد النور، مدير منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”. معتبراً في تصريح لـ”سوريا على طول” أن “هذا الوفد لا وزن له، ولا يمكنه التأثير أو حتى تغيير كلمة واحدة في المناقشات الجارية أو في البيان الختامي”، بحيث لا يعدون “واجهة تشارك لتبرير ما يجري فقط”.

أيضاً بحسب سرميني، فإن “روسيا لا تريد من اللجنة الدستورية تحقيق تقدم يؤدي إلى تقويض سلطة النظام السوري، فيما تشجع تركيا حصول ذلك من دون تمسك كبير قد يؤول إلى انهيار أستانة”. لذلك، فإن أنقرة “مع تحقيق مكاسب من استمرار دورها في التأثير على العملية السياسية، فإنها غير مستعجلة على النتائج. على ألا يؤثر ذلك على جهودها في إقامة منطقة آمنة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا”، وفق سرميني.

بالنتيجة، فإن سرّ إحياء مسار أستانة “الميت سريرياً”، على حد تعبير زيادة”، هو أن يكون “رسالة من موسكو إلى واشنطن التي أعلنت عدم حضورها كمراقب، بأنها [موسكو] تمتلك أوراقاً في الملف السوري”.

فيما يلي تسلسل زمني لمباحثات أستانة منذ انعقاد الجولة الأولى في 23 كانون الثاني/يناير 2017:

شارك هذا المقال